134

Miraƙan Maƙullin

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح

Mai Buga Littafi

دار الفكر

Lambar Fassara

الأولى

Shekarar Bugawa

١٤٢٢هـ - ٢٠٠٢م

Inda aka buga

بيروت - لبنان

الْوَسْوَسَةَ ضَرُورِيَّةٌ، وَاخْتِيَارِيَّةٌ، فَالضَّرُورِيَّةُ: مَا يَجْرِي فِي الصُّدُورِ مِنَ الْخَوَاطِرِ ابْتِدَاءً، وَلَا يَقْدِرُ الْإِنْسَانُ عَلَى دَفْعِهِ، فَهُوَ مَعْفُوٌّ عَنْ جَمِيعِ الْأُمَمِ، وَالِاخْتِيَارِيَّةُ: هِيَ الَّتِي تَجْرِي فِي الْقَلْبِ، وَتَسْتَمِرُّ، وَهُوَ يَقْصِدُ، وَيَعْمَلُ بِهِ، وَيَتَلَذَّذُ مِنْهُ كَمَا يَجْرِي فِي قَلْبِهِ حُبُّ امْرَأَةٍ، وَيَدُومُ عَلَيْهِ، وَيَقْصِدُ الْوُصُولَ إِلَيْهَا، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْمَعَاصِي، فَهَذَا النَّوْعُ عَفَا اللَّهُ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ خَاصَّةً تَعْظِيمًا، وَتَكْرِيمًا لِنَبِيِّنَا ﵊، وَأُمَّتِهِ، وَإِلَيْهِ يَنْظُرُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] وَأَمَّا الْعَقَائِدُ الْفَاسِدَةُ، وَمَسَاوِئُ الْأَخْلَاقِ، وَمَا يَنْضَمُّ إِلَى ذَلِكَ فَإِنَّهَا بِمَعْزِلٍ عَنِ الدُّخُولِ فِي جُمْلَةِ مَا وَسْوَسَتْ بِهِ الصُّدُورُ اهـ.
وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ. وَلِهَذَا قَيَّدَهُ النَّبِيُّ ﷺ بِقَوْلِهِ: (مَا لَمْ تَعْمَلْ، أَوْ تَتَكَلَّمْ) إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ وَسُوسَةَ الْأَعْمَالِ، وَالْأَقْوَالِ مَعْفُوَّةٌ قَبْلَ ارْتِكَابِهَا، وَأَمَّا الْوَسْوَسَةُ الَّتِي لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْعَمَلِ، وَالْكَلَامِ مِنَ الْأَخْلَاقِ، وَالْعَقَائِدِ فَهِيَ ذُنُوبٌ بِالِاسْتِقْرَارِ، وَذَكَرَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ أَنَّ مَذْهَبَ الْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنَ الطَّيِّبِ أَنَّ مَنْ عَزَمَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَوَطَّنَ نَفْسَهُ عَلَيْهَا أَثِمَ فِي اعْتِقَادِهِ، وَعَزْمِهِ، وَيُحْمَلُ مَا وَقَعَ فِي أَمْثَالِ قَوْلِهِ ﵊: («إِذَا هَمَّ عَبْدِي بِسَيِّئَةٍ فَلَا تَكْتُبُوا عَلَيْهِ فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا سَيِّئَةً») الْحَدِيثَ. فِيمَنْ لَمْ يُوَطِّنْ نَفْسَهُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَإِنَّمَا مَرَّ ذَلِكَ بِفِكْرٍ مِنْ غَيْرِ اسْتِقْرَارٍ، وَيُسَمَّى هَذَا هَمًّا، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْهَمِّ وَالْعَزْمِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ، وَخَالَفَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ، وَالْمُحَدِّثِينَ، وَأَخَذُوا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: عَامَّةُ السَّلَفِ، وَأَهْلُ الْعِلْمِ مِنَ الْفُقَهَاءِ، وَالْمُحَدِّثِينَ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ لِلْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمُؤَاخَذَةِ بِأَعْمَالِ الْقُلُوبِ، لَكِنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ هَذَا الْعَزْمَ يُكْتَبُ سَيِّئَةً، وَلَيْسَتِ السَّيِّئَةُ الَّتِي هَمَّ بِهَا لِكَوْنِهَا لَمْ يَعْمَلْهَا، وَقَطَعَ عَنْهَا قَاطِعٌ غَيْرُ خَوْفِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْإِنَابَةِ، لَكِنَّ الْإِصْرَارَ، وَالْعَزْمَ مَعْصِيَةٌ، فَصَارَ تَرْكُهُ لِخَوْفِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمُجَاهَدَتِهِ نَفْسَهُ الْأَمَّارَةِ حَسَنَةً، فَأَمَّا الْهَمُّ الَّذِي لَا يُكْتَبُ فَهِيَ الْخَوَاطِرُ الَّتِي لَا يُوَطِّنُ النَّفْسَ عَلَيْهَا، وَلَا يَصْحَبُهَا عَقْدٌ، وَلَا نِيَّةٌ، وَعَزْمٌ، وَذَكَرَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ خِلَافًا فِيمَا إِذَا تَرَكَهَا لِغَيْرِ خَوْفِ اللَّهِ تَعَالَى، بَلْ لِخَوْفِ النَّاسِ هَلْ تُكْتَبُ حَسَنَةً؟ قَالَ: لَا، لِأَنَّهُ إِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى تَرْكِهَا الْحَيَاءُ، وَهَذَا الْخِلَافُ ضَعِيفٌ لَا وَجْهَ لَهُ. هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي، وَهُوَ ظَاهِرٌ حَسَنٌ لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ، وَقَدْ تَظَاهَرَتْ نُصُوصُ الشَّرْعِ بِالْمُؤَاخَذَةِ بِعَزْمِ الْقَلْبِ الْمُسْتَقِرِّ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: ١٩] وَقَوْلُهُ: ﴿اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ [الحجرات: ١٢] وَالْآيَاتُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ. وَقَدْ تَظَاهَرَتْ نُصُوصُ الشَّرْعِ، وَإِجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ عَلَى تَحْرِيمِ الْحَسَدِ، وَاحْتِقَارِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِرَادَةُ الْمَكْرُوهِ بِهِمْ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ، وَعَزْمِهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْعَمَلِ، وَبَيْنَ مَا لَيْسَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَقِيلَ: يُؤَاخَذُ بِالْهَمِّ بِالْمَعْصِيَةِ فِي حَرَمِ مَكَّةَ دُونَ غَيْرِهَا، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَرِدِ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ﴾ [الحج: ٢٥] الْآيَةَ. وَيُرَدُّ بِأَنَّ الْإِرَادَةَ هِيَ الْقَصْدُ، وَهُوَ الْعَزْمُ الَّذِي هُوَ أَخَصُّ مِنَ الْهَمِّ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ): فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: («إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ، أَوْ تَعْمَلْ بِهِ») .
٦٤ - وَعَنْهُ قَالَ: «جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَسَأَلُوهُ: إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ! قَالَ: " أَوَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ؟ " قَالُوا: نَعَمْ: قَالَ: (ذَلِكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ)» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
٦٤ - (وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ (قَالَ: جَاءَ نَاسٌ) أَيْ: جَمَاعَةٌ («مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَى النَّبِيِّ ﵊ فَسَأَلُوهُ: إِنَّا نَجِدُ»): وَاقِعٌ مَوْقِعَ الْحَالِ أَيْ: لَسَأَلُوهُ مُخْبِرِينَ إِنَّا نَجِدُ، أَوْ قَائِلِينَ عَلَى احْتِمَالِ فَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَالْكَسْرِ، وَقِيلَ: عَلَى الْفَتْحِ مَفْعُولٌ ثَانٍ اسْأَلُوهُ، ثُمَّ الْكَسْرُ أَوْجَهُ حَتَّى يَكُونَ بَيَانًا لِلْمَسْئُولِ عَنْهُ، وَهُوَ مُجْمَلٌ يُفَسِّرُهُ الْحَدِيثَانِ الْآتِيَانِ («فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ») أَيْ: نَجِدُ فِي قُلُوبِنَا أَشْيَاءَ قَبِيحَةً نَحْوَ: مَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟ وَكَيْفَ هُوَ؟ وَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ؟ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَاظَمُ النُّطْقُ بِهِ لِعِلْمِنَا أَنَّهُ قَبِيحٌ لَا يَلِيقُ شَيْءٌ مِنْهَا أَنْ نَعْتَقِدَهُ، وَنَعْلَمَ أَنَّهُ قَدِيمٌ، خَالِقُ الْأَشْيَاءَ، غَيْرُ مَخْلُوقٍ، فَمَا حُكْمُ جَرَيَانِ ذَلِكَ فِي خَوَاطِرِنَا؟

1 / 136