Misir a Farkon Karni na Sha Tara
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
Nau'ikan
زد على ذلك أن الباب العالي عندما سأل الحكومة الإنجليزية رأيها - عن طريق سفيرها بالقسطنطينية - إنما كان يريد في واقع الأمر جس نبض اللورد إلجين وحكومته؛ لمعرفة مدى ما يريد الإنجليز أن يذهبوا إليه في إرضاء المماليك وما يريدون إعطاءه لهم.
وقد أيدت الأخبار الواصلة من مصر مخاوف الأتراك من ناحية الإنجليز ونشاطهم مع المماليك، ومساعي الجنرال «هتشنسون» معهم على وجه الخصوص، وقد أبلغ «كيث
Keith » قائد القوات البحرية اللورد إلجين في أول أغسطس أن القبطان باشا «شديد الغيرة مما يبديه «هتشنسون» من اهتمام بالمماليك وعناية زائدة بهم»، لا سيما وقد صارت تردد الإشاعات في مصر - كما ذكر كيث - «أن المماليك يقولون إنه بمجرد مغادرة البريطانيين سوف يطردون؛ أي المماليك الأتراك من مصر»، وأدرك الصدر الأعظم خطورة ما فعله عندما رضي - تحت ضغط «هتشنسون» - بأن يعد المماليك بإرجاع أملاكهم وامتيازاتهم إليهم، وصار يسعى آنذاك لإقناع الديوان العثماني بضآلة التأكيدات التي أعطاها لهم، ويحاول التخفيف من وطأة ما فعله، ويعزو مسلكه لتدخل «هتشنسون» وإلحاحه في الرجاء عليه، وأما القبطان باشا فقد نفي بتاتا اشتراكه في هذه الفعلة، وشعر «إلجين» بهذا التطور عندما اجتمع بالريس أفندي في 14 سبتمبر سنة 1801، وهي المقابلة التي سبق الحديث عنها عند الكلام عن موقف الباب العالي من المماليك،
1
وقد أسفرت هذه المقابلة عن فشل وساطة الحكومة الإنجليزية وقتئذ، وعن سوء تفاهم كبير مبعثه أن «إلجين» كان لا يعرف - معرفة صحيحة - مدى الارتباطات أو التعهدات التي أعطاها «هتشنسون» للمماليك، كما اعتقد الوزراء العثمانيون - أو تظاهروا بأنهم يعتقدون - أن قبول «إلجين» الكتابة من جديد إلى «هتشنسون» معناه أنه قد تعهد بتعديل التعهدات التي أعطيت في القاهرة؛ وذلك لأنه كان قد تم الاتفاق في الاجتماع الذي عقد في 14 سبتمبر على أن يكتب «إلجين» إلى «هتشنسون» ليبلغه آراء الباب العالي في مسألة المماليك، وتصميم الريس أفندي على أن يعمل «هتشنسون» بالاتفاق مع الصدر الأعظم لإنهاء هذه المسألة وما يتفق مع وجهات نظر الباب العالي، ولم ير «إلجين» فيما دار في هذه المقابلة إلا حديثا لا نتيجة له، وفكر في الذهاب بنفسه إلى مصر على أمل إيجاد حل سريع للمسألة.
على أنه بينما كانت الحكومة الإنجليزية تسعى للتوسط لدى الباب العالي لإنهاء مسألة المماليك، كان الصدر الأعظم والقبطان باشا يدبران مكيدتهما المعروفة في مصر، فقد وجد الباب العالي في تعهد «إلجين» بالكتابة إلى «هتشنسون» مبررا للمضي في خطته المرسومة نحو المماليك، فأصدر تعليماته إلى الصدر الأعظم والقبطان باشا بإلقاء القبض على البكوات وإرسالهم إلى القسطنطينية، ومن أوائل أكتوبر عرف «هتشنسون» أن الأتراك قد صح عزمهم على القبض على البكوات وتجريد بقية المماليك من السلاح، فعرض عليهم حمايته «وأوصاهم - قبل كل شيء - بعدم الذهاب إلى أية سفينة أو قارب عثماني.»
وفي 15 أكتوبر زار عثمان بك الطنبورجي خليفة مراد بك وأربعة من البكوات الآخرين القبطان باشا وعسكروا بجندهم وسط الجند الأتراك، فنصحهم «هتشنسون» بنقل معسكرهم إلى خلف مخيمه، ولكنهم لم يرضوا إغضاب القبطان باشا الذي وعدهم بالعفو والحماية، حتى إذا كان يوم 22 أكتوبر أوقع بهم، وقد سبقه الصدر الأعظم في الوقيعة بالبكوات بيومين قبل ذلك، وقد تحدثنا عن آثار هذه المكيدة وتدخل هتشنسون من أجل تسليم جثث الموتى في مكيدة أبي قير وإطلاق سراح الأسرى منهم، على أن هتشنسون اضطر بسبب مرضه إلى مغادرة البلاد في 7 نوفمبر، وتسلم اللورد «كافان
Cavan » القيادة، وكان بعد وصول الجنرال ستيوارت إلى القاهرة موفدا من قبل «كافان» أن أطلق الصدر الأعظم سراح البكوات المأسورين في مكيدة القاهرة، وعسكر هؤلاء بالجيزة تحت حماية الإنجليز في 13 نوفمبر.
وقد أثارت هذه المكيدة ثائرة الإنجليز، وزاد انزعاجهم بسبب كتاب السلطان سليم إلى ملك إنجلترا، وهو الكتاب الذي سبقت الإشارة إليه،
2
Shafi da ba'a sani ba