Tarihin Misra a zamanin Khidiwi Ismail
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
Nau'ikan
هذا كان بدءا يبشر بخير نجاح، ولولا أنه علم أن معظم موردي ذلك المبلغ الضخم إنما هم كبار المزارعين والباشوات - لتحرر لهم وتسلم إليهم بسرعة حجج أملاكهم الجديدة، وهؤلاء إرضاء للخديو مولاهم - لأمكن بناء التفاؤل بنجاح المشروع نجاحا تاما على أسس متينة لا تتزعزع، ولكن الصعوبة كانت كلها في تحصيل الضرائب المضاعفة من صغار الملاك والمزارعين، وفي مقدرة هؤلاء على دفعها.
مهما يكن من الأمر فإن ذلك المبلغ كان كافيا لمشتري نصف الدين السائر تقريبا، وسداد استحقاقاته لغاية أبريل سنة 1872.
فعم الفرح دوائر الحكومة والقصور الخديوية والوزيرية، وأمكن القيام بالحفلات، والأعياد الشتائية المعتادة في سنة 1871، بأبهة وبهجة وبذخ فاقت مظاهره مظاهر كل ما رؤي من نوعها في السنوات الماضية، وافتخرت الأوپرا الخديوية والمسارح الأخرى، والهپودروم بحور وغادات، كأنها النجوم المتلألئة، شعت شعاعا غير معهود أخذ بمجامع الأبصار والقلوب والجيوب، فجرى الذهب من المالية وعابدين، كأن نهر الپكتول - نهر ليديا الذهبي الذي أثرى منه قارون ملكها - هو الجاري بالقرب منهما - لا نهر النيل - ولو أن النيل في يد حكم حكيم خير من ألف پكتول.
فنجم عن ذلك أن وزير المالية بالرغم من أنه تعهد تعهدا صريحا نشرته «الوقائع الرسمية» الصادرة في 13 أكتوبر من ذلك العام بأن لا يصدر إفادات مالية جديدة، تذرع بحرفية نص المادة التاسعة والعشرين من قانون «المقابلة» القاضية بأن إصدار الإفادات المالية يحظر عليه بعد الحصول على جميع المبالغ المطلوبة، لكي يبرر أولا في بحر شهر أكتوبر، ذلك عينه، إصدارين بلغ مجموعهما مليونين ونصفا من الجنيهات، بحجة أنه لم يرد بعد إلى الخزينة إلا قليل من الأموال المطلوبة، ثم في يناير ومارس ويونية من سنة 1872 إصدارات أخرى بلغ مقدار واحد منها فقط خمسة ملايين من الجنيهات، بحجة أنه لم ترد بعد إلى الخزينة جميع الأموال المطلوبة.
فاستدان بذلك ما بين 30 سبتمبر سنة 1871 وأول يولية سنة 1872، أي في ظرف تسعة أشهر فقط اثني عشر مليونا من الجنيهات الإنجليزية!
وليت الاستدانة كانت بإفادات مالية من نوع سابقاتها، فقد كان الشريكون أهون، لأن المشترط في الإفادات المالية السابقة كانت أن تدفع قيمتها بمصر أو الإسكندرية، فمتى حل الاستحقاق، وتعذر وجود نقود في الحال، كان الصراف يعطي نمرا ترتيبية للمطالبين المزدحمين على بابه، فيتمكن بفضل تباطئه المفتعل في الصرف، من كسب ثلاثة أيام أو أربعة أو خمسة، وتارة ستة، وربما لجأ الوزير إذا وجد نفسه مخنوقا بالمرة إلى طلب تجديد، قلما كان المطلوب منه التجديد يرفضه.
وأما الإفادات الجديدة، فقد اضطر تداخل رءوس الأموال الأوروبية في ماجريات الأمور المصرية إلى تغيير شكلها، والتزم الوزير، بعد أن أبدى مقاومة لم تجده نفعا، بقبول تحتيم دائنيه الجديدين، وتحويل تعهداته من إفادات إلى محض حوالات قابلة الدفع في لندن وباريس، بالرغم مما في ذلك من خسارة للخزينة، ومضايقة للحكومة، التي عدمت كل طريقة تحايل، وأصبحت مضطرة إلى الدفع في يوم حلول استحقاقه، وإلا صودرت قضائيا ، وهو ما أصبح من شأنه أن يسبب خسائر جمة للافتداء من ضيق مؤقت، علاوة على استدعائه عمولات ومصاريف باهظة.
وليت الخزينة وجدت في تخفيض خصم هذه الحوالات ملطفا ومخففا لبهاظة جميع الأعباء الناجمة عنها، ولكن الأمر كان بالعكس، وبلغ معدل الخصم فيها 14 في المائة سنويا!
فما أضر وجود رجل مثل إسماعيل صديق على دفة خزينة حكومة! وما أسوأه على سمعة مولاه الواثق به - وإن التمس للمولى عذر مما في قول الشاعر «وعين الرضا عن كل عيب كليلة» من حقيقة ناصعة!
وماذا كان الإصدار الذي قلنا إنه بلغ وحده خمسة ملايين من الجنيهات؟
Shafi da ba'a sani ba