Misir a Farkon Karni na Sha Tara
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
Nau'ikan
وأغضب «مسيت» سقوط حكومة البكوات، وقسا في لومهم؛ لأنهم - كما قال عندما بعث بتفاصيل ما وقع إلى حكومته من الإسكندرية في 18 مارس 1804 - قد تسببوا هم أنفسهم في إضعاف حكومتهم «عندما صاروا - بالرغم من نصائحه المتكررة لهم أن لا يفعلوا ذلك - يعملون على القضاء على الإنكشارية - وهم الذين قتلوا زعيم الأرنئود السابق طاهر باشا، ونادوا بولاية أحمد باشا وكانوا خصوم الأرنئود وخصوم محمد علي - وصاروا يطردونهم من القاهرة بدلا من أن يبذلوا قصارى جهدهم لكسب صداقتهم كضمان لهم ضد ذبذبة الأرنئود وعدم ثباتهم على مبدأ واحد.
ولكن البكوات كما استطرد «مسيت» يقول - اعتقدوا أن الله سبحانه وتعالى جعلهم بحكمته وقدرته يمتلكون مصر، فأصمهم حسن الحظ الذي واتاهم عن الإصغاء إلى كل نصح مبعثه السياسة الرشيدة ...»
ومهما يكن من أمر فقد قضي الآن على حكومتهم، واستطاع محمد علي أن يقوم بتلك الحركة التي ذكر «لماثيو لسبس» منذ أوائل مارس أن الأرنئود إنما يعتزمون القيام بها للقضاء على المماليك ولجلب رضاء الباب العالي عليهم، وكانت الخطوة التالية هي إرجاع مظاهر سيادة الباب العالي في القاهرة بعد طرد البكوات منها، ثم العمل لملء منصب الباشوية الذي ظل شاغرا منذ مقتل علي باشا الجزائرلي.
وكان مما يهم «محمد علي» أن يتم ملء هذا المنصب بكل سرعة أولا كدليل على أنه لا يبغي من تدبيره الانقلاب الأخير أن يستأثر لنفسه بالسلطة، بل إن مقصده تحقيق أماني الباب العالي بطرد البكوات والقضاء على حكومتهم، وتوطيد سيادة الباب العالي الشرعية، بوضع ممثل للسلطان العثماني على رأس الحكومة في القاهرة، وثانيا كإجراء لا غنى عنه في الحقيقة إذا شاء محمد علي أن يفوت على القسطنطينية فرصة اختيار أحد الولاة الأقوياء وتزويده بالنجدات الكافية لتعزيز سلطته؛ لوثوقه من أن الباب العالي سوف يرضى - على سابق عادته - بتقرير الأمر الواقع إذا نجح محمد علي في ملء منصب الباشوية، وأخيرا كخطوة تكفل لمحمد علي اختيار الرجل الذي يريده هو لهذا المنصب، فيظل محمد علي صاحب السلطة الفعلية في البلاد، وفي وسعه أن يبقيه أو أن يخلعه حسبما تمليه مصالحه في ضوء ما قد يجد من حوادث بعدئذ.
وكان محمد علي قد طلع إلى القلعة يوم 13 مارس «ونزل وبجانبه محمد باشا خسرو ورفقاؤه وأمامهم المنادي ينادي بالأمان حكم ما رسم محمد باشا ومحمد علي إعلانا لعودة خسرو باشا إلى الولاية، وأشيع في الناس فعلا رجوع محمد باشا إلى ولاية مصر، ثم بادر المحروقي إلى المشايخ فركبوا إلى بيت محمد علي يهنئون الباشا بالسلامة والولاية» بعد أن استمر في حبسه ثمانية شهور كاملة.
ولكن «إخوة طاهر باشا سرعان ما داخلهم غيظ شديد، ورأى محمد علي نفرتهم وانقباضهم من ذلك وعلم أن «خسرو» لن يستقيم حاله معهم وربما تولد من ذلك شر»، واستند الرؤساء الأرنئود في معارضتهم إلى أن حكومة مصر كانت قد انتقلت إلى علي الجزائرلي منذ أن كان خسرو سجينا بالقلعة، وأنه قد تعين لباشوية أخرى، ويشير الأرنئود بذلك إلى الفرمان الذي وصل القاهرة في 19 يونيو 1803 بإسناد ولاية سالونيك إلى خسرو باشا، وقد سبق الكلام عن هذا الفرمان عند الحديث عن باشوية علي الجزائرلي، وقال الأرنئود إنه لا يستطيع لذلك الحكم في مصر وأن الأفضل إرساله إلى الإسكندرية ؛ ليبحر منها إلى القسطنطينية.
وعلى ذلك فقد أنزله محمد علي إلى بولاق، وفي 15 مارس «عزل خسرو باشا للمرة الثانية واقتيد إلى رشيد فأبحر منها إلى القسطنطينية وهكذا - على حد تعبير الشيخ الجبرتي - انتهت هذه الولاية الكذابة الشبيهة بولاية أحمد باشا الذي تولى بعد قتل طاهر باشا يوما ونصف.»
ووقع الاختيار على أحمد خورشيد باشا حاكم الإسكندرية.
ويبد أنه كان هناك اتفاق بين محمد علي وبين أحمد خورشيد على أن يملأ الأخير منصب الولاية، فمن المعروف أن خورشيد كان يتطلع لباشوية القاهرة من مدة طويلة، تبدأ في الواقع من وقت الحوادث التي أفضت إلى طرد خسرو من الولاية في أوائل مايو 1803، فقد توهم خورشيد وقتذاك أن في وسعه الاستفادة من الاضطرابات التي سادت القاهرة في أواخر أيام خسرو، فغادر الإسكندرية صوب القاهرة في جماعة من أتباعه، ولكنه ما إن وصل قريبا من بولاق حتى كان خسرو قد فر من القاهرة وتولى طاهر باشا «القائمقامية»، فنكص خورشيد على عقبيه، وعاد مسرعا مع جماعته إلى الإسكندرية، وأبلغ «كاف»
Caffe
Shafi da ba'a sani ba