217

Misir a Farkon Karni na Sha Tara

مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

Nau'ikan

Bryce

عن حالة تحصينات الدفاع بالإسكندرية، وقد سبق لهذا الأخير أن خدم في مصر أثناء الحرب الأخيرة (1801)، واكتسب خبرة كبيرة.

ومع أن «فوكس» بادر في 23 يونيو بإرسال ما وصله من تقارير من «فريزر» عن تحسن الموقف في الإسكندرية، وقال تعقيبا على ما جاء بهذه التقارير : إنه يستدل من اللهجة التي كتبت بها أن الجيش الذي تحت قيادة «فريزر» في الإسكندرية، قد صار الآن موقفه مأمونا تماما، كما صار مزودا بالمؤن تزويدا طيبا، إلا أن تقارير «فريزر» السابقة عن هزيمتي رشيد والحماد، وتوضيحات «فوكس» عن ضرورة إرسال جيش من خمسة عشر ألف مقاتل إلى الإسكندرية إذا شاءت الحكومة الاحتفاظ بها، مع بيان ما ينجم عن فصل هذه القوة من جيشه بصقلية من إضعاف لهذا الجيش نفسه، قد حتم على الحكومة الإنجليزية الاختيار نهائيا بين الاحتفاظ بالإسكندرية، ويتطلب ذلك إرسال هذا الجيش الكبير إليها، وهذا ما لم يكن في مقدورها، أو الاحتفاظ بصقلية لضرورات الموقفين العسكري والسياسي في أوروبا، والإفراج عن القوة المحجوزة بالإسكندرية لاستخدامها في ميادين أخرى أعظم أهمية بالنسبة لاستراتيجية الحرب العامة، فلم تجد الحكومة الإنجليزية مناصا من تقرير خطتها النهائية، وعندئذ آثرت التخلي عن الإسكندرية على ضياع صقلية من يدها، ومن المحتمل كذلك إذا ضعف جيش «فوكس» بهذه الأخيرة ضياع الإسكندرية وصقلية معا وفي وقت واحد؛ ولذلك فإنه بمجرد أن وقفت هذه الحكومة على أخبار هزيمتي رشيد والحماد وحاجة «فريزر» إلى النجدات القوية، وعرفت آراء «فوكس» في هذا الموضوع منذ أن وصلتها تقاريره الأولى خلال النصف الأول من شهر يونيو أصدرت أوامرها فورا بسحب الجند البريطانيين من الإسكندرية إن لم يكن قد بدأ انسحابهم منها فعلا بسبب الهزائم الأخيرة والصعوبات التي صار يواجهها «فريزر»، فبعث «كاسلريه» بهذه الأوامر القاطعة إلى «فوكس» في 14 يونيو 1807 في كتاب طويل، لا يدع مجالا للشك في أن مصير حملة «فريزر» كان مرتبطا ومن مبدأ الأمر، على نحو ما ذكرنا مرارا، كان مرتهنا بتطورات الموقف في أوروبا من الناحيتين العسكرية والسياسية.

فجاء في كتاب «كاسلريه» ما نصه: «لقد وصلنا تقريركم (مخاطبا «فوكس ») من «مسينا» بتاريخ 14 مايو مع الرسائل المرفقة به، وقد عرضت هذه على الملك، وقد تلقى جلالته باهتمام بالغ ما سرده «فريزر» عن الهجومين الفاشلين اللذين قاما بهما الجند البريطانيون بخسارة كبيرة ضد رشيد، على نحو ما جاء ذكره مفصلا في كتاب الميجور جنرال «فريزر» إلى الوزير «وندهام» بتاريخ 6 أبريل، ولكم بتاريخ 24 من الشهر نفسه، ويوافق جلالته على الإجراءات التي اتخذتموها من حيث إرسال النجدات والإمدادات التي وجدتم أنها قد تكون كافية لإعطاء «فريزر» الفرصة للاستمرار في امتلاك الإسكندرية، حتى تتضح رغبات جلالته بشأن ذلك؛ ولذلك أبلغكم الآن أوامر جلالته فيما يتعلق بتوجيه مسلككم، إذا لم يكن قد تم فعلا إخلاء مصر قبل وصول هذه إليكم.

يبدو مما وضح من حوادث للآن، أنه لا يمكن فصل احتلال الإسكندرية عن امتلاك رشيد والرحمانية وربما دمياط كذلك، وأنه حتى بامتلاك هذه الأماكن الأخيرة، ليس هناك ما يدعو لتوقع الاحتفاظ بالإسكندرية في أمان، ما دمنا في حرب مع الباب العالي من غير اتساع نطاق العمليات العسكرية بصورة تشمل احتلال مصر بأسرها، وإخضاع القوات الأرنئودية والعثمانية الموجودة بالبلاد الآن، وتقولون إن النجدات التي بعثتم بها إلى «فريزر» إنما هي بالقدر الذي قد يمكن من الاحتفاظ بالإسكندرية حتى تستبين رغبات جلالة الملك، ولكنه حتى يتسنى احتلال جميع المواقع الضرورية لتأمين موقفنا في هذه البلاد، لا مناص في رأيكم من استخدام جيش لا يقل عن 15000 مقاتل من بينهم 1000 فارس؛ لتحقيق هذه الغاية في الظروف الراهنة، ولكنه بالرجوع إلى القوات التي لدينا الآن في البحر الأبيض يتضح - إلا إذا كان جلالته متهيئا لإرسال قوة، يتألف أكثرها من الجند الموجودين بأرض الوطن - أنه لا معدى عن الاختيار بين إخلاء مصر أو التخلي عن صقلية، ومن المستحيل الاحتفاظ بمصر وصقلية معا وفي وقت واحد، بل ومن المحتمل فقد الاثنين كليهما إلى جانب فقد الجيش نفسه كذلك إذا حاولنا برعونة النضال ضد الصعوبات التي تكتنف تحقيق الغرض الأول (أي الاحتفاظ بمصر)، وحيث إن هذا هو الوضع الحقيقي للمسألة، فلا شك في أنكم قد استخلصتم من تعليماتي الأخيرة إليكم أنه لا مجال للتردد في اختيار الطريق الذي يجب تقريره، لقد كان الغرض الرئيسي من تلك التعليمات هو جعل امتلاك الإسكندرية - من وجهة النظر السياسية - تابعا لأمن صقلية وسلامتها، وللغرض الأكبر أهميته من حيث القدرة على القيام بعمل عدواني ضد العدو في إيطاليا. ومهما كان مبلغ إدراك الملك حينذاك لما سوف يترتب عليه فصل قوة كبيرة كهذه، وإرسالها إلى مصر كوسيلة لحمل الباب العالي على قبول تسوية معنا، من أثر سيئ على قدرة جيشكم على القتال والقيام بعمليات عسكرية نشيطة، فإنه لم يكن راغبا وقتذاك في جعل الإسكندرية تفلت من أيدينا، وإنما بشريطة أن يستطيع الجنود الذين بها الاحتفاظ بهذا الموقع، ولقد كانت رغبة جلالته في الوقت نفسه من جهة أخرى ألا يستحيل تحقيق هذا الغرض إلى عامل يستنفد تدريجا قوات جيش جلالته في صقلية.

ولا يبعد بحال من الأحوال أن يكون الميجور جنرال «فريزر» قد وجد نفسه على نحو ما يؤخذ من تقريره، مرغما على سحب جنده من مصر قبل أن تتمكن النجدات المرسلة من الوصول إليه، ومن المحتمل - من ناحية أخرى - أنه لا يزال بالإسكندرية، وأن تلقاه بها النجدات المرسلة إليه من صقلية، وإنكم بسبب صعوبات موقفه المستمرة - ولا سيما بعد أن يكون قد وصلكم كتابي المؤرخ في 21 مايو - تكونون قد قررتم استدعاء جيش الميجور جنرال «فريزر» دون انتظار لتعليمات أخرى من لندن، فإذا لم يكن هذا ما وقع فعلا، فإني أبلغكم إرادة جلالة الملك، وهي أن تتخذوا فورا الإجراءات اللازمة لسحب الجنود البريطانيين من مصر، والتنبيه عليهم بالعودة إلى قواعدهم السابقة في صقلية.»

ثم إن «كاسلريه» طلب في ختام رسالته هذه إلى «فوكس» أن يبلغ هذه الأوامر التي تلقاها إلى السير «آرثر باجيت» بسفينة سريعة، إذا كان هذا قد غادر صقلية في طريقه لتأدية المهمة المكلف بها (أي المفاوضة مع الباب العالي) وأن يبلغه كذلك أن حكومته قد خصصت لحين صدور أوامر أخرى أسطولا صغيرا للتجول قريبا من الساحل المصري لمنع وصول أية إمدادات من مصر إلى القسطنطينية، وفي 16 يونيو أصدرت البحرية البريطانية تعليماتها إلى أمير البحر اللورد «كولنجوود» بوضع قوة بحرية بالقرب من الساحل المصري لتحقيق هذا الغرض الأخير، وخيرته في عدم فعل ذلك إذا اتضح له أن حصار الدردنيل وميناء أزمير يكفي دون حاجة لوضع قوة عند مصبات النيل تكفي لمنع خروج الإمدادات من مصر إلى القسطنطينية، إلا إذا وجد من الحكمة توقيا لما قد يحدث استمرار هذه القوة البحرية بالقرب من الساحل المصري، على اعتبار أن ذلك من الإجراءات العامة التي يجب اتخاذها من قبيل الحيطة والحذر من إرسال الفرنسيين جيشا إلى مصر.

وأما هذه التعليمات القاطعة بضرورة سحب الجنود والجلاء فورا عن الإسكندرية، فقد وصلت «فوكس» بمسينا في 10 يوليو، ووجب عليه أن يبلغها بدوره إلى «فريزر» دون إبطاء، ولكنه حدث أن السير «آرثر باجيت» الذي غادر إنجلترة في طريقه لتنفيذ مهمته في 3 يوليو، كان قد وصل هو أيضا إلى «مسينا» في 10 يوليو بعد أن قابل «كولنجوود» في قادش، وتحدث إليه في أغراض مهمته، ووصل الاثنان إلى أن الهزائم التي لحقت بجيش «فريزر» في مصر، من شأنها أن تصعب مفاوضاته مع الباب العالي.

وعلى ذلك فإنه ما إن وقف على أوامر حكومته الأخيرة بصدد الجلاء عن الإسكندرية، حتى راح يحاول إرجاء إرسال هذه التعليمات إلى «فريزر» فترة من الوقت، حتى لا تتأثر مفاوضته تأثرا سيئا بسبب هذا الإجراء، واستمال إلى تأييده في هذا الرأي كلا من السير «جون مور»

Moore

Shafi da ba'a sani ba