Misir a Farkon Karni na Sha Tara
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
Nau'ikan
وأما فيما يتعلق بالأخيرين، فإنه لم يحترم حقوقهم التي خولتهم إياها «الامتيازات»، فأهان أعلامهم وشاراتهم الموضوعة على متاجر ومنازل رعايا دولهم، وانتهز جنده الخروج للتدريب يوميا في ساحة المنشية، فصاروا يمرون بحي الإفرنج، ويطلقون الرصاص على المساكن ووكالات القناصل حتى ضج هؤلاء بالشكوى، وعندما فشلوا في منع هذه الاعتداءات ومصادرة أموال رعاياهم أو محمي دولهم؛ قرروا أن ينسحب هؤلاء جميعا إلى السفن الأجنبية الراسية بالإسكندرية، بينما انسحب القناصل أنفسهم إلى سفينة القبطان بك رئيس العمارة العثمانية بالميناء ورفعوا شكاواهم إلى سفراء دولهم بالقسطنطينية وعندئذ اضطر علي باشا إلى توسيط أحمد خورشيد وجاثم أفندي رئيس الجمرك والقبطان بك وغيرهم من كبار العثمانيين بالثغر لفض هذه الأزمة، وكان بعد أن وعد علي باشا باحترام الامتيازات، وإزالة أسباب الشكوى أن قبل هؤلاء النزول إلى البر واستئناف حياتهم العادية بالإسكندرية، فتم الصلح قبل مغادرة الجزائرلي للإسكندرية في طريقه إلى القاهرة بأيام قليلة، ومنذ مبارحة علي الجزائرلي الإسكندرية؛ انفرد بشئونها أحمد خورشيد، وكانت مهمة هذا أن يمنع سقوط الإسكندرية في أيدي البكوات.
واختلفت أساليب البكوات عندما استأنفوا مسعاهم من أجل الاستيلاء على الإسكندرية عن أساليبهم السابقة؛ فقد أرادوا الآن أن يجيء تسليم الإسكندرية طوعا لا كرها، ووجدوا أن خير وسيلة لذلك هي أن يتسلم حاكمها أحمد خورشيد نفسه باشوية القاهرة؛ وذلك لأسباب عدة، منها: اضطرارهم لعقد صلح جديد مع الباب العالي بعد أن نقضوا الصلح السابق بأيديهم لقتلهم علي الجزائرلي، وفي وجود ممثل للسلطان في القاهرة في شخص أحمد خورشيد، ما يمهد لإبرام هذا الصلح الجديد مع الباب العالي.
زد على ذلك أنه كان من المتعذر عليهم إقناع «الأرنئود» بالخروج في حملة ضد الإسكندرية، وهم عاجزون عن دفع مرتباتهم لهم، ولا يزال الأرنئود متمردين عليهم ويعيثون في العاصمة فسادا منذ عودتهم إليها، بل وعظمت الفوضى في القاهرة بعد حادث مقتل علي الجزائرلي، واعتقد البكوات إذا هم استقدموا خورشيد باشا إلى القاهرة واعترفوا بولايته على مصر، أن في وسعهم عندئذ أن يفرضوه على الأرنئود ليكبح جماحهم، وربما تمكنوا بمساعدته من إبعاد الأرنئود من القاهرة وإخراجهم من البلاد كلية، لا سيما بعد صدور العفو السلطاني عنهم، أضف إلى هذا أن وجود خورشيد بالقاهرة يستتبع - بالضرورة - خضوع الإسكندرية لسلطانهم؛ حيث يستطيعون عندئذ تعيين حاكم لها رجلا يكون طوع إرادتهم، وعلى ذلك فقد شرع البكوات يفاوضون خورشيد عقب مقتل علي الجزائرلي في الحضور إلى القاهرة واليا على مصر، وكتب «لسبس» من القاهرة إلى حكومته منذ 25 يناير: «إن المخابرات دائرة بين البكوات وبين الباب العالي ... وإنه علم من عدد من رؤساء البكوات أنهم طلبوا من الباب العالي تنصيب خورشيد باشا حاكم الإسكندرية باشا للقاهرة أي واليا على مصر، واعتمد البكوات في الوصول إلى غايتهم على استطاعتهم توسيط الوكلاء الإنجليز لدى خورشيد، وكان غرضهم المباشر - على نحو ما بينا - الاستيلاء على الإسكندرية.»
وكان من الأسباب التي ساعدتهم على بدء المفاوضة مع حاكم الإسكندرية، أنه هو نفسه صار يطمع في باشوية القاهرة منذ مقتل علي الجزائرلي، ويسعى هو الآخر لتوسيط الوكلاء الإنجليز لدى إبراهيم والبرديسي للظفر بهذه الباشوية، وقد كتب «مسيت» إلى هوبارت بعد ذلك (20 فبراير): «أن إبراهيم بك وعثمان بك البرديسي قد أخبراه بعد أيام قليلة من وفاة علي باشا الجزائرلي أنهما يريدان عرض مركز الباشوية علي أحمد باشا خورشيد حاكم الإسكندرية، ثم رجواه أن يبذل نفوذه معه كي يحمله على تسليم الإسكندرية لهما عند قبوله عرضهما.»
ثم استطرد «مسيت» يقول: «وفي نفس اليوم وصله خطاب من «بريجز» يبلغه فيه أن خورشيد باشا قد رجاه أن يطلب من «مسيت» أن يوصي البكوات باختياره لمنصب الولاية الذي يصبو إليه.»
ولما كان مما يهم السياسة الإنجليزية وقتئذ أن تكون الإسكندرية في أيدي البكوات المماليك القوة الوطنية التي اعتقد السيد ألكسندر بول ومؤيدو مشروعه المعروف، أن بوسعها الدفاع عن الإسكندرية وعن البلاد ضد الغزو الفرنسي الذي توقعوا حدوثه؛ فقد أيد الوكلاء الإنجليز مساعي البكوات وقبلوا هذه الوساطة، وصار «مسيت» يكثر من الاجتماع بالبرديسي سرا على نحو ما لاحظ «لسبس» ثم قر الرأي على إرسال «ريجيو»
Reggio
ترجمان القنصلية الإنجليزية لمقابلة خورشيد باشا، بينما صار «بريجز»
Briggs
نائب القنصل البريطاني بالإسكندرية يجتمع هو الآخر بخورشيد باشا.
Shafi da ba'a sani ba