Misir a Farkon Karni na Sha Tara
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
Nau'ikan
وسبب إصرار الباشا على إلزام البكوات الوفاء بعهودهم ودفع الميري نقدا أو عينا أن الباب العالي استمر يطالبه بإنفاذ الإمدادات المطلوبة لحرب الوهابيين، وقد تقدم كيف أن محمد نجيب كتخدا الباشا في القسطنطينية كتب إليه منذ 17 ديسمبر 1808، أن ترتيبات الحملة المرسلة ضد الوهابيين قد انتهت، وذلك بإسناد سر عسكرية الحجاز أو قيادة الحملة العامة مع إيالة الحبشة إلى الصدر الأعظم الأسبق يوسف ضيا باشا، وأنه عند تحرك محمد علي من مصر عندما يتحدد موعد تحرك يوسف ضيا المنتظر حدوثه قريبا في السنة القادمة (1809) يجري حينئذ ما يلزم اتخاذه من إجراءات لإحالة إيالة أو ولاية جدة إلى محمد علي، فكان لزاما على الباشا أن يصر على تحصيل الميري من البكوات حتى يتسنى له الاستعداد للخروج إلى الحجاز. (4) البكوات يطلبون الصلح
ولكن حتى شهر مارس 1809، لم يكن البكوات قد أوفوا بعهودهم، بل استمروا يسعون للتنصل من التزاماتهم، وخيل إليهم أن في استطاعتهم التأثير على الباشا بالهدايا وبذل الوعود الطيبة فحسب حتى يعدل عن تشدده، فأوفدوا إليه رضوان كتخدا البرديسي، ومعه أجوبة وهدية وفيها خيول وجوار وعبيد وسكر وخصيان، وكان الباشا حينئذ عند الترعة الفرعونية منهمكا في سدها منذ منتصف شهر فبراير، فقابله رضوان كتخدا البرديسي هناك، ولكن بدلا من نزوله عن عزمه «اغتاظ الباشا وقال: أنا لست أطلب إحسانهم وصدقاتهم، حتى إنهم يضحكون على ذقني بهذه الأمور، وحيث إنهم لا يرجعون عن الكامن في رءوسهم فلا بد من خروجي إليهم ومحاربتهم، وأرسل إلى من بمصر من الأكابر يأمرهم بالبراز والخروج، فخرج حسن باشا وصالح آغا قوج وطاهر باشا وأحمد بك والكثير من أعيانهم بعساكرهم، وعدوا إلى بر الجيزة ونصبوا وطاقهم وخيامهم، وحضر أيضا نعمان سراج باشا من عند إبراهيم بك، وقابل الباشا على الترعة، فلم ينفع حضوره أيضا، فلم يسمع له قول، ورجع مزيفا.
وعندئذ لم يزل رضوان كتخدا يلاطفه حتى توافق معه على وعد، مقدار مسافة ذهاب الجواب ورجوعه أياما معدودة.»
ورجع الباشا بعد ذلك إلى القاهرة، وفي 18 مارس 1809، اهتم بإخراج التجريدة إلى الصعيد، «فأخذ في التشهيل والخروج، واستمر انتقال العساكر إلى البر الغربي، وأخذ يستحث في المطلوبات وخروج الخيام وجمع المراكب، وسافر قبودان بولاق إلى جهة بحري لجمع المراكب، وفرضوا على القرى غلالا وجمالا.»
وأزعجت هذه الاستعدادات بكوات الصعيد أيما إزعاج، وحاولوا إثناء الباشا عن عزمه على محاربتهم، وسؤاله أن يمهلهم بعض الوقت للوفاء بالتزاماتهم، فأوفدوا إليه علي بك أيوب ورضوان بك البرديسي (وهو غير رضوان كتخدا البرديسي) فحضرا إلى القاهرة يوم 22 مارس، «وطلعا إلى القلعة، وتقابلا مع الباشا، وانخضع له علي بك أيوب، وقبل رجله وترجى عنده في عدم خروج التجريدة، وكلمه في أمر الغلال المنكسرة والجديدة وعلى أنهم يقومون بدفع الغلال القديمة بالثمن، والجديدة بالكيل، وليس عندهم مخالفة والقصد الإمهال إلى حصاد الغلال، فقال الباشا: إنهم إذا حصدوا الغلال أخذوها وفروا إلى الجبال.»
واستمر المندوبان يتوسلان للصلح وعدم خروج الحملة إلى الصعيد، مدة أربعة أيام بتمامها، وراقب القاهريون باهتمام زائد سير المفاوضات وقد تاقت نفوسهم لنجاحها وإتمام الصلح؛ «لما يترتب على استمرار العداء بين الباشا والبكوات وما يحصل من الفساد وأكل الزروعات وخراب البلدان، فإن الجند أكلوا في الأربعة أيام التي ترددوا فيها بالجيزة نيفا وخمسمائة فدان، ولما أشيع بالجهة القبلية خروج العساكر للتجريدة انزعج الناس وألسوا من زروعاتهم، وخرجوا من أوطانهم على وجوههم لا يدرون أين يذهبون بأولادهم ونسائهم وقصاعهم، وتفرقوا في مصر (القاهرة والبلاد البحرية)؛ ولذلك فإنه عندما أشيع الصلح في 25 مارس فرح الناس واستبشروا بذلك، وعندما تبين لهم كذب ذلك في اليوم التالي وأشيع خروج العساكر ثانيا انقبضت النفوس ثانيا وبات الناس في نكد، وطلبت السلف من المساتير والملتزمين وكتبت الدفاتر وحولت الأكياس، وانبث المعنيون للطلب.»
على أن الطمأنينة عادت إلى النفوس عندما بطل أمر التجريدة يوم 27 مارس، وتوصل المندوبان إلى عقد الصلح مع الباشا على شروط، وهي: أنهم؛ أي البكوات التزموا بتأدية ثلث ما عليهم من غلال الميري، وقدره مائة ألف إردب وسبعة آلاف إردب، بعد مناقشات ومحققات، والذي تولى المناقشات معهم مساعد الباشا: شاهين بك الألفي، وعلى أن يدفع البكوات الميري سنويا وقدره ثلاثمائة ألف قرش عثماني، وأعطوا مهلة واحدا وثلاثين يوما، وغادر القاهرة إلى الصعيد علي بك أيوب ورضوان بك البرديسي بعد أن أكرمهما الباشا وخلع عليهما، وكتب «سانت مارسيل» إلى حكومته من الإسكندرية في 13 أبريل، أن بكوات الصعيد وقد تفاوضوا من جديد مع الباشا، فإن التفاهم لا يزال قائما بين الطرفين.
ولكن منذ 29 أبريل راح «دروفتي» يكتب من القاهرة: «أن موعد انتهاء الهدنة قد قرب ولم يبق سوى أيام قليلة على انتهائها، ومع أن كلا الطرفين (الباشا والبكوات) يجدان في التسلح، ففي وسع المرء الاعتقاد بأن تقرير الصلح لا يزال ممكنا»، وأن «دروفتي» كان لا يؤمن في قرارة نفسه بأن السلام سوف يسود بين الفريقين، ولكن كان مبعث تفاؤله ما أظهره الباشا من تساهل، وموافقته على مد أجل الهدنة.
وحقيقة الأمر أن الباشا أمهل البكوات ثلاثة شهور، ودأب البكوات على المراوغة، ونفذوا من الاتفاق شطره المناسب لهم، فحضر في 23 مايو إلى القاهرة مرزوق بك بن إبراهيم بك وقاسم بك سلحدار مراد بك وعلي بك أيوب، وحضر معهم سليما آغا مستحفظان، ولو أن هذا الأخير مذكور في الحضور، بل كان منجمعا وممتنعا عن التداخل في هذه الأحوال، وكان سبب حضوره أن زوجته توفيت وأراد أخذ تركتها ومتاعها ومتاعه الذي عندها وحصصها، ولكنه وجد الباشا استولى على ذلك وأخذ المتاع والمصاغ والجواهر والعقار وأخذ الحصص وحلوانها، وذلك بيد محمود بك الديودار، فلما حضر سليم آغا لم يجد شيئا، لا دارا ولا عقارا ولا نافخ نار فحضر إليه محمود بك الديودار والترجمان وأخذا بخاطره وطمناه وأخبراه أن الباشا سيعوض عليه ما ذهب منه وزيادة وزرعا له فوق السطوح، فلم يسعه إلا التسليم.
ومضى شهر يونيو، ولم يوف البكوات بعهودهم، وفي 28 يونيو غادر القاهرة إلى الصعيد علي بك أيوب وسليم آغا مستحفظان، وبقي مرزوق بك وقاسم بك المرادي. (5) البكوات ينقضون الصلح مرة ثانية
Shafi da ba'a sani ba