Misra a Cikin Tsawon Shekaru Saba'in
مصر في ثلثي قرن
Nau'ikan
يقولون: إن الشرق لم يزل تلميذا صغيرا يفتقر إلى أستاذ هو الغرب، يقولون ذلك كلما صدمتهم حجة الشعوب الشرقية التي أخمدت أنفاسها أثقال الاستعمار، ويقولون حينما يقسمون الأرض شرقا وغربا إن شعوب البلقان كلها شرقية، فماذا يقولون لمن يقيم الحجة على أن الشرق أستاذ نفسه في حاضره، وأستاذ الغرب في ماضيه ويستدل على صدق هذا القول بهذه الشعوب؟ أيكذبون أنفسهم مرة أخرى فيزعموا أن شعوب البلقان أوربية غربية؟ فليكن ذلك كذلك، غير أن الحق يلجمهم إذا نهضت حجته من ناحية اليابان، ثم من ناحية شعوب روسيا الشرقية التي وقفت السياسة أمامها حائرة متذبذبة، فمرة تعرف لها حق الاستقلال، ومرة تنكره عليها، وأخرى تسكت عن الإقرار والإنكار!
وبعد كم من السنين تصبح الأمة المصرية أهلا للاستقلال التام على يد السياسة الإنكليزية؟ إنهم يريدون منا أن نصدق أن مصيرنا إلى الاستقلال في أيديهم، ولكنا نطلب مثلا واحدا، يشهد أن إنكلترا تركت أمة من الأمم التي كانت متغلبة عليها قائلة لها: اليوم أستودعك الله فاذكري هذا الجميل.
أين هذه الأمة؟ أهي أمريكا التي أنقذت نفسها كما تنقذ كل أمة نفسها؟ أم هي البوير وأمرها معلوم؟ أم هي كندا وحالها غير مجهولة؟ على أن يد الاستعمار البريطاني قبضت على بعض الأمم الكبيرة العظيمة الغنية دهرا يربو على مئة عام، فهل كان هذا الدهر كافيا لتعليم تلك الأمة وإصلاحها وتدريبها على الحكم الذاتي ثم توديعها بسلام؟!
اللهم إن مصر لا تريد أن تبقى مئة عام فإنها تعلم أن السياسة لا تقنع بالدهر كله أجلا للاعتراف بأنها قادرة على حكم نفسها بنفسها.
إن السياسة التي لا تخزيها هذه المزاعم، تقف الآن لبعض الأمم المستقلة موقف النمر المتحفز للافتراس، تتحفز السياسة لتثب على تلك الأمم المستقلة فتفجعها في استقلالها، فهل ينتظر أن تجود من نفسها بالاستقلال على أمة محرومة منه؟ وهل ينتظر أن تصدق في دعواها أنها تهيئ هذه الأمة للاستقلال؟
إلى هنا مزقنا حجاب الإبهام عن مفاخر السياسة الإنكليزية في هذه البلاد، فانكشفت تلك المفاخر ورآها الناس هباء، فلا الإصلاح إصلاح، ولا التعليم تعليم، ولا الإدارة إدارة، ولا النظام نظام، وليس للصدق شائبة في كل ما يدعون أنه إصلاح غير أن هناك مفخرة يظن الساذجون أنها حق ولم تكن إلا باطلا تلك التي يسمونها إنقاذ المصريين من السخرة، أو من ظلم الحكام قبل الاحتلال الإنكليزي، أما نسبتها إلى هؤلاء المصلحين فخطأ كنسبة كل شيء إليهم، والصواب ما قاله المؤيد في رده على خطبة اللورد كرومر في حفلة وداعه المشهورة وهذا نصه: «وقد فات اللورد أن حكومة مصر قد قررت قرارها في أمر العونة قبل الاحتلال وكانت سائرة في طريق التنفيذ، وأن أول معاهدة للرق كانت بينها وبين إنكلترا قبل عهد اللورد بسنين، وأن النظامات القانونية التي سوت بين الأمير والحقير في النهاية لم يضع أساسها في مصر اللورد ولا قومه، وأن الناس نشطوا إلى الكسب والعمل وأخذوا يجنون ثمار أعمالهم من يوم بدئ برفع أثقال الضرائب الشاذة عن كواهلهم، وأن ما رفع من هذه الأثقال في سنتي 80 و81 قد بلغ أكثر من مليوني جنيه مع أن ما رفع من هذه الأثقال في زمن الاحتلال لم يزد عن 604 ألف جنيه سنويا».
إذا كان هذا هو الحق فماذا يبقى للسياسة من المفاخر؟؟ اللهم لا شيء؛ إذن فخير شيء أن ترحل عنا، فإن كل لحظة تمضيها معنا تزيد عدم تصديقها اتساعا، وتزيدنا تأخرا وضياعا.
نحن نطلب ما يطلبه كل حي في الوجود.
نطلب ما لا يرضى خصومنا أن يفقدوه.
نطلب النعمة التي تطلبها الأمم بأعز شيء عليها.
Shafi da ba'a sani ba