Misir a Farkon Karni na Sha Tara
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
Nau'ikan
فكان بسبب مخاوفه وبسبب الشكوك التي ساورته من ناحية البكوات أن بعث محمد علي إلى بكوات الصعيد يهدد بإرسال جيشه عليهم إذا هم امتنعوا عن الحضور فورا إلى القاهرة، وكان هؤلاء حتى آخر مارس لا يزالون في الصعيد، وكتب «سانت مارسيل» إلى حكومته من الإسكندرية في 30 مارس: «أن البكوات من جماعة محمد بك المنفوخ مقيمون دائما بالوجه القبلي، ولو أنهم ملتزمون الهدوء والسكينة رغم رفضهم الحضور إلى الجيزة بالقرب من القاهرة حسب اتفاقهم القديم مع محمد علي، فلا شيء بسبب هدوئهم هذا يعكر صفو السلام الآن.» وفي 25 أبريل كتب «سانت مارسيل» مرة أخرى: «أن البكوات مقيمون دائما بالصعيد، والهدوء شامل في مصر والسلام مستتب، ولو أنه كان ينبغي عليهم أن يكونوا مقيمين الآن بالجيزة والجهات المجاورة لها حسب اتفاقهم مع محمد علي.»
ولم يجد البكوات بدا في النهاية من النزول من الصعيد إزاء تهديد محمد علي، ولا جدال في أنهم لم يمتثلوا لأمر محمد علي برضاء منهم، بل كانوا يضمرون الشر ويبغون الكيد له، وبدأت الأخبار تترا على القاهرة بأنه «قد تحركت همم الأمراء المصريين القبليين إلى الحضور إلى ناحية مصر (القاهرة) بعد ترداد الرسل والمكاتبات، وحضور ديوان أفندي ورجوعه، وحضور محمد بك المنفوخ أيضا، وبعد أن صار الباشا ينعم على كل من حضر منهم ويلبسه الخلع، ويقدم له التقادم ويعطيه المقادير العظيمة من الأكياس، حتى إنه كان أنعم على محمد بك المنفوخ بالتزام جمرك ديوان بولاق، ثم عوضه عنه ستمائة كيس، وغير ذلك.»
وفي 6 أبريل عرفت القاهرة أن البكوات وصلوا إلى ناحية بني سويف، ووصل في هذا اليوم القاهرة ذاتها كثير من أجنادهم المماليك، ولكن البكوات أنفسهم ظلوا متباطئين، وترددت الرسل بينهم وبين الباشا وحضر ديوان أفندي (إلى القاهرة) ثم رجع ثانيا إليهم، وذكر «دروفتي» في رسالته إلى حكومته من القاهرة في 28 أبريل ، «أنه عرف أن البكوات قد وصلوا إلى بني سويف، ومن المنتظر وصولهم إلى الجيزة حوالي منتصف شهر مايو، وقد جاءوا جميعهم، ما عدا عثمان بك حسن الذي بقي بالصعيد - كما يقولون - لمراقبة جيش يتألف من أربعة إلى خمسة آلاف رجل تركه الباشا من وقت رحلته الأخيرة، في قنا لتعزيز حاميتها وفي ميناء القصير.»
وأخيرا وصل البكوات إلى ناحية الرقق في 6 مايو، وأوائلهم وصلوا إلى دهشور، وخرج إليهم الأتباع بالملاقاة من بيوتهم وأحبابهم.
ولقي إبراهيم بك ترحيبا كبيرا، فذهب إليه مصطفى آغا الوكيل، وعلي كاشف الصابونجي وديوان أفندي، ثم الباشا، ثم في أثرهم طوسون ابن الباشا، وقدم له إبراهيم بك تقادم.
ولكن حتى هذا الوقت، لم يكن البكوات - وعلى رأسهم إبراهيم بك - قد رضوا بتنفيذ شروط الصلح الذي قبلوه في أسيوط، فبقي إبراهيم مقيما بوطاقه أياما وكثر ترداد المراسلات والاختلافات في الشروط. وفي 10 مايو حضر من قبله عثمان بك يوسف وصحبته صنجق آخر، فطلعا إلى القلعة وقابلا الباشا، ثم رجعا، وحضرا في ثاني يوم كذلك؛ 11 مايو، وفي هذه المرة وافق البكوات على الحضور إلى الجيزة، فخلع الباشا على مندوبيهما هذين خلعا وأعطاهما أكياسا، وأرسل إلى إبراهيم بك هدايا وإلى سليم بك المحرمجي المرادي أيضا. وفي 16 مايو 1810 وصل الجميع إلى الجيزة، ونصبوا وطاقهم خارج الجيزة. (7) البكوات ينقضون الصلح مرة ثالثة
ولقد تبين للباشا، منذ وصول إبراهيم بك وزملائه إلى دهشور، وكثرت الاتصالات بينهم وبين ديوان أفندي وسائر رجال الباشا - على النحو الذي أشرنا إليه - أن البكوات يضمرون سوءا، وأن لا ثقة لهم في محمد علي، وأنهم سوف يتحينون الفرص لنبذ التزاماتهم، فزاده هذا يقينا بضرورة الاحتياط منهم، وكان من بواعث قلقه أن كان بصحبتهم عربان كثيرون من الهوارة، وأنهم يستخدمون نفرا من هؤلاء عيونا لهم وأرصادا تتجسس على معسكر الباشا الذي كان منصوبا وقتئذ في شبرا، وقد جمع الباشا في هذا المعسكر جيشا من المشاة والفرسان، لم يلبث أن اضطر بسبب مخاوفه من البكوات إلى جلب قوات أخرى إليه، مما جعل بدوره البكوات - ولا سيما إبراهيم بك - يمعنون في عدم الثقة به، ويستولي عليهم القلق والانزعاج من احتياطاته هذه.
بل إن إبراهيم لم يلبث أن اتخذ من هذا القلق والانزعاج السائدين في معسكر البكوات، ذريعة لتحريك مخاوفهم من نوايا الباشا، وأخطر من ذلك، الكيد لمحمد علي، بمحاولة إغراء شاهين الألفي على نكث عهده مع محمد علي، وإغراء كبار رجال محمد علي نفسه بالتخلي عنه ومؤازرة البكوات ضده.
وكان الباشا منذ وصول البكوات إلى الجيزة قد استأنف سعيه لديهم وراح يبذل قصارى جهده لإقناعهم بالإقامة في القاهرة، وعرض عليهم أن يترك كل واحد منهم وكيلا عنه في الأقاليم التي كانت للبكوات بالصعيد، وأن يدفعوا العوائد الأميرية في أوقاتها، ويقدموا الغلال المطلوبة منهم، وذلك عن البلاد التي في عهدتهم، كما اشترط الباشا أن ينضم فرسانهم إلى فرسان جيشه الذاهب إلى الحجاز لاستخلاص الحرمين الشريفين من أيدي الوهابيين، فكثرت الاتصالات بين البكوات وبين محمد علي، ولكن دون الوصول إلى نتيجة، وسبب هذا الفشل أن إبراهيم بك لم يكن يطمئن إلى أي اتفاق يعقد مع محمد علي ولا يريد اتفاقا معه.
وبدأ إبراهيم بك في إظهار مكنون نفسه، من اللحظة التي وصل فيها إلى الجيزة، فانتقد محمد علي، وشكا بمرارة من أنه لم يحتفل بإطلاق المدافع تحية لقدومهم، واعتبر ذلك تهوينا لأمره وتحقيرا لشأنه، فصار يقول: «سبحان الله! ما هذا الاحتقار؟ ألم أكن أمير مصر نيفا وأربعين سنة، وتقلدت قائممقامية ولايتها ووزاراتها مرارا وبأخرة صار محمد علي نفسه من أتباعي وأعطيه خرجه من كيلاري (مشيرا إلى عهد الحكومة الثلاثية في غضون 1803-1804) ثم أحضر أنا وباقي الأمراء على صورة الصلح فلا يضرب لنا مدافع، كما يفعل لحضور بعض الإفرنج.»
Shafi da ba'a sani ba