297

Misir a Farkon Karni na Sha Tara

مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

Nau'ikan

وفي أثناء ذلك قرروا أيضا فرضة غلال وسمن وشعير وفول على البلاد والقرى، وإن لم يجد المعينون للطلب شيئا من الدراهم عند الفلاحين، أخذوا مواشيهم وأبقارهم، ليأتي أربابها، ويدفعوا ما تقرر عليهم، ويأخذوها ويتركوها بالجوع والعطش، فعند ذلك يبيعونها على الجزارين، ويرمونها عليهم قهرا بأقصى القيمة، ويلزمونهم بإحضار الثمن، فإن تراخوا وعجزوا، شددوا عليهم بالحبس والضرب.»

وفي ديسمبر 1807، بدأ الباشا إعادة النظر في تقدير مساحة الأراضي المزروعة، وتقرير فئات الضرائب عليها بنسبة خصبها وارتوائها من ماء النيل، فأنفذ ولده إبراهيم بك في 24 ديسمبر إلى مديرية القليوبية، ومعه طائفة من المباشرين الأقباط وعلى رأسهم جرجس الطويل، كبيرهم، وعدد من أفندية الروزنامة والكتبة، للكشف على الأطيان التي رويت والأخرى الشراقي، «فأنزلوا بالقرى النوازل، من الكلف وحق الطرقات، وقرروا على كل فدان رواه النيل أربعمائة وخمسين ونصف فضة تقبض للديوان، وذلك خلاف ما للملتزم، والمضاف، والبراني، وما يضاف إلى ذلك من حق الطرق والكلف المتكررة.»

وبدأ الباشا القروض الإجبارية، فتقرر في 31 ديسمبر من العام نفسه، إرغام مساتير الناس على تقديم سلف، تحتسب لهم من المغارم التي سوف يجري تقريرها على حصصهم في المستقبل، وعين الجند لتحصيل هذه السلف الفريدة في نوعها، فتغيب غالب الناس وتوارى لعدم ما بأيديهم، وخلو أكياسهم من المال، والتجأ الكثير منهم إلى ذوي الجاه، ولازموا أعتابهم، حتى شفعوا فيهم، وكشفوا غمتهم.

وانتهز الباشا فرصة مجيء القابجي بيانجي بك، يطلب من محمد علي إنفاذ جيشه إلى الحجاز، لمطالبة المتصدرين من المشايخ والزعماء بتدبير النفقات التي تستلزمها تلبية أوامر الباب العالي، والتي قدرها الباشا بأربعة وعشرين ألف كيس. وفي فبراير 1808 «عمل الباشا ديوانا جمع فيه الدفتردار والمعلم غالي والسيد عمر مكرم والمشايخ، وقال لهم: لا يخفاكم أن الحرمين استولى عليهما الوهابيون، ومشوا أحكامهم بها، وقد وردت علينا الأوامر السلطانية، المرة بعد المرة، للخروج إليهم ومحاربتهم وجلائهم وطردهم عن الحرمين الشريفين، ولا تخفى عنكم الحوادث والوقائع التي كانت سببا في التأخير عن المبادرة في امتثال الأوامر، والآن حصل الهدوء، وحضر قابجي باشا بالتأكيدات والحث على خروج العساكر وسفرهم، وقد حسبنا المصاريف اللازمة في هذا الوقت، فبلغت أربعة وعشرين ألف كيس، فأعملوا رأيكم في تحصيلها.»

وكان هذا مبلغا جسيما، فحصل ارتباك واضطراب، وشاع ذلك في الناس، وزاد بهم الوسواس، ولما كان الباشا غير متهيئ لإنفاذ جيشه إلى الحجاز وقتئذ، للأسباب التي عرفناها، فقد راح يبذل قصارى جهده لإقناع القابجي بالتريث وعدم العجلة؛ إذ يحتاج هذا الأمر إلى استعدادات كبيرة، وإنشاء مراكب في بحر القلزم، وسهل عندئذ الاتفاق على كتابة عرضحال ليصحبه ذلك القابجي معه بصورة نمقوها.

وفي العام نفسه قام محمد علي برحلة في الوجه البحري، استغرقت شهرا تقريبا من 27 أغسطس إلى 22 سبتمبر 1808، كان الغرض منها جمع المال لإرسال هدية إلى الباب العالي، وشرح الشيخ الجبرتي الأساليب التي اتبعت في جمع المال أثناء هذه الرحلة، فقال: «سافر محمد علي باشا إلى بحري، ونزل في المراكب، وأرسل قبل نزوله بأيام تشهيل الإقامات، والكلف على البلاد، من كل صنف خمسة عشر، وأخلوا له ولمن معه بيوت البنادر، مثل المنصورة ودمياط ورشيد والمحلة والإسكندرية، وفرض الفرض والمغارم على البلاد، على حكم القراريط التي كانوا ابتدعوها في العام الماضي، على كل قيراط سبعة آلاف وسبعمائة نصف فضة، وسماها كلفة الذخيرة، وأمر بكتابة دفتر لذلك.

فكتب إليه الروزنامجي أن الخراب استولى على كثير من البلاد، فلا يمكن تحصيل هذا الترتيب، فأرسل الباشا من المنصورة يأمر بتحرير العمار بدفتر مستقل، والخراب بدفتر آخر، فلما فعل الروزنامجي ذلك، أدخل فيها بلادا بها بعض الرمق لتخلص من الفرضة، وفيها ما هو لنفسه، فلما وصلت إليه؛ أي محمد علي، أمر بتوزيع ذلك الخراب على أولاده وأتباعه وأغراضه، وعدتها مائة وستون بلدة، وأمر الروزنامجي بكتابة تقاسيطها بالأسماء التي عينها له، فلم يمكن الروزنامجي أن يتلافى ذلك فتظهر خيانته، ووزعت وارتفعت عن أصحابها.

وكذلك حصل بإقليم البحيرة لما عمها الخراب، وتعطل خراجها، وطلبوا الميري من الملتزمين، فتظلموا واعتذروا بعموم الخراب، فرفعوها عنهم، وفرقها الباشا على أتباعه، واستولوا عليها، وطلبوا الفلاحين الشاردة والمنسحبة من البلاد الأخر، وأمروهم بسكناها، وزادوا في الطنبور نغمات، وهو أنهم صاروا يتتبعون أولاد البلد أرباب الصنائع الذين لهم نسبة قديمة بالقرى، وذلك بإغراء أتباعهم وأعوانهم، فيكون الشخص منهم جالسا في حانوته وصناعته، فما يشعر إلا والأعوان محيطون به يطلبونه إلى مخدومهم، فإن امتنع أو تلكأ سحبوه بالقهر، وأدخلوه إلى الحبس، وهو لا يعرف له ذنبا، فيقول: وما ذنبي؟ فيقال له: عليك مال الطين، فيقول: وأي شيء يكون الطين؟ فيقولون له: طين فلاحتك من مدة سنتين لم تدفعه؟ وقدره كذا وكذا، فيقول: لا أعرف ذلك، ولا أعرف البلد، ولا رأيتها في عمري، لا أنا ولا أبي ولا جدي، فيقال له: ألست فلان الشبراوي أو المنياوي مثلا، فيقول لهم: هذه نسبة قديمة، سرت إلي من عمي أو خالي أو جدي، فلا يقبل منه، ويحبس ويضرب حتى يدفع ما ألزموه به، أو يجد شافعا يصالح عليه، وقد وقع ذلك لكثير من المتسببين والتجار وصناع الحرير وغيرهم.

ولم يزل الباشا في سيره حتى وصل إلى دمياط، وفرض على أهلها أكياسا، وأخذ من حكامها هدايا وتقادم، ثم رجع إلى سمنود، وركب في البر إلى المحلة، وقبض ما فرضه عليها، وهو خمسون كيسا نقصت سبعة أكياس عجزوا عنها بعد الحبس والعقاب، وقدم له حاكمها ستين جملا وأربعين حصانا، خلاف الأقمشة المحلاوية، مثل الزردخانات والمقاطع الحرير، وما يصنع بالمحلة من أنواع الثياب والأمتعة، صناعة من بقي بها من الصناع.

ثم ارتحل عنها ورجع إلى منوف، وذهب إلى رشيد والإسكندرية، ولما استقر بها عبى هدية إلى الدولة، وأرسل إلى مصر (القاهرة) فطلب عدة قناطير من البن والأقمشة الهندية وسبعمائة إردب أرز أبيض أخذت من بلاد الأرز، وأرسل الهدية صحبة إبراهيم أفندي المهردار ...

Shafi da ba'a sani ba