ومصر العروس مشتهى كل عريس من أهلها ومن الأغراب عنها .. أتاها القريب فأحبها وعشق خيراتها، وتمسك بها وتشبث بتلابيبها، ولم يترك أحضانها إلا بعد عذاب طويل عاناه من أجلها .. وعاناه أصحاب مصر من أجل حبها وودها.
ومصر كعروس طاهرة متدينة لا تسمع أذناها إلا كلام الله الهادي المنبعث من مآذنها وكنائسها ومعابدها، ومن أفواه أشياخها وقسسها وأحبارها.
ومصر العروس لا ترتوي إلا بالماء القراح العذب كالشراب الحلو، والذي يفيض في نهرها وينساب في مجراه الطويل المتدفق على الدوام، لا يجدب ولا يجف .. هذا الماء أو الشراب يكسب وجنتيها جمالا ونهديها بروزا، وفخذيها بضاضة وملاسة ونعومة، وقدميها حلاوة في الشكل، ونعومة في المداس، ومياسة في القد ورشاقة في القوام.
يحلف الشرق كله بحياة عروسه المفضلة المبجلة «مصر» .. وهو لا يراها إلا هدفا كبيرا، ومعلما مرموقا يهديه ويقومه ويعلمه ويرسم له الطريق .. فإذا تكلمت سمع الشرق كله، وإن رفضت رفض الشرق عامته، فهي للشرق عروس وعين بل عيون، وهي له عقل بل عقول.
مصر الاشتراكية
الاشتراكية نظام جديد تمارسه مصر بكفاءة نادرة .. وهو نشاط يلائمها ويلائم ظروفها، ويوحد بين أفراد شعبها ويقرب ذات البين بينهم، ويقضي على التفرقة الطبقية، ويوزع العدالة الاجتماعية بالقسطاس، على كل بنيها وأولادها وأفراد شعبها.
جاءت الاشتراكية إلى مصر متأخرة .. وكانت تجربة ممارستها شاقة متعبة .. كانت الهزة الاجتماعية أقوى من أن تتحملها أعصاب الطبقة القادرة المتمكنة من الأرض والعقار والمال .. فدخلت مصر الاشتراكية في معركة ضارية مع هؤلاء المردة المتسلحين بالمال والثراء، والجاه والسلطان والألقاب.
قضت الاشتراكية أولا على الملكية الباغية .. قضت على حكم فاروق الجائر؛ ذلك الملك الشاب الذي غرق في ملذاته الجسدية حتى أذنيه، ناسيا أو متناسيا الشعب المطحون، كأنما يلذ له رؤية الشعب يعافر وسماعه يئن ويتوجع ويشكون، ولا مجيب.
تصدت مصر الاشتراكية بعد ذلك إلى زبائنه فاروق وحاشيته وأعوانه وجماعات الباشوات والبكوات التي كانت تستعبد الفلاح والعامل، وتعاملهما أسوأ معاملة؛ فتمص دماءهما وتتركهما يعانيان الفقر والجوع والمرض ...
وجاءت مصر الاشتراكية فأباحت التعليم لجميع الناس، وجعلته بالمجان .. وفتحت أبواب الجامعة للكل على حد سواء، ونجحت في هذا الصدد، وزادت عدد الجامعات، وضاعفت عدد المدارس الثانوية والإعدادية والابتدائية ودور الحضانة وروضة الأطفال .. فانتشر التعليم وصار كالماء والهواء بالنسبة للإنسان المصري.
Shafi da ba'a sani ba