في ذلك شيئًا منصوصًا، وأصحابه الذين رأيناهم كالمزني والربيع كانوا يحفون وما أظنّهم أخذوا ذلك إلَّا عنه، وكان أبو حنيفة وأصحابه يقولون: الإحفاء أفضل من التقصير. وقال الأثرم: كان أحمد يحفي شاربه إحفاءً شديدًا، ونصّ على أنّه أَوْلى من القصّ. وقال القرطبي: ذهب الكوفيون إلى أنّ الإحفاء هو الاستئصال وهو عند مالك القصّ وليس بالاستئصال. وذهب بعض العلماء إلى التّخيير في ذلك، وقال النووي: المختار في قصّ الشارب أنّه يقصّه حتّى يبدو أطراف الشفة ولا يحفّه من أصله. قال ابن دقيق العيد: ما أدري هل نقله عن المذهب أو قاله اختيارًا منه لمذهب مالك. وحكى الطبري قول مالك وقول الكوفيين ونقل عن أهل اللّغة أنّ الإحفاء الاستئصال، ثمّ قال: دلّت السنّة على الأمرين ولا تعارض، فإنّ القصّ يدلّ على أخذ البعض والإحفاء يدلّ على أخذ الكلّ وكلاهما ثابت، فيتخيّر فيما شاء. قال الحافظ ابن حجر: ويرجّح قول الطبري ثبوت الأمرين معًا في الأحاديث المرفوعة. انتهى.
قلت: وهذا هو المختار عندي لما فيه من الجمع بين الأحاديث والعمل بها كلّها، فينبغي لمن يريد المحافظة على السّنن أن يستعمل هذا مرّة وهذا مرة، فيكون قد عمل بكلّ ما ورد، ولم يفرّط في شيء.
(وإعفاء اللّحية) قال الخطابي: هو إرسالها وتوفيرها، كره لنا أن نقصّها كفعل بعص الأعاجم. وكان من زيّ آل كِسرى قصّ اللّحى وتوفير الشوارب، فندب ﷺ أمّته إلى مخالفتهم في الزيِّ والهيئة. ويقال: (عفى الشعر والنبات إذا وفى، وقد عفيته وأعفيته لغتان) (١).
(وغسل البراجم) قال الخطّابي: معناه تنظيف المواضع التي تتّسخ ويجتمع فيها الوسخ، وأصل البراجم العقد التي تكون على ظهور الأصابع، وأحدها برجمة، والرّواجب ما بين البراجم.
(وانتقاص الماء) بالصّاد المهملة وبالقاف على المشهور، قال في
_________
(١) في معالم السنن: "عفا الشعر والنبات إذا وفا وقد عفوته وأعفيته لغتان".
1 / 74