Misra a Cikin Tsawon Shekaru Saba'in
مصر في ثلثي قرن
Nau'ikan
المسيو كليمانصو سنة 1882
للشعب المصري وطن قديم وله تاريخ جليل، وله حب لوطنه وعلم بتاريخه، فهل عليه ذنب إذا أحب وطنه وأخلص إليه؟ وهل عليه لوم إذا استضاء بتاريخه فمشى في نوره يستعيد المجد العظيم، ويطلب الحياة الغالية؟
كأنما يراد من الشعب المصري أن ينفض يده من وطنه، أو لا يحبه على الأقل، ولكن هل يحب الوطن لأنه رقعة يابسة من الأرض تطأ الأقدام مثلها في كل ناحية، أو لأنه ملاذ أهله ومنبت حياتهم وموطن عزهم، والدار التي يعيشون بها أباة أعزاء، لا يمسهم فيها ضيم ولا ينالهم ذل؟ إنما يحب الوطن لذلك، فإذا أريد المصريون على ألا يحبوا وطنهم، ففي طي هذه الإرادة شيء آخر هو أن يكرهوا أنفسهم ما داموا لا يحبون وطنهم، أي أن يكونوا أعداء أنفسهم.
أما قبول ذلك فضرب من الجنون، وأما طلبه فأبلغ جواب عليه أن يقال لصاحبه: اكره أنت وطنك أو حاول أن تكرهه. فإذا استطعت فاطلب من غيرك أن يكره وطنه أو يحاول أن يكرهه!.
1
متى كان حب الوطن غريزة في الفطرة كان لا بد أن يقصد أهل الوطن مقاصد تبلغ به مكان العز والشرف، وأول ما يقصدونه أن ينظروا إن كان وطنهم مأخوذا من أيديهم أو معرضا لذلك سعوا ليستخلصوه، وإذ ذاك يأتلف رأيهم ويجمعوا أمرهم حيث تكون الغاية واحدة، وقد لا يكون الوطن مأخوذا ولا عرضة للأخذ فتصح النية على العمل لرفعة شأنه حيث تكون الغاية واحدة أيضا، وفي كلتا الحالين يتكون ما يسمونه الرأي العام، وربما لا يكون الرأي العام في الأمة الواحدة متحد المجرى، ولكنه على كل حال يكون متحد الغاية، فإذا جاءت الطامة كان واحدا في مجراه وغايته، فترى الأمة كلها حزبا واحدا وقد كانت أحزابا شتى.
في مصر رأي عام قديم لم تختلط عليه السبل، ولم ينحرف عن قصد الغاية، وللرأي العام المصري قوة مثله في كل بلد وإن لم يكن له بطشه، لا لعجز فيه بل للأناة والتؤدة، ولا بلاغ العالم أنه موجود وأنه غير باغ ولا عاد، ولأن المصري يريد أن يكون الإنصاف عدته والحق سلاحه، كي لا يقال إنه لم يحكم إنصاف العالم في قضيته، أو إنه عمل وحده فليترك وحده.
عرفت قوة الرأي العام المصري في تولية الملوك، فهو الذي حمل الدولة العثمانية على الرضا بمحمد علي واليا لمصر، هو الذي طلب ذلك وأجمع عليه منذ قرن وربع قرن فلم تجد الدولة العثمانية وهي في عظمتها بدا من أن تكون عند إرادته.
وعرفت قوة الرأي العام المصري في تقييد الحاكم الفرد المطلق منذ ثلاث وخمسين سنة، فقد أنشئ المجلس النيابي المصري سنة 1866 في أول العهد بحكم الخديو إسماعيل، وهنا يجب أن نلتفت إلى أمر لا بد منه، وهو أن إسماعيل كان يومئذ طليقا من كل قيد، آمنا كل رقيب، كان يومئذ بعيدا عن أشباح الحوادث التي وقعت في آخر أيامه، فلا يقال إنه رضي أن توضع في يديه قيود الحكومة النيابية وأن تقوم سلطة الأمة بجانب سلطته ليخدع أوربا أن يغش ساستها، ولم يخلق إسماعيل من طينة غير طينة الملوك والأمراء المطلقين حتى تكون الحكومة النيابية خاطرا في نفسه لم يشعر به أحد سواه، وحتى يباده الأمة بهذا الخاطر غرة حين لا يكون قد أحسه من جانبها أو لا تكون الأمة قد أرته نور أمنيتها.
وعرفت قوة الرأي العام المصري سنة 1881 يوم توفرت عزيمة الأمة كلها على مقصد واحد، فأعاد لها الخديو توفيق مجلسها النيابي لا إعطاء بل أخذا، حتى إذا جاءت سنة 1883 بطشت القوة الطارئة بهذا المجلس فقضت عليه.
Shafi da ba'a sani ba