Misra a Cikin Tsawon Shekaru Saba'in
مصر في ثلثي قرن
Nau'ikan
لا تزال السياسة تطلع على الناس بعجائب يود العقل البشري أن تخسف به الأرض قبل أن تنسب إليه، عجائب تقطعت بها الأسباب، ورجع آخرها على أولها بمعاول التهديم والتخريب، فمن بدائع السياسة الإنكليزية أن لها رأيا لم يزل يتردد بلسان التوكيد، فهي ترى أن الأوربي محروم من التوفيق كلما أراد أن يعرف نفس الشرقي معرفة تكشف له عن ميوله وطبعه وعادته وخلقه، ولا يفتح الله عليه بهذا التوفيق مهما أقام في الشرق، والصواب أنه رأي صحيح على غير إطلاقه، فإذا خصص التعميم فصارت كلمة «أوربي» في عرف الساسة الإنكليز مرادفة لكلمة «إنكليزي»، بحيث لا تؤدي أكثر من معناها كان حقا ما يرون فالإنكليزي لم يفهم الشرقي ولا عرفه، ولا بلغ من حقيقته في ذاته وعادته وخلقه وحياته ما ينبغي أن يبلغه ليملك زمامه، وليس سبب ذلك أن النفس الشرقية مستكنة في صندوق من الحديد، بل سببه أن النفس الإنكليزية مترفعة عن أن نقف بجانب النفس الشرقية. فهي من وهم صاحبها في برج فولاذي يعلو بها عن منازل البشرية، لا بشرية الشرق وحده، بل بشرية الغرب أيضا!
يقول اللورد كرومر في كتابه «مصر الحديثة»: «إني أقمت مدة في مصر قبل أن تحققت قلة علمي بموضوع اشتغالي، ووجدت إلى آخر أيامي في تلك البلاد إني كنت أتعلم في كل يوم أمرا جديدا».
كذلك يقول اللورد كرومر، فيشهد على نفسه أنه أقام في مصر مدة كان يعمل فيها عمله المعروف - وهو عمل الحاكم المطلق الذي لا ينازعه أحد - على غير علم تام بموضوع عمله.
واللورد كرومر هو الذي يقول قومه إنه رجل فذ خبر مصر خبرة لم تتفق لإنكليزي سواه، ومع ذلك فقد عمل في مصر مدة وهو لا يعلم موضوع عمله ، على أنه بقي ناقص العلم بما لا بد منه لمن يستحل أن يقوم مقامه في مصر، فهو نفسه يقول إنه أدرك إلى آخر أيامه في هذه البلاد أنه كان يتعلم كل يوم أمرا جديدا، هذا مبلغ علم اللورد كرومر بمصر، وهو الذي أقام فيها نصف عمره كما قال، فما مبلغ علم غيره؟ وأين القدرة على تأهلينا للاستقلال إذا توفر حسن النية؟
بل نحن نبالغ في التسامح إلى ما لا يحتمل التسامح، نحن نقول: فلتجلسوا لتضعوا صورة الدرس الجديد في الحكم الذاتي ولكن هل يتسع المجلس لنا ولكم؟ هل تشركوننا في وضع هذه الصورة؟ فإن اشتركنا وإياكم فما نحن وإياكم بمتفقين، نحن نريد صورة لا نأخذها درسا مجهولا لأننا لم نعد نجهل هذا الدرس، وأنتم تريدون أن نكون تلاميذ نتلقى درسا لا نجهله، نحن نريد صورة يرى الناس فيها جمال سلطة الأمة، وأنتم تريدون صورة يرى الناس فيها مظهر إخضاعها، نحن نريد حكما ذاتيا يمشي بين صفوف من جلال الاستقلال، وأنتم تريدون شيئا موصوفا بأنه طريق الحكم الذاتي وهو في الواقع ليس كذلك.
هذه حالنا وإياكم إذا ضمنا وإياكم مجلس واحد تخلق فيه صورة الدرس الجديد، فإذا أبيتم الاشتراك فما أنتم بفاعلين شيئا، ولا قادرين على شيء لأنكم لا تعرفوننا فلا تعرفون ما ينفعنا، بل قد لا تعرفون ما ينفعكم لدينا.
كأننا ننظر إلى المجلس النيابي الذي يقال إنه سيكون مظهر سعة الخصائص الدستورية ومجال المنح التي تدني يد الأمة من آلة الحكم، كأننا ننظر إلى هذا المجلس في الصورة التي سيولد بها، ولكن كأننا أيضا نري نوابنا فيه نياما على مقاعدهم؛ لأنهم لا يملكون أن يتناولوا مطالع الحياة بالعقل الفياض والرأي الراجح، وكأن كل ما سيجتمعون له أن ينظروا في ضريبة الخفراء وعشور النخيل، وتأديب العمد، ومسائل الأمن العام، وأشكال التعليم الأولي، وما يسمى «بدل الانتقال والسفر» للموظفين ... إلخ إلخ. وما أشبه أن تكون هذه الأشياء أوليات لا تحتاج إلى مجلس نيابي!
إن الدرس الذي يراد أن نتلقاه، كالدرس الذي تلقيناه من قبل في موضوعه وغايته، ما دام على الصورة التي لمحناها في صحف أيامنا الحاضرة!
الفصل الخامس عشر
درس في القضاء
Shafi da ba'a sani ba