204

Tarihin Misra a zamanin Khidiwi Ismail

تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا

Nau'ikan

23

فلما صح عزمه على هذا السعي، أقبل ينفذه، وهو لا يخشى في جهاده لومة لائم، لا لأنه لم يكن يقدر نتيجته حق قدرها؛ كلا - فإنه لم يكن بالأمير الجاهل، مطموس البصيرة، العاجز عن أن يرى أن مقاومته لشركة قناة السويس، قد تصبغها الأهواء والأغراض بصبغة غير صبغتها الحقيقية؛ فترسمه أمام العالم المتمدين وأمام التاريخ في صورة الظالم الغبي، الباذل جهده في القضاء على أعظم مشروع، بل أعظم عمل أبرزه القرن التاسع عشر إلى الوجود، وأقدم على تنفيذه؛ وفي صورة الأحمق الباحث على إتلاف ما هو حقيق باعتباره خير جوهرة في جواهر ملكه - ولكن، لاعتقاده أن واجبه، بصفته ولي أمر الحكومة المصرية، المسئول عن استقلال البلاد، والاستقلال الداخلي النوعي الذي ضمنته لها معاهدة لندن سنة 1840، والفرمانات السلطانية الصادرة مؤذنة بالتصديق على قراراتها، يحتم عليه إزالة الحكومة التي أصبحت للشركة ضمن حكومته، فأقدم إذا على ذلك، وهو مرتاح الوجدان مطمئن القلب، واثق من أن نياته الحقيقية، ومراميه الفعلية لن تلبث أن تظهر للملأ: فيمتدحه قادحوه، ويفهمه نفس أصحاب المصالح المغايرة لمصلحته.

فأول خطوة خطاها في هذا السبيل، الاتفاق الذي أبرمه، على يد نوبار بك مع الشركة بتاريخ 18 مارس سنة 1863 - أي بعد ارتقائه العرش بشهرين - فإنه أحل بموجبه الحكومة المصرية محل الشركة في القيام بوصل ترعة الماء العذب الذاهبة من الزقازيق إلى بحيرة التمساح فإلى السويس جنوبا، وبورسعيد شرقا، بالنيل عند مصر؛ وذلك اجتنابا للمنازعات المتوقع نجومها، حتما، عن نزع ملكية الأطيان الخاصة بالأفراد، واللازمة لحفر مجرى الترعة من مصر إلى الزقازيق، واحتراما لمصالح الحكومة المصرية.

24

وثاني خطوة، الاتفاق المالي الذي عقده مع الشركة، على يد مندوبه عينه في 20 مارس سنة 1863 - أي: بعد الاتفاق الأول بيومين - فإنه قرر بمقتضاه، المطلوب من حكومته، حتى ذلك اليوم عن ال 177642 سهما التي اكتتب بها الأمير (محمد سعيد)؛ ورتب كيفية دفعه؛ وحفظ لحكومته الحق في الاتفاق مع الشركة على كيفية دفع الخمسين الباقيين من ثمن كل سهم، حينما تطالب الشركة مساهميها بهما.

25

ثم دخل في المعمعة بصراحة؛ وأخذ يضرب على القيد الخماسي الحلقات، بقوة وحكمة ممتزجتين معا، امتزاجا لطيفا؛ لا سيما وأنه كان قد اتفق على العمل مقدما مع الحكومة العثمانية، ووضع كلاهما خطة السير الواجب اتباعها.

فارتكن على إعلانه رغبته في إبطال السخرة، وعلى أن السخرة في حد ذاتها أمر كريه، من الوجهة الإنسانية، تأباه روح الإنصاف وتنفر روح العدالة منه، ليطلب إلى الشركة تنازلها عن حقها في مطالبة الحكومة المصرية بالعمال الذين هي في حاجة إليهم؛ لأنها تشغلهم سخرة، ولو أنها تدفع لهم في الحقيقة أجرة انتقالهم من قراهم إلى البرزخ ومنه إليها إيابا، مهما بعدت شقتها عنه؛ وتدفع لهم أجورا يومية على نسبة أعلى مما يدفع من نوعها لأمثالهم في البلاد؛ وإنها تقدم لهم فوق ذلك المأكل والمأوى؛ وتقوم بشئون علاجهم في حال مرضهم، مع احتساب أجرتهم لهم مدة معينة، بالرغم من انقطاعهم عن العمل، وهم يعالجون في المستشفيات التي تعهدت بإنشائها لهم.

وارتكن على أن احتياج الشركة، بسبب الأعمال الجارية في البرزخ، إلى ترعة تذهب بمياه النيل العذبة إلى أماكن العمل المتعددة، وإلى مدينة بورسعيد التي أنشأتها حديثا، من جهة؛ ومدينة السويس، من جهة أخرى؛ وتكون صالحة للملاحة النيلية معا، إن برر مطالبة الشركة للحكومة المصرية بتمكينها إلى الأبد من الانتفاع والاستفادة من تلك الترعة، ومطالبتها بالتعهد لها بالمحافظة عليها وعلى منسوبها، مهما تنوعت طوارئ الحدثان، لا يبرر تملك الشركة لها تملكا مطلقا؛ لأن الترع التي على شاكلتها، بصفتها منفعة من المنافع العمومية، لمن الأشياء التي لا يجوز تملكها للأفراد، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا، وأسسوا وحدة دعوها «شركة» ولأن تملكها حق من حقوق الحكومة في جميع الأقطار، لا يشاركها أحد فيه.

وارتكن على أن الخرائط والتصميمات المنصوص عنها في المادة الثامنة من فرمان الامتياز المؤرخ 30 نوفمبر سنة 1854، والمادة الحادية عشرة من فرمان الامتياز الثاني المؤرخ 5 يناير سنة 1856 - وهي المطلوبة لبيان وتحديد مساحة الأطيان اللازمة لتمكين الشركة من القيام بنفاذ مشروعها، وعمل الترعتين البحرية والنيلية - لم تصنع حتى ذلك العهد، لمطالبة الشركة بحصر مزاعمها التملكية للأطيان غير المملوكة لأحد، ضمن حدود الاعتدال والمعقول، والاتفاق مع الحكومة المصرية على حقيقة المساحة اللازمة لها في الصحيح، لتتمكن من ضمان نجاح مشروعها؛ والتخلي عما عداها من الأطيان الأخرى التي وضعت يدها عليها، استنادا على المادة الرابعة من الفرمان الأول، والمادة العاشرة من الفرمان الثاني.

Shafi da ba'a sani ba