Misir a Farkon Karni na Sha Tara
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
Nau'ikan
Joachim Murat ، الذي خلف يوسف بونابرت ملكا على هذه المملكة التي أقامها نابليون في شبه الجزيرة الإيطالية، فذهب القرصان إلى ميناء طرابلس الغرب ليبيع غنائمه بها، ولكن يوسف القره مانلي، باشا طرابلس، لم يسمح ببيع الغنائم، لصداقته مع الإنجليز، تلك الصداقة التي أفضت بعد ذلك إلى عقد معاهدة سلام معهم (في 10 مايو 1812) تجددت بفضلها المعاهدات القديمة التي عقدها هذا الوجاق مع بريطانيا؛ وعلى ذلك فقد غادرت «روا دي روم» طرابلس إلى الإسكندرية لبيع البضائع والسفينة المصادرة، فبلغت ميناء الإسكندرية في 12 أغسطس 1811، ولكن «مسيت» بوصفه قنصلا بريطانيا، لم يلبث أن تدخل لمنع بيع هذه «الغنائم الإنجليزية» فنشأت الأزمة.
واستند «مسيت» في معارضته هذه إلى أن معاهدة امتيازات جديدة قد عقدت حديثا بين حكومته والباب العالي، تنص إحدى موادها خصوصا على منع بيع أية غنائم إطلاقا في المواني العثمانية، وقد ترتب على هذه المعارضة أن قرر حاكم الإسكندرية، عدم إنزال البضائع إلى البر، حتى تأتي أوامر الباشا، الذي أحال عليه هذه المسألة، فأبلغ «سانت مارسيل» الأمر إلى «دروفتي». ولما كان محمد علي بالسويس وقتئذ، فقد أوفد «دروفتي» إليه «مانجان»، وأصدر الباشا أمره بعدم المعارضة في بيع الغنائم، وتحدى «مسيت» هذا الأمر، فلصق إعلانا على باب القنصلية الإسبانية - وعداء «كامبو أبي سولر» القنصل الإسباني لفرنسا معروف - يحذر فيه الجمهور من شراء البضائع والسفينة المصادرة، بالرغم من إجازة الحكومة المحلية - كما قال الإعلان - «بيع هذه الغنائم التي استولت عليها سفينة القرصنة «روا دي روم» من الإنجليز»، وينذر باتخاذ إجراءات قضائية فورا ضد من يقدم على ذلك لرد البضائع المشتراة على غير وجه حق، أو دفع قيمتها إذا حصل التصرف فيه وتعذر إحضارها.
ولكن أوامر جديدة لم تلبث أن وصلت حاكم الإسكندرية خليل بك، تلغي الأوامر السابقة، وتمنع البيع؛ فقد بادر «مسيت» بإرسال احتجاجاته إلى محمد علي، وكان موجودا بالسويس وقتئذ «الشيفالييه بالان»
القائم بأعمال البعثة الدبلوماسية السويدية في القسطنطينية ، وكان هذا قد قدم لزيارة الآثار في مصر، ثم ذهب لمقابلة الباشا في السويس، فرأى الباشا استشارته، فقال «بالان»: «ولو أنه يجهل ما يحدث خارج القسطنطينية، إلا أنه يعلم أنه محرم على الإنجليز والفرنسيين بيع الغنائم في القسطنطينية»، فكان هذا الرأي كافيا - على نحو ما شكا الوكلاء الفرنسيون - لأن يلغي محمد علي أمره السابق ويحيل المسألة على القسطنطينية حتى يفصل فيها الباب العالي. وتعجب «دروفتي» كيف يدعي «بالان» الجهل بما يجري خارج القسطنطينية، وهو الذي يعلم أن القراصنة الفرنسيين يجلبون غنائمهم التي يصادرونها من الإنجليز إلى مينائي شيوز وسالونيك لبيعها فيهما، ولكن «دروفتي» نفسه راح في كتبه إلى حكومته في 5 سبتمبر 1811 يعلل السبب الذي حدا بالسيد «بالان» لإبداء الرأي المتقدم، فقال: «إن «بالان» هو الذي عين قنصلا عاما للسويد في مصر وسمح بأن يمثلها بها السيد «بتروتشي» المشهور الذي ورد اسمه كثيرا في التقارير التي بعث بها إلى حكومته، وهو العدو الألد لفرنسا، والوكيل ذو الحماسة العظيمة للحكومة الإنجليزية في مصر.» ثم إن «سانت مارسيل» بادر بإبلاغ «لاتور موبورج» بالقسطنطينية ما حدث؛ حتى يتوسط لدى الباب العالي لاستصدار أمر لمحمد علي بعدم الممانعة في بيع الغنائم.
وقد سببت مسألة السفينة «روا دي روم» امتعاض واستياء الوكلاء الفرنسيين من محمد علي، الذي يريد تضحية مصالح دولتهم، لقاء استرضاء أصدقائه الإنجليز، والذي - حتى يجد مخلصا من مواجهة الموقف بنفسه فلا يثير بتصرف قد يأتيه غضب الإنجليز أو أعدائهم الفرنسيين منه - قد أحال هذا الموضوع إلى الباب العالي، مع ما في ذلك من تعطيل لنشاط القراصنة الفرنسيين الذين سوف يمتنع عليهم بيع الغنائم التي يصادرونها من الإنجليز في المواني المصرية حتى يأتي قرار الباب العالي، وقد يطول الزمن قبل أن يأتي هذا القرار كما هو معروف عن بطء الديوان العثماني وتردده، وقد يصدر هذا القرار في غير صالح الفرنسيين بسبب تقلب الباب العالي.
ولقد كانت الدعاوى التي تذرع بها «مسيت» لوقف بيع غنائم السفينة «روا دي روم» على جانب كبير من الخطورة؛ لأنه إذا صح قول «مسيت» إن معاهدة امتيازات قد عقدت من مدة قريبة بين حكومته والباب العالي، تنص إحدى موادها بصورة خاصة على منع بيع أية غنائم في مواني الدولة العثمانية، لأفاد الإنجليز وحدهم من هذا الخطر، ووقع الغرم على الفرنسيين فحسب، ذلك أن الإنجليز كان في وسعهم - على نحو ما شرح «سانت مارسيل» لوزير الخارجية الفرنسية في 26 أغسطس 1811 - أن يذهبوا بغنائمهم بكل سرعة إلى القاعدة القريبة من «الليفانت» التي لهم، وهي مالطة، بينما تبعد المواني الفرنسية عن «الليفانت»، ويتعذر على القراصنة الفرنسيين لذلك الوصول إليها بسرعة أو دون التعرض لمطاردة الأسطول الإنجليزي لهم، ومعنى هذا أنه صار ممنوعا على هؤلاء، التجول في مياه الليفانت مما يترتب عليه أن تحظى تجارة الإنجليز في هذه الجهات بكل أمن وسلام، فتزيد انتعاشا أكثر مما هي عليه الآن.
واعتقد الوكلاء الفرنسيون أن الواجب كان يقتضي محمد علي أن يذكر حسن صنيع فرنسا معه، من جهة، وما للباب العالي من أفضال سابقة عليه من جهة أخرى، وهو الذي يعتمد في بقائه في باشويته على رضائه، ويدين له بالطاعة بوصفه تابعا له، فلا يبادر بإجابة مطالب الوكلاء الإنجليز ويقبل على تنفيذها قبل أن تصله أوامر الباب العالي الصريحة والقاطعة في هذه المسألة، وأنه ما كان ينبغي للباشا أن يتعلل بضرورة انتظار أوامر الباب العالي، وهو الذي لا يجهل - كما قال «سانت مارسيل» - أن القراصنة الفرنسيين كثيرا ما يأتون بغنائمهم إلى مواني الدولة العثمانية، ولا يلقون معارضة ما في بيعها «فهل تغدو مصر يا ترى كتونس وطرابلس الغرب التي يؤكدون لي أن البايات والباشوات في هذه الوجاقات قد بدءوا يستمعون لما يقوله الإنجليز؟»
وساء الوكلاء الفرنسيين أن يغض الباشا نظره على اجتراء «مسيت » على الانتقاص من سلطته، وتحدى أوامره لرجال حكومته، فيرضى بأن ينشر «مسيت» ذلك الإعلان الذي تهدد وتوعد فيه كل مشتر لغنائم «روا دي روم» بالمقاضاة، وبالرغم من الأوامر التي أصدرها الباشا إلى حاكم الإسكندرية بإجازة بيع هذه الغنائم، فقال «سانت مارسيل»: إن عمل «مسيت » هذا كان فيه إضعاف لسلطان الباشا، ومع ذلك فإنه لم يعترض عليه. واستخلص «سانت مارسيل» من هذا الحادث «أن الإنجليز قد صاروا مسيطرين على مصر، التي يأخذون منها كل غلالها لتموين وإعاشة أعداء فرنسا، والذين لم يكفهم الحصول على هذه المزايا، فأجبروا الباشا على الرضوخ لإرادتهم، حتى يمنع بيع غنائم تافهة صادرها القراصنة النابوليتان وأتوا بها إلى هذه البلاد.» ثم استطرد يقول: «وهكذا يظل الإعجاب والتحيز لكل ما هو إنجليزي في زيادة مطردة في مصر، ولا يمحو من أذهان الفرنسيين المقيمين بهذه البلاد ما يتحملونه من إهانات سوى حقيقة أنهم ينتمون لتلك الأمة المجيدة التي يتبوأ عرشها أعظم الأبطال جميعا.»
واستمرت مسألة هذه الغنائم معلقة مدة طويلة، حدث في أثنائها أن قبض إبريق إنجليزي على «روا دي روم» بالقرب من قبرص في سبتمبر 1811، ثم إنه كان في شهر أكتوبر أن أبلغ «لاتور موبورج» من القسطنطينية «سانت مارسيل» أن الباب العالي قد أصدر أمرا إلى محمد علي؛ حتى لا يضع أية عراقيل في سبيل بيع الغنائم، ولكن الباشا نفى «لدروفتي» وصول هذا الأمر إليه، حتى إذا كان شهر مارس 1812، حضر قبطان «روا دي روم» نفسه، مزودا برسالة من كتخدا الباشا بالقسطنطينية لإجازة البيع، وكان القبطان «أنطوان ميشيل» بعد أن أطلق سراحه الإنجليز قد ذهب إلى القسطنطينية، فأحدثت رسالة كتخدا الباشا الأثر المطلوب، فأجاز محمد علي البيع، ولكن على شريطة أن يمتنع من الآن فصاعدا إحضار أية غنائم وبيع أية غنائم سواء كانت فرنسية أو إنجليزية في مواني الإمبراطورية العثمانية، ولم يكن قرار محمد علي في صالح الفرنسيين للأسباب التي سبقت الإشارة إليها.
بيد أنه لم يكن في وسع الوكلاء الفرنسيين مهما بلغ بهم الكدر والاستياء، إغضاب محمد علي، ليس فقط لأن مشروع الغزو الفرنسي لمصر لم يتحقق، على الرغم من الإشاعات التي استمرت تذيع وقتئذ عن الحشود المستعدة في هذه البلاد، وليس لأنه كان من العبث تكدير الباشا في موضوع لم يقم أي دليل على أنه مستعد لتلبية رغبتهم فيه، ووقف تعامله مع الإنجليز أو تصدير غلاله إلى مالطة، بل وكذلك لأن الفرنسيين أنفسهم كانوا يريدون أن يمون الباشا بالغلال حاميتهم في كرفو.
Shafi da ba'a sani ba