من الاستقذار، وإن أخرجه بلسانه، وهو معنى لاكه، فليبتلعه ولا يلفظه، لأنّه لا يستقذر، كذا ذكره النووي وغيره في معنى الحديث، ويحتمل أن يكون معناه أنّ ما أخرجه من بين أسنانه يرميه مطلقا، سواءً أخرجه بخلال أو بلسانه، وما بقي من آثار الطعام على لحم الأسنان وسقف الحلق إذا أدار عليه لسانه ينبغي أن يبتلعه ولا يرميه، والفرق بينه وبين الذي استقرّ بين الأسنان، أنّ ذلك يحصل له التغيّر غالبا باستقراره بينها، بخلاف ما هو على ظاهرها. ويحتمل أن يكون معنى قوله "وما لاك بلسانه فليبتلع" كراهة رمي اللّقمة بعد مضغها لما في ذلك من إضاعة المال واستقذار الحاضرين، وقد قال ﵊: "إذا سقطت لقمة أحدكم فليأخذها فليمط ما بها من الأذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان"، ويتأكّد ذلك بالمضغ لأنّها بعد رميها على هذه الحالة لا ينتفع بها لعيافة الأنفس لها.
(كثيبًا من رمل) بالممثلّثة، قال في الصّحاح: هو التلّ، وقال في النّهاية: هو الرّمل المستطيل المحدودب.
(فليستدبره) بالموحّدة، أي: فلْيولّه دبره أي: ظهره.
(فإنّ الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم) قال الشيخ وليّ الدّين: المقاعد جمع مقعدة، وهي تُطلق على شيئين ذكرهما في الصّحاح، أحدهما: (السّافلة) (١) أي: أسفل البدن، والثّاني موضع القعود، وكلّ من المعنيين إرادته هنا محتملة، أي: أنّ الشّيطان يلعب بأسافل بني آدم، أو في مواضع قعودهم لقضاء الحاجة، فعلى الأوّل الباء للإلصاق، وعلى الثّاني للظرفية كما في قوله (نجّيناهم بسَحَر) أي: في سحر. قال: وكلام الخطابي يوافق الثاني، فإنّه قال: معناه أنّ الشيطان يحضر تلك الأمكنة ويرصدها بالأذى والفساد، لأنّها مواضع يهجر فيها ذكر الله ويكشف فيها العورات، وهو معنى قوله: "إنّ هذه الحشوش محتضرة"، فأمر ﷺ بالتستّر ما أمكن وأن لا يكون قعود الإنسان في براح من الأرض يقع عليه أبصار النّاظرين فيتعرّض
_________
(١) في ب: "في السافلة".
1 / 62