Tarihin Misra a zamanin Khidiwi Ismail
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
Nau'ikan
فالأفاقون الذين احتاطوا بالأمير المحتضر، أيام كانت زهرة حياته وصولته يانعة، فأثروا من إسرافه واعتزوا من هواه، كانوا ينظرون إلى دخوله في حشرجة الموت، وقلوبهم شاعرة بأن انقلاب ظهر المجن لهم بات قريبا، وأن الأوان آن ليقتلعوا خيامهم من الأرض المصرية ويقصدوا أقطارا غيرها.
والبطانة التي لم تحط به إلا لأنه الأمير والحاكم وولي النعم، ما رأته يحتضر وتأكدت من أنه، لا محالة، ميت إلا وولت وجهها شطر الشمس المنتظر شروقها؛ لأنها شمس من سيصبح الأمير والحاكم وولي النعم.
والذين أحاطوا بمحمد سعيد باشا، ليرتكنوا عليه في أعمال نافعة أقدموا عليها، ومشروعات جليلة أخرجوا بعضها إلى حيز الوجود، وتعلقت آمالهم في إخراج الباقي منها، إلى الحيز عينه، بحياة الرجل المائت، إنما كانوا ينظرون إلى زواله، وقلوبهم واجفة، وآمالهم مضطربة، لا يدرون ما المصير.
والشعب المصري، الذي رأى من الوالي المولى حبا خاصا له، واعتناء كبيرا بمصالحه، ورغبة حقيقية في تحسين أحواله؛ وتخفيف أثقاله؛ ورأى منه إقبالا على إحياء اللغة العربية وإحلالها في دوائر الحكومة محلا رسميا؛ والجيش المصري الذي كان محط انتباهه ومعزته، ووجد نعيم الحياة تحت لباس جنديته، كانا ينظران من بعيد إلى تصاعد أواخر أنفاس الأمير المحتضر، والقلب حزين مكتئب، والنفس ضارعة إلى الله أن يحذو الخلف حذو السلف؛ وأن تكون الأيام التالية ظهر الخير، إذا صح اعتبار الأيام المتصرمة فجره.
وأما الرجال المحافظون المتمسكون بالتقاليد العباسية، الراغبون عن كل عين تتفجر في مصر للمدنية الغربية، وعن كل طريق يمهد لها؛ الناقمون على محمد سعيد باشا تركه سياسة سلفه، للسير في خطوات (محمد علي) أبيه العظيم، فإنهم كانوا ينظرون إلى احتضار ذلك الأمير، نظرة القليل الصبر، ويرقبون عن كثب، ساعة لفظه نفسه الأخير، معللين الأنفس بعود العهد القديم إلى البزوغ من وراء سرير موته؛ لاعتقادهم أن مذهب الخلف مذهبهم، وأن (إسماعيل) يكره ما يكرهون ويحب ما يحبون.
وأما (إسماعيل) نفسه، فإنه منذ تأكد أن رقدة عمه لرقدة لا يعقبها قيام؛ وأن الموت بات محتما، بالرغم من أن شجرة العمر لم تثقلها السنون، ساورته الانفعالات الطبيعية التي تساور كل إنسان في مركزه، وأخذ ينتظر وهو في القاهرة، أن ترد عليه الأنباء المبشرة بارتقائه سدة جده. الباشا العظيم!
وكانت قد جرت العادة أن ينعم بلقب (بك) على أول من يحمل إلى الوالي الجديد خبر صيرورة العرش المصري إليه؛ وأن ينعم عليه بالباشوية إذا كان بيكا.
فلم يغادر (بسي بك) مدير المخابرات التلغرافية، عدته، ثمان وأربعين ساعة؛ لكي يكون أول المبشرين، فيصبح باشا؛ ولكن النعاس غلبه في نهاية الأمر؛ فاستدعى أحد صغار موظفي مصلحته؛ وأمره بالقيام بجانب العدة، ريثما يذهب، هو، إلى مخدعه وينام قليلا؛ وبالإسراع إلى إيقاظه حال ورود إشارة برقية من الإسكندرية تنبئ بانتقال محمد سعيد باشا إلى دار البقاء، ووعده بجائزة، قدرها خمسمائة فرنك مقابل ذلك، ثم ذهب إلى مخدعه، ونام على سريره وهو بلباس العمل.
ولم يكن الموظف الصغير الذي أنابه عنه، يجهل عادة الإنعام التي ذكرناها - فلما انتصف الليل بين اليوم السابع عشر واليوم الثامن عشر من شهر يناير سنة 1863، وردت من الإسكندرية الإشارة البرقية المنتظرة بفارغ الصبر، فتلقاها ذلك الموظف الصغير وأسرع بها إلى سراي الأمير (إسماعيل) وطلب المثول بين يديه.
وكان (إسماعيل) لا يزال جالسا في قاعة استقباله، سهران، يحيط به رجاله وتسامره هواجسه.
Shafi da ba'a sani ba