ولكن «طومان باي» كان حازما عاقلا، فلما حكم عليه أن يكون سلطانا لم ير بدا من الثبات والصبر وأخذ في رد المظالم وإصلاح الأحوال، ولكن بعد فوات الفرصة، على أنه أخذ إعداد حملة أخرى لمحاربة العثمانيين.
تاريخ مصر العثمانية
فتح العثمانيين مصر سنة 922ه
المعركة الفاصلة بين الجيشين
كان العثمانيون في سوريا قد توقفوا للاستراحة، فظن «طومان باي» أن الرمال المتراكمة بين سوريا ومصر، تحول بين العثمانيين وما يريدون، إلا أن الأمر لم يكن كما ظن؛ لأنه لم يكد يتم إعداداته حتى أتاه كتاب السلطان سليم إلى القاهرة، وهذا نصه:
من السلطان سليم خان بن السلطان بايزيد خان سلطان البرين وخاقان البحرين السلطان ... إلخ، إلى طومان باي الشركسي
الحمد لله، أما بعد؛ فقد تمت إرادتنا الشاهانية، وباد إسماعيل شاه الخارجي، أما قنسو الكافر، الذي حملته القحة على مناوأة الحجاج، فقد نال جزاءه منا، ولم يبق لدينا إلا أن نتخلص منك؛ فإنك جار «عدو»، والله سبحانه وتعالى يساعدنا على معاقبتك، فإذا أردت اكتساب رحمتنا الشاهانية اخطب لنا، واضرب النقود باسمنا. وتعال إلى أعتابنا وأقسم على طاعتنا والإخلاص لنا وإلا ...
فلما قرأ طومان باي الكتاب ، وما في ذيله من التهديد المستتر، استشاط غيظا، وأصر على المقاومة. وكان عالما بعجزه، لكنه فضل الموت في ساحة الحرب على التسليم، فزاد في حصون دمياط وغيرها من الحدود السورية، وجمع ما أمكنه جمعه من الرجال، وسار لملاقاة العثمانيين حتى أتى الصالحية فعسكر هناك.
أما السلطان سليم، فسار إلى مرج دابق وافتتح غزة والعريش والقطيعة، ثم علم مقر الجيوش المصرية في الصالحية، وما هم فيه من العزم على المدافعة بشدة بأس، فعرج بجيشه تاركا الصالحية عن يمينه، وسار حتى أتى الخانكاة على بضع ساعات من القاهرة.
فلما بلغ «طومان باي» تقدم العثمانيين إلى هذا القدر، عاد بجيشه لمهاجمتهم من الوراء. فالتقى الجيشان في سهل قرب «بركة الحج» يوم الجمعة في 29 ذي الحجة سنة 922ه، واقتتلا طويلا، والمصريون يحاربون ببسالة شديدة. لكنهم لم يكونوا يعرفون البارود ولا المدافع كما قدمنا، ولا يعرفون استخدامها، فكانت الغلبة للعثمانيين. ففر المصريون إلى القاهرة، وعسكر العثمانيون في الروضة. فجمع إليه «طومان باي» عددا كبيرا من العربان، بعد أن أرضاهم بالمال، وهجم على معسكر السلطان هجمة اليأس فلم ينل منهم وطرا. فعاد إلى القاهرة على نية مواجهة الحصار، فزاد في حصونها واستحكامها. وحصن القلعة تحصينا عظيما، وأقام في كل شارع وفي كل بيت طابية للدفاع، وحمل السلاح كل من يستطيع حمله للدفاع عن الوطن ولكن رغم هذه الإعدادات، وما أظهره «طومان» من البسالة والإقدام، وما سعى فيه أمراؤه، لم تنج القاهرة من أيدي العثمانيين، فإنهم دخلوها عنوة وأمعنوا فيها قتلا ونهبا وحرقا.
Shafi da ba'a sani ba