Misir a Farkon Karni na Sha Tara
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
Nau'ikan
واستمر «إلجين» يقول: إنه رأى من واجبه عدم تنفيذ أمر الوزير الصادر في تعليماته إليه في 19 مايو؛ لأنه إذا كانت هذه التعليمات قد اشتملت على تصريح رسمي في الواقع بأن الحكومة الإنجليزية لا مأرب لها ولا صالح، فإن تغير الظروف بعد مقتل بول الأول قيصر روسيا في 24 مايو وإطلاق «نلسن» مدافع أسطوله على «كوبنهاجن» في 2 أبريل 1801 وما تبع ذلك من انحلال حلف المحايدين الذي أحياه هذا القيصر لمقاومة أي اعتداء قد يقع على أعضاء هذا الحلف: «روسيا، السويد، الدانمارك، بروسيا» من جانب إنجلترا، وتبدل أحوال دول أوروبا الشمالية في صالح الإنجليز، كل ذلك يجعل إعلان عدم اهتمام الحكومة الإنجليزية في هذه الظروف من الأسباب التي سوف تؤكد الشك وسوء الظن لدى الحكومة العثمانية من ناحية التأكيدات التي أعطيت دائما من جهة إنجلترا بشأن ضمان أملاك العثمانيين وإرجاع مصر إليهم؛ لأن تقديم تصريح الوزارة الإنجليزية - كما جاء في تعليمات 19 مايو - من شأنه أن يجعل العثمانيين يعتقدون أن هذه التأكيدات القاطعة لم تصدر عن نية خالصة وعزم صحيح لا يخضع لتقلبات الموقف وظروف السياسة الأوروبية.
وكان من أثر إغفال «إلجين» تقديم تصريح حكومته إلى الباب العالي أن الوزارة الإنجليزية وجدت من السهل عليها الآن أن تبت بصورة صريحة في موقفها من مسألة الدفاع عن مصر بعد خروج الفرنسيين منها، وما كان يستتبع ذلك من ضرورة البحث والتدخل في موضوع الحكومة الواجب إنشاؤها في مصر لتحقيق هذه الغاية، فكتب «هوكسبري» إلى «إلجين» في 28 يوليو سنة 1801 «أن الحكومة البريطانية ترغب في بقاء جزء من الجيش البريطاني في مصر حتى موعد عقد السلام العام، وفيما يتعلق بتسوية مسألة الحكومة الداخلية في مصر، فسياسية الحكومة الإنجليزية هي أن تقوم بدور الوسيط بين الأحزاب المختلفة في مصر فتبذل قصارى جهدها لإنهاء الخلافات القائمة بين هذه الأحزاب وديا»، والمقصود بهذه الأحزاب العثمانيون والمماليك، ثم استطرد هوكسبري فقال: «ومن واجبنا أن نذكر دائما أنه مهما كانت نتائج العمليات العسكرية فالمتوقع - أو المحتمل - أن الحكومة الفرنسية لن تتخلى عن فكرة إقامة الحكم الفرنسي في مصر عند سنوح الفرصة؛ ولذلك فغرضها هو بذر بذور الشقاق بين الجماعات أو الأحزاب المختلفة» أي العمل لمنع إقامة الحكومة القوية التي في وسعها الدفاع عن مصر.
وهكذا بدأ - بصورة رسمية - التدخل في شئون مصر، واتخذ هذا التدخل شكل الوساطة بين الباب العالي وبين المماليك.
على أنه كان من أهم أسباب التحول كذلك، من إظهار عدم الاهتمام إلى التدخل الرسمي ما ظل يلح فيه الجنرال هتشنسون من وجوب هذا التدخل وفي صالح البكوات المماليك أيضا.
مشروع هتشنسون
بينا فيما تقدم كيف أن هتشنسون كان يرى من خطل الرأي الاعتماد على الأتراك وحدهم في الدفاع عن البلاد بعد نجاح العمليات العسكرية وانتهائها بطرد الفرنسيين من مصر، ويرى من الحكمة أن يعهد بهذه المهمة إلى المماليك الأمر الذي استلزم ترضيتهم مبدئيا حتى يتسنى الاطمئنان لقيامهم بهذه المهمة على خير وجه، والأمر الذي اقتضى لهذا السبب نفسه التدخل في شئون مصر الداخلية والبحث سلفا في نوع الحكومة المنتظر إقامتها في مصر بحثا جديا.
واعتمد هتشنسون في مسعاه على رسالة خاصة كان قد بعث بها «هسكيسون
Huskisson » وكيل وزارة الحرب في وزارة المستر بت
إلى السير رالف أبر كرومبي في 23 ديسمبر سنة 1800، يذكر لها فيها بعض المقترحات التي بدت لرجل أقام في مصر وتركيا عشرين عاما «بشأن السياسة التي يجب اتباعها نحو البكوات المماليك الذين سوف يزيدون صعوبات العمليات العسكرية في الحرب - ضد جيشي الشرق في مصر - وأخطار هذه العمليات إذا استمر متعذرا فصل أولئك الذين انضموا منهم إلى الفرنسيين، واستمالتهم مع غيرهم من البكوات إلى الاشتراك في العمل من أجل طرد الفرنسيين من مصر.»
وقد جاء في هذه الرسالة أنه من رأي «هسكيسون» أن البكوات إذا تقدموا للتعاون مع الجيوش البريطانية والعثمانية، ففي وسعهم المساهمة بقدر كبير - في طرد الفرنسيين - يفوق أثره كل الجهود التي قد تبذلها الإمبراطورية العثمانية لهذه الغاية. كما كان من رأيه أنهم إذا لم يتقدموا للتعاون، فسوف يكون لوزنهم نفس الأثر وبالنسبة ذاتها في ترجيح الكفة المضادة، ثم استمر «هسكيسون» يقول: إنه يخشى الآن من أن هؤلاء البكوات والمماليك الذين كانوا قبل الغزو الفرنسي أسياد البلاد الحقيقيين؛ قد يستبد الخوف بهم اليوم أكثر من أي وقت مضى من تلك الآراء المناوئة لمصالحهم والتي صار يذيعها الباب العالي بعجلة ودون تبصر بعد معاهدة العريش - وهي المعاهدة المعروفة التي كان الجنرال كليبر قد أبرمها في 24 يناير سنة 1800 لجلاء الفرنسيين عن البلاد وتسليمها للعثمانيين ثم نقضت بعد ذلك - وذلك فيما يتعلق بحكومة مصر المستقبلة أكثر مما يتعلق بطرد الفرنسيين أو بتأسيس نفوذهم في مصر بعد خروجهم منها، وعلاوة على ذلك فقد أكد «هسكيسون» في هذه الرسالة أن القبط واليونان وسكان مصر يفضلون ظلم المماليك على ظلم الأتراك الذين يكرهونهم، «ومن المحتمل جدا أن يعد الصدر الأعظم «يوسف ضيا» - لرغبته في التخلص من الفرنسيين - البكوات بعودة امتيازاتهم وسلطاتهم السابقة إليهم، وأن الباب العالي سوف يكتفي بالاعتراف القديم بسيادته على مصر ودفع الخراج بنظام أكثر من الأول، ولكن من المؤكد أن البكوات سوف لا يثقون بهذه الوعود إلا إذا فهموا كذلك من قائد القوات البريطانية أبر كرومبي نفسه أنهم في نظير انضمامهم إلى القوات الإنجليزية والعثمانية سوف يرون العدالة تجري مجراها في هذه الشئون بقدر المساعدة التي يبذلونها في طرد الفرنسيين.»
Shafi da ba'a sani ba