Tarihin Misra a zamanin Khidiwi Ismail
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
Nau'ikan
كان (إسماعيل)، منذ أن عزم على ذلك، قد أصدر أوامره إلى مارييت بك، مدير المتحف المصري، باتخاذ جميع الوسائل المؤدية إلى جعل القسم المصري في ذلك المعرض في مقدمة أقسام الدول الشرقية قاطبة، فنفذ مارييت بك الأوامر بكل دقة، وصرف عن سعة، صرفا تمكن به من إعادة الحياة المصرية القديمة إلى التجلي في الجزء المخصص لها هناك؛ ومن إظهار الحياة المصرية المعاصرة بجانبها: فبينما موميات فراعنة القدم وتماثيلهم تعرض في وسط يذهب بالزائر إلى تخيل نفسه عائشا ثلاثة وأربعة وخمسة آلاف سنة إلى الوراء، كانت أشكال الوكائل والأسواق المصرية المعاصرة تبعثه إلى الحياة بمصر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بعد المسيح.
وكان المعرض العام كله، بعد أن أوشك في مبادئه أن لا يكون شيئا يذكر، قد تجلى في مجالي بهجة تفوق كل وصف؛ وأخذت الأقوام والطوائف تؤمه من كل حدب وصوب، ومن كل فج عميق؛ وتعاقبت في أقسامه وقاعاته أقدام إسكندر الثاني وفرنسيس يوسف، إمبراطوري الروسيا والنمسا، وغليوم ملك بورسيا، وألبرت إدورد ولي عهد المملكة البريطانية، وڨكتور عمانوئيل الثاني ملك إيطاليا الحلو الشمائل، فقدما عبد العزيز سلطان تركيا، خليفة الإسلام، وأمير المؤمنين.
وكل هذه الرءوس المتوجة مرت على القسم المصري؛ ووقفت، برهة، أمام نعش رعمسيس الثاني - الفرعون القدير، المظنون حتى ذلك اليوم أنه سيزوستريس هيرودتس، أكبر الفاتحين، وأمجد من تكللت جبهته بأكاليل الفخار العسكري - وشخصت، مأخوذة، صامتة، إلى جثة الراقد على صدرها نيفا وثلاثة آلاف عام والمنبعث عنها درس جليل في بطلان كل مجد عالمي، ورأتهم الأقوام والطوائف يقفون تلك الوقفة؛ فأقدم أكثر من واحد، في مجموعها المزدحم، يحلل الأفكار والتأملات الدائرة في خلد أولئك المتوجين، وهم يمسون بذات أيديهم، وينظرون بأم أعينهم أن العظمة البشرية الأكثر سطوعا، لظل زائل؛ وأن المجد البشري الأكثر تألقا، لشعاع صائر إلى ظلمة ناءوس.
ثم مرت تلك الرءوس المتوجة على بيت «شيخ البلد» المقام بجانب المعبد المصري القديم، والمجهزة فيه معامل الكتاكيت: فإذا بها في القدم، منذ نيف وخمسة آلاف عام، ما هي اليوم، وإذا بالمصريين والمصريات، العاملين فيها، هم هم المرسومة أشكالهم على جدران ذلك المعبد العتيق: دليل ساطع على حيوية الأمة المصرية، وعلى أن الملوك والعواهل يتغيرون على عرشها، ويتعاقبون ويزولون؛ أما هي، فباقية إلى الأبد!
نعم إنها أضاعت بفناء طائفة كهنوتها القديم، قوتها ورجوليتها وفلاحها؛ وأصبحت طائشة الخطى؛ قليلة الاهتمام بالأمور؛ خانعة لكل نير؛ قابلة لكل عبادة؛ عديمة الوحدة، والجنسية، والهيئة الخصوصية؛ غير ممانعة في التنازل عن نفس ذاتيتها، وتغيير دينها ولغتها وعاداتها - كأنها ليس بالشيء الذي يؤبه به - راضية بأن يصوغها الجنس السامي في قالب كيانه، بالرغم من شدة نفورها منه، في السابق، وكراهيتها له؛ غير مستغربة صيرورتها يهودية وعربية، وهي التي قاتلت مائة وخمسين عاما قتال الولهان ، لتتملص من النير الهكسوسي اليهودي العربي؛ غير مستغربة أن يكون مبدأ أزمتها التاريخية مجزرة الشهداء في عهد ديوكلسيانس، من جهة، والفتح الإسلامي، من الأخرى، وأن يصبح كل تاريخها القديم المجيد - الذي لا يضارع سنا العظيم من عصوره سنا أي تاريخ كان في الوجود - شيئا منسيا، لا علاقة لها به، بل أجنبيا عنها بالكلية.
نعم إن هذا كله صحيح، ولكنها، بفضل اتحاد معظمها في الإسلام، عادت فاستردت جنسيتها وهيئتها الخصوصيتين؛ ولولا الأقلية المسيحية، التي بقيت فيها - وربما كانت تكون مصيبة عليها وعلى نفسها لولا ما ظهر من تضافر أبنائها في العهد الأخير - لاستردت وحدتها، أيضا، في العقلية، والمصلحة؛ لا سيما أنها حافظت، بالرغم من صروف الأيام وحوادث الليالي، على شكلها الأصلي، وعاداتها، ومظاهر حياتها القديمة بجانب مظاهر حياتها الجديدة.
ذلك ما رآه أولئك المتوجون، زائرو القسم المصري، في ذلك المعرض العام، وقد انتقلت خطواتهم من قسمة القديم إلى قسمة الحديث، فإنه كان يشمل وكالة مربعة الشكل، لها صحن فسيح تحيط به عمد من كل جهة، وبين كل عمود وعمود، خلاية لوضع البضائع فيها؛ وفي أحد أركانه، حجرة منزوية، ينفذ إليها نور النهار من خلال باب خشبي؛ وفيها فسقية مياه معدة لوضوء التجار؛ ويعلو ذلك جميعه دور علوي، منقسم إلى حجر، منفصلة الواحدة عن الأخرى، معدة لسكنى الأجانب، وفاتحة على طرقة دائرة.
وبجانب تلك الوكالة، قهوة تصنع القهوة فيها على الطريقة المصرية؛ فعدة دكاكين، معروضة فيها المصنوعات المصرية، يستوقف النظر منها، على الأخص، صناعة الجلود ودبغها، وإتقان الأنسجة، وجودة السروج، والصواني الخزفية، والمصوغات، والتطريز على الجلد والقماش - وكلها تشهد بمهارة أيدي صانعيها - والآلات الموسيقية: كالكمنجة المصرية، والعود، والقانون، والكبير تركي، والناي، والقيثارة، والربابة، والزمارة، والنقارية، والسنتير، والدربكة، والصنوج وغيرها.
على أن أهم ما كان في ذلك المعرض المصري قسم محصولاته الزراعية وهي: عدة نماذج قطن من أجل الأنواع - والقطن كما هو معلوم، إنما أدخل (محمد علي) زراعته إلى القطر المصري، عملا بنصيحة فرنساوي، يقال له: المسيو چيميل، كان قد رأى بعض شجيرات منه في بستان باشا تركي اسمه (محو) بالقاهرة، فألفت انتباهه وتقديره للفوائد الجمة التي تعود على البلاد من وراء تعميم زراعة ذلك النبات فيها - وجملة أصناف قمح، وذرة، وتيل، وسمسم، وبرسيم، وفول، وترمس، وحناء، ونيلة، وتبغ؛ وأصناف أرز وبلح وقصب سكر، إلخ.
وبينما زوار المعرض المصري في باريس يعجبون بهذه المعروضات، ويتنقلون من دكاكين سوقه إلى قهوته، إلى صحن وكالته؛ ويقول لهم مارييت بك إن في مثلها، بالتمام، نزل الجنرال بونابرت، لما دخل الإسكندرية فاتحا؛ وبينما هم يتزاحمون، للتفرج على موميات الفراعنة، لا سيما مومية «رعمسيس الثاني»، وتتمثل مصر كلها أمامهم، فتمتلئ بها مخيلاتهم، من أوائل تاريخها إلى أيامهم، ويقص عليهم مارييت بك عجائب أيام (محمد علي)، ومدهشات أعمال (إسماعيل)، والتغييرات الأساسية التي أدخلها على الحياة المصرية، بقصد حملها على التطور نحو المدنية الغربية - ليخدم بذلك مآرب مولاه، ويعلي من قدره وقدر بلاده في أذهان سامعيه وقلوبهم - إذا بالجرائد الباريسية صدرت مبشرة بوصول «خديو» مصر إلى عاصمة الإمبراطورية الفرنساوية، وخصص معظمها عمودا أو عمودين لرواية ما يعلمه عن ذلك الزائر الجليل.
Shafi da ba'a sani ba