Misir a Farkon Karni na Sha Tara
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
Nau'ikan
على أن هناك إلى جانب هذا كله ما يدل - دون شك أو ريب - على أن تولية خورشيد باشا كانت بناء على اتفاق وتدبير سابقين بين خورشيد ومحمد علي ودون انتظار لمعرفة إرادة الباب العالي بسبب بسيط واحد، هو أن الفرمان الذي بعث به خورشيد إلى محمد علي، وطلب محمد علي من القاضي في منتصف ليل 12 مارس أن يدعو المشايخ لقراءته، ثم أشيع أمره بين الناس في اليوم التالي، كان من صنع خورشيد باشا نفسه، وليس هناك ما يفيد أن الباب العالي قد أرسل وقتذاك فرمانا يسمي خورشيد باشا للولاية.
فمن الثابت قطعا أن الباب العالي عندما وصله خبر مقتل علي باشا الجزائرلي، بادر باختيار أحمد باشا الجزار والي عكا لباشوية مصر؛ لرغبته في أن يعين لهذه الباشوية واليا يستطيع إقامة الحكومة القوية بها والتي يكون في قدرتها إخماد الفتن والثورات والقضاء على القوات العسكرية المملوكية، ثم الزود عن البلاد ضد الغزو الأجنبي، سواء جاء هذا الغزو من ناحية إنجلترا، التي يبدو أن الباب العالي كان يتوقع حدوثه من ناحيتها أكثر من ناحية أي دولة أخرى، أم جاء من ناحية فرنسا.
فقد كتب «ستراتون» القائم بأعمال السفارة الإنجليزية في القسطنطينية إلى اللورد «هوكسبري» في 10 مارس 1804 «أن أخبارا مشوشة عن علي باشا الجزائرلي وصلت القسطنطينية، وأن الباب العالي قد أرسل مركبا من نوع القرويت إلى الإسكندرية لإحضار أخبار دقيقة عما يجري من حوادث هناك، وتقوم الاستعدادات لإرسال أسطول من أربع سفن إلى الإسكندرية تحمل ألف جندي تركي لتعزيز حاميتها، وقد قرر الديوان العثماني تعيين الجزار صاحب الشهرة المعروفة وباشا عكا واليا لمصر في المكان الذي شغر بوفاة علي باشا الجزائرلي.»
وفي 24 مارس عاد «ستراتون» يقول: «إن الريس أفندي قد أبلغه تعيين الجزار باشا ليخلف علي باشا الجزائرلي، وقد ساق الريس أفندي الحجج التي استند عليها في تبرير هذا الاختيار غير العادي، ولكن «ستراتون» ما لبث أن أبدى هو الآخر رأيه في هذا الموضوع، وهو أن اختيار رجل من طراز الجزار باشا لولاية مصر في الظروف الراهنة معناه إلقاء البلاد في أحضان الحروب الأهلية؛ لأنه إذا طرحت جانبا مسألة الغزو الفرنسي فإنه من الممكن أن يتوقع المرء أنه إما أن يتفق الجزار مع البكوات على امتلاك البلاد واقتسامها فيما بينهم دون الباب العالي، وإما أن يتنازع الفريقان امتلاك هذه المقاطعة، زد على ذلك أنه من غير المحتمل إذا رجحت كفة الجزار أن يبقى على ولائه للسلطان؛ ينهض دليلا على ذلك سيرته في عكا، وفي غيرها. وأما إذا نجح البكوات فمن المتوقع أنهم سوف يمعنون - عندئذ - في امتهان أوامر السلطان وعدم طاعتها.»
ثم استطرد «ستراتون» يقول: «ولكن تكليف أحد العصاة بإخضاع عاص آخر إنما هو إجراء قد ثبتت دعائمه من آماد طويلة في هذه الدولة العثمانية ومبعث ذلك ضعف الدولة، ثم زاد في رسوخه كبرياء حكومة تحرص على التمسك بمظاهر جوفاء لسلطة تشعر بأنها قد فقدتها ولم تعد لها - في الحقيقة.»
وفي 31 مايو كتب من مالطة «شارلس لوك» وهو القنصل الذي عين لمصر ثم توفي قبل ذهابه إليها - كما سبقت الإشارة إليه في موضعه - «إنه يبدو أن تعيين الباب العالي الجزار باشا لولاية مصر كان معروفا في مصر وقت وصول آخر ما جاء من أنباء منها.»
ومن مصر، أسرع «مسيت» عند المناداة بولاية خورشيد باشا التي حدثت في 15 مارس؛ يبلغ حكومته في اليوم التالي هذا النبأ من الإسكندرية، فقال: «إنه نودي به واليا على مصر بناء على فرمان من الباب العالي يبدو أنه كان لدى خورشيد باشا الذي ظل محتفظا به من عدة أيام سابقة ولم يمنعه من إظهاره سوى انتظار الفرصة المناسبة لإعلانه»، ولكن «مسيت» لم يلبث أن تحقق من أنه لم يكن لدى خورشيد باشا أي فرمان بالولاية من الباب العالي، فكتب إلى حكومته في 29 مارس «أن خورشيد باشا عندما غادر الإسكندرية إلى القاهرة لتسلم مهام منصبه قد نصح له بالبقاء بالإسكندرية وعدم الذهاب إلى القاهرة حتى يبلغ «مسيت» من «خورشيد» نفسه أن الاضطرابات قد انتهت هناك.»
ثم استطرد «مسيت» يقول: «ولكن هذه العواطف الجميلة التي أبداها خورشيد قد جعلته يشك في أنه ليس لديه - كما يؤكد هو - أي فرمان من الباب العالي لتعيينه في باشوية مصر؛ ولذلك فإن خورشيد لم يكن واثقا من مركزه ومن موقف الأحزاب المختلفة في القاهرة تجاهه، وقد تأيدت شكوك «مسيت» بسبب ما وقع من حوادث، وما توفر من قرائن أهمها أن «محمد علي» أطلق سراح محمد خسرو يوم 12 مارس من حبسه الطويل ونادى به واليا على مصر، ولكن إخوة طاهر باشا وأتباعهم العديدين لم يرتاحوا لهذا الاختيار، وصمموا على مغادرة خسرو باشا للقاهرة وأمهلوه ساعة واحدة بعد إنذاره بضرورة خروجه منها، فترك خسرو القاهرة ولكنه لم يذهب إلى أبعد من رشيد؛ حيث لا يزال باقيا بها إلى الآن بدعوى انتظاره لأوامر الباب العالي بشأنه.»
ويؤكد «مسيت» في نفس رسالته هذه «أن لديه معلومات وثيقة بأن هناك مراسلات تدور بنشاط بين خسرو ومحمد علي بواسطة ترجمانه الذي ترك القاهرة لهذا الغرض، ومحمد علي والإنكشارية ينحازون إلى محمد خسرو باشا، بينما يؤيد الأرنئود عموما ادعاءات خورشيد باشا الذي أذاع أن الديوان العثماني قد عينه للباشوية، وذلك حتى يسكت جميع الأحزاب ويلزمهم بالصمت.»
ولما كان اتحاد محمد علي مع الإنكشارية أمرا شاذا ولا يتفق مع طبيعة الأشياء؛ فقد راح «مسيت» يعلل ذلك بقوله: «إن هذه الصلة الغير الطبيعية التي ربطت بين الإنكشارية وبين محمد علي، لم يكن منشؤها مجرد الرغبة في تعيين أحد الولاة لباشوية مصر فحسب؛ لأن من المتعذر أن يكون هذا وحده هو الغرض الذي اتحد محمد علي من أجله مع هؤلاء الجند الإنكشارية.»
Shafi da ba'a sani ba