قافية الألف
قافية الباء
قافية التاء
قافية الثا
قافية الجيم
قافية الحا
قافية الخا
قافية الدال
قافية الذال
قافية الراء
قافية الزاي
قافية السين
قافية الشين
قافية الصاد
قافية الضاد
قافية الطاء
قافية الظاء
قافية العين
قافية الغين
قافية الفاء
قافية القاف
قافية الكاف
قافية اللام
قافية الميم
قافية النون
قافية الهاء
قافية الواو
قافية اللام ألف
قافية الياء
قافية الألف
قافية الباء
قافية التاء
قافية الثا
قافية الجيم
قافية الحا
قافية الخا
قافية الدال
قافية الذال
قافية الراء
قافية الزاي
قافية السين
قافية الشين
قافية الصاد
قافية الضاد
قافية الطاء
قافية الظاء
قافية العين
قافية الغين
قافية الفاء
قافية القاف
قافية الكاف
قافية اللام
قافية الميم
قافية النون
قافية الهاء
قافية الواو
قافية اللام ألف
قافية الياء
مرآة الحسناء
مرآة الحسناء
تأليف
فرنسيس فتح الله مراش
بسم الله الحي الصمد الرافع السماء بلا عمد
الحمد لله الذي ألبس الشعر جمالا وجلالا، وجعل فيه البيان سحرا حلالا؛ فطابت النفوس في جنات أزهاره، ورقصت الألباب بكئوس عقاره. أما بعد؛ فيقول العبد الفقير المعترف بالعجز والتقصير فرنسيس ولد فتح الله مراش: هذا ما قصدت إثباته من الشعر الذي تمخضت عنه قريحة الشباب، ولقنتني إياه ألسنة الأسباب. وقد رتبته على حروف الهجاء، متجردا عن المدح والهجاء؛ فإن المدح إطراء ورياء، والقدح حسد وعياء. فما أحوجني الله إلى بيع ماء المحيا في سوق الشعر، وأبى الله أن أرد الدر إلى القعر. ولكنني قد مدحت بعض العلماء والأخلاء الكرام؛ تبيانا لفضل العلم وحفظ الذمام. وحال ذلك لم أذكر من الأسماء إلا اليسير الخطير، مخافة أن يفر القلب ويطير. فواغبن شاعر سود بالمدائح بياض القرطاس، وباع كرايم الشعر وذهبه في سوق الزجاج والنحاس. والله إن تلك إلا تجارة خاسرة، وهمة قاصرة. هذا وأرجو من كل مطالع أن يسبل غطاء المغفرة والمعذرة على ما يراه من الهفوات والعيوب؛ فإن العصمة لله وحده، وهو غفار الذنوب.
قافية الألف
قال:
بيت الهوى
بهواك عشت وفي هواك فنائي
وعلى هواك تنعمي وشقائي
يا ربة الحسن الذي هو في الهوى
ولع العيون ولوعة الأحشاء
لك طلعة لولا التبسم والرضا
والسخط قلت: البدر ذو الأضواء
فرق وفرع منك بينهما جرى
أجلي فذا صبحي وذاك مسائي
ولواحظ يترعن كاسات الهوى
ممزوجة لكن بماء حياء
هذي هي المقل التي يصبو إلى
أسيافها قلبي لصب دمائي
من لي بذي الحور التي أحداقها
يقدحن زند العشق في الحوباء
يا هند للأقمار حسنك لو بدا
لخجلن منك وهن في العلياء
ما أنت إلا الشمس في كبد السما
تجلى وما عيني سوى الحرباء
صنم الجمال له تخر سواجدا
هام الدمى في هيكل الأهواء
هذا هو البيت الذي أعتابه
نضحت بكل دم جرى كالماء
قد شيدت أركانه دول الشبا
ب وزخرفته ألسن الشعراء
بيت الهوى فيه تظل نوافثا
بالطائفين سواحر الدنياء
ما هذه الدنيا سوى مجموعة
يلهو عليها معشر الأدباء
كل يراها غادة ترعى الوفا
والكل منها في قلى وجفاء
نقم هي الدنيا لدى أهل النهى
لكنها نعم لدى الجهلاء
ما فاز بالنعمى سوى من عنده
سيان كل أسى وكل هناء
ولقد خبرت الطيبات فكلها
رسل الردى وطلائع الأسواء
حتى انفردت عن الورى فأمنتهم
إن التفرد آمن العشراء
ما لي وللناس الذين أودهم
أعداهم ما لي وللأعداء
وقال:
غازلتني بأعين كالظباء
ذات دل تبدي نفار الظباء
غادة لو رأى محاسنها البد
ر استحى من طلوعه في السماء
أفتديها من ظبية ترتعي
بين ضلوعي رعبوبة نهداء
وجهها معدن الجمال وفيه
عنصر اللطف قد نما والحياء
ذات جيد كالريم ألبسه الحس
ن عقودا من السنا والبهاء
ينثني تحت ثوبها غصن بان
غرسته الأشواق في أحشائي
وعلى الخد خالها قام يحكي
عنبرا في حديقة غناء
في هوى عينها جننت فإن قا
لوا: بم جن؟ قلت: بالسوداء
كلما لاح كوكب الصبح في الأف
ق زرته بالغرة الغراء
سبت العقل إذ رنت وتثنت
كحسام وصعدة سمراء
جذبتني بأعين تحمل السح
ر كحمل الزجاج للكهرباء
قد دعت عند فترة الجفن رسلا
للهوى من جبينها ذي الجلاء
في سماء الجمال كالشمس لاحت
وإليها العيون كالحرباء
لست أشكو لقدها من عذابي
كيف أشكو لصعدة صماء
كوكب الظرف حل ميزان
نهديها، فكان التأثير بالحوباء
كم بذهني قد لاح تمثالها الحا
وي كمالا مجردا عن سواء
إن قلبي برشف ريقتها طا
ب ومن لا يطيب بالصهباء
لست ألوي عن حبها طول عمري
لا، ولو أنها لوت عن ولائي
وإذا ما قابلتها بوفائي
أدبرت بالجفاء والبغضاء
ثمر الدل كالحياء صدود
ويحق الدلال للحسناء
أقبلت بعد بعدها فأدارت
لي كئوس اللقا يد البرحاء
سترت فجر فرقها بالثريا
خجلة مذ دنت عقيب التنائي
فوق طور الأشواق بت أناجي
مهجتي عن ظهور نور اللقاء
إن سكري بطرفها لا بكاس
قام يسعى بها غزال الفلاء
أهيف رقت الشمائل منه
فغدت كالشمول للندماء
لاح نور الجمال من وجهه الباهي
ففاق الأقمار في الظلماء
وعلى خده المنير قد امتد
عذار كالفيء في الأضواء
إن يرنح أعطافه التيه أزرى
بقضيب تثنيه ريح الصباء
نافر آنس عبوس بشوش
ظالم عادل عجيب المضاء
لنبال الأحداق منه فؤادي
هدف ما عداه من أخطاء
هو دائي ومحنتي وعنائي
وهنائي ومنحتي ودوائي
بهواه قد جئت في غزل ذي
رقة بين حكمة وثناء
إنما الشعر للنفوس رياض
غرستها قرائح الأدباء
ثمر العلم والحجا الشعر لكن
قطفه لا يباح للأغبياء
كل من يسئم العلوم ويهوى
كثرة المال ذا من الحمقاء
ذكر أهل العلوم خلد في الدنيا
وقد باد ذكر أهل الثراء
رب ذل لراحة ذات ملء
وفخار لراحة صفراء
ولقد يحمل الصغار قوى لم
يستطعها أكابر الكبراء
أكبر المرئيات يرسم في أع
يننا وهي أصغر الأعضاء
إن فخر الفتى بثوب النهى لا
بثياب صنعن في صنعاء
من يكن عاريا عن العقل لم ير
بح فخارا إذا اكتسى بفراء
كم فقير أمسى غنيا! وكم من
ذي غنى عاد أفقر الفقراء!
ليس حال تدوم ثابتة ما
دام سير الأفلاك للانتهاء
كان للشمس دارة الحمل الأش
رف واليوم دارة الجوزاء
نقطة الاعتدال ترجع في دا
ئرة الأرض دايما للوراء
تمدح الأغنياء منا شفاه
ومديح القلوب للعقلاء
وقال:
إن تبدت فكوكب في سماء
أو تثنت فبانة في نقاء
غادة غادرت فؤادي قتيلا
بنبال من مقلة كحلاء
ذات طرف أقوى مضاء من السي
ف وقد كالصعدة السمراء
ونهود كأنهن نجوم
من لجين يبعثن نور البهاء
فبنهد ومعصم وجفون
قد سبتني وأتلفت أحشائي
إن برق الجمال من ثغرها البا
سم يسبي إذ لاح عقل الرائي
قد أدارت لحظا به التأم الحس
ن التئام الأنوار بالكهرباء
إن يكن جيدها زجاجة خمر
فمن الثغر منبذ الصهباء
سرق الحسن كله وجهها الزا
هي وأضحى مبرقعا بالحياء
فعلى لوح مهجتي طبعت صو
رة ذاك الجمال ذي الأضواء
وحوت أعذب الدلال، وكم يح
لو دلال الرعبوبة الحسناء!
أرضعتني الغرام ألحاظها حت
تى استحالت إلى الغرام دمائي
إن رجوت اللقاء والوصل جاءت
ببعاد، وا حسرتي وجفاءي!
شبت مما قاسيت وجدا وما حل
لت ببرج المشيب شمس الصباء
رب ليل قد بت فيه أناجي
قمرا فوق قامة هيفاء
وأدير الحديث من كل معنى
قد روته صبحا نسيم الصباء
نتعاطى نجوى الهوى بعتاب
يستميل العذراء ذات الخباء
ونجوم الأفلاك ترنو إلينا
من خلال الظلماء كالرقباء
وكأن المريخ ذو حسد يش
خص فينا بعينه الحمراء
والدراري جند تثير وغى فان
ظر دخان المجرة الرقطاء
لم نزل نستنير بالكاس حتى
يدفق النور من فم الظلماء
وا حنيني إلى الربوع التي قد
كنت أجني بها ثمار اللقاء!
قد تقضى ذاك الزمان وأبقى
في فؤاد المحب كل عناء
يا نسيم الرياض، بالله سيري
نحو من بالنوى أطالت بكائي
واحملي نفحة السلام عساها
تذكر العهد، والوصال النائي
ليت شعري من الذي قد ثناها
عن محب لم يأل عهد الولاء
هل رمتها يد الشبيبة قهرا
في هوى الغير، فانثنت عن وفائي؟
والهوى يوقع الأكارم رغما
بحبال اللئام والسفلاء
فمتى يا سلمى يشاء الولا أن
نتنادى في هجعة خلياء؟
يا منائي على الوفا والجفا هل
تبدلين الفصيح بالفأفاء؟
هل تضاهي الغربان عقبان صيد
أو تباهي الحصباء شهب السماء؟
وإذا ما الزمان أعلى لئيما
فهو بين الورى من الأدنياء
ما رأت مقلتاي أعظم خطب
من دني يختال بالعلياء
كيف تأتي النعمى إلى رجل كا
ن رضيع البؤسى من الأثداء؟
وفعال اللئام أشقى وأدهى
من دواهي زمانهم ذي الشقاء
لا سقى الغيث ترب أرض أتتنا
بصغار تعلو على الكبراء
لو يكون الإنسان يفكر بالمو
ت لكان انثنى عن الكبرياء
لا خلود للمرء في هذه الدن
يا؛ فكل مصيره للفناء
ومسير الأيام في العمر يحكي
عجلات البخار في البيداء
ليس يرجى للناس أمن من الأي
يام، إن الأيام كالأعداء
كيف يبدي الزمان للمرء صفوا
وهو بدء الأكدار والأرزاء؟
زمن يخفض العلي إلى القا
ع ويعلي الدني للجوزاء
أيها المبتغي هناء على الأر
ض تأمل تلق الأسى في الهناء
حادثة
لا تنظري يوم النزال إلى الظبى
منا بتلك المقلة الكحلاء
فإذا نظرت إلى السيوف تثلمت
خجلا فنحذر سطوة الأعداء
وقال:
قامت تعاطيني المدام مليحة
تغني بمقلتها عن الصهباء
فلثمث وجنتها فسكري كان بال
حمراء والسوداء والصفراء
إلى أحد أصدقائه:
التعزية
لا ينفعنك في الحتوف بكاء
ماذا استفادت قبلك الخنساء
حتام تدعو الميت من جوف الثرى
أنى تجيبك صخرة صماء
ولو الدموع نفعن في الرزء الفتى
لبكى الجميع معا، فكم إرزاء
لم يخلق الله المدامع للبكا
بل لانجلاء العين حين تساء
والحزن تطلبه الطبيعة عندما
يرد الأسى، والعقل ليس يشاء
يتحاربان على المدى حتى إذا
غلب التعقل تبرز السراء
ما في الوجود مسرة فإذا بدت
سراء قل: هذه هي الضراء
لو كان في الدنيا ثبات كان لي
فرح، ولكن تبدل الأشياء
والناس تمضي حسب حال زمانهم
كالشمس تمضي حسبها الأفياء
أنى تملقني الحياة وكلها
وهم، فصبح ينقضي ومساء
ما العمر؟ ما الأفراح؟ ما النعمى؟ وما
هذا الوجود؟ وما هي الدنياء؟
رنات صوت في الهواء تروح أو
لمعات برق بعده الظلماء
لا خلد في الدنيا لنا، فعلى الملا
للموت شنت غارة شعواء
والموت للحيوان ضربة لازب
فبه لكل ذوي الحياة غذاء
يا مولعا بالحسن، قبل ذا الثرى
فالحسن يطوى فيه والحسناء
وتوق إن تطأ التراب فربما
منك الملوك تطاء والعظماء
إن الحياة على المحيا برقع
حسن تقوم وراءه الأسواء
يا أعين العين الملاح، تأملي
كيف العيون تغور والعيناء!
أين المحاسن؟ أين أنوار الصبا
أين البها والطلعة الغراء؟
لا عاد يظهر غير وجه جامد
تعلو عليه بشرة صفراء
كن يا أخا الأحزان منفردا ولا
تضجر، فأفكار الفتى ندماء
ودع المعزي أن يعزي نفسه
فالناس في حكم المصاب سواء
لا تأمن الإنسان فهو مكيدة
كالفخ، والأصحاب هم أعداء
ومن العجائب أن ترى لك صاحبا
يرعى ذمامك إن دهاك بلاء
هيهات ما كل شبيها للذي
فارقته، فلذاك حق رثاء
ذاك الوديع أخو اللطافة ذو الوفا
من لا تزعزع وده البأساء
فليندبن النادبات عليه ما
ناحت على أغصانها الورقاء
وليذرف الصخر الأصم مدامعا
إن كان يدفق من حشاه الماء
دعني أطل على ثراه عبرتي
ولتنزفن مع الدموع دماء
إن كان ميتك - ذا - أخا لك فهو لي
خل وفي، والبكاء وفاء
كل سيدرس تحت أقدام الفنا
ويغيب عنه رونق وبهاء
فالصبر في هذي الخطوب يلذ، إذ
لولا التصبر تزهق الحوباء
ولربما كان التصبر للفتى
درعا به تستقبل البلواء
كم تزحم الأبدان أمراض وكم
صبر العلاج به يقوم شفاء!
ومن التراب الطب يهدينا الدوا
وإلى التراب تعيدنا الأدواء
وقال في جزاء الدهر:
أضجت بالجفا بعد الوفاء
وعجت للنوى بعد اللقاء
وزاغت بالسوى وجدا وجدا
وزاغت فيه عن سبل الولاء
وكنت أظن أن صفا هواها
سيثبت كالنقوش على الصفاء
إذا هو خط برق في جهام
يلوح وأحرف في لوح ماء
فهل يرجى رسوخ هوى الغواني
وهن عليه أطيش من هواء
ومن عشق الغواني في صباه
درى كيف السموم من الصباء
يبادلن المحب ندى التصابي
مبادلة الوهاد صدى النداء
ويخطرن الدنو ولا دنو
نظير الآل يقرب وهو ناء
قفا بي صاحبي على طلول
ذرتها في الفضا ريح القضاء
طلول سعاد من أبلت عهودي
فأصبح ربعها عبر البلاء
رسوم فاندباها وابكياها
هناك مع الغوادي والسماء
فوا أسف الزمان على ديار
عفت بعدي وصارت كالهباء!
وأضحت بعدما كانت فناء
لسكان الهنا سكن الفناء
وكان بها غزال الأنس يرعى
فضاع وعاضه وحش الفلاء
فيا راثي الديار ديار سعدى
دع الذكرى وبالغ بالرثاء
ولا تعتب جزاء الدهر لكن
سعاد؛ فذنبها داعي الجزاء
ولا تعجب إذا أغربت عنها
بل اعجب إن بقيت على البقاء
أنا أرعى الولا في كل شوط
لذاك سلوت خائنة الولاء
سلوت ولست أرجع طول عمري
إليها لا ومن يدري خفائي
ولو بكت المدى ندما وندبا
فطبع الخائنات على البكاء
قافية الباء
وقال إلى أحد أصحابه:
إذا أقبلت يهديك صبح الترائب
وإن أدبرت يغويك جنح الذوائب
رداح لها طرف كحيل إذا رنا
رماك بنبل الغنج عن قوس حاجب
تريك نفار الظبي وهى أنيسة
وتبدي دنوا وهي في خطو هارب
أدارت كئوس الحب من حان حسنها
فملنا ولم يبق فتى غير شارب
رعى الله ذياك الجمال فديته
فكم قد أرانا فتنة في الكواكب
تبدت وقد أرخت غدائر فرعها
فشاهدت فجرا شق سجف غياهب
يلاعبها ريع الصبا فتميس عن
غصون وترنو عن ظباء ربارب
تغازلني وهي الغزال بأعين
لهن بقلب الصب وقع قواضب
غواز نعاس فاتكات فواتر
صحاح مراض ذابلات سوالب
طلبت اللقا منها فولت وليتني
طلبت النوى أحظى بضد مطالبي
ولو يدرك الصب المتيم كل ما
تمنى لما جاء الهوى بمصاعب
فحال الهوى قرب ببعد منغص
ووصل محاط بالعيون الرواقب
لقد جذبتني قوة الحسن للهوى
ولا يمكن المجذوب دفع الجواذب
يقولون: دع ذا الحب فهو مصيبة
فقلت لهم: إني قبول مصائبي
إذا ما خسرت العقل في الحب والقوى
ففي مدح شهم القوم خير المكاسب
هو الفاضل المفضال ذو الشرف الذي
علا ذروة المجد الرفيع الجوانب
همام يرى ما آل يوما لخيره
سدى، ولخير الغير أوجب واجب
أخو همة حراء تحسدها الظبى
إذا ما أجاش الدهر جيش نوائب
وذو الهمة القعساء للدهر محنة
وللناس إحسان ومنحة واهب
فهيم، فريد العقل، عالي المناقب
كريم ، حميد الفعل، عالي المراتب
جميع أمور المشكلات مصيرها
لديه؛ فمن آت إليه وذاهب
فما جاءه خصمان إلا وأصبحا
شكورين منه، باتفاق مناسب
لقد شاع ما بين الأنام بجوده
فقام له الشكران من كل خاطب
وجود الفتى يبقي له الذكر خالدا
دليل جمال العقل حسن المناقب
يروح بعقل ينطح الشهب ثاقب
ويغدو بفكر يخطف البرق صائب
له عن طلاب الفخر نفس رغيبة
ولكن عنه الفخر ليس براغب
تلوح بروق البشر من وجهه ومن
يديه يفيض البذل فيض سحائب
ومن خيمه أن يرغب الخير للورى
ومن دأبه ألا يرى كبح طالب
تفرد في حسن التصرف شخصه
ففاق مقاما فوق كل الأصاحب
فأين المباري فهو يعقب خجلة
وأحمق من لم يفتكر بالعواقب
لكل امرئ فعل على قدر عزمه
ومن أين للأوعال وخد النجائب؟
وهل لجبان أن يكر مغازيا
كرور شجاع في صفوف الكتائب؟
إذا لم يكن فعل الفتى سيمة له
فما هو إلا مثل ضحكة ناحب
ألا يا أولي الأفضال أنى بمدحكم
إذا قلت شعرا أصبح الدهر صاحبي
مديحكم دين علي وإنني
لأعجز عن إيفائه وهو واجبي
سقى الله تسكاب الحيا زمنا به
عهدتكم كم كان لي من أطائب
زمانا على الشهباء والقطر كنتم
أجل شهاب باثق النور ثاقب
ألا إنني هنئت حولا بشملكم
فشتتني دهر كثير الملاعب
لئن غبتم عني رعى الله أنسكم
فطيفكم عن أعيني غير غائب
وقال إلى أحد أصحابه:
نفير الشوق
أخذت بنا نفحات هند مع الصبا
حين انجلت كالشمس لكن في خبا
غيداء ما لاحت بأنوار البها
إلا وقلبي بالغرام لها صبا
وربيبة أبدى الجمال بوجهها
زهر الجمال ففاق أزهار الربى
ترنو فيرتعد الفؤاد وليس ذا
عجبا؛ فإن الحسن مثل الكهربا
لا بدع إن دعيت ضفيرة فرعها «صلا»؛ فبعض النجم يدعى عقربا
بأبي غدائر قد رقت قلبي كما
ترقي الأراقم طائرا متقربا
ما أوقعت نظري عليها صبوتي
إلا وألعب بي الهوى أيدي سبا
واستغرقت قلبي تباريح الجوى
واستمطرت دمعي صبابات الصبا
ويلاه من جور الجمال فإنه
يذر المحب على اللظا متقلبا
غازلتها فبدا شعاع الشوق من
لحظاتها، وأبى الهوى أن يحجبا
وغدت تطارحنى عبارات الولا
وعلى محياها الحياء تلهبا
لو لم يكن معنى العبائر باديا
في وجهها الباهي لكنت مكذبا
يا قلب، حاصرك الجوى فاثبت له
ما دمت برجا، لا فقدت الكوكبا
هج الهوى في عالم الأشجان بي
وأضاعني بين الأسنة والظبا
وأعادني حيران لا ألوي على
أحد ولا أدري المقام الأنسبا
متشرد الأفكار، مسلوب القوى
قلق السريرة، لا أصادف مأربا
غرقان في بحر الهوادس خائضا
ليل الهواجس هائما متعذبا
متوحدا ألهو بفكري حيث لا
رشد، فلست أصيب فكرا صيبا
أتوسم الأوج الوسيم وشهبه
فكأن لي فوق المجرة منصبا
وأرى النجوم تهم أن تهوي على
رأسي ولكن لا تشا أن تقربا
وإخال بدر العشر وجه غزالتي
عني يميل، فأنثني متغضبا
وكأنما جلد السماء بزهره
روض بزهر النور أصبح مخصبا
والبدر ذو الأنوار أمسى والدجى
ملكا له، غدت الدراري موكبا
أنا في الهوى أصبحت معتزلا فلا
أبغي سوى هجسي أخا لي أو أبا
والعشق أبعد منزل يدع الفتى
عن أهله وصحابه متغربا
يا من أذابت مهجتي، رفقا بمن
عن حسنك الأسنى عناه تسببا
عظمت بي الأشواق حتى إنني
قد صرت أخشى الهجر إذ لن يحسبا
كم طرفك الوسنان أوهمني الجفا
بفتوره، وهو الوفا لي قد حبا
فأعود في غضب كأني طالب
سببا به أجد العتاب الطيبا
يا ربة الدل الذي ذلت له
نفسي، ويا من عشقها لن يذهبا
إن كان أغضبني عليك تحيري
حبا فودي لم يشأ أن أغضبا
ليس المحبة كالوداد؛ فتلك في
صلف تقوم، وذاك في دعة ربا
كوني بمجد جمالك الزاهي على
نعم وإن أك في هواه مجربا
ما زال وجهك يستعيد قطوبه
حتى عدا وجهي، فعاد مقطبا
لا تبخلي بظهور حسنك لي فذا
شرف، ولا تدعي السنا متحجبا
فإذا الغني أضاق بخلا عيشه
ما عاش إلا كالفقير مخيبا
يقضي الليالي وهو يجهد أن يرى
كاساته تملى وإن لا يشربا
لم يقنع الإنسان قط بمكسب
يوما ، ولو يعطى الكواكب مكسبا
والضيم يعذب للفقير إذا رأى
رب الغنى في بخله متعذبا
كم يفعل ابن الجهل ما هو مكرب
ويقول: إني قد فعلت المطربا
والمرء قد يغدو ذميما في الورى
يوما يحاول أن يكون مطوبا
عظم الشقا في ذي الحياة فلا نرى
شيئا بها لذوي النهى مستعذبا
ولرب ساعة راحة للمرء قد
تركت لديه كل شيء متعبا
ما دام جنح الموت فوق الكل ذا
خفق، فكل العمر يذهب مكربا
فإذا بسطنا الجسم في تشريحه
نلقاه للموت الزءوم مركبا
كل الوجود محارب أجزاءه
حتى يتيح لها الفناء المرعبا
فحياة كلي الطبيعة طالما
حلت حياة الجزء كي تتركبا
هذا هو المجرى الطبيعي الذي
نهجته حكمة قدرة لن تسلبا
لكنما للناس موت غير ذا
أعني به البين المقيم تغربا
يا أيها القوم الذين تغربوا
عني، وقد جعلوا الثبوت تقلبا
أنتم ركبتم ظهر قفر سائل
وأنا جريت على القفار مشببا
لو كان يدري البحر ندبي والبكا
لأعادكم نحوى وسد المندبا
أولو درى أن الذين عليه هم
أنتم لصفق بهجة واسترحبا
ولكانت الأمواج ترفع هامها
فوق الجبال لكي تنادي: مرحبا
سيروا فرب البحر يمحو الموج إذ
بمثلث الأسنان يحمي المركبا
ودعوا أليفكم القديم مراقبا
زبد المسير وللقا مترقبا
يرنو إلى الشهبا فينظرها غدت
سودا ولو لبست وشاحا أشهبا
وكأن قصركم أخو عقل رأى
مين الحياة فرام أن يترهبا
وكأن قلبي بعدكم عصفورة
سقطت على شرك فرامت مهربا
ولرب ليل بت أقرأ آيه
والقلب لم يفهم سوى حاء وبا
أصبو إليكم والحشا مضرومة
بلهيب أشواق أبت أن تحسبا
ليل تلوح من الغمام نجومه
كالحرش من أدغاله تبدو ظبا
والشرق من شفتيه يطرح أنجما
ولبلعهن اعتاد يدعو المغربا
والشمس في لجج المغارب كلما
غاصت تعير الأفق ثوبا مذهبا
تحكي رداحا ذات شعر أشقر
سارت فلاح الشعر والوجه اختبا
لكن أفاق الشمال لحرصها
لا تسمحن لنجمة أن تغربا
فيثور في أقصى الدماغ تعجبي
إذ أنظر الكون العجيب المرهبا
حيث الطبيعة قد حمت أسرارها
بقوى السمو فلم تغادر مذهبا
فمن ابتغى إدراك ذلك لم يكن
إلا كطفل للقراع تطلبا
حتى هرعت إلى التفرد قاصدا
ترجيع أفكار شردن تعجبا
فالكتب تدعوني بألسنة الهدى
لوصال أبكار القرائح في الخبا
وإذا توقد خاطري أصبو إلى
سير الحدائق؛ كي أنال ترطبا
والأرض لولا سيرها الدورين ما
طاقت لهيب الشمس، بل كانت هبا
يا ليلة البين التي قد أظلمت
وبها لقلبي ذكر صحبي عذبا
جن الدجى، والأفق عبس وجهه
والجو أزبد بالسحاب وضبضبا
حيث الصواعق كالقنابر، كلما
صاحت تزلزلت الشوامخ والربى
خضن الفضاء، وغصن في لجج الغما
م، وإذ نفذن بعثن ريحا قلبا
خوف الظلام عرى الطبيعة فانبرت
ترمي صواعقها لتفني الغيهبا
ظلم بهن الأرض في جوف السما
ضاعت، وأضحى الكون هولا مرعبا
حتى إذا ما البدر لاح مبددا
سحب الدجى سلى القلوب وطيبا
كمليحة برزت بثوب أسود
تجلى وتقصد أن تزيح تنقبا
فإذا أفاض الفجر ماء نضاره
وغدا به كف السماء مخضبا
والصبح مد على الجبال لجينه
وبه جبين الأفق لاح معصبا
تستبشر الدنيا بسلم جد ما
بين السما والأرض فليتطيبا
وقال:
إذا رأيت أديبا في مجادلة
يحاول الشتم قل: هذا بلا أدب
فما دعاه «أديبا» غير ناصره
وهل يقوم بنصر الغمر غير غبي؟!
وقال إلى صديق له:
أثر النوى
لي في يد البين قلب راح يضطرب
ومهجة في لهيب الشوق تلتهب
بين به مقلتي تحيي الدجى أرقا
والروح والقلب ذي تهفو وذا يجب
ومعشر خلفوني في البعاد على
جمر الغضا مذ بهم قد سارت النجب
بعد أعاد نهار القرب ليل نوى
واغتال شمس الهنا حتى بدا الكرب
وكم يلوح على وجه الطبيعة من
كآبة حين شمس الكون تحتجب
يا أيها الدهر، هل عيني تعود إلى
رؤيا الأحبة؟ قل لي أيها الغضب!
صممت أذنك، لكن عن بكاي وقد
أغمضت جفنك، لكن تحته اللهب
لو كنت تصغى لما قص الحمام على
سمعي حديث بكا «سلمى» فأنتحب
رعبوبة إن تكن عن ناظري اغتربت
فإنها عن فؤادي ليس تغترب
وظبية مذ رأت عيس النوى ظعنت
بها بكت لفراقي والنوى نوب
وجه لها يحمل الحسن البديع، ولي
قلب شج تحت حمل الشوق مضطرب
ألقت محبتها في القلب كل هنا
كذاك أبدت له ما فيه يكتئب
مثل الهواء الذي منه الحياة لنا
تأتي ومنه لنا الأمراض والعطب
يا طلعة أطلعت فيها الطبيعة لي
جواذبا نحوها الأرواح تنجذب
كل من الجوهر الأصلي قام وما
كل يحب فما بين الدما نسب
إن كان أبعدها عني النوى فعسى
يبدو من البعد قرب كله طرب
والبعد يخلق عتبا في اللقاء فكم
يلذ من فمها عند اللقا العتب
هيهات يحسن لي طيب الحياة إذا
غابت عن العين فهي السؤل والأرب
فما الحياة؟ وما هذي الجسوم؟ وما
هذا القيام؟ وما الدنيا؟ وما الحقب؟
طبيعة تحت لمح الوهم تظهر في
شكل الوجود ظهورا كله عجب
أو المعادن تحت الالتئام ترى
مقسمات إلى ما ليس ينحسب
فمن جوامد لا تهوى الحياة ومن
ذوي حياة، ومن نبت لها يحب
وللوجود قوى تدعو عناصره
إلى اجتماع به الأجسام تكتسب
وما العناصر من حيث الكيان سوى
روح الفراغ، وهذا مذهبي الذهب
ليس الفضاء بخال فهو منشغل
بما إليه قيام الكون ينتسب
هناك أصل «الهيولى» قام منتشرا
أصل تفرع منه العالم العذب
أين العذوبة - يا ذا الحي، قل لي - في
هذا الوجود؟! ففيه البؤس ينسكب
توحي الحياة إلى جسمي فيطلب من
يد التراب غذاه، بئس ذا الطلب!
فما رفعت يدي بالخبز نحو فمي
إلا وأزهق روحي ذلك التعب
قد أحدق الضيم بالدنيا فحيث بدت
مسرة كان فيها يكمن الحرب
بئس الحياة التي أغرت بنا فمشى
كل امرئ في ليال ما لها شهب
يسعى الفتى في سبيل العمر مندفعا
إثر المنون، وتجري خلفه النوب
مثلت صورة ذي الدنيا مجردة
للذهن فارتسمت في وجهها النكب
لو الجنين درى ماذا يعد له
في الأرض، لم يخل رحما فيه يحتجب
وليس يدري الفتى: ماذا يجيء به
حكم القضاء؛ فعلم الغيب مغترب
فلو علمت بأن القرب غايته
هذا النوى كنت كل القرب أجتنب
وا شوق قلبي لأحباب نأوا! فأتى
لدر دمعي لص البين ينتهب
زموا الرحال غداة البين وارتفعوا
على قويق، فعاد الغم ينتصب
وقد أساروا مطي البعد مثقلة
فراح قلبي نحو الركب ينجذب
يا أيها الصحب، قد أودى التبرح بي
وقد أضاع احتمالي ذلك الوصب
ما حمل الله نفسا فوق طاقتها
فكيف أحمل ما يعفو به العصب؟
أنتم خسفتم رشادي بالرحيل كذا
حاد لكم مسني من شدوه العطب
لا يخسف البدر في قوس الحضيض ولا
في الأوج، بل للخسوف الراس والذنب
فها ترون رءوس السرو في حلب
تدعو تقربكم ما الريح تنتشب
كذاك قلعتنا العجباء باسطة
لقربكم ساعديها وهي ترتقب
حصن أقام بجوف الأرض أرجله
إذ قد أحاطت بعالي راسه السحب
فكم على صدمات الدهر قد صبرت
أسواره حيث لم يصدع لها جنب
ها أنت يا قلعة الشهباء لحت لنا
مثل الشهاب وها فيك ازدهت حلب
فكم عليك ملوك الأرض قد نصبت
رايات حرب ولم ينجح لهم نصب
كأن عنوان يواب وقاك لذا
عاد التمورلنك في الخيبات ينتحب
كذا لوت بالصليبيين قهقرة
لما أتاك صلاح الدين والعرب
لم يبق من أثر تزهو به حلب
يوما سواك فلا أرداك منقلب
على جبينك أيدي الدهر قد كتبت
حوادثا لم يخامر نصها الكذب
كأنها حين تبدو ضمن خندقها
بدر على هالة جوفاء منتصب
أبقى على وجهها صدم الوغى أثرا
يدعو الرثاء وتشويها به الكرب
لولا اختلاف نواميس الشريعة ما
بين الورى لم يقم ما بينهم شغب
يا طالما عضدت أيدي الجهالة من
يهوى الخراب وكم فوق الثرى خرب
ذو الجهل يألف ذا جهل ويأنف ذا
عقل كذا لم يطق لمع السنا كلب
وكل وحش عن الإنسان يهرب من
خوف وذو الأنس لا يلوي به الهرب
فكيف عني صار الأنس منهزما
مذ غاب عني من أمثاله الشهب
نعم أنا لا أرى أنسا ولا طربا
إلا به فهو عندي الأنس والطرب
بالله قل لي أيا نجل الكرام: متى
يدور قربك؟ قل لي أيها القطب!
وارحم أخا كاد هذا البين يقتله
حتام عن مقل الأصحاب تغترب؟
وقال:
أبدت لنا الطلعة الغرا من الحجب
فلم تدع قلب صب غير ملتهب
هيفاء تزري غصون البان قامتها
وظبية إن رأتها الأسد تضطرب
ضرب من الزنبق العطري نفحتها
وريقها بفمي أحلى من الضرب
رامت مماتي بسيف من محاجرها
والموت لي بالهوى إن ترضه يطب
أزوت غصون اصطباري نار وجنتها
لكن بها قد نما غرس الهوى وربي
يا طالما عذبتني بالهوى ظلما
وكم صبرت على تعذيبها العذب
بالله يا لحظها الزنجي كم أسرت
بك القلوب بلا بيض ولا يلب
أستودع الله روحا بالهوى قتلت
بعد العذاب بلا ذنب ولا سبب
لا تحسبوا أن لي بالحب مصطبرا
يا عاشقون فليس الصبر من أرب
بوق الهوى مذ دعا قلبي أجاب ومذ
دعاه بوق جميل الصبر لم يجب
بلوى الغرام
أعد الصبر إن يعدك الحبيب
وتجلد فكل آت قريب
لا يلذ الوصال للصب إلا
بعد هجر تعج فيه الكروب
أين صبري ولم يعد من وجودي
غير شوق منه فناني لهيب؟!
أسفح الدمع كلما همت وجدا
آه لولا سفح الدموع أذوب!
عبث الضيم والسقام بجسمي
فخيال لولا اللظى محجوب
أي عضو لم يوله الحب سقما
فكأني إلى الضنا موهوب
بلهيب الهوى فؤادي يفنى
وبروض الجمال عيني تطيب
زلزل الوجد في الهوى طود صبري
يا لطود قد زلزلته الخطوب!
منظري بالضنى نذير لمن ظن
ن الهوى ليس فيه شيء عجيب
زفرة تتلف الحشا بلظاها
وسهاد ومدمع مسكوب
يا لحا الله عاشقا يألف النو
م ورأسا من الهوى لا يشيب!
أيها العاذل اجتنب عنك نصحي
فأنا لست للعذول أجيب
أمرضتني الجفون في بلد الحب
ب فها إنني المريض الغريب
كيف أخفي الهوى عن الناس يوما
والهوى فوق جبهتي مكتوب
حللت بالجمال قتلي خود
إن تثنت لها يخر القضيب
من يقسها بالبدر وجها وبالغص
ن قواما فذاك ليس يصيب
بفمي الريق منها راح وشهد
وبقلبي العليل روح وطيب
أتلف الجسم حبها فكأني
ما خلا الصبر بالضنا أيوب
دهشة الهوى
ماست فأورثت الفؤاد عذابا
ورنت فغادرت الجنان مصابا
غيداء قام بها الجمال فإن بدت
تسبي البدور وتسلب الألبابا
ما قيمة الأنوار إن لاحت وما
ثمن الغصون إذا انثنت إعجابا
رقت لطافتها وراق بهاؤها
فرقت على قمر السماء جنابا
طرفي ومبسمها أقاما نسبة
هذا غدا برقا وذاك سحابا
مذ أقبلت تختال تحت قراطق
وتدير من خمر الهوى أكوابا
عانقت غصنا مائسا من قدها
ونشقت من أنفاسها أطيابا
وهممت ألثم خدها وعيونها
فلثمت لكن جمرة وحرابا
تحنو علي فلم تدع حركاتها
في القلب إلا صبوة ولهابا
لما أدارت لي الكئوس وثغرها
يسقي النديم عن المدام رضابا
لم أدر هل سكري بخمرة كاسها
أم من لماها قد شربت شرابا؟
تدنوا فيلويها الدلال فتنثني
عجبا فتبقي في العقول عجابا
ولقد سقتني من شمول وصالها
كأسا بسلسال العناق مشابا
عطفت علي فصيرت مني الحشا
نارا وكان من الصدود ترابا
وشدت فأغنتنا عن المغنى الذي
قد ضم عودا مطربا وربابا
مذ بات عشاق السماع بشدوها
متحيرين نوت لهم أغرابا
تمشي وميلات القوام تزينها
وتهز خصرا حاملا أتعابا
فإذا اكتست حلل الحيا عند اللقا
فأنا اكتسيت من الغرام ثيابا
حكمت على تلفي فقمت بطوعها
ودعت فؤادي للفنا فأجابا
إن أنكرت قتلي بسيف لحاظها
فدمي بخديها يقر صوابا
وإذا أردت عتابها فيصدني
خفقان قلب في هواها ذابا
يا عاذلي كرر بلومي ذكرها
وانعش به الولهان تلق ثوابا
فهي التى سلبت بطلعة حسنها
عقلي وذقت بحبها الأوصابا
يا من بدت فجلت بداجي فرعها
قمرا له اتخذ الجمال نقابا
بالذل جئت مؤملا وصلا فلا
تدعي العواذل أن يقولوا: خابا!
إن ترتضي موتي بحبك فاحكمي
فالموت في سنن المحبة طابا
لا تحسبي إن شبت شاب معي الهوى
إن الهوى نسر يعيد شبابا
لا عادت الأبصار تبصر حالتي
فقد اتخذت من النحول حجابا
شذب الهوى جسمي وأوهن أعظمي
ومن العيون قد امترى تسكابا
يا ليلة بالوصل هل من عودة
فيها أجر من الهنا جلبابا
وصل وهجر للمحب وإنما
هذا أتى عذبا وذاك عذابا
يا قامة الغصن النضير ترفقي
بفؤاد صب بالعيون انصابا
إن غبت عن عيني أيا قمري فعن
قلبي خيالك لا يشاء غيابا
أوما علمت أيا مليكة مهجتي
أن المحب عن الهوى ما آبا
إن كنت في ريب بصحة قتلتي
فأنا بسيف اللحظ لن أرتابا
فترفقي يا من حوت حسن الورى
بمتيم في ذا الهوى ما حابى
وقال:
ومهاة فتنتني
بسنا الحسن العجيب
ورد خديها سقته
مقلتي فهو نصيبي
وقال:
وشادن تدهش الألباب طلعته
من ثغره يشرب الندمان مشروبا
بدا وصل عذاريه التوى فغدا
قلب المتيم مسلوبا وملسوبا
وقال:
بدت أسماء من خلل الحجاب
كبدر لاح من ذيل السحاب
فهمت صبابة وغدا فؤادي
على جمر ودمعي في انصباب
علقت بها رداحا قد رماني
فتور الجفن منها بالحراب
تجلت فاللواحظ في جنان
زهي والجوانح في التهاب
وقد نظرت إلى وكل عين
من الرقباء تقدح كالشهاب
تهاديني التحية في خفاء
بألحاظ يجلن على التصابي
فيا لك نظرة وقعت بقلبي
وقوع المشرفي على الرقاب
ومذ حان الفراق غدا حسودي
بأفراح وقلبي في اكتئاب
جمال حار فيه العقل لما
بدا من تحت ذياك النقاب
على وجه تغار الشمس منه
إذا كانت على أفق الغياب
أذات الدل كم تبدين صدا
رويدك قد كفى زمن العقاب
بصدك بازورارك بالتجني
بصبري باحتمالي بانتحابي
خذي بيدي ولا تدعي فؤادي
على ذاك التوجع والعذاب
فطيب النوم عني بابتعاد
وخبث السهد مني باقتراب
بدمع لواحظي ولهيب قلبي
رأيت سيول آذار بآب
هبي نضو الهوى لثم الثنايا
عسى يطفي اللظى برد الرضاب
بحبك قد أضعت جميل صبري
لك البشرى وعدت بلا صواب
على جسدي السقام بدا فرفقا
به وارثي لشيبي في شبابي
ولما كهرباء الحب بثت
بقلبي عاد يخفق باضطراب
علامك لا تفين حقوق ودي
ولم أك في المحبة بالمحابي
وعنك إذا نأيت وذا محال
فإن إليك يا أملي مآبي
هواك لقد غدا بحرا كبيرا
ولست أخوض إلا في العباب
مرور النسيم
نبهي يا نسيم عين الحبيب
حيث في غفلة عيون الرقيب
وإذا ما لثمت مسك عذاري
ه احملي من شذائه في الجيوب
واتركي عطفه الرخيم لئلا
تزعجيه فهو بلطف عجيب
واحذري حيثما تهبي افتضاحا
ليس يخفى أريج مسك وطيب
وإذا استنطقوك قولي لهم: من
روضة الورد والخزام هبوبي
يا نسيم الصباء بالله هل عا
ينت آسا يقوم حول لهيب؟!
يا حبيب الفؤاد بالله مهلا
كم وكم أنت قاصد تعذيبي!
بهواك اعف إن يكن لي ذنب
ليس عفو لولا وجود الذنوب
يا لك الله كم فتكت بقلب
عن هوى الحسن ليس بالمقلوب!
أيها القلب كن صبورا على البل
وى ولا تسأمن جور الحبيب
وإذا الصبر كان للذوق مرا
فهو يحلو بالضيق عند اللبيب
يا حياتي حجبت عني وإني
أعهد البدر ليس بالمحجوب
أنت في مهجتي سكنت لك الله
فيا مهجتي احذري أن تذوبي
لست أرضى سواك يوما حبيبا
لي ولا أنثني إلى مطلوبي
قال لي العاذلون: كن ساليا فه
و صواب فلم أكن بالمجيب
وإذا ما الجهول قال كلاما
ظن أقواله كلام مصيب
كيف أسلو هواك أستغفر الله
ومرآك راحة للقلوب
أنت روحي وراحتي وعنائي
أنت أمرضتني وأنت طبيبي
خدك الروض لي ونحرك صبحي
وكذا خمرة اللمى مشروبي
كل من لم يسكر بصرف الهوى فه
و من الدنيا ما له من نصيب
بالنوى يا عشاق كم بت شوقا
راصد الأوج والصبا في هبوب
راح نومي وظل سهدي وما قل
ل من الصبر زائد بنحيبي
إن جيش الهوى إذا حل قلبا
رحل الصبر رحلة المغلوب
يا غزالا سلبت روحي دلالا
فانعطف بالهوى على المسلوب
ودع الصد والنفار أيا ري
ما رماني بسهم لحظ مصيب
فتح الورد في خدودك لما
أوردته عيني فكان نصيبي
مر أخا الوجد بالذي أنت ترضى
فتراه يعنو بطوع عجيب
وإذا ما النفوس مازجها الحب
ب أتت بالخضوع للمحبوب
ته دلالا ما شئت إني قبول
يحسن التيه من غزال ربيب
ليس يحوي العشرين عمري ولكن
قد كساني الهوى ثياب المشيب
فأنا في الشهباء صرت شهابا
ما له عن أفلاكها من غروب
حلب جادها الحيا زينة الدن
يا وأم البلاد ملجا الغريب
طاب عيش الأنام فيها فلم يو
جد بها من كوارث وخطوبي
قم بنا بكرة لروضتها الغن
ناء نجلي صدى الأسى والكروب
روضة رنحت نسيم الصبا أغ
صانها فانثنت كقد الحبيب
خطب العندليب في منبر الدو
ح فأضحى للسمع خير خطيب
نهرها والغصون والطير ما بي
ن غضوب وراقص وطروب
وقال لحادثة جرت في أنطاكية:
الكفارة
قف فوق سمعان حيث العجب والعجب
وانظر إلى مشهد يجري به الرهب
ولا تدع نظرات الطرف شاردة
بين الرسوم فقد يلهو بها الحرب
فالدهر أودع أسرار التقلب في
تلك القفار التي قامت بها الخرب
ونقل الخطو حتى يستقر على
مدينة توجتها بالسنا الحقب
هناك عاصمة الدنيا قد احتجبت
بين الربى كغزال حطه التعب
فيا سقى الله أنطاكية ورعى
تلك الربوع التى ترعى بها السحب
جنات أرض بها من كل فاكهة
زوجان يجري عليها كوثر عذب
مدينة فاخرت كل البلاد وقد
تعظمت إذ غدت لله تنتسب
يا طالما اهتزت الدنيا لسطوتها
قدما وأضحت ملوك الأرض تضطرب
ما هاجمتها الملا إلا لقدرتها
فالفرس والروم والأتراك والعرب
كذاك لولا دوي الحافلين بها
لما دهاها من الزلزال منقلب
وربما أنتج الإقلال فرط غنى
وكم خراب له عظم البنا سبب
فبابل بلبلتها كل حادثة
وتدمر دمرت أركانها النوب
لكن ذي لم يزل نور الجلال على
جبينها كضياء الشمس يلتهب
إن كان منها اسم دين الله قام فكم
لها الوقار على كل الورى يجب
فيها تشيد للإنجيل ركن هدى
قبل الجميع ومنها قد بدا اللقب
كذا المدارس قد قامت مراكزها
بها فدار عليها العلم والأدب
فلا رعى الله قلبا لا يميل إلى
إكرامها فهو قلب ماله نسب
هل أنت يا أم سوريا أملت لنا
سمعا لنهديك مدحا كله رطب؟
فنحن أبناؤك القدم الذين لهم
منك الفخار وحسن الأصل والحسب
ومن ثداك رضعنا كل مكرمة
فتحت ظلك طول الدهر نحتجب
وليس للطفل إلا أمه سند
عند الوقوع وعون إن جرى الوصب
هيهات ننكر فضلا منك قد شهدت
به لدينا عصور الدهر والكتب
لولا وجودك لم يظهر لنا وطن
منذ القديم وما كانت نمت حلب
فلا برحت مناخا للرحال ولا
زالت عليك هبات الله تنسكب
يا حبذا بلدا طاب المقيل به
طول الزمان وقام الصفو والطرب
هناك قد خضع العاصي خضوع أخي
هوى يرى وجه من يهوى فينجذب
يجري ومن حوله زهر الربيع زها
مثل المجرة تزهو حولها الشهب
كذا النسيم الذي يشفي العليل به
إذا سرى لاح بشر وانمحى الكرب
وإن تغنت على ألحانها وشدت
ورق الحمى رقصت من تحتها القضب
فكم هناك ذوو الأسقام قد رحلوا
وهم يعودون لا سقم ولا عطب
من زار أرضا بها عزا رأى وشفا
ثم انثنى نابحا عنها فذا كلب
أرض لسكانها لاق المديح فهم
قوم لهم أوجه بالبشر تنتقب
بيض الصفات حسان الطبع أهل تقى
لا يعرف الحقد منهم لا ولا الغضب
يسارعون لإكرام الغريب فما
أردت بمن في حماهم يحتمي الغرب
هم أهل جود فلا رد لزائرهم
وأهل لطف فهم بين الملا نخب
وإن يكن عرفهم قد ساء ناكره
ولم يوافق هواهم من به جرب
فالشمس يوذي كليل الطرف مشرقها
والورد ينفر عنه الخنفس الكرب
يا معشرا لألأت آلاؤهم وسمت
سيماؤهم ولهم أضحى الثنا يجب
إن كان حق لكم أن تحقدوا فأرى
لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب
وقال:
خاطرت بالنفس فأوقعتها
في شرك الأعداء حيث الوصب
يخاطر الجاهل في نفسه
وما من الأخطار غير النصب
الحنو
تبدى سنا ذاك الجمال من الحجب
فغادر سر الحب يجلى على قلبي
وأومض برق الحسن من فلك الحمى
فهيج وجدي حيث لم يدر بي صحبي
سقى العارض الوسمي ذاك الحمى فكم
به من بدور قد تجلت على قضب
ربائب ما زالت تدير من الهوى
كئوسا على رب الصبابة والحب
يغازلن بالألحاظ وهي صوارم
فيقتلنني عمدا وما لي من ذنب
فمن كل حسناء تميت إذا جفت
وتحيي إذا جادت بمرشفها العذب
دعوني دعوني يا عواذل إنني
حليف الهوى مضنى الجوى فاقد اللب
محب إذا ما جاء ذكر حبيبه
يطير شعاعا قلبه الهائم المسبي
أنا هو قطب الحب دارت بساحتي
سرائره والدور يعزى إلى القطب
وصب إذا هزت يد الشوق نفسه
شكت مقلتاه الضر من ذلك الصب
إذا احتاج تلميذ لضرب فإنني
تعلمت أشكال الغرام بلا ضرب
وخط الهوى إن مس دائرة النهى
يقاطعها خط الدراية والإرب
بروحي عجباء هواها أطاعني
وصبري عصاني إن ذا لمن الخطب
لها أعين ترمي سهاما فإن رنت
سمعت بأذني رنة السهم في قلبي
بأفق محياها زهت زهرة البها
وليس لها عن أعين الناس من غرب
يذوب فؤادي حيث لاح جمالها
وتجمد عيني وهي سائلة الغرب
ويخفق قلبي كلما تذكر الجفا
خفوق قلوب الجبن في حومة الحرب
رجوت نوال القرب منها فلم تجد
ولم أدر ما نم الوشاة ذوو الكذب
وقالت: أيا مغرور هل أنت ترتجي
لعمرك من بدر السما صلة القرب؟!
فلما تمادى الصد والقلب ما سلا
وقد شمت الحساد بي مذ رأوا شجبي
فجاءت ترى ما حل بي بعد بعدها
فأبغضت الواشين لما رأت نحبي
وقالت: حبيبي هل جميع ضناك من
صدودي؟ فطب بالوصل يا صادق الحب
بكت إذ رأت عيني يسيل عقيقها
فرصعت الياقوت باللؤلؤ الرطب
وحنت وقالت: قر عينا ولا تكن
كئيبا فما كان الجفاء سوى لعب
وقامت إلى التوديع حين انحلى الدجى
وهار ووجه الفجر لاح من الحجب
فقلت لها: يا نور عيني متى اللقا؟
أجابت: غدا فاصبر ولا تك في كرب!
ومذ جعلت فوق الجبين يدا بها
تودع صادت طير قلبي بالقلب
فكم جذبتني مقلتاها عن السوى
بقوة ذاك الاحورار الذي يسبي!
إذا مر سيار بآخر في السما
يميلان عن خطيهما بقوى الجذب
وقال:
حبيبي هل لحسنك من نظير؟
وهل لي غير وصلك مستطاب؟
نظرت إليك فانسكبت دموعي
ولولا الشمس ما سح السحاب
وقال:
خطرات ذكرك تستثير مودتي
لك يا رشا للقلب كان حبيبا
ولظى خدودك تنجلي لنواظري
فأحس منها في الفؤاد دبيبا
لا عضو لي إلا وفيه صبابة
تهدي وتهدر أدمعا ولهيبا
ناجى الهوى قلبى فهامت أضلعي
فكأن أعضائي خلقن قلوبا
إلى صاحب له:
إذا كان تعذيب الهوى لك يعذب
فما لي أرى هذي المدامع تسكب؟!
ترى هل صروف الحب أصرفت النهى
فرحت ولا تدري الذي بك يلعب؟
وليس الهوى إلا قوى تجذب الفتى
إلى ما يريح القلب طورا ويتعب
فإن نعمت بالوصل نفسك ساعة
فكم بالجفا تشقى أسى وتعذب
وما الحسن كاف للمحبة وحده
إذا لم يكن بين القلوب تقرب
وشر الهوى ما لم يكن متبادلا
وخير الهوى ما للفريقين يصحب
تطيب تباريح الغرام لأهله
وكل خبيث عند باغيه طيب
إذا ما بدا للصب وجه حبيبه
يصيب ارتياحا قلبه المتعذب
فعين بجنات المحاسن ترتعي
وقلب على نار الهوى يتقلب
أمشرقة بالحسن والبدر دونه
فديتك شمسا في فؤادي تغرب
نسيم الصبا ذا أم دلال الصبا بدا
وفرعك هذا أم تفرع غيهب؟
جلوت هلالا تحت ليل غدائر
سبلن على قد إلى البان ينسب
ومن أفق ذاك الجيد شمس الجمال قد
بدت فإليها كوكب الطرف يجذب
جبينك ذو النور الصباحي كلما
بدا قلت: يا ليت العواذل تحجب!
أتحمين ورد الوجنتين ببرقع
وعندك صل الفرع يحمي وعقرب؟
ففي خدك الورد الذي ليس يجتنى
وفي ثغرك الدر الذي ليس يثقب
بروحي ليال كان وجهك بدرها
وكانت لذاك البدر عيناي ترقب
هجرت فأغضبت المحب فواصلي
لك الأمر ما يرضى المحب ويغضب
وكم غيهب قد بت أرعى نجومه
وأصبو إليك كلما لاح كوكب
فظلمك يجدي السهد والسهد مؤلم
وظلمك يهدي الشهد والشهد يعذب
يروم سلوي حسن وجهك عاذلي
وهيهات أسلو ما به العقل يسلب
فثقل الجوى لم يرتفع عن جوانحي
ولو أن هذا العذل مخل مركب
يسيل دمي عن مقلتي صبابة
وقلبي على جمر المحبة يلهب
وكل دمائي إن تسل لم أمت فعن
ضلوعي أرواح الهوى ليس تذهب
لقد حارب الحب اصطباري فانثنى
فرارا وصبر الصب لا شك يغلب
وإن تفتقر نفسي لعون تنل فمن
يؤمل بمن يرعى الولا لا يخيب
صديق به نيط الإخاء وحازم
تسنم متن الفضل ندب مهذب
كسته يد الأيام جلباب رفعة
فراح لأذيال المكارم يسحب
زها في الورى خلقا وخلقا وقد علا
سنى وسناء فهو كالنجم يرقب
صفي سليم القلب سيماؤه التقى
وفي كريم اللب للخير يرغب
به الود مغروس ولم يزوه أسى
ومن خيمه ينمو النهى والتأدب
تشب لظى أفكاره بالذكا وعن
شمائله ريح الصباء تشبب
فمن فكره يبدو شعاع الهدى لنا
ومن لفظه خير الجواهر نكسب
أخلاي ها غصن الوفا عاد مفرعا
بقلبي الذي عن ودكم ليس يقلب
جلبت لكم در القريض فرائدا
وهل لسواكم ذلك الدر يجلب
إليكم مني غادة عربية
تحييكم ما الطير في الدوح تخطب
وكم مشرق الشهباء يطلع أنجما
من الغرب لكن ما لها قط مغرب
كستكم ثياب المكرمات طبيعة
لأسرارها عن كل عقل تحجب
يلذ بآثار الطبيعة ذو الحجا
ويرهبها فالأم للكل والأب
وقال:
عذولي دع عذلي بحب مليحة
غدا وجهها في ظلمة الفرع كوكبا
فثقل الهوى لم يرتفع عن جوارحي
ولو كان منك العذل مخلا مركبا
السلو
قل لمن قد حاولت قطع الخطاب:
إن ذاك الصب قد عاف التصابي
ومن الحب خلت أحشاؤه
وسلا عن ذلك الوجه المحابي
غدرت بالعهد إذ وافيتها
بالوفا والغدر من طبع الذئاب
أنهج الدهر لها سبل الجفا
فمشت والدهر مخبار الصحاب
فغدا ترك الهوى مستعذبا
لي ولو جرعت كاسات العذاب
كيف لا أسلو التي قد جرحت
حرمة الود وفرت كالعقاب؟
كان في قلبي هواها كالربى
فغدا لما جفتني كالضباب
ربة الغدر أنا رب الوفا
وسأرعاه إلى يوم الحساب
لا أباديك بما باديتني
فأنا سمح وحسبي ترك ما بي
كل ما قد كنت أستصوبه
منك بان اليوم لي ضد الصواب
وقال إلى صديق له:
إشارة الوداد
قلب على وصب الهوى يتقلب
وحشى على لهب الجوى تتلهب
ولظى الصبابة للفتى زمن الصبا
أشهى لديه من الصباء وأعذب
لا يطرب الإنسان شيء كالهوى
يوم الوصال فبئس من لا يطرب
فاشرب كئوس الحب في حان الصبا
يا ابن الحجي فالحب للدنيا أب
وارع الغرام على الشبيبة قبلما
يرد المشيب ففيه حظك يهرب
لي من دمى الشهباء أحسن دمية
تحكي الشهاب دمي فداها يسكب
خود إذا نظرت فرت كبدي فمن
لحظاتها انصلت الصقيل الأشطب
صدغ لها لذغ الفؤاد ومقلة
فتكت فذي أسد وذلك عقرب
وبخدها اتحد الحيا فأحاله
وردا ولكن ماؤه لا ينضب
يا فتنة الألباب حسبك أنني
أودعت قلبي في يديك يعذب
لسناك بعت العقل في سوق الهوى
بيعا به رغم العواذل أكسب
لكنني لم ألق منك سوى الجفا
فجفاك أكثر من وفاك وأغلب
بالأمس وجهك كان يبسم بالرضا
فلم أراه اليوم غيظا يقطب؟
هل قد سمعت مقالة الواشين أم
عفت الوفا فلأي شيء أنسب؟
حاشا لمثلك أن تكون قبولة
دعوى الوشاة فكل واش يكذب
ومن المحال عليك ترك الود إذ
إن المودة للمودة تجذب
لولا التجاذب في الطبيعة لم يقم
كون وأحكام الطبيعة تعجب
عطفا أيا ذات النفار على شج
بفؤاده أيدي التصابي تلعب
صب إذا ما جاء ذكرك راح في
وادي الهيام كقيس لبنى يضرب
كم بات يرصد بالنوى متحيرا
ركب النجوم وبالصبا يتصبب
إن كان حسنك حل في قلبي فلا
عجب فذا برج وذلك كوكب
أو كان عندك هان سفك دمي فذا
أمر مهول عند غيرك يصعب
لهواك أرغب في الحياة ولم أكن
ممن تلذ له الحياة فيرغب
حزت الجمال بأسره حتى غدا
عندي كفتح الله حبك يعذب
شهم صفت منه الصفات فأوشكت
من وردها كل الموارد تشرب
هو بحر ود منه يكتسب الفتى
درر الولاء فنعم هذا المكسب
حمدت مناقبه لذا مدحت وقد
كملت فضائله فليست تحسب
فطلاقة قصوى ورأي ثاقب
ومكانة عليا وأصل طيب
ووداعة تدع القلوب لحبه
مجذوبة أبدا ومن لا يجذب
هو في سماء الفخر بدر معزة
يزهو بنور بشاشة لا تغرب
لو لم ينل شعري لمدح صفاته
شرفا لكان يخال أني أطنب
والشعر ليس يجله شيء سوى
لفظ جميل فيه معنى مطرب
يا أيها الندب الذي لك ينتمي
شرف الكمال كذا الذكا لك ينسب
شيئان قد ندبا لمدحك همتي
خزي الحسود وحقك المستوجب
فمديح لطفك قد غدا دينا على
عنقي ومن كل مديحك يطلب
خذ يا أخا النعمى صداق الصدق من
رأف أتى لرداح ودك يخطب
واركب أيا نجل الكرام على العلا
إن العلاء لمثل شخصك مركب
واحمل على الأيام حملة كاسر
واغز الخطوب فلا محالة تغلب
فمن الثنا والسعد عندك جحفل
ومن الذكا والعقل عندك موكب
وقال:
إني رأيت الناس في فصل الشتا
يتبادرون إلى القعود على الركب
والصيف فيه يشطحون فيا شتا
لله درك كم تعلمنا الأدب!
حوادث الهوى
يا جمال الحبيب أنت عذابي
وبمرآك قد أضعت صوابي
مشهد كلما تأملت فيه
عدت أرعى الهوى بقلب مذاب
شبت مما قاسيت فيك غراما
يا لشيب يلوح فوق الشباب
أخذتني خمر الصبابة حتى
صار عقلي مبددا كالضباب
وبقلبي الجوى أحاط فأجرى
عبرات العيون مثل السحاب
واستقر الحبيب في النفس حتى
صار بعدي عنه نظير اقتراب
فكأن الدنيا غدت لي غراما
حيث كل الأشياء تدعو انتخابي
أرق دايم وشوق مديد
ودموع تهمي بكل انسكاب
وعيون ترعى بدور ظهور
وفواد يرعى بدور حجاب
واصطبار في الحالتين نفور
كنفار الشحيح عن ذى طلاب
يا صحابي ما قولكم في فؤاد
ذاب وجدا ما قولكم يا صحابي؟
هل ظننتم أن التتيم سهل
أو زعمتم كاس الهوى كالشراب؟
لا تظنوا أو تزعموا فهو صعب
كالمنايا وعلقم مثل صاب
فتكت بي يد الهيام وأضنت
جسدا ضاع في خلال الثياب
يا مهاة الحمى وبدر المغاني
وقضيب النقا وظبي الروابي
جذبتني منك اللواحظ جذبا
أخضعتني قواته للتصابي
كلما أوقع الولوع لحاظي
يا حياتي عليك حل الفنا بي
فأريحي المحب أو فاقتليه!
إن موتي خير من الأوصاب
لك لفظ لم يرو قلبي لو لم
يك ريان من زلال الرضاب
ليت قلبي يسلو هواك! ولكن
بينه والسلو رشق حراب
قد سكنت الفؤاد يا ربة السح
ر وأوقدت فيه كل لهاب
كلما غنى في الخفا لك ذكر
رقص القلب رقص طير مصاب
إن أكن قد بكيت فالمرء من عا
دته النوح في الأمور الصعاب
لهفة تسكب المدامع واللذ
ذة تفتر تحت ذا التسكاب
رب ليل عذب به جمعتنا
همم الحب والعدى في غياب
فرأت وجهي البشوش عبوسا
فأنارته بابتسام العتاب
لا تخالي هذا القطوب جرى عن
سخط بل عن حيرة واكتئاب
وأبيني ما في فؤادك من شو
ق وأبدي برق الثنايا العذاب
لا تصدي ذا القلب عن خفقه إذ
نلتقي فهو في الهوى ذو اضطراب
ودعيه بالخفق يدفع للخد
د دم العشق في مجاري الشباب
فتنتني منك الحواجب إذ قد
حيرتني بالسلب والإيجاب
لا عدمت الزوال يا دولة العش
ق فكم عثت في قلوب الشباب
ولكم قد نضيت دمعا من الما
ق وأنضبت من دم في الوطاب
لك ذلت كل النفوس كما ذل
ل غزال الفلا لليث الغاب
وبك الشامخات دكت إلى القا
ع ودانت لديك كل الرقاب
كم وكم فيك بات قلبي ينادي
وا عذابي من الهوى وا عذابي!
وا مصابي مما أقاسي من الوج
د ومما جرى به وا مصابي!
فلتدسك الأيام يا دولة الظل
م ولا يله عنك وقع الخراب
آه وا حسرتي ووا حر قلبي!
من ضنائي وحرقتي وانغلابي
ضيعتني الأشجان في كل ناد
وأطالت عن الصواب اغترابي
وأضلت قوى الصبابة عقلي
وأقام الهيام كل العنا بي
طالما ساقني الغرام إلى أش
ياء ما كن قط من آدابي
فمتى يلمع الخلاص لعيني
ي وأنجو من لج ذاك العذاب؟
وا بكائي على صباي الذي قد
ضاع بين الأكدار والأتعاب!
حينما لم أنل سوى قلق البا
ل وفقد اللذات والأطياب
قد حسبت الغرام سهلا ولكن
عندما ذقته أضعت حسابي
وكذا خلت أنه مستطاب
ويح قلبي من ذلك المستطاب!
فمحب يذيبه الشوق قهرا
وحبيب لم يرع ود المذاب
ليس عندي لداء حبي دواء
غير علمي أن الحبيب محاب
طالما قد سفحت غيث عيوني
في الدياجي عساه يطفي التهابي
وإذا اشتدت الحرارة تستب
دي بخارا تغدو به في احتجاب
وقال يرثي أحد أصدقائه الشبان:
ألقى الزمان على الدنيا يدا النكب
فلم يعد في حياة المرء من طرب
والدهر أمطر فوق الناس كل أسى
لذاك لم يبق دمع غير منسكب
دهر خئون يرى فعل الجميل سدى
فلا يزال فعول الغدر والغضب
فما رأى قط وجها لاح مبتسما
إلا وألقى عليه برقع الكرب
ما زال يفعل آيات الردى نكدا
حتى هوى بهلال الأوج في الترب
فاسترجع الناس يبكون الدما أسفا
وصاح كل فتى بالويل والحرب
أما ترى الكل في لطم وفي نحب
وظلمة الحزن قد مدت على حلب
نعم فأي مصاب كان أعظم من
حلول بدر الصبا في أظلم الحجب؟!
بدر هوى من أعاليه وكان على
أفق الشباب بديع الحسن والأدب
فيا لبدر جمال عاد منخسفا
ويا لغصن كمال قد زوى وسبي!
قد غاب رونق وجه زاهر حسن
وغاض ماء قوام ناضر رطب
فكم تفطر قلب يوم مصرعه
وكم ترقرق دمع فاض كالسحب!
وكادت الأرض إذ قاموا بمحمله
تنشق من كمد والشمس من عجب
بالله يا قبر بل يا بيت كل فتى
هل أنت تعلم من في ذا التراب خبي؟
حويت من قد حوى خير الشباب فها
قد صرت يا أيها الشيخ القديم صبي
من كان يؤذي رفيع الوشي جانبه
قد بات فيك ضجيعا ناعم الجنب
ما للجمود بميخائيل مشتغلا
من كان أجرى من الغدران والصبب؟!
ما لي أرى ذلك الوجه الجميل غدا
بصفرة الموت محجوبا وبالعطب!
ما لي أرى من يجيب الكل في طلب
إذا دعوناه لم ينظر لذي طلب!
فيا جميع العذارى في الحداد قفي
وعايني كيف من تدعين لم يجب
ويا جميع الأطبا أين طبكم
قولوا لبقراط: إن الطب لم يطب
كذاك يا أيها الصحب الذين بكوا
عليه ماذا أفادت أدمع الصحب
ها قد فقدتم فتى عز النظير له
أليس تدرون بخل الدهر بالنخب؟!
والموت يهجم مثل اللص مندفعا
وليس يسرق إلا من يد السبب
فما حياة الفتى عند اللبيب سوى
شعوره بالضنا والضنك والتعب
وقال في العرب والإفرنج:
حتام تزرون يا إفرنج بالعرب
مهلا فلا خير بابن قد زرى بأب
ما فضل قوم من الأوباش لا نسب
لهم على قوم إسماعيل ذي النسب
إن كان بالعلم جئتم تفخرون فمن
معالم العرب كل العلم والأدب
أخذتم الطب عنهم والحساب وما
يتلوه والشعر حتى كل منتخب
وعنهم صنعة البنيان قد أخذت
مع الزراعة والتحصيل والجلب
تذكروا ما غنمتم يوم ندوتكم
في أرض أندلس من تلكم الكتب
فهل فضلتم علينا باختطافكم
أرزاقنا آه وا حزني ووا عجبي!
وأي فضل للص دب في غسق
على غنى فاكتسى طوقا من الذهب؟!
فسوف يقبض جاسوس الزمان على
ذا اللص فالدهر حكم غير منغلب
لا تفخروا يا بني الإفرنج في شطط
على بني العرب أهل الأصل والحسب
صعدتم الأوج لكن فوق سلمهم
فكرموا سلما تمتد للشهب
وطهروا عند ذكر العرب ألسنكم
فالعرب سادتكم من سالف الحقب
مهما سما العبد واستعلى وزاد غنى
ما جاء سيده إلا من الجنب
ذي فطرة العرب عزت أين فطرتكم؟!
لم يلف بينهما والله من نسب
أنشاهم الله من جود ومن كرم
ومن ذكاء ومن صفو ومن طرب
ومن ذمام أبى إلا الثبات ومن
مروءة دأبها تبدو لدى الطلب
هم الذين لتاريخ القديم حموا
فاغتلتموه وشنتم ذمة العرب
حسن الوفا والولا يعزى لهم وكذا
قرى ضيوف وإحسان لمغترب
هذي خلائقهم والكل شاهدها
فما خلائقكم يا أمة اللجب
دحاكم الله من لؤم ومن عنت
ومن عتو ومن حقد ومن غضب
كأنما معهد الطاغوت عندكم
فما نطقتم بغير المين والكذب
فلا صديق لكم غير النضار ولا
خل سوى الفضة البيضاء والنشب
ولا وفاء ولا عهد ولا ذمم
ولا حنو ولا عون لمنتكب
لم تحسنوا غير تعبيس الوجوه فلا
أنس لديكم ولا بشر لمرتقب
ولم تمدوا يدا للغوث إن قصدت
حتى تعود لكم بالنهب والسلب
هيهات ما العرب تهوى ذي الطباع فلا
تزروا بهم كازدراء الشوك بالرطب
تأدبوا كلما للعرب عن لكم
تذكر يا بني حمالة الحطب
العرب قد ملكوا الدنيا وقد فتحوا
كل المناطق من قطب إلى قطب
وقد تعالوا وسادوا وارتقوا وسطوا
وأرسلوا فخرهم يعدو على السحب
وهاك آثارهم بالفوز شاهدة
ما بينكم وإذا غابوا فلم تغب
فما فضائلكم بالأرض نحسبها
غير الحروب ودفع الناس في الحرب
تبارك الله إن الشرق هم إلى
راس المدار وهم الغرب للذنب
وقال:
نفس وقلب ذي تحب وذا يجب
من عاشق لم يدع غيرك أو يجب
يا كوكب الحسن الذي طول المدى
أرعاه في أفق الغرام وأرتقب
حسن عليك تغار من أنواره
شمس الضحى والبدر منه يعتجب
إن كنت أنت من الدمى صنم الهوى
فعلى هياكل مهجتي هو منتصب
عذب على قلبي السجود لديك في
قدس الجوى قسما بذاك المحتجب
لك في الحديث تبسم يسطو على
برق السماء ببرق ظرف لم يغب
روحي الفداء لذلك الثغر الذي
يفتر إذ أروي الشجون وأضطرب
ثغر إذا ما افتر من كلمي فقد
راعى النظير فذي وذا در رطب
أو جنبذ في الروض تفتحه الصبا
عند الصباح فتسرق العطر العذب
أفديك ساحرة العقول بأعين
ما كنت لولاهن صدقت الكذب
مقل علي أغرن من جيش الهوى
غاراتهن وما أنا ممن غلب
حتى افتتحن حصون قلبي غلبة
وملكن مملكة أبت أن تنقلب
قلب على عهد الصبابة ثابت
يرعى الذمام ولا يخون ولو سلب
لا والذي جعل الوفاء مزية
يعلو ويعظم من إليها ينتسب
إن الوفي على الكرامة قد ثوى
وكذا الخئون إلى الإهانة قد شجب
ما أكثر الوافين والواقين في
فرح الفتى! وأقلهم إذ يكتئب!
الناس في بلواك إما شامت
لا يجتدى أو راحم لك يجتنب
ولرحمة المتوجعين حزازة
كالشامتين تزيد نكبة من نكب
وعلى المصاب يضج من هو باعد
عنه ويسكت فيه من هو مقترب
فالصارخون الأبعدون عن الأسى
والصامتون الأقربون وذا يجب
أنحو النحيب إذا توعدني الردى
وإذا أتم وعيده لا انتحب
الكلام الجامع
أقول للخد عند اللثم للشنب:
كفاك تصلي فؤادي يا أبا لهب
وقلت للقد لما صادني ميلا:
أفديك غصن كثيب صاد عن كثب
ومذ تضاحك ذاك الثغر قلت له :
لله درك يا ضحاك بالحبب
من لي بحب رداح وجهها قمر
يزري الشموس بنور غير مكتسب!
يدور في فلك من جوهر وله
منازل ضمن قلب جل عن ريب
يا ليت شعري هل تدري التي سلبت
عقلي بطلعتها ما قيمة السلب؟
وهل ترى علمت أن الذي غلبت
له على الخطب صبر غير منغلب؟
مقصورة في حجاب الخدر مشهدها
يجلى على القلب رغم الخدر والحجب
وغادة عينها ترمي الأسود إذا
رنت فما فوقت سهما ولم يصب
لواحظ نفثت سحر المحبة في
قلبي فضج بصدري طالب الهرب
ولقنتني معاني الشعر رائقة
فجاء شعري بسحر طيب عذب
فإن يكن قد سما قدري فلا طمع
لي بالثراء ولا أهفو إلى الرتب
هيهات يرفع قدري في الورى لقب
إن لم أكن مستحقا رفعة اللقب
مالي وللشرف الممنوح من بشر
موتي نظيري فحسبي فخرة الحسب
لا يفخرن امرؤ بالمال والرتب
إن لم يكن فاخرا بالعلم والأدب
فالمال يفنى ويمحى ذكر صاحبه
وذكر ذي الفضل لا يمحى مدى الحقب
ولا يجل الفتى إلا الكمال فمن
يخل زل ولو قد غاص في النشب
هذا لباس أبى الترداد يخلقه
وحلية بالسنا تزهو على الشهب
أما ترى أن خير الناس من نفعت
أعماله الناس لا من تاه بالذهب
فكم فقير أتى الدنيا بخير غنى
وكم غني عقيم كالسباخ غبي
والباسل القرم من بالعرف غار على
إخوانه الناس لا بالسمر والقضب
إني أرى الحجر الفحمي أفضل من
حجارة الماس والياقوت ذي اللهب
فذاك قام لنفع الناس كلهم
وتلك للكبر والإسراف واللعب
نعم صدقت ورب القنع يشهد لي
والصدق هيهات أن يحمر كالكذب
إن القنوع نفيس النفس راشدها
وهو الغني الذي يحيا بلا نصب
وذا المطامع مغرور ومفتقر
ولو حوى ملك سلطان وعلم نبي
يغدو لورد الغنى دوما على لغب
ولابتلاع الدنا يمسي على سغب
ولا يذوق المدى ريا ولا شبعا
كالنار تهضم ما تلقى من الحطب
والمرء لا تنقضي آرابه أبدا
إذا انقضى أرب يصبو إلى أرب
والنفس في مضجع الجثمان راقدة
كالشيخ تحلم بالأشياء حلم صبي
ألا وحق أبي هذا الملا عجب
هذا الملا عجب ألا وحق أبي
قافية التاء
وقال:
يا غزالا تلفتنا
صل فهجري إلى متى؟
عيل صبري بذا الجفا
وفؤادي تفتتا
ذبت لما هجرتني
واصطباري تشتتا
أعين الصب كم صبت
لمحياك يا فتى
كلما لاح بارق
قلت: ذو الحسن قد أتى
لهواك الفؤاد يا
قمري صار منبتا
لك لحظ سبى النهى
ولشيب الفتى فتى
فارحم الصب ذا العنا
يا غزالا تلفتا
وقال يمدح الخواجا أنطون سقال:
شموس في بروج الحي حلت
بأنوار لبند الليل حلت
خرائد في القلوب لها خدور
ممنعة عن الأوهام جلت
سللن من اللحاظ مهندات
بهن دماء أهل الحب طلت
وهزين الذوابل من قدود
فكم نفس لهذا الطعن ذلت
على الوجنات قد أضرمن نارا
بها انسلت القلوب وما تسلت
وليس يصح حب الغيد حتى
يكون به النفوس وهت وعلت
كلفت بغادة تلفت فؤادي
بأجفان من التعذيب كلت
تلوح وتنثني غصنا وبدرا
فطلعتها على قلبي تجلت
أتت فرأيت صبحا من جبين
وليلا من ذوائب حين ولت
جنود جمالها فتكت بروحي
هوى وعلى النهى مني تولت
حياتي بالوصال فحرمته
وموتي بالجفا فقد استحلت
فأعوام النوى كثرت وزادت
وأيام اللقا نقصت وقلت
وقطر مدامعي ما زال يمحو
رسوم تجلدي حتى اضمحلت
عذولي خل عذلي إن نفسي
أبت سلوان من عني تخلت
إذا عطلت نحور الصبر مني
ففي مدح ابن سقال تحلت
فتى يحوي صفات صافيات
مطارفها بماء اللطف بلت
حزوم عالم فطن لبيب
بشاشته كئوس الإنس حلت
غدت أقلامه مثل المواضي
على عنق الخطا والجهل سلت
وأقدام له حازت ثباتا
على الأقدام ما حادت وزلت
فصيح بارع إن قال شعرا
ترى أن البلاغة فيه حلت
وأستاذ أحاط بكل علم
إليه الغامضات قد استدلت
به الألحان قد حصرت وباتت
محيرة بمغناه وظلت
شموس البشر منه إذا تجلت
محت ليل الردى عنا وأجلت
إذا نقرت على الأوتار يوما
أنامله ترى الأكدار فلت
ألا يا أيها الخل المفدى
مودتكم بقلبي قد تملت
زففت اليوم ذي الغيدا عليكم
أهلتها بأفق الحسن هلت
فمدوا يد الوداد لها تروها
بنت حصن الوداد لكم وأعلت
وقال:
سعت نحوي لسفك دمي أمور
تذيق بشرعها طعم الممات
سيوف من عيون مرهفات
رماح من قدود مايسات
وآيات لقد نظرت لحاظي
بمعناهن أضحت حائرات
بروق من ثغور باسمات
ليال من شعور حالكات
ضياء لاح في فلك المغاني
فكان من المعاني المشكلات
بدور من غصون مفرعات
شموس من كئوس دائرات
وقال:
قد سألت الوصل من قمر
حسنه المعجز آيات
قال لي: لا لا، فقلت له:
إن نفي النفي إثبات
وقال:
زهت الرياض فلا تضع زهواتها
قم واجن زهر البشر من زهراتها
روض كسته يد الربيع جلاببا
من سندس تسمو بحسن سماتها
حيث الغصون تميل من ريح الصبا
فتهيج العشاق في ميلاتها
والزهر يهدي الريح نشر عبيره
والريح تهديه ندى نفثاتها
وبلابل الأدواح تبدي شدوها
والقضب راقصة على نغماتها
فإلام أنت تغط في سنة الكرى
وتضيع اللذات في أوقاتها؟
نبه عيونك فالهناء هنا بدا
ما نفع عين لم تدع غفلاتها
هلا رأيت الفجر أوتر قوسه
ورمى النجوم فأظهرت كمداتها
والشمس أضرمت اللهيب فأحرقت
صدأ الرياح وطيبت نسماتها
وأعادت الأشجار مثل عرائس
غنت محاسنها على سكتاتها
أو مثل غادات رأت في غفلة
عين الرقيب فصفرت وجناتها
فالماء في مهج الغصون مرقرق
والنار مضرمة على هاماتها
لولا عذاب الدوح في نار الضحى
ما استعذبت نفس امرئ ثمراتها
وقال:
أي قلب عانى هوى الغانيات
مثل قلبي وهام باللحظات!
قد ألفت الغرام مذ كنت غرا
وسأرعى الهوى ليوم الممات
فالهوى للحياة طيب ومن لم
يهو لم يدر كيف طيب الحياة
وا عذابي من الهوى وا عذابي!
فهو لم يجدني سوى الحسرات
قد سقتني كاس الهوان يد الحب
ب وأجرت مثل الدما عبراتي
كنت ذا عزة فصرت ذليلا
حائرا بين حسدي وعداتي
وعلى كل حالة إنني لم
أدع الحب فهو من واجباتي
ها أنا للغرام أعطيت قلبي
هبة واستعضت باللهفات
كلماتي أضحت لجيد الهوى عقدا
فيا ليتها تروق مهاتي
بأبي غادة لقد غادرتني
في الهوى هائما مدى الأوقات
همت وجدا بحسنها فهي لي صا
لحة والنعيم بالصالحات
حركات لها أذبن فؤادي
وسكون الهوى على الحركات
وعلى وجهها المحاسن تجلى
جليان الشعاع في المرآة
هي كالبدر إنما لا غنى عن
ها وتغني عن ذاك بالمشكاة
حيثما لم تكن أمامي أغدو
هائما ناظرا لكل الجهات
أطلب الإنفراد إذ لا أراها
لأناجي الخيال في الخلوات
ثم أجري إلى الدروب وإن قا
بلتها ملت معجلا خطواتي
فكأن الهوى يغار عليها
أو كأن الحيا غدا من صفاتي
فإذا أوقعت على وجهها عيني
ي دواع رجعت بالزفرات
شدة الشوق وافقت شدة الحس
ن على منع كثرة النظرات
حبها كالدماء يسعى إلى قل
بي ولكن من أعيني هو آت
ذات دل ترنو إلي بلحظ
فيه يجلى لطيف شوق الفتاة
إن ثناها الصبا لواها حياء
فهي حيرى بين الحيا والحياة
ليس لي لذة ولا ألم في
كل عمري سوى اللقا والشتات
فبيوم اللقاء تبدو حياتي
وبيوم الفراق ألقى وفاتي
نعم يوما به من الوصل أجني
لذة فوق سائر اللذات
يا رداحا من غور قفر خباها
صعدت كالغزال في الفلوات
أنت والله آية مالها من
منكر دون سائر الآيات
لا تطيلي حبل الدلال فإني
لضعيف يا أجمل الغادات!
واحفظي الود تخجلي كل من قد
قال ود الدمى عديم الثبات
واسمحي لي برشفة من طلا الثغ
ر فيحيا المحب بالرشفات
نفسات الزفير تقتل لكن
أنت تحيينني بذي النفسات
غفلت أعين الوشاة فقومي
نقض طيب اللقا على الغفلات
ليت شعري متى يشاء الهوى أن
نتعاطى الوصال قبل الفوات
هجوم الربيع
جاء الربيع وأزهار الربى نفحت
والوقت قد طاب والورقاء قد صدحت
والبرد غاض كماء في السباخ كما
لاح الندى وكنوز الصفو قد فتحت
زال الشتا وبدا منه الربيع لنا
كدرة من فم الثعبان قد طرحت
والسحب قد خزقت أثوابها ترحا
على الزوال وأرواح الصبا فرحت
والروض أرسل من أطيابه رسلا
مع النسيم ليدعو الناس إن سمحت
راق الزمان وقد طابت موارده
يا صاحبي وموازين الصفار حجت
فانهض صباحا إلى الروض النضير ولا
تبق الصبوح فكاسات الهنا طفحت
حيث الزهور تجلت في منابرها
بأرؤس لأكاليل الندى صلحت
والورد قام على عرش له بهج
وفوقه ألسن النعماء قد فصحت
والآس غمض كالوسنان أعينه
وأعين النرجس الزاهي قد انفتحت
والطير قد غردت فوق الأراك وقد
جرى النسيم على الأغصان فاصطلحت
والقضب قد رشفت خمر الندى وغدت
تميل حتى إذا صاح النهار صحت
ولا تزل بابنة العنقود مشتغلا
حتى ترى الشمس نحو الغرب قد حجت
وفوق مزدحم الأشجار قد سكبت
يد الأصيل نضارا فيه قد ملحت
وانظر إلى الأفق الغربي حيث غدا
يحكي خدود عروس بالحيا اتشحت
كأنما الجو إذ حاط الغمام به
عند الغروب وأبدى حمرة وضحت
قاع فسيح به ثار الوغى فعلا
دخانه والدما فيه قد انسفحت
فانهب زمانك إن العمر منصرم
ولا تضع فرصة اللذات إن سنحت
ولا تمل عن رياض البان ما خطرت
فيها النسيم وبالأطباب قد نفحت
هناك من ظبيات قد أدرن لنا
لواحظا كالظبا للقلب قد ذبحت
من كل مائسة الأعطاف ناعمة
الأطراف طيبة الأوصاف إن شرحت
كواكب من بروج الحي قد لمحت
ربارب في مروج الفي قد مرحت
هن الظباء التي تهوى السراح وفي
غير الجوانح والأكباد ما سرحت
بل البدور التي لم تنخسف فإذا
لاحت جلت بالسنا ليل العنا ومحت
وغادة تفضح الخطي إن خطرت
بقمامة طالما للغيد قد فضحت
أروم ترك الجفا منها فتكبحني
يا للهوى آه لو تدري لمن كبحت
فبالجفا محنت قلبي وقد منعت
عنه الهنا وله ثوب العنا منحت
لها غدائر أولتني الجميل فكم
تشفعا بي على أقدامها انطرحت
إن العيون لقلبي قد جرحن ولا
عتب على المقل النجلاء إن جرحت
بعت المعزة وابتعت المذلة في
سوق الهوى وتجار الحب قد ربحت
أفدي مهاة لها ثغر حوى دررا
ووجنة بمياه الورد قد نضحت
إذا تجلت ثوى قلبي على لهب
وأعيني في عيون الحسن قد سجت
يا ربة الدل ما هذا النفار فما
أبقيت لي غير عين قط ما طمحت
جوري علي بما تهوين فهو على
رأسي وساحة صبري في الهوى فسحت
إن كان ذنب فللعشاق معذرة
وليس ذنبي سوى روحي بك افتضحت
بعدا لواش سعى ما بيننا حسدا
فلا أصابت مساعيه ولا نجحت
قافية الثا
وقال:
أفدي كواعب قد فتكن بمهجتي
وتركن دمعي فائضا كالغيث
يفضحن بالخطرات أرواح الصبا
ويصدن باللفتات قلب الليث
وقال:
يا من بعهد الهوى لقد نكثا
رفقا بصب على الهوى لبثا
دع ذلك الهجر قد وهى جلدي
واحنن فإن الغرام بي عبثا
كن حافظا حرمة اليمين فلا
عهد لمن باليمين قد حنثا
قتلتنى بالصدود وا أسفي
بغير ذنب فما الذي حدثا
أمات طيب الرقاد هجرك لي
تفدى وطرفي السهاد قد ورثا
يا من رمى الظبي باللحاظ ومن
لقدك الغصن في الرياض جثا
كن راثيا لي فإنني كلف
لو عاين الصخر لوعتي لرثى
يا عاذلي لا أود نصحك لي
هل أرعوي والغرام بي مكثا
قد طاب لي في الهوى العذاب وكم
يطيب للعاشقين ما خبثا
لم أدر كيف الجمال يفتك بي
لا يدرك الأمر كل من بحثا
بالعقل بعض الأمور ندركها
والبعض بالحس فالهدى لبثا
وقال مسمطا:
مهلا فحبك بي أراه عابثا
وأرى علي العاذلات كوارثا
فأروم تبرئتي عن ابن مودتي
وأظنه للروح مني وارثا
من ذا الذي ألوى بعهدك في الهوى
يا من غدا بعد الألية حانثا
ما زال يسديك المحب جميله
حتى انثنيت عن المحبة ناكثا
جربت فيك الحادثات فلم أجد
منهن شيئا مثل غدرك عائثا
يا من به دمعي يعود لدى اللقا
مثل الرقيب إذا خلونا حادثا
يا مشبه الآرام إلا أنها
عند النفار ترى التفاتا دامثا
لا بدع إن نك في الهوى صرعى فقد
خلقت لنا عيناك سحرا نافثا
قد راح بالقمرين طرفي هازئا
يوما رأى منك الجمال الماكثا
وغدا يوحد في الورى متعجبا
لما رأى في بردتيك الثالثا
قافية الجيم
الفراق
أشمس ببرج أم كعوب بهودج؟
على الظعن سارت وهي في قلبي الشجي
مشيعة يجري على الخد دمعها
ويا حسن ياقوت بدر مضرج
تقول: حبيبي هل لفرقتنا لقا
وهل نخمد النيران بعد التأجج؟
فقلت: خذي قلبي فإن يبق يفنه
نواك وخلي النوم فالطيف أرتجى
رنت من خلال السجف نحوي وقد بكت
وداعا بطرف يفتن الظبي أدعج
فأودعتها إذ ودعتني مهجتي
وقلت: احفظي هذي الوديعة للمجي
بنفسي من خود سبتني بغرة
تحاكي بياض الصبح عند التبلج
بشكل محياها ضروب السنا غدت
قياسا سوى فرط الهوى غير منتج
رويدك يا حادي المطي فقد نأى
مع العيس طيب العيش قل لي: متى تجي؟
أيفرح ضيق البين دهري باللقا
وهيهات ما دهر لضيق بمفرج
بحور الهوى حول الفواد تموجت
فغرق سفن الصبر لطم التموج
طغى الماء من دمعي على ظاهري وقد
فنت باطني النيران ذات التوهج
أاكتم سري بالغرام وطالما
فشى سره عند الكلام تلجلجي
وورقاء فوق الأيك تهتف بكرة
فتهتاج أشواقي لتلك الغملج
نسيم الصبا إن سرت بين نهودها
خذي لي عرف الياسمين وعرج
وإن ترفعي ذاك اللثام فتلثمي
لماها فبالله اذكري قلبي الشجي
وقال:
قسما بالحاجب والزجج
والطرف الصائب والدعج
والوجه السافر عن قمر
والجيد الظاهر والبلج
والثغر الباسم عن درر
والخد الناضر والضرج
والنهد البارز من أسل
والصدغ اللاذع كل شجي
والخصر الناحل والردف ال
عالي والريقة والفلج
أفنتني نار الحب فما
أبقت إلا أثر المهج
وقال:
جلت لنا من محيا وجهها البهج
بدرا يلوح بداجي شعرها السبج
هيفاء عاطرة الأردان إن خطرت
غار النسيم وصاح البان: وا عوجي!
تهز قدا يهاب الرمح طعنته
وليس يفري سوى الأكباد والمهج
ناديت لما رنت والقلب رن جوى:
يا نفثة السحر بل يا فتنة الدعج
لواحظ ما رمت إلا نهى وحشى
فالنبل من كحل والقوس من زجج
تزري الهلال وتبقي الصبح في كمد
بمطلع الأنورين النحر والبلج
وتورث الند طيبا والندى طربا
من ذينك الأطيبين الخال والفلج
ثغر برودته تصلي الحشا وهجا
فوا عذابي بين البرد والوهج
تبارك الله ما أبهى محاسنها!
فكل خال غدا في حبهن شجي
لو كان يصنع منحوت يمثلها
ما جاء قدما على المنحوت من حرج
هل الهلال بعرجون يمثل أو
وجه الثريا بمشكاة من السرج
وقال موشح:
كفاك ما صنعت عيناك بالمهج
وحسب هجرك ما أذكى من الوهج
يا فاتني ببديع المنظر البهج
وقاتلي بسيوف الغنج والدعج
رفقا بصب ينادي وهو في الرهج:
أنا القتيل بلا إثم ولا حرج
دور
عيناك أم وجنتاك الزهر والزهر
وذاك وجهك أم هذا هو القمر؟
والله لم أدر حتى أشرق السحر
أن الصباح جبين والدجى شعر
هذا جمالك فيه قال كل شجي:
أنا القتيل بلا إثم ولا حرج
دور
ضجت على وجهك الأقمار في الفلك
ومن شهودك كانت غيبة الملك
والصبح والليل في زهو وفي حلك
تهورا منك في غي وفي أفك
والغصن ناداك مخجولا من العوج:
أنا القتيل بلا إثم ولا حرج
وقال: تاريخ لإنشاء دار طباعة في الموصل:
طبعت على الحدباء طلعات الحجا
بضياء مطبعة محت غسق الدجى
هي صنعة فتحت لدى كل الورى
سبل العلوم وقومت ما عوجا
وأزالت المستصعبات عن الذي
يرجو المسير وثبتت فيه الرجا
وأعادت الأفكار حايمة على
دوح الحقائق كالعطاش على الرجا
ها قد علا رأس الطباعة في الملا
وغدا بإكليل الفخار متوجا
عمل تجلى في وضوح بعدما
قد كان في درج الغوامض مدرجا
خالوه ضرب عجيبة قدما وقد
زعموا الذي أنشاه للسحر التجا
وبقدر ما تغشى الجهالة في الورى
تغشى العجائب والسواحر ترتجى
فعلى الحكيم الحكم أو طلب الهدى
وعلى الجهول الإعتجاب أو الهجا
فلتنعمن الموصل الحدباء إذ
ركب العلوم إلى حماها عرجا
حدباء لا هرما ولكن حملت
علم العراق كغصن نخل أنضجا
أنشي بها للفضل دار طباعة
مدحا لمنشيها على حرف الهجا
فالتيه في تاريخها ناء فقل
فضل المطابع جمعها شمل الحجا
سنة 1865
وقال:
لم يلبس الخد درع العارض السبج
لولا انصلات سيوف الغنج والدعج
ولم يرق قط ديجور الغدائر لي
لولا تشعشع أنوار من البلج
أفدي غزالا غزا قلبي بنفرته
وما عليه رعاه الله من حرج
ظبي سبى مهج العشاق حين رنا
بأعين دأبها تسطو على المهج
حلو الشمائل ممشوق القوام له
وجه تسامى بحسن الرونق البهج
يهتز كالأسمر الخطي مبتغيا
قتلي ويرنو كبيض الهند في الرهج
ذو وجنة كلما قبلتها سحرا
تعطرت نسمات الصبح بالأرج
يا قاتلي بسيوف اللحظ وا أسفي!
رفقا بقلب رماه الشوق بالوهج
هواك أشغل أعضائي وهل نظرت
عيناك حبا نظيري بالغرام شجي؟
ما اهتز قدك إلا هزني طربا
إليك يا باثق الأنوار كالسرج
عطفا أيا معرضا عني بلا سبب
على فؤاد فتى للغير لم يعج
بذلت روحي فدى للحسن منك فلم
بدلتني وتركت الدمع كاللجج
لكل ضيق بأحكام القضا فرج
فما لضيقي أراه غير منفرج؟!
كم جئت أشكو تباريح الصبابة بي
لديك علي أحظى منك بالفرج
فلم تنلني سوى فرط القلى ظلما
فراقب الله يا جاني على المهج
إن كنت تنكر أشواقي إليك فها
دمعي وسقمي وسهدي في الدجى حججي
عهدي بوجهك أن ألقاه مبتهجا
فما له اليوم أضحى غير مبتهج
لا أسلونك يا من قد أراق دمي
صدا ومن زين الخدين بالضرج
كيف السلو ولي روح بحبك قد
ذابت وقلب دهته فتنة الدعج؟!
وهل يبرد ما في القلب من حرق
سوى الوصال ورشف الثغر ذي الفلج؟!
كل امرء بالهوى إن رام يسبقني
يخب فهل يسبق الجرداء ذو عرج؟!
لا كنت ممن على شوط الغرام مشى
إن كنت أصغي لنصح العاذل السمج
فيا عذولي دع هجو المحب سدى
فهل رأيت محبا بالغرام هجي؟!
قافية الحا
وقال:
فؤادي فدى خود شذا طيبها فاحا
وبدر محياها بأفق الحمى لاحا
نظرت إليها فانثنى غصن قدها
وعاد عليه بلبل القلب صداحا
ولما رأتني شاخصا في جمالها
فأرخت نقابا ظل بالمسك فواحا
فقلت: هبيني من جبينك نظرة
فصدت وقالت: قط ما شمت أصباحا!
فقلت: أريني خدك الأحمر الذي
سباني قالت: قط لم تر تفاحا!
فقلت: أريني لحظك فهو خمرتي
فقالت: أما تخشى من السكر إفضاحا؟!
فقلت: أريني ثغرك الباسم السنا
فقالت: ألم تنظر أقاحا وأقداحا؟
فقلت: وهل لي من رضابك رشفة؟
فقالت: أيا هذا ألم تذق الراحا؟!
فقلت: أريني جيدك الزاهر الذي
بدا نوره قالت: ألم تر مصباحا؟
فقلت: أريني الخصر منك كرامة
فقالت: وهل عين تشاهد أرواحا؟!
وتاهت بقد قد يقد القنا إذا مشت
واصطباري بعد ذلك قد راحا
وقالت: وهل يروى من الصخر ذو ظما؟
فقلت: وكم ماء من الصخر قد ساحا!
وقال من المجون:
جزارنا يذبح أغنامه
فهل له إذ ذاك من ذابح؟
يدعونه زورا أبا صالح
ونحن ندعوه أبا سالح
وقال:
بات يرعى الشوق والدمع يسح
والجوى يزداد والصبر يشح
مغرم قد أسكرته عنوة
أعين العين فمنها ليس يصحو
حدق يطفح لي منها الهوى
مثل أقداح بها للخمر طفح
كم ليال أسهرت جفني بها
خطرات الشوق والوجد الملح!
أرقب الصبح من الشرق وما
لليالي الوجد والأشواق صبح
فالدجى للشرق باب مغلق
دونه أضحى لقرن الشمس نطح
ظلمات أغمرت قاع السما
فأرت بحرا به للنجم سبح
وإذا نجم بدا ألمحه
عن نجوم ليس لي منهن لمح
والرجا يكتب آيات اللقا
في فؤادي وصروف الدهر تمحو
يا أحبائي خسرنا شملنا
يا زماني هل عقيب الخسر ربح؟!
ما لعيني في النوى شغل سوى
ذرف دمع كلما سال يصح
أمسح الدمع فيرتد إلى
مهجة ليس لما تبكيه مسح
مهجة هاجمها جيش الأسى
بعد أحباب لهم في القلب صرح
صارمتني نعم القرب وقد
صادمتني نقم في البين تلحو
التهديد
صدحت بلابلة الأراك صباحا
فأهاجت البلبال والأتراحا
وتنفست ريح الصبا فتأوهت
نفسي وطارحت الحمام نواحا
بالله يا ذات الخضاب لم البكا؟
مهلا فأثخنت الفؤاد جراحا
شمت الجمال فرحت مسلوب الحشا
وشربت كاسات الغرام طفاحا
ما زلت أكتم حرقتي وصبابتي
حتى كسا جسدي الضنا فأباحا
لله ممن غادرتني هايما
أطوي جبالا من هوى وبطاحا!
أختال بين عواذل وعواذر
لا صادفت عين العذول نجاحا
وغدوت أروغ من ثعالة في الهوى
لما أثار على الفؤاد كفاحا
أو كيف لم يفتك بقلبي الحسن إذ
يبدو وقد غدت العيون صفاحا
إني عهدتك يا فؤادي صابرا
فلم ألفت بذا الجفا إلحاحا
لا شك كنت ضللت في ليل النوى
لو لم يكن أمل اللقا مصباحا
أشقيقة القمرين حتام الجفا؟
عطفا على من قد جفا النصاحا
أترى - فديتك - هل إذا عاملت من
يهواك بالحسنى ترين جناحا؟
لم أرج منك سوى التفات كالظبا
فتلفتي إن كان ذاك مباحا
قلبي بنار جواك طال عذابه
يا ليته ترك الهوى وارتاحا
ولكنت عاملت الهوى بالقتل لو
أعطيت من شرع السلو سلاحا
يا ربة الحسن البديع ترفقي
بفتى لغيرك لم يكن مرتاحا
روحي فدى تلك المباسم فهي كم
تهدي لنا ماء الحياة قراحا!
وبمهجتي تلك الخدود فكم زها
برياضها ورد الجمال وفاحا
لو تعلمين حقيقة الحب الذي
لك في الفؤاد لما أردت سراحا
أو لو عرفت من الذي بك مغرم
لظننت ذياك الغرام مزاحا
إني امرء ربح المعزة بالحجا
وغدا إليك بذلة ملتاحا
قلبي لخيمك لا لحسنك قد صبا
فعلى الدمى كم من جمال لاحا
إن تقفلي بالسخط أبواب الرضا
دوني فصبري قد غدا مفتاحا
هذا إذا لم أسل حبك فاعلمي
أني فتى حسب السلو رباحا
وإذا سلوت فلست أرجع للهوى
أبدا ولو كان الرجوع فلاحا
ومن المعيب علي إن أك سرت في
أمر وأرجع نادما نواحا
والعشق يفسد بالقلوب فنعم من
لا يعشقن كواعبا وملاحا
كن سالي الحسناء يا قلبي عسى
تلقى بذا بعد الفساد صلاحا
إن الهوى عين الهوان ففر من
سطواته وخذ السلو جناحا
يا قاتل الله الغرام فكم به
ذو العز في وادي المذلة راحا
ولكم جوانح قد جنحن إلى اللظى
شغفا وكم من مدمع قد ساحا
نور السلو بدا فشمت هدى ومن
حيث الشعاع أتى نرى الأشباحا
يا رب خذ بيدي فعفوك دائم
واجعل لنفسي في حماك مراحا
قافية الخا
وقال:
بيني وبينك من غرامي برزخ
يا عاذلي لكنه لا يفسخ
أوما ترى سيل الهوى من أعيني
فإلام أنت بنار عذلك تنفخ؟!
مهما عذلت فإنني لا أرعوي
لا أرعوي أبدا ولا أتوبخ
عشق يدق طبوله في مهجتي
وبمسمعي أبواق عذلك تصرخ
دعني وشأني في هوى عطبولة
سفكت دمي وغدت به تتضمخ
خجلى إذا أولت ووجلى إذ لوت
شفق وصبح ذا لذلك يفسخ
هذا لجين الحسن أنظره وذا
ذهب الحياء وذاك طرفي يلطخ
هيفاء أسكرت النهى بشمائل
راحت تنيف على الشمول وتشمخ
وسبت قلوب العاشقين بطلعة
تسمو على قمر السماء وتبذخ
رعبوبة تزري الغزال ومسكه
مع أن خال ذا وذاك لها أخ
وتدل وهي من الحيا سكرى على
صب يذل لها وفيها يشرخ
صب توكن قلبه رخم الهوى
طير سوى الأوجاع ليس يفرخ
أنا ذلك الكلف الذي لا ينثني
عمن يحب وفي هواه يرسخ
أرعى على الحالين قرب أو نوى
عهدي وفي لعب الهوى لا أفشخ
باق فلا ميل يميل بخاطري
عنهم ولم يفسخ عهودي فرسخ
قافية الدال
سعادة المحب
بدا نور إقبالي ولاح سنا سعدي
وقد راق دهري والأماني غدت عندي
وعدت على رغم الوشاة وكيدهم
أليف أحبائي الذين بهم عهدي
أنا هو سلطان الغرام وربه
وكل فتى يرعى الهوى هو من جندي
نشرت على كل الورى راية الهوى
وسرت وطبل الحب يضرب في كبدي
أميل فألقى الغانيات تزف لي
عرائس حسن تكتسي حلل المجد
ولكنني والله لست أرى سوى
فتاة إليها قد غدا منتهى جهدي
وهيهات أن أصبو إلى غيرها فما
رأت مقلتي شبها لمنظرها الفرد
إذا أقبلت تختال تحت فراطق
تضوع من أذيالها أطيب الرند
محجبة لكن بخدر دلالها
وإن دلال الخود أحلى من الشهد
تميل بخمر التيه كالغصن في النقا
وتعطو بخد قد تعطر بالورد
يكاد الهوى يفضي بقلبي على الفنا
إذا ما رنت باللحظ كالصارم الهندي
تمد من الألحاظ سلسلة الهوى
فتجذبني رغما إلى قمة الوجد
وما أعين الحسناء إلا سلاسل
تقود الفتى نحو الصبابة والسهد
فيا أيها العذال كفوا فإنني أرى
جمرة الأشواق في القلب كالورد
فلو ذقتم بعض الذي في حشاشتي
لكنتم عذرتم كل من هام بالقد
ولو كان ما بي في الجبال لأصبحت
تئن أنين الثاكلات على اللحد
فكم ليلة ليلاء راعيت شهبها
وستر الدجى فوق الخلائق كالبرد
وما لذة الإنسان إن كان خاليا من
الحب! إن الحب دأب ذوي الرشد
فبيعوا بأسواق الهوى درر النهى
أيا ناس حتى تكسبوا جوهر القصد
ويا ويح من لم يعط للعشق قلبه
فلم ير إلا ما رأت أعين الخلد
أنا للهوى أعطيت كل تأملي
فعانيت في مرآته صور السعد
رسمت على وجه الزمان صبابتي
وشاع غرامي من سعاد إلى دعد
فصيت حكى صوت الصواعق بينما
يخالفه إذ ليس يضعف في البعد
وللشمس في قلبي حملت كهرمس
وما صرت مسخا مثله بل على حدي
إلى الشاب الأديب جرجي أفندي يني:
وفاء الخلوص
حمى الله من حنت فزارت بلا وعد
حمى عاشق لولا اللقا ذاب بالصد
لقاء أطار القلب مني سروره
فأنشدته بين الترائب والنهد
أما والهوى العذري حلفة واله
تمنيت لو كانت خطاها على خدي
مهاة شكا قلبي تباعدها كما
شكا قرطها بعد المناط عن العقد
ولما نضت عن بدر بان سحابة
وشقت عقيقا عن جمان وعن قند
رنت بكحيل قد توارى به الحيا
فأورى بقلب الصب وجدا على وجد
سقتني من كاس الأقاح مدامة
منبذة من سكر الطلع والورد
وقد شنفت سمعي بنطق كأنه
حديث ابن يني فاخر الجد والجد
هلال سيبقى كل بدر قلامة
وغصن سيغدو دوحة في ربى المجد
وما ضره سن صغير فعقله
كبير درى الدنيا كشيخ أخي جهد
لك الله من نجب إلى العلم والحجا
سعى سعي ظمآن الفؤاد إلى الورد
فأتحفتني مما فلحت ولم أكن
لأنسى الوفا باكورة حسنت عندي
غلت وحلت كالدر والشهد قيمة
وذوقا فقد دلت على خالص الود
فديتك فرعا قد ذكت ثمراته
ولا عجب؛ فالأصل أزكى من الند
أعيذك من كيد الحسود ولم تبل
فأنت سعيد، والحسود بلا سعد
فكن في اجتناء العلم والفضل كادحا
مدى العمر كدح النحل في مجتنى الشهد
وقم واسع واجهد واخدم الوطن الذي
لمثلك أضحى في افتقار بلا حد
وقال وقد بعث بها إلى صديقه الخواجة جبرائيل دلال جوابا عن رسالة أتته منه:
محاجر صب سافحات سواهد
لهن الغوادي والدراري شواهد
وقلب رهين السير في سبل الولا
ولو حادت الجوزاء ما هو حائد
وروح على البرحاء تصلى وعينها
تراقب عين الشمل، والشمل راقد
لبانات نفس في سماء صبابة
سمون فكانت دونهن الفراقد
أجاهد في نيل الأماني وقد علت
كأني في نيل النجوم أجاهد
أحبة قلبي لو علمتم تشوقي
ووجدي عجبتم كيف أني واجد
أساء إلي الدهر وهو أبو الأسى
بإبعادكم، ليت المسيء يساعد
وغادرني والعذر شنشنة له
أكابر أوصاب الردى وأكابد
أنادي الليالي وهي صم صوامت
وأشكو إلي الأقدار وهي جلامد
تبوأت عرش الصبر ملكا على الضنا
فثارت لإسقاطي خطوب شوارد
يعاندني دهري بقبح فعاله
وإني بالصبر الجميل أعاند
وما المرء في دنياه غير سفينة
على البحر تاهت والرياح تطارد
حياة الفتى في الأرض غفوة نائم
يمر بها كالطيف حي وجامد
رويدك يا ابن الحلم حتام في الكرى
تضج مع الأشباح، والكل فاسد؟
إذا لم يكن نجم النهى لك قائدا
ضللت، ولو أن السهى لك قائد
سلاح الفتى في حرب دنياه صبره
على فتكها؛ فالصبر سيف وساعد
أنا لم أجد غير الشجاعة في البلا
معينا، فكل في البلاء مباعد
عليل هموم لا دواء لعلتي
سوى همي، فالطب كالداء وافد
جفاني أحبابي وأهلي ومعشري
وما عاد لي منهم سوى الضر عائد
وباعدني - وا حسرتاه - أقاربي
وقاربني - وا فرحتاه - الأباعد
وصرت غريبا في دياري ومعهدي
ولم يبق لي بين الأنام معاهد
فما عاد يحلو لي سوى مر شقوتي
فإن الشقا للمرء خل معاضد
وماذا من الإنسان يرجى سوى الخنا
فتبت يد الإنسان؛ كم هو جاحد!
فما عرف المعروف قط ابن آدم
وإن جاءه يوما فللفخر قاصد
ومن خلق الحوباء صنع الردى فإن
أبته فذا فعل من العجز وارد
وساقية قالت لبحر عرمرم:
أنا لم أغل فلكا وما بي شدائد
متى هجعت أسد الشرى عن زئيرها
أو ارتجعت عن شرهن الأساود؟!
طباع على أخلاقها انطبعت فلا
يطبعها إلا الزمان المعاند
وأفضل هذا الخلق من أم سميه
فذلك عن شر الورى متباعد
إذا قام بين الناس رب فضيلة
رموه بسهم الذم إذ ليس حامد
على أن أعداء الفضيل ثلاثة
غيور بلا عقل، ونكس، وحاسد
أظن بكل الناس سوءا فكلهم
بنو الطغي والعصيان والسفر شاهد
ولكن سوء الظن فيمن فعاله
شهدن على آلائه وهو شارد
فهل أنت يا دلال إلا أخ به
ظنوني على فرش اليقين رواقد؟
وهل أنت لي إلا صدوق مصادق
على البؤس والنعمى مواف موافد؟
فليت بك الأيام يا نجب تقتدي
فأنت على جيش المكارم قائد
وما جاش منك الجأش إلا على الوفا
فنعم الجنان الشهم، كم هو ماجد!
أتتني من أبكار فكرك كاعب
لكعبة معناها تخر الخرائد
إذا ما تناءت فالعيون سواجم
وإما تدانت فالقلوب سواجد
فتاة لها من كل معنى ونكتة
عقود، ومن حسن البيان قلائد
بيان عن «الكندي» فصاحة يروي
وسحر حلال منه «هاروت» خامد
معان كأسلاك النضار تنضدت
بها درر الألفاظ وهي فرائد
تغار نسيم الروض من لطف طيبها
وتهفو إليها الغانيات النواهد
عشير الصبا هلا تناسيت عهده
فقد عدتني إذ لم يعد لي عائد
ومن لي من العواد غيرك مخلص
فذا شامت علج، وذلك حاقد!
يطيب قلبي ريح أفواههم وفي
قلوبهم جمر الضغينة واقد
بمثلك يا راعي الذمام نشائدي
فمثلك من تعتز فيه النشائد
فأنت على «برجيس» أربيت مهيعا
وحط لدى عالي ذكاك «عطارد»
وفي قبضتيك الكل ما زال باقيا
على خير توقيع طريف وتالد
لبست ثياب العز والعزم والحجا
فعدت فتى تخشى لقاك العوائد
ويعشو إلى نار الذكا منك مقريا
ضليل خو حيث الهدى والموائد
تجمعت الآداب فيك فلم تجد
سواك لها أهلا، فإنك واحد
متى أيها النائي تأوب إلى الحمى
فإن عيون الصحب فيك سواهد؟
وقد زاد كيل البعد بعد امتلائه
أليس أخا النقصان ما هو زائد؟
وقال:
بقلبي نيران الجوى تتوقد
وفوق خدودي مدمعي يتزرد
أبيت الدجى والشوق ما بين أضلعي
يجد، وأثواب الضنا تتجدد
وكيف يقر النوم في أعيني ولي
فؤاد به صوت الصبابة يرعد!
أنا المغرم المفتون والحب عادتي
وكل على حب الحسان معود
سحاب الهوى فوقي يمد شراعه
وبحر الجوى بين الجوانح يزبد
بروحي أفدي من ثملت بلحظها
فرحت من السكران سكرا أعربد
غزالة خدر لو رأى البدر وجهها
لأضحى لها كالعبد في الأوج يسجد
منعمة، إن أنكرت قتلتي بها
فلون دمي في خدها قام يشهد
يلح عذولي حيث قلبي مولع
وكل عذول مثلما قيل مفسد
شكوى البين
سلوا «هند»: هلا ينقضي زمن البعد
وهلا تراعي حرمة العهد والود؟
وقولوا لها: بالله رقي لمغرم
أذبت حشاه بالتدلل والصد
يبيت الدجى يرعى الصبابة والهوى
ويرفل في ذيل التشوق والسهد
عسى أنني يوما أمر ببالها
فترثى لحالي، إن ذا غاية القصد
رمتني بسهم البين عمدا وغادرت
دموعي تجري كالعهاد على خدي
على القلب مني طرفها رسم الهوى
فيا قلب، هذا الرسم من ذلك الحد
سألت ارتشاف الثغر منها فأعرضت
وقالت: سل الخدين فالورد للورد
محاسن أخلاقي بأعينها قذى
وذكري في آذانها صمم يردي
لها بدن مثل «الدمقس» نعومة
ولكن منها القلب كالحجر الصلد
لواحظها يجرحن قلبي كلما
يغازلنني، واللحظ كالصارم الحد
فما قتلتي كانت بسيف وصعدة
ولكن بتلك الأعين النجل والقد
على غصن ذاك القد طير الجمال مذ
ترنم عاد القلب يرقص بالوجد
شمائلها تزري النسيم لطافة
وقامتها تاهت على القضب الملد
ولي كبد في حبها قد أضعتها
لعمري ما بين الترائب والعقد
أرتني فوق الخد خالا يقول لي:
تأمل ففي نار اللظى شرف الند
تطارحني الهجران هزلا وإنني
على حذر من مزجها الهزل بالجد
سبتني بهاتيك الثنايا التي غدت
توضح لي كيفية الجوهر الفرد
فإن تبتسم فالدر، أو تبد فالسنا
وإن تلتفت فالظبي، أو ترن فالهندي
تتيه برمان وبان ونرجس
من الطرف والقد المهفهف والنهد
غزال يغازي في كناس حشاشتي
له مقلة تدمى بها مهج الأسد
فيا حسنه، من ذي دلال وقسوة
يحملني ما لا أطيق من الصد
متى يا ترى من غير وعد يزورني
وأحلى لقاء ما يكون بلا وعد
سقى المزن شعبا فيه قد سار هودج
يلوح لنا من سجفه قمر السعد
تقلص ظل الشمل حين تشيعت
قلائص أورت في الحشا شرر الزند
تحملن لكن نور عيني والمنى
وسرن ولكن في فؤادي والكبد
فبت وأحشائي تذوب صبابة
أليف البكا، راعي الكآبة والسهد
يهجيني شدو الحمائم بكرة
بروض نمت فيه شذا الغار والرند
فلم - يا حمام الدوح - تنعي بحرقة
إذا كنت ولهانا فذا بعض ما عندي؟
أنا ذلك الصب الذي بات هائما
بوادي الهوى يبكي، وليس البكا يجد
إذا كان دمعى لا يزال مسلسلا
فشوقي دور ما له قط من حد
وكم قد أرقت الدمع من أعيني وكم
أرقت الدجى والسهد طبع أخي الوجد!
أرى البدر كالسلطان في ساحة الفضا
مشى والدراري حوله سرن كالجند
قضى الله بالتفريق والبين بيننا
وليس لفعل الله - يا صاح - من رد
وعادة هذا الدهر ألا يكون ذا
ثبوت، وليس الدهر يعزى إلى عهد
وهى جسدي ضاع احتمالي نأى الكرى
عفا جلدي ضاق احتيالي غوى رشدي
ألا يا مهاة البان، بان تجلدي
ببعدك، واستعلى القسام على جلدي
متى يا سليمي تنقضي مدة النوى
فما عاد لي صبر على ذلك البعد؟
إذا كنت قد أذنبت فالعذر واضح
وعن خطء ذنبي وعذري على عمد
أنا في سبيل الحب ما زلت ساعيا
وليس يفيد السعي شيئا بلا سعد
أجاهد في نيل المطالب والمنى
ولم يدرك المطلوب قط بلا جهد
وما كل ذي جهد يفوز بجهده
فليس عن الأمر المقدر من بد
ودائرة الأعمال مركزها الرجا
وسلسلة الآمال تفرط في اللحد
ومن أحسن الأشياء نفس أبية
ترد جواد الفكر عن ساحة الرفد
إذا وعد المفضال أصبح منجزا
على أن نكث الوعد من شيم الوغد
مكايد هذا الدهر تعزى لأهله
فكل على كل كلطم على خد
وكل امرئ ملقى لكل مصيبة
من الشيخ في المثوى إلى الطفل في المهد
فها إنني اليوم اعترتني مصيبة
ببين صديق صادق ماجد فرد
تناءى وقد كان التداني يضمنا
ببرد الهنا، يا ما أحيلاه من برد!
بعاد كساني حلة الضيم والضنا
وسلط سوط النائبات على جلدي
فيا قاتل الله النوى ما أمره
ويا سالم الله اللقا فهو كالشهد!
ولي معشر عن أعيني بعدوا وهم
عن القلب لم يبعد لهم قط من ود
ترى هل ترى عيناي لؤلؤها غدا
بأعناقهم يوم التعانق كالعقد
فيا أيها الأحباب، لما امتطيتم
ظهور المطايا راح قلبي لكم يحدي
رحلتم وخلفتم فؤادي على لظى
وأسقيتموني أكؤس البين والبعد
متى يا كرام الحي أحظى بقربكم
وأغدو بأنوار البشائر مستهدي؟
فقد حال ما بيني وبينكم النوى
كما حال شوق بين جفني والرقد
وقال:
أيها الواصف بحرا قد بدا
جزره بالشعر دع ما لا يفيد
إن لي دمعا مقيم مده
أفما تشعر بالبحر المديد؟
الخضوع
قل للذي يشكو صدود الخرد:
هذا عذابك بالهوى فتجلد
إن كنت تهوى الغانيات فكن على
إعراضهن حليف صبر تسعد
والحب شر بلية فإلى متى
يا قلب أنت عن البلى لم تبعد؟
تطوي الظلام وأنت تنتظر الوفا
هيهات ممن لا تقوم بموعد
أفديك يا كل المنى حتام لم
تطفي لهيب الصد من قلبي الصدي؟
لم يبق هجرك لي سوى مقل فهل
قبل الممات تراك بين العود؟
نار بقلبي لا يطيق سعيرها
وبغير ترشاف اللمى لم تخمد
ظمأي تزايد يا معللتي ولا
يشفيه غير رضابك المتبرد
فكأن سيف اللحظ منك يقول لي:
يا أيها الظامي، فؤادك موردي
لا تظهري للناس هجرك إنني
أخشى الشماتة من عيون الحسد
قد ضاع عمري في هواك ولم أنل
وا حسرتي منك سوى ذكر الغد
وبنار بعدك ذاب قلبي ليته
بنعيم قربك نال حظ المشهد
والله لم أك قبل حبك عالما
أن الهوى يأتي بكل منكد
قسما بنرجس طرفك الجاني على
قلبي ولؤلؤ ثغرك المتنضد
لم أسل قط هواك يا ذات البها
كيف السلو وأنت غاية مقصدي؟
بالحب إن أتلفت مالي لم أخف
فقرا؛ ففي خديك معدن عسجد
لا تحرميني طيب وصلك منيتي
بل فاحرمي الواشي سماعك يكمد
غادرتني هدفا لكل ملمة
في ذا الغرام، فيا معذبتي انجدي
ووعدتني بالوصل لكن لا وفا
فدعي وعودك إن تشي أو توعدي
وأنا على رأسي وعيني كل ما
ترضينه، والطوع فضل الأعبد
لك معطف لو لم يمرنه الصبا
ما اهتز لطفا إذ تمر به يدي
وشمائل تجري ينابيع الهوى
منها على قلبي الظمي الموقد
يا صبر، مالك في فؤادي راقدا؟
نبه جفونك، فالهوى لم يرقد
كم بت في وادي الصبابة تائها
كمسافر يطغى بليل أسود
أعدو ومن نار الخدود توقدي
يبدو، ومن نور النهود تنهدي
متحملا ذل الهوى وأنا الذي
قد كنت في ثوب المعزة مرتدي
ولكم نثرت على الترائب لؤلؤا
من أعيني، لكنه لم يعقد
والحسن يجتذب القلوب إلى الهوى
بقوى اتفاق دم ولا بقوى يد
يا قلب، ما لك خاضعا متذللا
وعلى التذلل أنت غير معود؟
صبرا على حكم القضاء فربما
تبدي لك الأيام ما لم تعهد
وقال:
ماست فأبقت حسرة في العود
وسرت فأزرى عرفها بالعود
ورنت بكحلاء فراعت مهجتي
أسياف غنج فوق نار خدود
خود تريك إذا تبدت وانثنت
مرأى البدور وميلة الأملود
هيفاء إن لاحت، وإن لفتت زرت
قمر السماء وجيد خود البيد
تزهو بورد أحمر بخدودها
وتسود في بيض العيون السود
بحسام مقلتها وصعدة قدها
بطل الغرام أتى لسلب وجودي
حلت شموس الحسن دارة وجهها
الزاهي بعقرب صدغها المسعود
لما صفا ماء الجمال بخدها
ورأيت فيه بالغرام وقودي
قال العواذل لي: أتسلو؟ قلت: لا
ورفعت خفضة أصبع التوحيد
لو ذقت خمر رضابها يا عاذلي
ما لمت سكر فؤادي المفئود
لا غرو أن يك ريقها مثل الطلى
فالقرط منها لاح كالعنقود
جاءت لتنظر ما بقي من مهجتي
بعد البعاد، فقمت للتوسيد
وكسوتها ثوب العناق مطرزا
بالحب مزرورا بلثم نهود
كم أودعت قلبي اشتياقا قد دعا
عيني إلى الإطراق والتسهيد
أيدي النوى عصرت شمول الشوق من
كرم الهوى، وسقت بكاس عنيد
كل بأحكام الزمان مقيد
هيهات يحيا المرء دون قيود
غل الأسير كذا الأمير وإنما
ذا غل في ذهب وذا بحديد
وقال :
لي خل إن جئته بكلام
طيب جاءني سفاها بضد
يدعي الهزل حيث ليس مكان
رب هزل يحوى حقيقة جد
وقال:
صرت صبا وكنت خلو الفؤاد
عدم الشيء أول للمبادئ
حب ريم الحمى بقلبي غدا مت
تحدا والكمال بالاتحاد
ذو نفار أطال بالهجر تعذي
بي ولم يرث للسقام البادي
ليته يعلم الذي بي من العش
ق فينحو بزورة في الرقاد
يا حبيب الفؤاد، رفقا بصب
كاد يقضى بالصد والإبعاد
لم يدع لي جفاك غير زفير
ودموع تجري كصوب عهاد
أيها الظبي، ما يضرك لو زر
ت المعنى في غفلة الحساد!
إنني لم أخن ودادك يوما
فلماذا - يا ظبي - خنت ودادي؟
قتلتني عيونك النجل ظلما
بظبا السحر واكتست بالسواد
أحيني بالوصال واملك حياتي
فقتيل الهوى عديم الفساد
مناجاة الحب
كم تردين مغرما ما تردى
بثياب السلوى ولو مات ردا
كيف ترضين يا مليكة قلبي
بممات الذي بحبك جدا؟
إن أكن قد أذنبت فالعفو عمن
لم تغادر له الصبابة رشدا
لو علمت الشوق العظيم الذي في
كبدي، ما أتلفت روحي صدا
قد كستك يد الصبا ثوب دل
رق لطفا، لكن لقلبي أردى
وصفات الجمال قد قومت ذا
تك حتى علوت علوي وسعدى
فأطيلي الدلال منك فما للش
شوق مني سوى دلالك مبدا
لك وجه قد عنتر الحسن فيه
وعيون سود يصارعن أسدا
أين ورد الرياض من خدك الزا
هي الذي يفتن النهى إن تبدى؟
ما عشقت التفاح والراح إلا
منذ قبلت منك ثغرا وخدا
بفؤادي أفديك يا ظبية الحي
ي فمثلي يفدي، ومثلك يفدى
في هواك الكرى نأى عن جفوني
فلكم بت أطوي ليلي سهدا
كيف طرفي يذوق طيب الكرى وه
و بحبل الهوى إلى النجم شدا؟
يا عذولي دع عنك عذلي فإني
لست أسلو ذاك الغزال المفدى
فإلى العذل كيف يلفت من قد
راح في سبسب الغرام مجدا
لم يصب يا نصوح رأيك في الحب
ب وقد قل ذو الإصابة جدا
رب رأي به تسود على الحر
ورأي يبقيك للعبد عبدا
وقال :
كفي لحاظك ما أبقين من خلدي
سوى شغاف لحمل الوجد والجلد
مهلا فقد هلكت روحي فديتك في
نار الهوى وأنا في جنة الجسد
رويدك الله في صب يطيب على
هواك وهو فجيع القلب والكبد
يا ظبية ما بدت للشمس في «حمل»
إلا زرتها بشمس «القوس» و«الأسد»
كأن حاجبك المقرون باع دجى
يضم صبحا ليحميه من الكمد
هذا جمال جرت منه الحياة لمن
يهواه جل الذي سواه من جمد
يا طالما فيه قد أنشدت عن وله
قصائدا رنحت حتى أخا الحسد
حسن بجسم نسيبي روحه علقت
فليس ينحل هذا الحي للأبد
تيهي دلالا على قلبي معذبتي
لبيك لبيك مهما تطلبي تجدي!
حق لمثلك يا ذات الملاحة أن
تدل، والدل صد طيب الصدد
يا دمية سبت الرومان أعبدها
في هيكل شيد من عاج على عمد
رحيق ثغرك لا يحسوه غير فمي
وخوط عطفك لا يثنيه غير يدي
أفدي الثنايا التي من خالها بردا
لم يعلم الفرق بين الدر والبرد
ما أعذب الحب أيام الوصال وما
أمره يوم وقع الهجر والبعد!
وما ألذ ليالي القرب تجمعنا
جمع العناية بين الروح والجسد!
لا أنس لا أنس ليلا بت فيه على
سلامة الوصل، والواشي على حقد
والشهب تعلو وتهوي وهي جارية
كأنها سفن في لجة الجلد
أصبو إلى ربرب يصمي حشاي فما
بال المتيم يهنا وهو في نكد!
سر الهوى في ضمير القلب أغمض من
سر التصور والتعليل لم يرد
كل الحوادث إن فتشت عن علل
تأتي ولا علة إلا من الصمد
وإن بدا حادث لم ندر علته
نقول: ذا صدفة؛ قولا بلا سند
ذي كلمة أعربت عن جهل قائلها
ولا يقوم كمال العلم في أحد
هذا هو الحق إلا أن قاتله
يروح ما بين عربيد ومضطهد
والحق منطبع في طبع كل فتى
وما تعداه إلا فاسد وردي
كل ابن أنثى أميرا كان أو وبشا
يسود بالحق إذ بالبطل لم يسد
وحالة المرء في قدم العصور ترى
أجل منها بهذي الأعصر الجدد
أما ترى هيئة الإنسان مزقها
تمدن حار منه الوحش ذو اللبد
سحقا لها هيئة قامت شرائعها
على المطامع والتهويش واللدد
وقال:
وصافية مشعشعة
تمزق ظلمة الكمد
شربناها مبردة
تلوح برونق البرد
فسارت في ضمائرنا
مسير الشمس في الجلد
وقد حلت بأنفسنا
محل النفس في الجسد
فيا بلورة كسرت
صخور الحزن والكمد
بها يصفو بلا رئة
دم يحلو بلا كبد
ويا للراح من روح
تعيد الظبي كالأسد
وقال:
يا ركب، رفقا فوخد العيس في كبدي
والزاد والماء من عيني ومن جلدي
غشي صباح اللقا ليل الفراق وها
نجوم دمعي بدت كثرا بلا عدد
سحب النوى حجبت أنوار طلعتكم
عني فهبت رياح الغم والكمد
وقفت أبكي ربوعا بعدكم درست
آثارها، وغدت تعزى إلى جسدي
لما رحلتم وراح الصبر إثركم
بكيت، فابتسم الواشي وذو الحسد
يا حاسد، اخجل فهم في القلب قد سكنوا
بيتا بلا سبب فيه ولا وتد
ترى أيسعدني دهري فتنظرهم
عيناي؟ ويحي إن الدهر لم يجد!
كم بات يسفك في تلك الطلول دمي
ذكر الأحبة حيث الصبر لم أجد
آها على ذلك العيش الذي طفحت
به كئوس الهنا ولى ولم يعد
لا يعرف المرء يوما قدر لذته
بالعيش قبل وقوع البؤس والنكد
يا حادي الظعن، هل سارت ظعينة من
قد ودعتني وداع الروح للجسد
تلك المهاة التي سلت لواحظها
سيوف غنج بها صالت على الأسد
عسالة القد يهدي ثغرها عسلا
مريضة الجفن لا تشكو من الرمد
مدت فخاخ الهوى من فرعها وبغت
صيد النهى، وسواه قط لم تصد
صدر رخيم لها، يا ليت فيه لنا
قلبا رحيما؛ فيروى منه قلب صدي
تطير نفسي شعاعا كلما ذكرت
ولاعج الشوق يفني باللظى كبدي
لا أوحش الله قلبي من محبتها
يوما على الحالتين: القرب والبعد
لما أتت لوداعي وهي عازمة
على الرحيل، وحادي الركب لم يحد
عانقتها وعيون الشمل باكية
وقد وضعنا لتوديع يدا بيد
فعطلتني من عقد السرور كما
قلدتها در دمع كان كالزرد
وقال تاريخا ينقش دائر حجرة في بيت أحد أنسبائه:
طاب الصبوح فدع جوار المرقد
وانهض إلى الروض العذيب المورد
هلا رأيت الليل ولى هاربا
والفجر جاء على جواد أربد
ونضى بياض الصبح أبيض نوره
وفرى به عنق الظلام الأسود
فذر الهموم على الفراش وسر بنا
نحو الرياض نفز بعيش أرغد
حيث الصبا سقت الربى خمر الندا
والورق أبدت نغمة الصوت الندي
والطل لاح على الشقيق كأنه
عرق الحياء على خدود الخرد
والزهر بين مرصع ومنضد
والنهر بين مدرع ومزرد
والنور في تلك الخمائل قد حكى
دررا نثرن على بساط زبرجد
ثغر الأقاح هناك يبسم كلما
يبكي الغمام وماله من منجد
لله من روض أنيق خلته
مغنى يزان بكل نقش جيد
صدحت طيور الأنس فيه والصفا
فصفا عن الأكدار والبؤس الردي
مغنى غدا للظرف ظرفا إذ حوى
معنى إليه سوى الهنا لم يسند
وحكى كناسا في كثيب حوله
يرعى ويربو كل ظبي أغيد
فلنعمة الله انتمى وبنصره
وجد السنا وبعبده لم يفقد
وبه السرور بدا فقلت مؤرخا:
ألضيم في هذا الحمى لم يوجد؟
سنة 1859
وقال:
سود اللواحظ تحمي
بالبيض ورد الخدود
ولؤلؤ الثغر قد لاح
فوق جوهر جيد
بقامة وخصور
هاج الجوى ونهود
إن الجمال عجيب
سبحان رب الوجود
وغادة إن تثنت
تاهت على كل عود
قد لها ذو اهتزاز
يزهو بخفق بنود
تميت حيا وتحيا
بوصلها والصدود
ظلم لها كزلال
وظلمها كحديد
ورب ضدين طبعا
قاما بشيء وحيد
تجود بالوصل لكن
ما بخلها بالبعيد
والمرء يعطى بشح
طورا، ويعطى بجود
وقال:
ويلاه من شغف لم يبق لي كبدا
ومن مصائب حب لم تدع جلدا
أبيت والطرف ساه ساهر غسقا
كأنه بالثريا والسهى عقدا
لا عاد لي في الهوى عين ولا أثر
وجمرة الوجد تفني الروح والجسدا
ما كنت أصبو إلى مرأى البدور دجى
لولا جمال مهاة تقنص الأسدا
هيفاء تنتهب الألباب قامتها
روحي لصعدة ذياك القوام فدى
بدت وماست فلا والله ما نظرت
عيناي بدرا بغصن قبلها أحدا
لما رأت نوء نوحي جاد منهمرا
تبسمت، فأرتني البرق والبردا
فيها خواص البها والحسن لازمة
أضحت وجوهر ذاك الثغر منفردا
هل من سبيل - أيا عشاق - يزلفني
إلى الوصال؟ فمن يظفر به سعدا
يا عاذلي، لا تلمني في محبتها
فالعذل يذهب في لذع الغرام سدا
أيسمع العذل يوما أذن ذي شغف
فؤاده في سعير الوجد قد وجدا؟
أستودع الله روحا في الغرام لقد
ذابت فأرسلتها عن مدمعي سددا
فرض على الروح مني أن تذوب هوى
يوما، ودين على الأحشاء أن تقدا
كفى المتيم فخرا أنه رجل
لم يبق منه سوى جلد حوى جلدا
بيض لواحظها، سمر معاطفها
سود ذوائبها، كم تلسع الكبدا!
إذا بدت تخجل الأقمار، أو لفتت
تزري الظبا، أو تثنت تفضح الملدا
رياض ورد بخديها وحارسه
طرف رمى بنبال من يمد يدا
وقال:
يا من حوت كل الجمال سعاد
بالله هلا منك لي إسعاد؟
قلبي وقلبك بالهوى ضدان إذ
هذا يذوب جوى، وذاك جماد
بفتور جفنيك ارحمي صبا لقد
أضنى حشاه تحجب وبعاد
فإليك يا ذات الملاحة لم يزل
قلبي بسلسلة الغرام يقاد
حتام أصبر يا معذبتي على
هذا الصدود ففيه كدت أباد؟
وإلى متى هذا النفار فليس لي
قلب يطيق تصبرا وفؤاد؟
فلأصبرن على الجفا ما دام لي
رمق، وكم للعاشقين جهاد!
رفقا أيا أخت الهلال بمغرم
لهواك بين ضلوعه إيقاد
فرح وحزن لي بحبك، فاعلمي
إن الهوى تجري به الأضداد
كم بالدلال العذب جرت علي يا
روحي، وجورك بالدلال يراد
أوعدتني بالقرب بعد نوى فها
حان الوفاء، وطال ذا الميعاد
فكفاك يا من ترتعي بحشاشتي
هذا النفار المر والإبعاد
وإليك لا زالت تميل جوارحي
إذ أنت وحدك لي منى ومراد
فإذا ذكرت تذوب شوقا مهجتي
والقلب يخفق والهيام يزاد
عطفا علي أيا معذبتي فقد
طال السقام، وملت العواد
بهواك إني قد ضللت ولم يعد
لي بعد ذياك الضلال رشاد
أبدا إله الحسن أنت، وأعيني
لك، والجوانح والفؤاد عباد
فقت البدور بذلك الوجه الذي
فتن العقول، فكم له حساد!
لك أعين كحلت بأنوار الصبا
ترنو فيقدح في حشاي زناد
وتمايل فضح القنا وتلفت
أسر الظبا وبه الأسود تساد
بالحب ذبت أسى وقبلك لم أكن
ممن على ألم الهوى يعتاد
ولغير حسنك لم أذل فمن ترى
للحب غيرك مهجتي يقتاد؟
إن كان جفنك قد سبى نومي فقد
أفنى التجلد خدك الوقاد
قتلت عيونك بالهوى قلبي وقد
حزنت فمنهن السواد حداد
ما بين جيدك والترائب قد جرى
ماء البها تحيا به الوراد
لك يا حبيبة في الحشا بيت به
رفعت من الصبر الجميل عماد
يا قلب ويحك، كم تقاسي بالهوى
فسم التجلد فالهوى جلاد
ما أنت وحدك بالمحبة والعا
من ذا الذي للحب لا ينقاد؟!
قد لذ لي عيش الهوى أبدا ومن
لم يهو كان بطبعه إفساد
والمرء أطيب عمره زمن الهوى
كل له بالطيبات مراد
وقال إلى صاحب له:
شكوى الفراق
بانت فبان تشوقي وسهادي
ونأت فحلت لوعة بفؤادي
غيداء مذ ظعنت على ركب النوى
تخذت لذاك الركب قلبي حادي
قد غادرت كبدي أليف لظى وقد
تركت دموعي مثل صوب عهاد
أودعتها روحي وحسن الصبر مذ
ودعتها، فاليوم حان معادي
يا ليت هذا البين بان فإنه
مر المذاق يلذ للحساد
لا كنت مصروع الجوى مضنى الهوى
إن ذقت بعد البعد طيب رقاد
بالله يا ريح الصباء تحملي
نشر التحية والهوى ل «سعاد»
قولي لها أنى تركت فؤاده
بالبين مظلوما لظلمك صادي
بحشاه قد عبث الهوى فتقطعت
والقلب منه غدا فجيع بعاد
هانت لدي النائبات جميعها
إلا فراقي هامة الأمجاد
هو ذلك الميسون نصر الله من
باللطف قد أضحى من الأفراد
خل حوت حسن الصفات طباعه
والقلب منه حوى خلوص وداد
يجلى بأنوار البشاشة وجهه
ولسانه يحلو لدى القصاد
أفعاله كالشهب في كبد السما
وكلامه كالدر في الأجياد
رام الرحيل عن المعاهد فابتلى
قلبي لفرقته بوقع حداد
نشر الخيام غداة بين فانطوت
كبدي على الأطناب والأوتاد
سارت بوادي الفيض أقدام له
فتأرجت أرجاء ذاك الوادي
يا نادي الأوصاف، لست براحل
عنا؛ فطيفك طائف في النادي
إن كان يورث ذا الوداع قلوبنا
نارا فتطفى باللقاء الغادي
ما طوقت أعناقنا بعناقنا
إلا ليوم لقاك رمزا بادي
فامنن أيا نائي بقربك منعما
والقرب لذ حلاه بعد بعاد
وقال:
خطرات «زينب» أوقدت بفؤادي
لهب الهوى، ونفت لذيذ رقادي
ليت التي عني لهت بجمالها
تلهو عن الإعراض والإبعاد
أشقيقة القمرين، إني لم أخن
عهد الغرام، فلم تركت ودادي؟
أفديك بالنفس النفيسة فارفقي
بفتى لحسنك يا بديعة فادي
أنت الحبيبة ذات كل ملاحة
وأنا المتيم ذو عنا وجهاد
لو ذقت مما ذقت من ألم الهوى
لعلمت فتك الحب بالأكباد
قسما بمبسمك الذي يشفي الظما
لم أسل طلعة وجهك الوقاد
لك طلعة تزري بأقمار السما
ولواحظ تسبي ظباء الوادي
في القلب عينك أودعت كنز الهوى
ومن العذول حمته بالإرصاد
بهواك ضاقت حيلتي كتصبري
ونأى رقادي حين جاء سهادي
كم سقت نحو الضيم قلبي عندما
بالرغم سلمك الغرام قيادي
كيف التخلص من هواك حبيبتي
وعيونك النجلاء في المرصاد؟
وقال إلى أحد أصحابه:
الذكرى
نعمت بأنس القرب إذ بعد البعد
وطبت فلا قبل لحظي ولا بعد
جلا ظلمة البرحاء نور اللقا وقد
غدا فوق غصن القلب طير الهنا يشدو
صبرت على بعد الحبيب فجاءني
بطيب اللقا دهري وعاد لي السعد
وما الصبر في البلوى يروق سوى فتى
درى ما يروح الدهر فيه وما يغدو
أمقبلة كالريم تسعى إلى الحمى
أتدرين كم في البين أودى بي الوجد؟
حديثك ما أحلاه يا زينة الحلى!
ولطفك ما أغلاه! فالدر فالشهد
أنخت مطي الوجد في كبدي وقد
غدا بي لعيس الذل أثر الهوى وخد
طبعت على هذا الهوى فكأنني
حملت الهوى مذ كان يحملني المهد
أخذت بشرع الحب قلبي تملكا
وليس لهذا الأخذ طول المدى رد
وقد نوعت عيناك جنس الغرام في
فؤادي برسم السحر وهي به حد
فلم يخل قلبي لامتناع الخلاء من
هواك فتيهي إنني ذلك العبد
إذا اشتد حر الشوق فاضت مدامعي
وعهدي أن الغيث يصدره البرد
لجيدك بعت الدمع عند اللقا
ولا يفك رباط البيع إن ثبت العقد
فإن مس خط الحب دائرة النهى
يقاطعها خط الهدى، فالهوى رشد
ألا يا مهاة البان، رفقا بمغرم
سبى عقله خد به قد زها الورد
بوجهك سلطان الجمال بدا وكم
يروع فؤادي فالعيون له جند
أرى كل جزء من محياك ينطوي
على كل حسن برقه في الحشا رعد
أبنت من الديباج نهدا كأنه
لجين، فكم قد شاقني ذلك النهد
تكلفني السلوان عنك عواذلي
وإني لا أسلو ولو ضمني اللحد
فأسلوك إن عذبت قلبي بالجفا
وقامت من الأموات بعد البلى «دعد»
ولي مهجة في الحب قد قتلت ولا
غريم لها إلا النواظر والقد
فيا ليت يشفي ما بقلبي من الظما
رضابك فهو الخمر والمسك والقند
بعدت فأبعدت الكرى وأنا الذي
بحبك لي بالطيف بعد اللقا قصد
وجاء حسودي بالشماتة قائلا:
نأى عنك من تهوى وقد زارك السهد
دعي صحبة الحساد فهي مصيبة
ولا وفق بين الحاء والهاء يا «هند»
رعى الله أيام اللقاء فإنها
تعيد التهاني للذي ضامه البعد
ويا قاتل الله الفراق فكم به
حملت عذابا ليس يحمله الصلد
فسحقا لهذا الدهر كم هو غادر
وليس لدهر قط يا صاحبي عهد
أتاني بأحزان ك «يعقوب» حسرة
فيا ليت أفراحي ب «يوسف» ترتد
حبيب لقلبي طالما راح ذكره
يروق لسمعي فهو لي في الظما ورد
به الود دأب لا يغير كنهه
حوادث، فاكرم بامرئ دابه الود
أخو همم أعلى من الزهر في السما
وذو شيم أجلى من الزهر إذ يبدو
ودود له صيت السمؤل بالوفا
كريم عليه طالما هبط المجد
عليه شموس العز والفخر أشرقت
فظلله من حر أضوائها السعد
بذلت له مدحا غدا متعطرا
بنشر معان دونها أصبح الرند
لكل من الدنيا مقام كقدره
وهذا له ذم، وذاك له حمد
وليس لكل الناس بالقدر أسوة
فما هي سيان الثعالب والأسد
وهل تحسن الأوعال جريا على الثرى
إذا ما جرت فيه السلاهبة الجرد
ومن كان ذا جهد بكل أموره
ولم يك ذا حظ فلا ينفع الجهد
أصون عن الأوغاد بالصمت حكمتي
لعلمي أن العلم يزري به الوغد
ولا لذة بالعلم قط لجاهل
فما لذ للمزكوم عود ولا ند
ولا ينفع الإنسان إلا بعقله
إذا لم يكن سيف فلا يقطع الغمد
يمل حديث العلم من بالغنى غوى
كما مل طول البيد من في الدجى يعدو
أأرجو الغنى والعقل يغني عن الغنى
إذا كان عندي النسر لم يرضني الصرد
ألا يا أخا العقل الذي زانه الهدى
فديتك من خل عليه التقى برد
ثنتك يد النعماء عن حالة الشقا
فكن بالهنا مستبشرا أيها الفرد
وطارت بك الأقدار نحو العلا وها
إليك غدت أيدي المكارم تنمد
فلا زلت في ثوب التنعم رافلا
ولا زال غيم السعد فوقك ينكد
وقال:
يقظة الحب
تهيج الشوق بعدما خمدا
واستيقظ الحب بعدما رقدا
وعاد ذكر الحبيب محتجبا
في القلب، والوجد من خباه بدا
لا بارك الله فترة تركت
نفسي بها من بحسنه انفردا
لم أسل من قد عشقت عن ملل
لكنه لم يبق لي كبدا
روحي فداء لغادة فتنت
عقلي وقد أعدمتني الجلدا
مثلت كلا من الحسان لدى
قلبي، فلم يلق مثلها أحدا
فأرجعتني يد الجمال إلى
وجدي، وكان الوفا لها عضدا
قتلت عند اللقا السلو وقد
دفعت من در أعيني القودا
لما رأتني رجعت منكسرا
لحبها بالغرام مرتعدا
أبدت دلالا به سلبت وما
أحلى الدلال الذي سبى الأسدا
وأرشفتني رحيق مبسمها
فحل في مهجتي حلول ندى
لما التقينا عقيب فرقتنا
ومد كل إلى السلام يدا
والود قد ساق بيننا عتبا
أعاد جمر الغرام متقدا
قالت وقد أظهر العتاب على
ألحاظها ما بودها شهدا
لا عتب إن تظهر السلو فقد
أرحت قلبا أذقته النكدا
وإن مضى اليوم عنك كل هوى
تقول لي أعيني: يعود غدا
أجبت إن أظهر السلو فقد
أخفيت في القلب ذلك الكمدا
أفدي جمالا حوى الكمال على
ذات بها اللطف كله اتحدا
ما سل سيف الفتور ناظرها
إلا وفي القلب خلته انغمدا
ففي شراك الشجون أوقعني
حسن به كل معجز وجدا
وأورثتني العيون كل ضنى
فإن رجوت الخلاص لن أجدا
يا صاح، إن الغرام أتلفني
ولم تدع لي صروفه جلدا
فقل لمن يحسب الهوى سهلا:
إن الهوى قد يشيب المردا
لو كان ذو الحب لا يذوق عنا
لما درى لذة الهوى أبدا
لكنني لم أذل قط لمن
أهوى، إذا شاء ذلني عمدا
هل ترتضي نفسي التدلل في
قصد وذا الفعل للدني غدا؟
لا تنمحي سيمة الدناءة عن
دني أصل ولو رقى الجلدا
يشقي الفتى عقله ويسعده
فليس بالنجم سعد من سعدا
كل إلى العقل راجع فبه
ربح وخسر وعثرة وهدى
لا ينفع المرء غير ما كسبت
يداه، فأكرم بمن به اجتهدا!
متى بدا بارق الدراهم من
شخص تر العز فوقه رعدا
وقال يجاوب المرحوم الخواجا «نصر الله بخاش» عن رسالة بعث بها إليه من القاهرة:
سودي علي ببيض الأعين السود
وآمري فخضوعي غير محدود
ما أنت إلا عمود للجمال وما
أنا سوى مغرم بالحسن معمود
أشقت خدودك قلبي وهي ناعمة
وعذبت كبدي في نار أخدود
عودي مريض هوى أودى الغرام به
فيوم وصلك عندي بهجة العيد
أطلت صبري على ذاك الجفاء ولا
وعد، فيا ليت صبري صبر موعود
حملت قلبي من ثقل المحبة ما
يوهي الصخور، وما قلبي بجلمود
فكم جمالك يا غيداء عذبني!
إن العذاب لعذب في هوى الغيد
والحب يفتك بالأكباد منتصرا
على العقول، ويغزو كل صنديد
يا طالما في الهوى قد كابدت كبدي
ضيما فمن قلق باد وتوقيد
أشجت فؤادي أحداق المها فأنا
ذاك الشجي، وما الخالي بمودود
كم قد ألفت التصابي واجتهدت به
ولم أنل غير تعذيب وتنكيد
وكم أرقت وجيش الليل ملتحم
والنجم للغرب يجري جري مطرود
أرعى صفوف الدراري في الظلام وبي
شوق يشرد صبري أي تشريد!
وأدمعي كعهاد السحب تسفح من
طرف إلى البدر بالأشواق مشدود
لا بدع إن بددت نار الجوى وسني
فإن للنار طبعا فعل تبديد
إن كان بالسيل نقصان الجبال فيا
سيول دمعي لأجبال الهوى زيدي
ذقت الصبابة فاستعذبتها وأنا
بين المحبين ذوقي غير مردود
وقد رأيت أنيني بالغرام دجى
ألذ لي من سامعي نغمة العود
أكد عيشي ولم أسمع لذي عذل
وقل من عاش عيشا غير مكدود
روحي فدى ظبية في حبها أذني
صماء عن كل ذي عذل وتفنيد
وعادة العشق أن يبقي الغريق به
أعمى العيون، أصم الأذن، ذا جود
ليت الحبيبة ترعى الود ثابتة
مثلي، وما الود في الحسنا بموجود
يا للهوى كم تقاسي مهجتي ألما
بحب غيداء تحكي الظبي في البيد
هيفاء تهتز كالخطي مائسة
تحت الوشاح بقد مثل أملود
تدير لحظا به خمر الصبا لعبت
والحسن أودع فيه شأن عربيد
مهلا لك الله يا إنسان مقلتها
فما تركت فؤادا غير مفئود
زهت بقد به لطف الشمائل قد
جرى من الظرف مجرى الماء في العود
خود تدير كئوس الهجر طافحة
على محب جريح القلب منجود
كم رمت وصلا ولم تمنن علي به
إذ ليس غير نوال الوصل مقصودي
فجدت بالدمع إذ ضنت علي بما
رجوت، والبخل أمر غير محمود
ومذ بذلت لها جودي وذا خلقي
بذلت في مدح نصر الله تجويدي
خل وفي به قام الوداد أخو
لطف عجيب من الأرواح محسود
ماضي اليراعة، حاو للبراعة، قل:
بادي الوداعة، ذو علم وتوطيد
حوى العلوم فأغنته فحاز بها
غنى السعود، وما كل بمسعود
ندب بليغ فصيح القول ذو قلم
يمهد العلم فيه كل تمهيد
أهدى لنا نظم شعر كاللآلئ قد
زها بمعناه زهو الدر بالجيد
فأسكرتني معانيه برقتها
حتى كأني حاس بنت عنقود
من كل بيت كسلك صيغ من ذهب
ينضد اللفظ فيه خير تنضيد
يا أيها الجهبذ الحاوي الإخاء ومن
بنى من الود ركنا غير مهدود
لما زففت علي اليوم قاصرة
من خدر ذهنك حازت كل تمجيد
أحيت فؤادا كساه البعد ثوب ضنا
بعرف إنس زرى بالند والعود
يا قاتل الله أيام النوى فبها
أطال شوقي إلى الغياب تسهيدي
إن كان بعدك يا ذا الود أفقدني
نومي فصبري باق غير مفقود
فكن على الخطب منصور العزيمة ما
حويت فهم «سليمان بن داود»
وقال وقد بعث بها إلى الشيخ ناصيف اليازجي رحمه الله:
لا تخش لا تخش ضيما أيها الأسد
أنى يروعك ضيم منك يرتعد
كل يبدل زهوا كان أو كمدا
وعند مثلك لا زهو ولا كمد
إذا ضنيت فذا ثار الضناء، فكم
بريته وسيبريه بك الجلد
فكن صبورا وإلا ما صبرت أنا
إن كان مثلك لم يصبر فهل أحد؟
أنا الذي قد لقيت الضيم قبلك في
عيني غريبا، وها قد أزمن الرمد
إن الفروع التي قد أصلت جسدي
تهوى السقام فإن أسلم فلا جسد
كل الأطباء في بلواي قد كذبوا
إلا الطبيبان: حسن الصبر، والصمد
إذا خشيت الردى يوما فلا سند
إن الشجاعة في قلب الفتى سند
لا تشكون الردى يا ذا الفضيل فما
دنا الردى منك إلا وهو مبتعد
ذي شجة الدهر لكن فيك حارصة
وفي دامغة لا ضامك النكد
فابشر وطب في زمان قد طبعت على
جبينه غرة قد صانها الأبد
يا بحر علم يهادي الناس در هدى
إليك مثل نهور مدحهم يرد
لا خان لا خان ما أبدعت من غرر
دهر خئون ولا كيد ولا حسد
ولا برحت لصرح الفضل قاعدة
عليك تبنى قباب المجد والعمد
ما شرفت شفة في العلم باسمك يا «ناصيف» إذ أنت في غاب الحجا أسد
وقال إلى أحد أصدقائه:
لوعة النوى
لمن هذي الركائب في البوادي
ومن هذا المشيع للبعاد؟
فوا عجبا! أرى بدرا منيرا
يسير على الهوادج في الهوادي
ألا يا قاتل الله التنائي
فكم سالت به مقل العباد
أصاب حشاشتي عنت عظيم
غداة نأت ركاب ذوي ودادي
فوا شوقي لطيفهم وأنى
يزور الطيف مسلوب الرقاد؟
ولي في موقف التوديع نفس
يرق لحالها قلب الجماد
سفحت مدامعا في البين تحكي
مدامع من مقيلات صوادي
تمادت مدة البلوى فراقا
فيا ويلاه من هذا التمادي
فكيف يطيب لي عيش وقلبي
به للبين قد لعبت أيادي؟
بعاد قد أعاد القلب مني
كنار والأضالع كالرماد
إذا شطت ديار «سعاد» عني
فلم يشطط هواها عن فوادي
ومذ ألوى الرحيل برحل «سلمى»
وسار الركب يضرب في الوهاد
ركبت الشوق إثرهم ذلولا
ومائي الدمع، والحسرات زادي
وهل سيان من يعلو المهاري
ومن يعدو على شوك القتاد؟
لحا الله الزمان ولا رعاه
فلا يدع الصلاح بلا فساد
زمان يعقب النعمى ببؤس
ويشقي الناس في كل البلاد
فكم ألقى على الدنيا خطوبا
وكم أجرى دموعا كالعهاد!
يشتت كل شمل كالمنايا
ويبدل كل قرب بالبعاد
فوا فرط انتحابي واكتئابي
بفرقة من له في القلب نادي
فتى هو لي من الدنيا مراد
رعاني الله، ما أسمى مرادي!
هو الخل الوفي لذاك إني
عليه اليوم ألقيت اعتمادي
إذا ناديته يوما لأمر
يقول: أصبت خيرا يا منادي
فلم أر مثله في كل عمري
فتى عمد الثرى عالي العماد
فتى وصل العشايا بالغدايا
على حفظ الصداقة والوداد
أحاط بكل صالحة وفضل
وحاز اللطف محلول القياد
أديب حازم فطن لبيب
صديق ماله أبدا معادي
قد اجتهد الزمان بأن يراه
سعيدا، والزمان أخو اجتهاد
وأسقاه من النعماء كاسا
عليها بلبل العلياء شادي
فصال على العدو بلا قراع
وساد على الحسود بلا جلاد
فكم أنا حائز أنسا وبشرا
بصحبته! وكم أنا ذو رشاد!
وها أصبحت إذ أجرى فراقا
حليف كوارث، وأخا سهاد
فوا ظمئي إلى ذاك المحيا!
وهل يروى من الأنوار صادي؟
ألا يا ريح ليتك إن تسيري
إليه وتخبريه على انفراد
بأن البعد أسقى الصب كاسا
أمر لديه من حكم الأعادي
أيا مولاي رب الود إني
ببعدك عدت في محن شداد
أروم لقاك إذ ما لاح نجم
كأنك أنت ذاك النجم بادي
فلم أظفر بغير زفير قلب
به أورى النوى نار الزناد
تدثر صهوة النكباء قلبي
تدثر فارس متن الجواد
فإن أمسى جميل الصبر مني
كطيفك رائحا فالشوق غادي
أمات الليل نوما كان يحيي
خيالك، واكتسى حلل الحداد
فكن يا ابن الكرام لنا وكيلا
وخاصم حكم بعدك ذي العناد
عسى يحظى بقربك من ينادي:
لمن هذي الركائب في البوادي؟
وقال:
تحير أرباب الهوى في الورى بما
يكون شبيه الخال في صفحة الخد
فشبهه بعض بحارس روضة
وقوم بزنجي، وآخر بالند
وما الخال فوق الخد عند ذوي النهى
سوى رمز حرق القلب في لهب الوجد
وقال:
حال ما بيننا انقطاع ولكن
ذا محال على وشاة وحسد
فكفاني أني على الود باق
وكفاك الفخار أنك أحمد
وقال:
على الشهم فرض أن يفي ذمة الوعد
لعمري فلم يخلف بوعد سوى الوغد
إذا لم يخن عبد ولم يرع سيد
تساوى الورى، والحر أصبح كالعبد
فلا بد من نذل يخون وماجد
يصون؛ ليبدو موقع الذم والحمد
أذم خبيثا رام خدعي فغرني
بوعد ولما نال أنجز بالضد
وأعمل في غدري عوامل خبثه
فأشغلها علمي، ونازعها رشدي
ولا فخرة في خدع مثلي لخادع
فإني سليم القلب لا ريبة عندي
شنار على المرء الخداع وذلة
فذلك طبع الدب والذئب والقرد
ومن جعل الإفك المهين ذريعة
إلى نيل عظم عاد أخيب من خلد
ولم يدو صيت الفخر بالقول للفتى
إذا لم يكن للفعل لعلعة الرعد
رأينا من انتاب الفخار بسيفه
ولم ير من ينتابه قط بالغمد
ومن عجبي ضب يقود وثعلب
يحاول أن ينقض كالنمر والفهد
وأعجب من هذي العجيبة عاجز
يزاحم أهل القدر بالقول والوعد
أقول لمن بالوعد أدبر مخلفا:
أتضحك بي يا سافل الجد والجد؟
وتسخر بي فاسخر فلست لدى الملا
سوى علقم قد راح يسخر بالشهد
ومن قال: «لا» من بعد قول «نعم» فذا
قبيح نظير الكسب يرجع للرد
وشتان بين الكلب والنذل ذي الخنا
فذلك ذو ود وهذا بلا ود
قال وقد بعث بها إلى «أحمد أفندي فارس» مدير الجوائب:
ذكر الولاء وعهد ذاك المعهد
صب قديم الود غير مجدد
فجرت بوادر دمعه دررا على
غير الطلى يوم اللقا لم تعقد
وتوقدت أحشاؤه بلظى الهوى
بالله يا نار الهوى لا تخمدي
بك لا بغيرك يا «سعاد» توقدي
فاشفي فؤادا أنت فيه وبردي
بلي غليلا من عليل غل في
قيد الغرام، أسير طرف أسود
وترفقي بعميد حسنك وارمقي
جسدا على رمق النحول فتنجدي
جسد يشف عن اللظى سقما لكي
تبدو بخدك لي نظير تورد
قسما بورد الحسن في روض الصبا
ما لاح من أملود دعص أملد
إني لذو جلد على محن الهوى
لا عيش في الدنيا بدون تجلد
دنيا فلا ترعى الوفاء لأنها
أنثى، وفي الأنثى الوفا لم يعهد
يهفو إليها الهائمون وغدرها
يبدو لديهم كالغدير لدى الصدي
ذي خلة الإنسان فهو مولع
بمحبة المغربي وبغض المرشد
في العلم فضل العقل يقصد وهو لا
يفنى ويقصد في الغنى فضل اليد
ما زلت أحمد كل رب فضيلة
حتى اغتنيت عن الجميع ب «أحمد»
أجل اغتنيت بمدح «أحمد فارس»
عن مدح كل سميذع أو سيد
هذا إمام العصر، حبر زمانه
بحر الحجا، والفضل عذب المورد
علم العلوم بدا على علم العلا
تهدي القريب إليه عين الأبعد
هو ناصر العربية الفضلى وقد
وجدت به الشرف الرفيع المحتد
ولقد جلا أسرارها للناس في
سر الليالي فيالسر أمجد!
منه الليالي السود أوجهها غدت
بيضاء واسودت وجوه الحسد
بكر فلم يبدع إمام مثله
فهو الفريد وقد أتى من مفرد
لا بدع في إبداع «فارس» ذا الهدى
هل في الشهاب سوى السنا للمهتدي؟
فرد حوى شرف النهى وهدى الحجا
حتى حكى فلك السهى والفرقد
غارت يتامى الدر من ألفاظه
ودنت وهن على نحور الخرد
وعلت بلاغته على قس وقد
ضربت بها الأمثال دون تردد
وأتت براعته بكل مؤلف
يغني الورى عن ألف ألف مجلد
تزهو براعته على النبراس إذ
يحوي ظلاما ضمنها لم يوجد
هذي اليراعة وهي تبري بالمدى
تزري بكل مثقف ومهند
جابت جوائبها جميع الأرض مذ
أضحت لكل الناس جل المقصد
لا عيب فيها غير أن بيانها
يروي الظما، ويرق كالنغم الندي
جلت بقصد الصدق في أخبارها
فحلت، وقد حلت محل العسجد
وجلت شموس هدى محت غسق الغوى
فصبا إليها الكل غير الأرمد
يا أيها العلم الجليل، العالم الن
ندب النبيل، الشهم رب السودد
خذها إليك رقيقة جاءت على
خجل تخر لديك بين السجد
واسبل غطاء الصفح فوق عيوبها
واحلم فإنك معنه يا سيدي
قافية الذال
وقال:
أيها العالم الشهير دع الغي
ظ إذا خان ذلك التلميذ
واترك العتب إن يخن ذمة العه
د فمن طبعه الردي فنعوذ
ومن الشمس يأخذ القمر النو
ر، ومنه كسوفها مأخوذ
وقال إلى صديق له:
هذا جنوني في المحبة هذا
أهوى الشقا، وأرى العذاب لذاذا
ويلذ لي مر التبرح والضنا
لكنني لم أدر قط لماذا
فتسوقني الأشجان حيث يشوقني
سحر الجمال إلى عنا بي آذى
سحر على الألباب مد غشاوة
وأعاد أكباد الورى أفلاذا
وكذاك غادر كل قلب لين
ولهان في قلب حكى الفولاذا
يا مهجتي، ماذا أصابك في الهوى
ودهاك حتى قد غدوت جذاذا؟
فطرتك طلعة غادة قد غادرت
سهم اللواحظ في الحشا نفاذا
ترنو بألحاظ الغزال ووجهها
لبديع أنواع المحاسن حاذا
وتلوح في وجه به عقلي انسبى
وعلى جميعي استحوذ استحواذا
وجه يلوذ به الخمار وطالما
أضحى له خفر التورد لاذا
كالشمس حيث تشوذت قد لاح أو
كالورد ألبسه الغمام رذاذا
يا ربة الحسن الذي من فتكه
قلب المتيم لم يجد إنقاذا
ها قد خررت لدى جمالك ساجدا
فاقضي على العبد الذي بك لاذا
ولقد تعلمت العجائب في الهوى
لما غدا مرآك لي أستاذا
لعبت بقلبي مقلتاك وقد غدا
منك الجمال لمهجتي وقاذا
جودي برشف الثغر منك على فتى
يهوى النبيذ ويعشق النباذا
واعطي المحب يد الوصال وقربي
بعدا أراه لأدمعي أخاذا
فالبعد سيف قاطع ولحده
قد جاء رب مودتي شحاذا
خل أبى حل الإخاء مدى المدى
وغدا من الخلل الذميم معاذا
يولي الإجابة حيثما استولى على
داع له فلكم نراه ملاذا
شهم على قمم الثناء قد ارتقى
وأخو الملامة دونه قد باذا
وبكل لطف قد تفرد شخصه
وبه نرى لذوي الصفاء لواذا
يا صاحب الخلق السليم ومن على
أهل الوفا والود ساد وشاذا
ما زال بعدك يستثير تشوقي
ويثير في قلبي لظى وخواذا
حتى بعثت إليك يا رب الولا
برسالة تستلزم الأحواذا
صدقت مودتك التي لك مثلها
مني، وغيرك لم يزل ملاذا
قافية الراء
وقال يمدح عظمة السلطان «عبد العزيز خان» دام ملكه:
مدى الدوران
لأعتاب سلطان الأنام سعى فكري
فيا ليت شعري! هل يفي مدحه شعري؟
سليل السلاطين الأولى بسيوفهم
أغاروا على الدنياء بالفتح والنصر
مليك الورى «عبد العزيز» الذي جرى
على سيفه الماضي دم الظلم والغدر
ودانت لديه رهبة هامة العلا
وقد أطرقت من هيبة أعين الزهر
تدور ملوك الأرض حول جلاله
مدار نجوم الأفق حول سنا البدر
أبى الله أن يدعو سواه خليفة
بلى، فهو ظل الله باق إلى الحشر
فهذا أمير المؤمنين حقيقة
وكل أمير دونه قاصر الأمر
له شرف «الشعرى»، له رفعة السهى
له المجد والنعمى، له سطوة الدهر
يرفرف جنح اللطف حول سريره
وتحرسه عين العناية والقدر
ويحمي حماه السعد من كل سوأة
ويقضي له الرحمان بالنصر والقهر
فلو لم يكن قد خان «قيصر» عصره
لقلت: يمين الله ذا «قيصر العصر»
على عرشه أثنى خفي وظاهر
فزكى لسان السر ألسنة الجهر
به ازدان وجه الملك وافتر ثغره
فحاكى سماء الزهر أو روضة الزهر
مليك رمى أسد العدى ونسورهم
بقوس هلال نبله نجمة الفخر
لذا نامت الأقوام تحت لوائه
أمانا، فأرباب الغنى وذوو الفقر
وقد هفت الدنيا إليه وكل ما
عليها، ولم ينفر سوى البؤس والضر
فلا ريبة والأمن في الشرق قد سرى
يحاكي نسيم الروض في وهج الظهر
هناك نظام أخجل الغرب شمله
فيا خجلة اليعسوب من نحلة البر
فما الشرق إلا محتد السلم والهنا
وما الغرب إلا مرسح الكرب والكر
وها عندنا صدح الفضائل والتقى
وعندهم نبح الكبائر والشر
فسلطاننا خير السلاطين كلهم
فأحكامهم تكبو وأحكامه تجري
عزيز الملا «عبد العزيز» الذي عنت
لدولته الأقدار في البر والبحر
هو الناظم الشمل الذي ائتلفت به
ألوف قلوب طالما كن في نثر
أقام من الشرع الشريف مجلة
بها امتزج الأحزاب كالماء والخمر
فراح الملا يعدون في سبل الولا
ولم يبق عدوان لزيد على عمر
وطابت نفوس، واطمأنت مضاجع
وقرت عيون، وارتدى الثغر بالبشر
نظام يود الدر لو صيغ مثله
غدا في نحور الملك أحلى من الدر
وقام على ركن الأمانة والمنى
بمملكة قامت على البيض والسمر
وما كان أغناها عن الخط والظبا
فحكمتها تبري وسطوتها تفري
ممالك تهتز الجبال لقدرها
وتعنو لدى خاقانها الباذخ القصر
فيا رب، صن «عبد العزيز» ووقه
وهبه عظيم الفوز في طولة العمر
وحكم سيوف النصر طول المطال في
رقاب عداه، واعطه ساعد اليسر
وشتت أفاعي المكر عن روض ملكه
فذو العجز والأطماع يسعى إلى المكر
ويا دهر، كن بالله مطواع أمره
فما طاعة السلطان إلا من الكبر
وبلغ إلى عليائه بتهيب
ثنائي، وأرخ حب آلائها الغر
سنة 1289
وقال:
قلت شعرا وقال غيري شعرا
فكلانا في دارج القول شاعر
وإذا كان تاجر الدر يدعى
تاجرا كان تاجر الفحم تاجر
التجاهل
أبروق تبسمت أم ثغور
وغصون تمايلت أم خصور؟
وشموس قد أشرقت أم وجوه
ونجوم تبلجت أم نحور؟
وصباح ما شمته أم جبين
وظلام على النقا أم شعور؟
وسيوف تجردت أم عيون
وصفاح اللجين ذا أم صدور؟
بأبي من إذا انثنت وتبدت
شمت غصنا عليه بدر منير
إن يكن وجهها الصباح إذا ما
لاح يوما ففرعها الديجور
كم على العقل شن غارة سحر
جفنها وهو ذابل مكسور
فرقها الفجر، والمحيا الثريا
واللمى المسك، والطلى الكافور
أفتديها من ظبية ذات خال
من شذاه للند يهدي عبير
خدها والرضاب جمر وخمر
لهما في جوانحي تأثير
حاربتني عيونها حرب بدر
وا عذابي أنا المحب الكسير!
ليس لي إذ يصيح بوق الهوى في
عمق قلبي غير السكوت نصير
شيم العاقل السكوت ومن شن
شنة الجاهل الكلام الكثير
الدلال
أجود بدمعي للدمى وهو جوهر
ويبخلن عني باللمى وهو كوثر
ومن عادة الحسناء قتل أخي الهوى
دلالا، ولكن قلبها يتفطر
وخود ترى ما بي فتنكر ما بها
وهيهات أن يخفى الغرام وينكر
تهددني بالهجر إذ رمت وصلها
وأعلم حقا أنها ليس تهجر
وتذكر يوم البين مزحا وإنني
أذوب ارتياعا كلما البين يذكر
أنا للسوى ما جدت بالقلب فهو من
تملكها، إن المبذر يفقر
وبدر السما يهدي الضيا، والضياء لم
يكن ملكه أصلا لذلك يصغر
بروحي من تشري الرقاد بنظرة
وتبقي الحشا في حبها يتسعر
رعى الله ذياك الدلال الذي حكت
لطافته ريح الصبا حين تخطر
مهاة يلوح الصبح إن هي أقبلت
ويعتكر الديجور إن هي تدبر
تميس بقد خلته خوط بانة
ولكن سوى فرط الهوى ليس يثمر
هي الغصن والخطي إذ تنثني إلى
عناقي، وظبي في الفلا حين تنفر
خذ الحذر يا قلبي إذا ما رنت فمن
لواحظها سيف المنية يشهر
أيا طرفها السكران، ما لك حائرا؟
أراعك قتلي؟ لا تخف، أنت تعذر
عذولي دعني إنني لم أصخ إذا
عذلت، فذق ما ذقت علك تشعر
أتسلم يا إنسان من سطوة الهوى
وقلبك موجود وعينك تبصر
منعمة قد حيرتني بدلها
ومن ذا الذي يهوى ولا يتحير؟
إذا شاهدتني ناظرا وجهها رخت
لثاما، وإن غضيت طرفي تسفر
وإن تبتسم تجعل على الوجه كفها
حياء، فبدر بالثرياء يستر
مذ الحب راضاها أتتني وقد بدا
بوجنتها ورد الصبابة يزهر
وتاهت، وقالت: يا «كثير الهوى» إذا
أذبتك إعراضا فماذا تصير؟
فقلت لها: حاشاك من قسوة، أما
حرارة إشفاق بقلبك تنشر؟
فقالت: أنا قلبي حديد، أجبتها:
وليس به مجرى الحرارة يعسر
إذا ما أزادت صدها ونفارها
تيقنت أني بالوصال سأظفر
ويزداد وجه الليل في الأفق ظلمة
إذا كان نور الفجر أوشك يظهر
ويا رب بؤس جاء كان طليعة
لجيش هنا، إن الزمان يغير
كتمت عن الخلان سري في الهوى
لعلمي أن الناس داء مدمر
يكدر عيش المرء صفو ضميره
وقد ينفع المرء الضمير المكدر
إذا كان في الإنسان طبع يظنه
بكل امرئ، والطبع لا يتغير
ومن كان يمشي في البحار فإنه
يرى الأرض والأجبال تمشي وتعبر
إذا رمت تخفي عن عدوك حاجة
فإياك إعلام الصحاب فيشهروا
تغر الفتى دنياه وهي دنية
وتملا له كاس الرجاء فيسكر
ولولا الرجا ما لذ للمرء عيشه
ونفس الفتى باليأس لا شك تصغر
حياة إذا طالت يطول بها البلى
وكم عيشة منها لنا الموت أستر!
فقد ناع «نعمان» كما تاع «تبع»
وكسر «كسرى» ثم قصر «قيصر»
وأطيب عيش المرء في زمن الصبا
وأخبثه يوما: يشيب ويكبر
ويصفو بياض الشمس في قبة الضحى
ولكنه عند الغروب يعكر
وقال مبهما ما بين المدح والهجو:
قد أخبروني عنك يا هذا بما
لا أشتهيه للعدو المفتري
ومذ اختبرتك رحت أضحك قائلا:
يا خجلة الأخبار عند المخبر
وقال:
غرام في الفؤاد له مقر
وأشواق وما للصب صبر
أيلقى العاشقون جميل صبر
وفي أحشائهم قد شب جمر؟
تحاربنا العيون وهن بيض
وتقتلنا القدود وهن سمر
كلفت بأغيد باهي المحيا
بقلبي من شمول هواه سكر
فتنت بطرفه، ورميت فيه
فقال العاذلون: عراه سحر
لسان العشق
بروحي من لاحت فتاهت على البدر
ومن عبقت من خدها نفحة العطر
لها غرة غراء ما الصبح إن بدا
شبيها لمعناها، ولا كوكب الفجر
رنت بكحيل مدنف فسرى الشفا
بسقمي، ولكن عدت في علة السحر
إذا هاجرتني كان عسري بهجرها
وإن واصلتني كان في وصلها يسري
لها مقلة تدمي، وقد حكى القنا
فوا تلفي بين الصوارم والسمر!
ولي أعذب الصهباء من كاس ثغرها
ومن خدها الوردي لي أطيب النشر
لئن سترت عن مقلتي شمس وجهها
فحسبي شفاف النور مما ورا الستر
وقامتها السكرى بخمر دلالها
لقد أثمرت بدرا بدا في دجى الشعر
إذا ما انثنت تيها زرت أسل القنا
وإن أسفرت فاقت على الشمس والبدر
سكرت بخمر من كئوس لحاظها
فكيف الهوى يخفى وفاضحه سكري؟
ومذ جرحت قلبي بصارم لحظها
جنحت إليها راجيا بلسم الثغر
فقالت: وحق الجفن مني وسحره
أذقتك صاب الصد إن لم تطع أمري
فقلت: وما هذا؟ أجابت وقدها
تمايل تيها: خذ نحولك من خصري
رعى الله ذياك القوام وصان ما
حوى من دلال حار في لطفه فكري
وفي حبها إن مت عشقا أعش فما
ألذ المنايا في هوى غادة الخدر
وما العشق مفعول الجمال حقيقة
ولكن صدور جاء من حيث لا ندري
رواضح سر في الطبيعة عند من
يكون جهولا، غامض عند ذي الخبر
إذا ما براك الحب يا قلب فاصطبر
فعند الجفا يبري وعند الوفا يبري
لعمرك سلطان الهوى خضعت له
قلوب الورى وهو المليك مدى الدهر
أيا منية القلب الذي ذاب بالجوى
ألا فانظري نحوي ولو كان بالشذر
خذى ما بقي مني فلم يبق لي سوى
أنين وأشواق، إليك الهوى العذري
إذا رمت قتلي في هواك تعمدا
فلا حاجة لي، صانك الله بالعمر
فروحي قد راحت، وجسمي لك البقا
ومما اعتراني بالغرام عفا صبري
هبي مت عشقا لست أسلوك فالمدى
يحن إليك العظم من داخل القبر
تقولين لي: قد بحت بالسر ملعنا
فسم يا خئون السر صبرا على الهجر
أنا لم أبح بالسر والله إنما
جفاك برى جسمي فشف عن السر
أما منك إشفاق فإن النوى فنى
وجودي فجودي بالوفا ودعى عذري
لقد جمع الله المحاسن كلها
بوجهك، والضيقات جمع في صدري
ألا يا مهاة قد سبتني بوجنة
بها الورد مغروس وماء البها يجري
بعصرك أنت بالجمال فريدة
كما أنني في حبك أوحد العصر
فيا منيتي عطفا على مغرم شج
بحبك لاقى اليوم مستصعب الأمر
صبرت على ذاك الجفا منك فاحلمي
على صبوتي، والعقل بالحلم والصبر
رثاء اقترحه عليه أحد أصحابه في حلب:
أسفا على الغصن الرطيب الناضر
وعلى سنا ذاك الهلال الزاهر
يا مهجتي ذوبي، ويا قلب اضطرم
وترقرقي يا دمعتي وتناثري
لي في النوى نفس إذا ما هزها
ذكر الفقيد تبادرت من ناظري
كيف الحياة تطيب لي من بعد ما
شقت على فقد الشقيق مرائري
وا حسرتاه عليك ما هجم الدجى
وبدا على الأفنان نوح الطائر
يا من نأى عني فحل بمهجتي
حزن يمزقها كوقع بواتر
ودع أخاك بنظرة قبل النوى
ويناط بالماضي وداع الحاضر
إن كنت غبت فأنت نصب لواحظي
وأليف أسراري، وملء خواطري
في الأرض أتراح عليك، وفي السما
للقاك أفراح ودق بشائر
فسقى هزيم الودق رمسك والثرى
يا نازلا مني مكان سرائري
غادرت أطفالا وقد يتمتهم
مذ جاذبتك يد الحتوف الغادر
صبرا عليه أيا قرينته ويا
أولاده فالفوز عند الصابر
أنتم فقدتم درة عصماء لم
تثقب ولكن ذاك حكم القادر
لو كان يجدي الميت نفعا مدمع
لأتيت من دمعي ببحر زاخر
ما العمر للإنسان في الدنيا سوى
عرض يزول زوال يوم عابر
كل إلى بلد المنون مسافر
هذا استقر، وذاك إثر الآخر
والصبر ترس للفتى يلقى به
سيف الخطوب وفيه ليس بخاسر
سقوط المتكبر
سل كل عصر فالعصور تخبر
هل دام كبر أيها المتكبر؟
حتام تطمع بالتسلط والعلا
وإلام تنهى في الأنام وتامر؟
جعل الزمان عماء هذا الجيل في
عينيه عنك، وعين ربك تنظر
فمردت حتى صرت أكبر مارد
وظننت أن الدهر لا يتغير
هل فتنة قامت ولم تك ربها
أو هل عداك دم بروع يهدر؟
أملأت كل الأرض أهوال الوغى
حتى عرا الأيام منك تحير؟
وسقيت خير الأرض خير دم الملا
لما زرعت مطامعا لا تثمر
لا أعتبن عليك بل عتبي على
دهر حماك وأمة تستهتر
والدهر يعذر فهو يحمي سره
لكنما أهل النهى لا تعذر
قوم لهم دأب الفلاح فكيف قد
خاروا غريبا حار كيف يدمر؟
عجبا لهم أنى عتوا وتعبدوا
وهم الذين لكل عبد حرروا!
ذي أمة فضلت وسادت وارتقت
وعلى الخليقة فضلها لا ينكر
منها التمدن والتهذب والهدى
يبدو، ومنها كل نور يظهر
لكن قضاء الله لما جاءها
عثرت، وأي قبيلة لا تعثر؟
ما ضر رونقها اغبرار ينجلي
هل يبخس الياقوت إذ يتغبر؟
قد خانها ذاك الغريب وليس ذا
عجبا؛ فسوء الأصل منه مقرر
وأضلها وأذلها وأقلها
وبمالها قد كان سرا يتجر
بل ما أذل بذاك إلا نفسه
وعلى مذلته ستروي الأعصر
بئس الخيانة منك يا رجل الدها
والله مثلك لا يسود ويقدر
وإذا تغاضى الدهر عنك بسؤدد
فلكي يعيد بلاك أمرا يذكر
ها قد سقطت سقطت فابشر بالردى
وغدا انقلابك عبرة لا تعبر
كدرت نور الناس بالنيران وا
عجبا فذا طبعا لتلك يكدر!
هذا نصيب معاشر ركنوا إلى
من لم يكن من ركنهم فليصبروا
هواجس
فؤاد على نار الوقود تسعرا
ودمع بأسواق العقود تسعرا
وقلب على الأوصاب قلبه الهوى
فراح على البلوى يسيم التصبرا
وما الحب إلا سلطة دموية
تصول على كل، ولو كان قيصرا
صدور له الحسن الطبيعي مصدر
وذو الحسن سلطان يصول على الورى
وليس لكل الناس صبر على الهوى
ولا لذة في الحب إلا لمن درى
وصال ترجيه القلوب ولا لقا
وطيف تراعيه العيون ولا كرى
وغيداء أضحى وجهها معدن البها
به خفر أجرى من اللطف عنصرا
تهز من الأعطاف سمرا إذا انثنت
وإن نظرت سلت من اللحظ أبترا
عيون توارت كهرباء الصبا بها
فجاذبن قلبي للهوى فتفطرا
تحلل نور الحسن فوق خدودها
فلاح لدى الأبصار أسمر أحمرا
ومذ لاح روض الحسن من وجناتها
جنت أعيني منه شقيقا وعنبرا
إذا ما غدا ليل الغدائر غاشيا
على قدها أبدت من الفرق نيرا
سبتني بعطف لاعبته يد الصبا
ويا حسن غصن بالشمائل أزهرا!
فإن لاح من تحت الغداف جبينها
نظرت ضياء بالظلام تسترا
وإن بسمت ألقت يدا فوق ثغرها
حياء فبرق الحسن من ديمة سرى
حياء هو الجزء المتمم صورة
لشكل جمال في الفؤاد تصورا
وثقت بها إذ عاهدتني أنها
تصون الولا، لكنما الغدر قد جرى
على ذلك الميثاق حمل ذو الهوى
ذماما أبى إلا الثبات الموقرا
فغيرت الموضوع إذ نفت الوفا
ولكن أبى المحمول أن يتغيرا
إذا حسبت حفظ الوفا عرضا له
زوال، فعندي ذاك يحسب جوهرا
رأت أن طول الهجر يفضي إلى القلى
فجادت بوصل كنت أرجوه في الكرى
ولكن قضى بالبعد ما بيننا القضا
فبانت فأضحى جمع صبري مكسرا
وأصلى غداة البين في كبدي الجوى
لهيبا أعاد الجفن كالسحب ممطرا
فلما رأيت العيس يجهدها النوى
وشمت غزال الحي سار مع السرى
وقفت على تلك الطلول وأدمعي
تطل، وأحشائي تذوب تحسرا
تذكرت أيام اللقاء وأنسها
فهمت، وكم صب يهيم تذكرا!
ومذ سارت الأحداج بالغيد والدمى
رأيت بدورا في بروج على الثرى
فيا قاتل الله الفراق فقد غدا
لقلبي وللحساد صبرا وسكرا
لقد فصمت أيدي البعاد عرى اللقا
ومن عادة الأيام أن تفصم العرى
فوا أسف العاني على الزمن الذي
به قد جنى غصن المحبة مثمرا
وكم بت يا عشاق للأوج راصدا
بذاك النوى، والقلب يصبو محيرا
صبرت على دهر أتاح لي الردى
لعلمي أن الدهر لن يتصبرا
وهيهات أن يرجى من الدهر للفتى
صفاء إذا كان الزمان مكدرا
وكل امرئ طورا يكون ميسرا
يجول على النعمى وطورا معسرا
زمان غدا للناس دائرة الضنا
يمر بها قطر المنون كما ترى
وأخبث أدهار الورى دهرنا الذي
به قد رأينا كل خطب مدهورا
فما حيلة الإنسان إن كان دهره
يجيش عليه من بلاياه عسكرا
لحا الله عصرا صار في الشرق مظلما
وفي الغرب قد أضحى بهيا منورا
يظن الفتى أن الغنى عضد له
ولم يدر أن الدهر يهوى التدمرا
فكم بلد أشقى فبلبل بابلا
وصادم صادوما، ودمر تدمرا
ولا أسوة بين الآنام فبعضهم
يسود القرى، والبعض يحتاج للقرى
وهذا أديب ينظم الشعر مطربا
وذلك فدم لن يذوق ويشعرا
وما الشعر ما جاءت عليه «مفاعلن»
وكان به «طي» و«خبن» تعذرا
إذا لم يكن للشعر معنى ورقة
فليس به من لذة للذي قرا
وكم شاعر في نظمه خلل فمن
كلام بلا وزن وعجز تكررا
الوداع
جادت لنا بوداعها إثر السرى
تلك التي بخلت بطيف في الكرى
رحلت فراح القلب يحدي ظعنها
فمتى يعاود بالتلاق مبشرا؟
ورنت بطرف ملؤه غصص النوى
فأنا قتيل نوى وطرف أحورا
قربت فكانت في الفؤاد ندى ومذ
بعدت غدت نارا به فتسعرا
والشمس يخمد بالدنو سعيرها
ويشب إن بعدت فتضطرم الورى
دمعي جرى بفراقها دررا وقد
جاء العذول يقول لي: ماذا جرى؟
حدق إذا ما النوء ضن تبادرت
عبراتها تسقي الحدائق والثرى
وبمهجتي من أودعتني سرها
يوم الوداع وغادرتني مشهرا
هيفاء هزت أسمرا من قدها
ومن العيون النجل سلت أبترا
أبدت هلال الحسن قامتها وكم
يحلو لذي الأبصار غصن أثمرا
ولكم أبانت روضة للعين في
وجه من النور البديع تصورا
فخدودها تبدي لعيني جنة
ورضابها يهدي فؤادي كوثرا
هي مظهر الحسن البهي ومخبر ال
لطف الشهي ودرة لا تشترى
فبطلعة بيضاء لاحت عبلة
وبمقلة سوداء راحت عنترا
يا نسمة من أرض نجد قد سرت
هيجت وجدا دونه نار القرى
ولأنت يا برقا تألق في الدجى
كن عن ثغور أحبتي لي مخبرا
خشف لهن الطرف راع والحشا
مرعى فكل الصيد في جوف الفرا
صباح الخير
قل: يا صباح الخير صبح وجه من
تمحو بطلعتها دجى الأكدار
غيداء قد لعب الصبا بقوامها
فتمايلت كالغصن والخطار
يتموج الحسن البديع بوجهها
كتموج الأنوار في الأقمار
هي بغيتي، لا بل مليكة مهجتي
وغزالتي، لا بل ضيا أفكاري
من ثغرها لفمي ألذ طلا ومن
وجناتها لي أطيب الأزهار
كم ليلة قد بت وهي نديمتي
أجني ثمار الوصل في الأسرار
والنجم مشتغل بنقب الغيم كي
يرنو إلي كراقب متوار
تعطو بجيد كالغزال وجهها
مثل الغزالة حامل الأنوار
وعلى بهي جبينها قد لاح لي
إكليل زهر فاح كالمعطار
يا ربة الحسن الذي سجدت له
روحي وقد رنت به أشعاري
كللت رأسك بالزهور وأنت في
ظفر علي، فكللي بالغار
يا طول ليل قد أطلت به البكا
شوقا إليك وأنت ذات نفار
ما فاز طرفي من سناك بنظرة
إلا يعود بحيرة المحتار
تاهت بي الأشواق في قفر الدجى
تيه السرى في سبسب غرار
فكأنما أسد السما يبغي دمي
وتدوس قلبي أرجل الجبار
وخيالك الوهمي فوق نواظري
متوقف كالنور فوق النار
ألقي يدي على الخلاء كأنني
أرجو معانقة الخيال الساري
واها فلا شيء أعانقه سوى
لهب الزفير ومدمع مدرار
فالشوق أملأ أعيني فتبادرت
منها الدموع تبادر الأمطار
وعلى حشاي برجله ضرب الغرا
م فهاج بركان الزفير الواري
وقال:
أقبلت تسفر عن قمر
فغدا عقلي على سفر
غادة هيفاء إن خطرت
غادرت قلبي على خطر
وإذا ما نظرت سلبت
كبدي بالغنج والحور
جل من ضرج وجنتها
بمياه الحسن والخفر
ثغرها يهدي المتيم إن
بسمت كنزا من الدرر
ظفرت بالعقل طلعتها
ولكم للحسن من ظفر!
كيف لا أعشق منظرها
وأنا في الناس ذو نظر؟
ما بدت إلا لتسلبني
ببديع المنظر النضر
لعب اللطف بمعطفها
فانثنت تشكو من الأزر
قدها يزهو بميلته
زهوة الأغصان بالثمر
والهوى لولا ضفائرها
ما قضيت الليل بالسهر
ذات فرع قد رأيت به
غيهبا يعلو على قمر
وقوام لم يشنه سوى
أنه يهتز كالسمر
فسواها لا أروم ولا
يرتجي الأعمى سوى البصر
كم أتتني بالدلال فكم
أودعت قلبي من شرر!
أرتجي القرب فتبعدني
وإذا استنجدتها تجر
إن أكن أعتب فهو على
أعيني والقلب والفكر
قربت أو بعدت هي لي
منتهى الآمال والوطر
زادني إعراضها شغفا
هكذا شأن هوى البشر
بهواها ذقت كل أسى
وعلا الشيب على شعري
ليت لي خلا يساعدني
أو يرى ألا يرى كدري
لو ترى للخير من مائة
واحدا لم تخش من ضرر
وقال إلى صاحب له:
ما أومض البرق إلا أومض البصر
إلى منازل من سكانها القمر
وما سرت نسمة الأسحار نافحة
إلا وقلبي بنار الشوق يستعر
تهتاج وجدي ورق الدوح إن صدحت
وكم أهيم إذا ما غرد الوتر!
والحب حرب لها نار تثور على
كل القلوب، ومن أجنادها الفكر
لا أشكون الهوى العذري إن عبثت
صروفه بفؤادي؛ فالهوى قدر
هيهات يأمن من غدر الجمال فتى
يخونه الصاحبان: القلب والنظر
وطلعة الحسن إن لاحت لعاشقها
يطو التصبر، والأشواق تنتشر
بالنفس حسناء تحييني إذا نظرت
نحوي، ويقتلني من طرفها الحور
لمياء تزهو بنسرين يكلله
ورد تجلى عليه النرجس النضر
وتنثني بقوام زانه ميل
منه تبدى لعيني الليل والسحر
قد هداه الصبا عجبا وذا عجب
فالغصن يهدي ولا يهدى له الثمر
يميل سكرا بخمر الدل معطفها
وطرفها فيه يجلى الشوق والخفر
يبدو على الخد منها للحياء ندى
إذا بدت وهو في قلبي له شرر
كم ليلة للقاها بت منتظرا
ولذة الحب حين الوصل ينتظر
تأتي وشهب الدجى كالسفن تسبح في
لج الفضا وشراع النور منتشر
والبدر يرسم شكل الدائرات على
سطح السما، وزوايا الأفق تزدهر
أحاذر الصد إذ بالوصل تسمح لي
يوما، ومما يصيب العاشق الحذر
ما زال يحمل قلبي كل عائدة
من ذلك الهجر حتى كاد ينفطر
يا غادة غادرت عيني مذ غدرت
بالعهد تسكب من آماقها غدر
أما رثى قلبك القاسي لسقمي إذ
رثى لجرح فؤادي بالهوى الحجر؟!
إن كنت أذنبت ذنبا فهو عن خطأ
مني، وها اليوم عمدا جئت أعتذر
أناخ حبك في قلبي مطيته
فليس يرحل حتى يرحل العمر
فكم تحملت من تلك المحبة ما
لو يحمل الصخر منه البعض ينفجر
دمعي كطوفان «نوح» سال منهمرا
وفي الحشا نار «إبراهيم» تستعر
أخو ودادي من أضحت سجيته
ظرفا به كل ظرف راح ينحصر
ندب به الفضل قد قامت دعائمه
دوما، ومنه مياه اللطف تنحدر
يزهو على الناس في علم وفي عمل
من تالد وطريف فهو مفتخر
له على فصله والفضل بينة
أتى بها الشاهدان: الخبر والخبر
يسعى إلى الخير سعيا لا يخامره
ضعف العزيمة والمفضال يقتدر
وربما القلم المبري يفعل ما
لم تستطع فعله الأسياف والسمر
رقت إلى أفق النعمى مراتبه
حتى تعجبت الجوزاء والزهر
يا كوكبا بسماء الود مركزه
طرفي برصدك قد أضحى له وطر
شاعت صفاتك في عرب وفي عجم
لما صفت، فاصطفتك البدو والحضر
إليك مني أيا مفضال جارية
تبدو فيغشى محيا وجهها الخفر
تهديك نشر سلام راح ينشره
ريح الصبا ما بدا في الروضة الزهر
وقال:
الحب في القلب نار لا خمود لها
وقلما كان قلب ما به نار
أستودع الله روحي في محبتكم
والموت في الحب لا عيب ولا عار
ثمر الصداقة
أطارحها وجدي فتلوي فأزور
وبعض نفوس العاشقين بها كبر
وأرجو الوفا منها فتظهر غدرها
ورب وفاء كان أحرى به الغدر
تراني على غيظ فتبسط عذرها
وما كل ذي ذنب يقوم له عذر
وها إنني راض بما هي ترتضي
ولا ذنب للمحبوب إلا له غفر
ضللت ولكن قد هداني جبينها
ومن ضل في كفر الدجى يهده الفجر
رضيت بضيم العسر في عيشة الهوى
إذا المرء يرضى العسر فهو له اليسر
وما عيشة الخالي بحال يطيب لي
وإن طاب حال للفتى يطب العمر
مهاة تريك السحر في لحظاتها
ولا شك في الألحاظ قد وجد السحر
إذا نظرت شذرا إلي أهم جوى
وكم لذ من عين الحبيب لي الشذر!
تعشقتها حتى قضيت محبة
ومن لم يمت في الحب ليس له أجر
بلثم ثناياها قنعت وخدها
وقنع الفتى يجنى به التبر والدر
أنا لست أسلو حبها وجمالها
وخير لمن يسلو الهوى الموت فالقبر
أيا عاذلي، لو كنت تفهم ما الهوى
لما لمتني، واللوم يا صاحبي مر
ففهمك في ذكر السوى هو فاسد
وقد تفسد الأفهام إن فسد الذكر
تميل نفوس الناس طبعا إلى الهوى
وإن الهوى جنس وأنواعه كثر
رعاها إلهي كم حبتني وصلها
وفي الوصل ما تحيا النفوس وتنسر
وقد ساهرتني والكواكب طلع
وكم ساهر في الليل ساهره البدر!
وقد هاجرتني لا ملالا تدللا
وأصعب شيء في الهوى الصد والهجر
فها بعتها روحي وما احتجت شاهدا
شهود الهوى: الأسقام والدمع والزهر
وأخفيت سر الحب حتى عن الصبا
وقد قل من يخفي بجانبه السر
ولا نفع للإنسان في كتم سره
إذا ما استوى بين الورى السر والجهر
رضعت هوى ذات الجمال فمضني
ورب رضيع كان داء له الذر
لقد أسرت قلبي بعين كحيلة
رعى الله عينا دأبها الفتك والأسر!
من الغصن حازت ميله وهو لينها
مقايضة الأحباب ما مسها ضر
لها طلعة غراء تزهو كأنها
طلاقة من قد زانه العز والفخر
صحيح مقال يسبق القول فعله
صريح وداد زانه الإنس والبشر
يصون ويرعى حرمة العهد والوفا
على أن حفظ العهد يحسنه الحر
لبيب، زكي العقل، ذو فطنة جلا
سناها ظلام الغامضات فلا عثر
وفكر له كالبرق يسرع حدة
إلى فهم ما لم يستطع فهمه فكر
فمن ذهنه نار، ومن فمه ندى
ومن لفظه در، ومن يده بحر
وإن يبك أهل الشح ضاحك سحه
فكم خزي الخزان إذ همل القطر!
توهم قوم أسوة لهم به
أسيان عند العارف: الترب والتبر؟
ومن رام يحذو حذوه فهو عاجز
وهل إبر يفعلن ما تفعل السمر؟
ولا أسوة للناس إلا إذا استوت
أصابعهم، هيهات فالطول والقصر!
ولولا ذوو الراحات أين أخو الغنى؟
وليس الغنى يغني إذا أفقد الفقر
ثلاثة أشياء يسود بها الفتى
على الكل وهي: العقل والمال والدهر
ألا أيها الحاوون كل شهامة
نذرت لكم مدحي، ولا يفسد النذر
وها حلب الشهباء روض، وأهلها
غصون، وأنتم نفحة الزهر والنهر
فحق لكم ما الأفق لاحت نجومه
ثناء حميد فاح من طيبه النشر
وقال:
قتلت لحاظك يا غزال تصبري
قتلا دعا هممي لأخذ الثار
ولذا بدت في القلب معركة الهوى
ما بين أشواقي ونزع العار
لكنما الأشواق قد غلبت وها
قد عدت أنت مكللا بالغار
فاحنن على ضعفي، وراع تخشعي
يا من كساه الحسن بالأنوار
لا سلوة لي عن هواك ولو بدا
منك الجفاء محملا بنفار
هيهات يشملني السلو وأنت في
كبدي سكنت، وجلت في أفكاري
ما لي أرى قلبي لصدري قارعا
يحكي أخا هلع مريد فرار
لم أدر من سبب سوى أن الهوى
ألقى خيالك فيه وهو الساري
وقال إلى صديق له:
علامة الشوق
قم بكرة، واجل ظلمة الكدر
بنير الكاس، وأصغ للوتر
واقطف زهور الصبا ألست ترى
مدت إلى قطفها يد الكبر؟
في روضة قد زهت بسندسها
وابتسمت بالندى عن الدرر
فيها غصون الأراك قد رقصت
لما شدا العندليب في السحر
سرت نسيم الصباء حاملة
في جيبها طيب نفحة الزهر
فانهض بنا يا أخا السرور إلى
نهب الصفا نقض لذة العمر
أما ترى النور كالوشاح غدا
للأفق أزراره من الكرر
والشهب في قبة السماء بدت
كنرجس في حدائق خضر
قد ظل قطب الشمال مزدهرا
بأنجم لم تغب عن البصر
والأرض تجري بنا كمركبة
على الفضا بين أنجم كثر
أشعة البدر في الغمام دجى
تبدي لنا رسم أفخر الصور
حتى انتضى الفجر سيفه وفرى
نحر الدجى، ثم صاح بالظفر
دقت طبول الصباح وانتشرت
أعلامه فوق أرؤس الشجر
والليل قد هار، والنجوم غدت
تجري إلى الغرب وهي في ذعر
والقوس بالسحب عاد في أصل
يرمي الروابي ببندق المطر
يا صاح، سبح بحمد ربك إذ
كل البرايا لخدمة البشر
إن لم يكن عن قضاء ربك من
بد فلا تخش سطوة القدر
ولا تضع فرصة الشباب سدى
واغنم زمانا صفا من العكر
ما بين ورد ونرجس خضل
وزنبق نافح الشذا عطر
وخمرة إن مزجتها ظهرت
كالشمس ما بين أنجم زهر
من كف غيداء إن تمس وتلح
أبدت من الغصن طلعة القمر
هيفاء تحكي الرماح ما خطرت
إلا غدت مهجتي على خطر
سكرى بخمر الدلال مقلتها
ترمي نبال الفتور والحور
قد كتب الحسن في الخدود: ألم
نشرح لكم سر ذلك الخفر؟
تلقي على وجهها إذا ابتسمت
منديلة؛ كي تصون لي بصري
تاهت بعز الدلال إذ نظرت
ذلي، فإن أستجر بها تجر
قد أثمر البدر غصن قامتها
والفجر، يا حسن ذلك الثمر
وشيد الله من حواجبها
لعاهل الطرف قوس منتصر
قالت: ألا يا أخا الغرام ألم
تصبر هوى؟ قلت: لات مصطبري!
أفديك من ذات طلعة أسرت
عقلي وصبري وقيدت فكري
حتام ذا الهجر يا معذبتي؟
إن كنت أذنبت فالهوى عذري
درست حبا وطالما سفحت
عيني دموعا جرت على أثري
أخفيت سر الهوى فباح به
دمعي، وذو الدمع غير مستتر
بالمعطف اللين ارحمي سقمي
يا من روى قلبها عن الحجر
زيحى عن الوجه ذا الخمار ولا
تخفي أعاجيب حسنك النضر
العين والقلب في الهوى استويا
فكان حظ الإناث كالذكر
أبدي البها كي تصول دولته
قبيل أركاس دولة العمر
والحسن كالعقل قل صاحبه
فاجليه للعاشقين وافتخري
قد ذقت في الحب كل نائبة
إن الهوى للخطوب كالجسر
بالله يا منيتي اذكري زمنا
فيه اغتنمنا الوصال وافتكري
أيام روحين كنا في جسد
وكان قلب الحسود في شرر
والأن طارت ولم يعد بيدي
منها سوى الذكر فهو لم يطر
بالأمس قد كنت تعتبين إذا
ما عنك غضيت ساعة نظري
واليوم لا يخطرن ذكري في
بال ولو جزت شاسع البحر
بمن تعوضت عن محبك يا
من حولت وردها إلى الصدر
جودي على المغرم القديم إذن
بنظرة، هل بذاك من ضرر؟
ما من محب ترين مثلي ذي
قلب بنار الغرام مستعر
هل الوداد الذي انتشا ونما
ما بيننا صار فاقد الخبر؟
لا يجمع الحسن والوداد معا
فالحسن للود غير مفتقر
أين الوصال الذي به انتعشت
روحي فهل عاد دارس الأثر؟
من يرج حالا له تدوم فذا
يرجو محالا يقيد للكدر
رجوت دوم اجتماع شملي مع
خل حبيب، فلم أنل وطري
ذاك الحبيب الذي نأى فرمى
فراقه مقلتي بالسهر
بقربه القلب في النعيم لقد
ثوى، وبالبعد صار في سقر
ودعته والفؤاد ودعني
وراح إثر الحداة في السفر
مذ سار جاء الحسود يشمت بي
والبيد يعجبن؛ كيف لم أسر؟
يا بين حملتني عدمتك ما
إن يحمل الطود بعضه يغر
قد حلت بيني وبين من شهدت
بلطفه العذب نسمة السحر
نجل الكرام الذين فطرتهم
قد ركبت من أطائب الفطر
سليل أصل، جليل طائفة
والأصل يغني الفتى عن البدر
قد اكتسى العقل والذكا وزها
بالظرف واللطف وهو في الصغر
سألت طول اللقا له زمنا
جاد به، فاستجاب بالقصر
يا نائيا قد تركت قلبي في
نار اللظى، والعيون في غدر
ما كان ذاك اللقا سوى حلم
قد مر في هجعة من الدجر
سهم النوى قد رمى الفؤاد ولو
أخطأ الكرى قلت: في المنام زر
شوق أنين تفكر سهر
لي بعد ذا البعد، فاستمع سيري
وقال:
صن العلم إن جالست ذا الجهل في الصدر
فليس يلذ العلم إلا لمن يدري
أيطرب آذان الأصم مغرد
وهل لذ للأعمى سنا طلعة البدر؟
وما العلم عند الغمر إلا فضالة
ومن أفضل الأشياء عند أخي الخبر
هو الدهر ميدان الثراء وذا ثرى
وفيه خيول الجهل طول المدى تجري
ومن كان ذا مال ولم يك عاقلا
فذاك حمار حملوه من التبر
ومن أحسن الأشياء علم مع الغنى
ومن أقبح الأشياء جهل مع الفقر
يعيرنا بالعلم قوم وإننا
نرى ذلك المعيار ضربا من الفخر
أخو اللب إن لم يتحف الغمر حلمه
فهل لأولي الألباب فرق عن الغمر؟
أرى العقل مرآة الطبيعة إذ به
نرى صور الأشياء في عالم الفكر
وقال:
لا تكلفني القراءة إني
هائم في هوى الغزال النفور
فإذا ما فتحت يوما كتابا
طاف طيف الحبيب بين السطور
وقال وهو في روضة بحلب يقال لها «الغوري»:
غار جيش النسيم صبحا على الغا
ر بروض «الغوري» فاهتز ذعرا
إنما الورد في ظبا الشوك قد فا
ز عليه وحاز فتحا ونصرا
وقال ملغزا:
من ذا يقيك من الجفون أو الحور؟
لا مهرب للناس من سيف القدر
صبرا على ما قد عراك من الضنا
والصبر يحلو للفتى عند الكدر
حل الهوى، رحل النهى، جاء الجوى
نأت القوى، مات الكرى، عاش السهر
ومهفهف أسر الغزال إذا رنا
وبوجهه فتن الغزالة والقمر
حلو المقبل بكرة، مر الجفا
رخص المعاطف، قلبه مثل الحجر
بدر أتى باسم رباعي به
صغر وفي كبر الوغى هو مشتهر
إن تبغ تصحيفا لمهمله تشم
منه اسم شيء في البطون قد استقر
احذف ثمانية وصحف بعدها
فتراه من شجر الكروم قد اشتهر
واقسمه تلق النصف منه ماضيا
والنصف بالتصحيف تهواه البشر
وقال:
خطرت تميس كغصن بان غادة
تبدي هلالا من خلال إزار
وتبسمت، فالدر ذا أم ثغرها؟
ورنت فلحظ أم كئوس عقار
كسيت بأثواب المحاسن والبها
فتمنطقت بأشعة الأبصار
غارت ظباء البيد من لفتاتها
والغصن حار بقدها الخطار
وعن الترائب كم يشف قميصها
كسحابة شفت عن الأنوار
رعبوبة قد أخجلت ريم الفلا
بتلفت ولواحظ ونفار
نفثاتها أذكى شذا من روضة
نفحت بريا أطيب الأزهار
في وصف طرتها سردت قصائدا
ويلذ طول الليل بالأسمار
لما سقى ريع الصبا أعطافها
ماء الدلال أتت بخير ثمار
غازلتها فكسا الحياء خدودها
فرأيت من ماء تأجج نار
ولقد تمشى حبها بأضالعي
كتمشي الأيام بالأعمار
وقد اتشحت به سرابيل الضنا
لكن خلعت بذا الوشاح عذاري
وقال:
لا تعتبن الدهر إن يك غادرا
بك فهو من عاداته أن يغدرا
وخذ التصبر في المصيبة مسعفا
ودع الأمور إلى الذي خلق الورى
الصبر
صبور على البلوى ولو لم يطل صبري
لما أمكن الواشي لمثلك أن يغري
ألمت بي النكباء من كل جانب
فمنك ومن واشي الهوى ومن الدهر
أفاطم، لو تدرين بعض صبابتي
لأدهشك الصبر الذي لي على الهجر
أزدت الجفا لما رجوت الوفا فإن
يكن ذاك ذنبا لي فإن الهوى عذري
يضيع الهوى رشدي إذا ما انجليت لي
فأنشده بين الترائب والنحر
رعى الله هاتيك النهود فإنها
كواكب بلور على أفق دري
فسبحان من قد زين الحسن منك إذ
خلقت بلطف الدل ياربة الخدر
ولو كان ميل القلب للحسن وحده
لكان هوى التمثال أحرى لمن يدري
إذا ما اجتلاك الفكر كادت قريحتى
تطير إلى «الشعرى» بأجنحة الشعر
وإن مثلتك العين كادت بمهجتي
تهب رياح الشوق مني إلى البدر
فيا نزهة الأبصار، زيحي اللثام عن
جمالك فهو البدر، أو كوكب الفجر
صبت لمحياك الغزالة في السما
وصيبت بعينيك الغزالة في القفر
أميلي أميلي لا عدمتك قامة
حكت أسلات البان في روضة الزهر
بعيشك كفي رسل لحظك فترة
فما هن في ديني سوى رسل السحر
ولا تجعلي ذاك الدلال مطولا
فرب دلال يقتل الصب كالهجر
وقال:
يا صاح، لا تك بالعلياء مفتخرا
إن كنت لم تول نفعا قط بل ضررا
إني أرى شجر الصفصاف مرتفعا
إلى العلو ولكن لا أرى ثمرا
وله لغز في عشق:
ما اسم إذا مات منه آخره
دعا بعيش، وعاش طائره
مخزول محذوفه لكل فتى
ود وحب وذاك سائره؟
وقال تاريخا ينقش على قبر «ميخائيل أديب» في «أنطاكية»:
هذا ضريح فيه «ميخائيل» قد
أضحى طريحا فاندبوه يا ورى
هو كوكب بالأمس كان على السهى
يعلو فغار اليوم في جوف الثرى
أسفا عليه فهو غصن يانع
قصفته أيدي الموت من أعلى الذرى
فاسكب دموعك أيها الغادي على
رمس الوحيد، ولا تسل عما جرى
إن المنية مثل ليث ظالم
تطس الكبير ولا تعاف الأصغرا
يا قبر، حزت ابن الأديب فلا تكن
بنواه ذا طمع لئلا تخسرا
فالموت هذي الحال أرخ دأبه
واعلم بأنك قد ضممت الجوهرا
سنة 1862
ظهور الغرام
سكبت على قلبي الغرام نواظري
لما رأتك، فصرت شغل ضمائري
وحرارة العشق الخفي تشعشعت
بدمي، وقد كمنت بكل عناصري
من مقلتيك هدت فؤادي للهوى
عقب اتفاق دم شعاع أوامر
أفديك بالقلب الذي في الحب قد
غادرته ملقى صريع محاجر
ما زلت أشغل عنك طرفي مخفيا
سر الهوى؛ خوف النفار القاهر
حتى نظرت عليك سيماء الرضا
فأبان ما أخفاه قلبي ناظري
هامت بوادي الحب كل جوارحي
وجرى عقيق دمي بدمعي الهامر
أشعلت أحشائي بنيران الجوى
وشغلت أفكاري وكل خواطري
وتركت قلبي بالغرام معذبا
قلقا كطير بين أيدي ناحر
أخفيت سر تشوقي في باطني
فأذاعه لذوي الصبابة ظاهري
لو كان يدرك قدر وجدي عاذلي
لانكف عن عذلي وأصبح عاذري
ويلاه من تلك اللحاظ فإنها
قد أتلفت كبدي بوقع بواتر
كتب الجمال على عيونك هكذا:
احفظ فؤادك من عيون جآذر
ما فزت منك بنظرة إلا أرى
بين الجوانح قيظ شهري ناجر
فلقد حباك سنا الطبيعة بهجة
كالبدر تزهو فوق غصن ناضر
ناديت حين رأيت ثغرك: جل من
جعل العقيق مرصعا بجواهر!
روي فؤادي من لماك فذا اللمى
برء العليل به وورد الصادر
قد ألحقت عيناك حسن تصبري
بالقارظين وذاك معجز ساحر
وسطا جمالك يا سنا قمر على
كبدي بسيف الطرف سطوة كاسر
لك أعين تهوى الكرى أبدا وذا
خلق الخلي، فويح جفني الساهر!
حتام تخفين اللحاظ بأجفن؟
لا تحسن الأنوار تحت ستائر
كم ليلة قد بت منفردا بها
أرعى الهوى، وخيال طيفك زائري؟
ولسان فكري عنك يروي في الخفا
والفكر في الخلوات خير مسامر
فإذا رأيت الشمس يطردها الدجى
نحو الغروب بجيشه المتقاطر
ويد الأصيل طلت جبين الأفق من
حوض المغيب بماء تبر زاهر
حنت إلى مرأى خدودك أعيني
وصبت إلى لقياك كل خواطري
ما جاء ذكرك في حديث منادمي
إلا وكادت أن تشق مرائري
مذ هاج بركان الجوى في مهجتي
أبدت لهيب الشوق فوهة ناظري
فلقد فتحت حصون قلبي للهوى
بقوى الدلال، وما سواك بقادر
وأسرت بالأحداق كل عزايمي
أسر العبيد فها خضعت فآمري
ومن الجوى بنت الحواجب في الحشا
قوس انتصار للجمال الظافر
حتى إذا ما رمت منك تقربا
أعرضت عني كالغزال النافر
فأنا أطيل على الجفا صبري فلي
أمل طويل بالوصال الغابر
ومطامع الآمال تعزية الفتى
وعلى الرجا ترتاح روح الصابر
والمرء في زمن الشباب يهيم في
وادي الغرام هيام صب حائر
لا ترج أمنا من زمانك فهو ذو
غدر فحاذر شر هذا الغادر
واترك مصاحبة الجهول فلم يصب
إلا العنا من سار إثر العاثر
وإذا الفتى ألف الوحوش فموته
سيكون بين مخالب وأظافر
لا تعط قلبك للصديق فإن يخن
عهد الولا أولاك صفقة خاسر
واجعل على شفتيك حارس حكمة
وادفع بصمتك عنك هذر الهاذر
وعلى الظواهر تنجلي لذوي النهى
صور البواطن، فاخش نقد الخابر
لا تستر النقاد عيب فتى كما
لا تستر الشعراء هفوة شاعر
أمران ليس يكون أصعب منهما:
حكم الغبي، ورفع شأن الفاجر
والدهر كالميزان يعلو فيه ذو
نقص، ويهبط ذو الكمال الفاخر
والله ليس يفوز بالعلياء من
ورث الدناءة كابرا عن كابر
إن تسلب الأيام نعمة فاضل
يوما فلم تسلبه شكر الذاكر
وإذا هوى قدر الكبير إلى الثرى
ما عد إلا في مصاف أكابر
ولو ارتقى شأن الصغير إلى السهى
لم ينخرط إلا بسلك أصاغر
لما فحصت الدهر فحص مدقق
وخبرت أهل الموت خبرة ماهر
لم ألق إلا ضاحكا لنواله
ربحا، وآخر باكيا لخسائر
والمرء يحيا في الشقا ويموت في
أشقى إذا جهل الأمور كقاصر
لا يذكر الإنسان بعد مماته
أبدا إذا لم يبق حسن مآثر
الفضل يلبث خالدا فوق الثرى
والمال يدرس تحت ردم مقابر
والعلم صبح يهتدى بسنائه
والجهل ليل فيه تيه السائر
كل له ميل إلى شيء فذا
يرجو العلوم، وذاك ربح متاجر
قد يستطيب الشم ما للذوق لم
يصلح، وقدر الشيء عند الآثر
فالأذن مولعة بألحان الغنا
والعين مغرمة بحسن مناظر
والدهر يأمر بالتقلب أهله
وبلية المأمور جور الآمر
أثر الفراق
أعدوا السرى فالبدر للغرب قد سرى
معيد الثرى كالشهب والشهب كالثرى
دعاني النوى يوم الرحيل فطعته
وما رمت، لكن من يرد المقدرا
فسرت وعاد الغرب يدنو تقربا
إلي وراح الشرق يرجع للورا
ووجهت وجهي نحو أرض بعيدة
وأطلقت أقدامي إلى حيث لا أرى
فيا موقف التوديع، ماذا فعلت بي
وكم أنت يا هذا النوى تنثر الورى؟
ركبت فسيح البحر أقطع لجه
ودمعي غداة البين يدفق أبحرا
وما زلت حتى مد لي البعد باعه
فعانقني، والقرب عني تقهقرا
أحبة قلبي، إن أكن سرت عنكم
بجسمي فروحي عندكم لا مع السرى
أقطع أوقاتي ضجيجا بذكركم
وأنفد ساعاتي جوى وتحسرا
فيا جيرة الأحياء، هل تذكرون من
يقضي لياليه الطوال تذكرا؟
تذكركم أنسي، وكاسي بغربتي
وأشباحكم طيبي، وحظي في الكرى
صروف دعت قلبي إلى حمل بينكم
فيا ويحه ما كان في البين مفكرا
وما زال سلطان القضا بجيوشه
يحارب هذا القلب حتى تفطرا
فقام اعتراك الشوق فيه وأعيني
نضت بيرقا في حومة الحرب أحمرا
لهيب جوى أبقى الدموع جواريا
على ذلك البعد العظيم الذي جرى
وما كنت أدري أن في البين أكؤسا
يميل الفتى منها، ولو كان عنترا
وأن ببعد الإلف للمرء خطة
تقلبه قهرا ولو كان قيصرا
فيا أيها الدهر الذي للبعاد قد
دعاني كرها، هل أرى القرب يا ترى؟
ويا أيها الربع الذي قد تركته
ترى هل تضم الصحب أم صرت مقفرا؟
لعينيك أن تحظى برؤيا أحبتي
ولكن لعيني أن تنوح وتسهرا
كسرت فؤادي يا زمان تشتتي
فيا ليت شعري! هل ألاقي مجبرا؟
بدور الحمى، إني غريب بدونكم
ولو كنت في الفردوس في أرفع الذرى
فلا تحسبوني حلت عن عهد حبكم
إذا كنت في أرض الهوى متخطرا
أنا حافظ عهدي، أنا راهن يدي
أنا حارس ودي، أنا واثق العرى
فكل ضياء الكون عندي ظلمة
إذ كان طرفي لا يراكم ولا يرى
وقال يرثي المرحوم «ميخائيل أديب» في «أنطاكية»:
قف يا حزين على هذا الثرى سحرا
واندب ونح إذ به بدر الحمى قبرا
وصح بقلب من الأحزان منكسر
يا ويل غصن غدا بالموت منكسرا
يا أيها القبر، بحر أنت أم فلك؟
فقد وجدناك تحوي البدر والدررا
كم أنت يا قبر ذو خصب فما برحت
تجني الخواطر منك الخوف والحذرا
ويحا عليك أيا نجل الأديب فقد
ذقت المنون صغيرا لم تر الكبرا
واها لوالدة قد فارقتك على
رغم، وأنت وحيد تشبه القمرا
فهل تعيد اللقا يا من رحلت بلا
زاد وخلفت دمع الأهل منهمرا؟
من ذا دعاك إلى هذا الرحيل فيا
ويلي على كوكب مذ غاب ما ظهرا!
ما للعيون التي كانت تغازلنا
مثل الغزال غدت لا تعرف النظرا
يا للمصيبة قد سل القضاء على
كل العباد سيوفا تفلق الحجرا
فيا حمام الروابي نح عليه، ويا
أهل الحمام اندبوا؛ فالصخر قد فطرا
قولوا وتاريخنا نوح يعج له:
كل على موت «ميخائيل» قد حسرا
سنة 1862
أثر الصداقة
غطي محياك إن الطرف قد نظره
فما محياك إلا أسحر السحرة
وإن بسمت احجبي بالكف ثغرك عن
عين المحب وإلا فاحرسي بصره
سبحان خالق هذا الحسن! كيف به
تطيب نفسي، وقد أورى بها شرره؟
وكيف يعشق قلبي منك؟ وا عجبا!
طرفا بباتر ذاك السحر قد بتره
طرف أثار حروب الحب في كبدي
لما أقام على عرش الهوى حوره
أفدي الجمال الذي مذ مد شوكته
سطا على الحر في الدنيا وقد أسره
حسن بقتلي قضى بين الترائب في
شرع على صفحة البلور قد سطره
حتام حسناء تجفين المحب فإن
كان الجفا ليله بات الرجا قمره
والله ما الليل إلا الفرع منك فلا
برحت أسهره حتى أرى سحره
مهلا فهلا كفاك الصد فانعطفي
على فؤادي فإن الصد قد فطره!
وقال:
وحاسد أسخطته فقال لي:
فطرتني يا حجرا لا ينفطر
قلت: لأني الماس في ثباته
وأنت يا زجاج مني تنكسر
قال وقد نظمها في الحلم:
لمن هذه الدنيا ومن حاز يسرها
وكل امرئ يشكو شقاها وعسرها؟
تعظم في عين الفتى قدر خيرها
فيسعى ليلقاه فتوليه شرها
عجوز حوت كل المكائد والدها
وأجرت على كل الخلائق سحرها
سلاطينها ناحت، وأعيانها بكت
وكل الورى تشكو وتندب ضرها
فكم أطمعت أهل الجهالة شهدها
وكم قد سقت أهل الدراية مرها!
فدعني من الدنيا خليلي لأنني
فهمت معانيها وأدركت سرها
وأيقنت حقا أنها لدنية
وإن كان كل الناس ترفع قدرها
قافية الزاي
وقال:
أيسل سيف إن لحاظك تغمز
ويلوح بدر أم جمالك يبرز؟
يا من بدا للصب فوق خدوده
ورد بريحان العذار مطرز
لك وجنة عن نار وجدي قد غدت
تنبي، وجفن عن ودادك يرمز
سبحان من قد أودع الأنوار في
وجه عن الأقمار لا يتميز!
خفف تثاقل ذلك الهجر الذي
أضحى له بين الجوانح مركز
هل أستطيع على الصدود تجلدا
والصبر ميت والعذول مجنز؟
ووعدتني بالوصل وعد ذوي الوفا
فمتى بوعدك يا حبيبي تنجز؟
هزيت من تحت الغلائل أسمرا
وبه غدوت لكل قلب توخز
قد يرنحه الدلال كأنه
إلف، ولكن مشقه لا يهمز
وسللت من تلك العيون مهندا
فقتلتني، والقتل كيف يجوز؟
كم بت أكرز بالغرام على الذي
رفض الهوى، فاكرم بصب يكرز!
فأنا نبي الحب أهدي للهوى
قومي، ولطف تغزلي هو معجز
قافية السين
وقال موشحا:
بدت شمس الحمى والليل عابس
فكان النور للظلماء لابس
مهاة شاكلت قمر السماء
فذات سنى تشعشع من سناء
لها مقل زرت مقل الظباء
فأجفنها اكتحلن بكهرباء
تجاذبني مجاذبة الفوارس
وهن لمهجتي أبدا فوارس
نظرت جمالها فأضعت لبي
وعاد الوجد موجودا بقلبي
فيا قلبي لذات العجب عج بي
ويا شوقي لسرب الحب سربي
فللعشاق أنفاس نفائس
وألفاظ بها تحلو العرائس
أنا أهوى العيون على الدوام
ولو أحشاي كن بها دوامي
ومذ حب الجفون غدا مرامي
وجدت لهن في كبدي مرامي
فخل الحرب يا قلبي وآيس
فإن الحسن يفعل كابن آيس
محب في الهوى قاسى عذابا
وقد وجد الشجون به عذابا
فللآمال لو لم يرع ذابا
ولو كانت رواقبه عذابا
لكان على سرير الوصل جالس
وللنعمى بأيدي الفوز خالس
التنبيه
قومي بنا يا غزالة الأنس
نقض الصفا تحت مضرب الغلس
قومي فستر الظلام منسدل
على الملا، والرقيب في النعس
قد نبهتني يد الغرام لذا
عفت الكرى، والغرام كالجرس
وكيف يرضى بأن ينام فتى
إليك ينقاد غير منعكس؟
يا ربة الحسن والدلال ويا
من قد سبتني برقة الميس
ميلي على الصب ميل غصن نقا
واستودعي سمعه صدى الهجس
وإن شرحت الغرام لي علنا
لا تجعلي الشرح قاصر النفس
يا طالما فوق عاج زندك قد
عجت شفات المحب ذي الهوس
وفي الحشا كم ضرمت نار هوى
إذ تبسمين السنا عن اللعس
سجنت في مهجتي الهوى فغدت
عليه تلك اللحاظ كالحرس
آها ووا حسرتاه كم فعلت
عيناك في القلب فعل مفترس!
طبعت في النفس رسم وجهك يا
روحي ولكنما على قبس
فحيثما لحت طاب لي تلفي
في ذا التصابي ولذ لي تعسي
وقال:
رأينا لابن خياط قريضا
يقرضنا بلا ناب وضرس
إذا ما قال في تموز شعرا
أعاد الثلج قنطارا بفلس
وقال:
قايسته بالغصن لما زارني
متسربلا ثوب الجمال فماسا
فعلمت أن الغصن ليس كقده
وعلمت أني ما أصبت قياسا
وقال:
في رقعة الشطرنج كشي لم يكد
يبقي لشاه الخصم بيت مداس
سطت الرخاخ عليه سطوة ضيغم
فقضى وقد حاقت به أفراسي
مظاهر
أسمعت أذني رنة الأقواس
بفؤادي حواجب المياس
أغيد كالغزال يبدي نفارا
تارة أو يجود بالإيناس
أحور الطرف، أنور الوجه دري
الثنايا، معطر الأنفاس
شعره كالدجى فإن تهت فيه
يهدني نور وجهه النبراس
طرفه قد حبا عيون المها من
حسنه ثم راح يغزو نعاسي
إن سكري بغنج مقلته لا
بابنة الكرم بين طاس وكاس
رمت وصلا فازور غيظا فمن لي
بازورار من الحبيب القاسي
كم أقاسي من شدة بهواه
ليته كان عارفا ما أقاسي!
يا بديع الجمال، رفقا بمن لم
يبق منه سوى عظام كواس
آس تلك الخدود أمرض قلبي
وأرى البرء عند ذاك الآسي
زر معناك آمنا يا حبيبي
غسقا عند غفلة الحراس
بمحياك من أحلك قتلي
بالحواجيب بالعيون النعاس
إن تكن قد نسيت عهدي فإني
لم أكن قط للعهود بناس
لك عين يا ظبي ما برحت تج
دح كاس الهوى وقلبي الحاسي
هجرك المر قد أذاب فؤادي
وبرى أعظمي وشيب راسي
ليس لي منك والهوى من مرام
غير مرآك، هل بذا من باس؟
قد أطلت الصدود عني فهلا
من محياك نظرة باختلاس
عن عيوني إن غبت لا قدر الله
فبالقلب والحشا أنت راس
إن تنوع بمقلتيك عذابي
فاحتمالي قد جاء بالأجناس
لم أحل عن هواك يا من كساني
بثياب الضنا ونعم الكاسي!
أنا كالرخ في رقاع الهوى لا
أتلوى، والغير كالأفراس
وقال موشح:
رسم الشرق على أفق السما
بخطوط الفجر أشكال قسي
اتخذ النور نبالا ورمى
عند دور الأرض جيش الغلس
دور
إن ضوء البدر قد غشى السهى
وحبا الأرض إزارا من بهق
وأثار الصبح هيجاء لها
لاح وخط الشيب في فرع الغسق
صارم الفجر فرى الليل وها
دمه خضب أذيال الشفق
قم إلى الروض، فذا الوقت سما
وارشف الصهباء بين النرجس
فترى الشحرور يتلو الفرض ما
سجد الغصن لشمس الأكؤس
دور
فاح نشر الورد من تلك الرياض
ساريا في طي أبراد النسيم
وصدوح الورق ما بين الغياض
نوع الألحان كالناي الرخيم
وغدا الزهو ضحوكا حيث فاض
مدمع الطل على ذاك الأديم
يا سقى صوب الحيا روضا نما
ضمنه نبت الصفا والأنس
ومن البؤس تعرى مثلما
بثياب البشر والنعمى كسي
دور
دارت الكأس على قطب العراق
وصبا الشاذي إلى الدور الكبير
فاشرب الصهباء واملأ للرفاق
واكتم الأسرار إن كنت الخبير
بنت كرم خدروها في زقاق
وجلوها من يدي ظبي غرير
عنبري الخال، مسكي اللما
لين الأعطاف، حلو الميس
ريقه الجريال يشفي السقما
وبمرآه حياة الأنفس
دور
من يفز بالقرب منه فسعيد
شاذن إن لاح يزري ب «سعاد»
مدمعي في حبه بحر مديد
أين من يشرح حالي بمداد؟
خصره والقلب شمع وحديد
والحيا والطرف نار وحداد
جمع الحسن ولما قسما
قسمة الميراث بين الأرؤس
أورث البدر سناه والدمى
دله والغضن لطف الميس
دور
بأبي أفدي محياه النضير
وبروحي لا بمال ونضار
كلما قلت له: جد للفقير
قال: من عيني ، ولكن ذو الفقار
ليت شعري! هل لذي الحب مجير
من رشا قاس على العشاق جار؟
هز من أعطافه سمرا كما
سل بيضا من جفون نعس
لا أبالي إن يرم قتلي ما
دام لي في الحب كل الهوس
وقال:
قالوا لزيد: إن عمرا فاز إذ
ربحت نجارته بحظ كيس
فازور من غضب، وسكرج عينه
وتنفس الصعداء أي تنفس
وأجابهم مخرنطما ومبرطما:
ويلاه من تحسين حال المفلس!
وكذاك لما أخبروا عمرا بأن
بكر غدا ذا رفعة في المجلس
أرغى وأزبد خائرا كالمعتري
وانتاب سحنته ظلام الحندس
وتوقدت عيناه أي توقد
بشرارة الحسد البهيم الغطرس
وإنحاز يصرخ قد كذبتم فاصدقوا
إن السعادة لا ترى في المتعس
ورووا على بكر بأن صديقه
يحيا بعز بعد ذل قد كسي
فانساب كالأفعى وقال: أعوذ من
غمر غدا متبخترا بالأطلس
والكل يبدون المسرة كلما
سمعوا بنائبة سرت بالأرؤس
تبا لبغيك أيها الإنسان ما «إبليس» رب النحس منك بأنحس
لولاك لم يطرح بنار جهنم
خزيا وقدر مقامه لم يركس
يا أيها الإنسان شرك قد نما
في الأرض بين منوع ومجنس
يؤذيك عطر سواك إما فاح وا
عجبي وأنت تذم طبع الخنفس!
ذي كبرياؤك يا لها من آفة
كالأفعوان سعت لقتل الأنفس
أم الكبائر والجرائر كلما
شابت تشب بطبعها المتدنس
وتعيد من يبلى بها بين الورى
متعرضا لعروض ثوب الملبس
هي أصل كل خطيئة ولأجلها
أتت الشريعة بالقصاص المركس
لولا الخطيئة لم يكن شرع كذا
لولا الشريعة لم يكن خطأ يسي
وقال:
عار على الشعراء مدح الناس
فالشعر أفخر من لهى الأكياس
ما الفرق بين يد تمد بذلة
ويد تخط المدح دون قياس؟
لا أمدحن سوى لبيب فاضل
أو صاحب حامي الذمام مواس
ما لي وللألقاب فهي بأهلها
جاءت كأجراس على أفراس
كم دولة أو رفعة أو عزة
شريت بمال أو برشفة كاس!
كلمات تعظيم على مستحقر
لم يسو فلسا في غلاء الناس
لو كانت العظمات تلحق أهلها
خفيت ولم تنصب لهن كراسي
كم من دني تحت أسماء العلى
يبغي التسامي وهو واطي الراس!
يتسربل الديباج مختالا به
فخرا على بدن من الأدناس
لكن يمد يد السؤال لرشوة
فيثل عرش الشرع بالأركاس
وإذا أردت خصامه أوما إلى
لوح عليه مرصع بالماس
لوح به لا حق للشاكي ولا
صاغ لمن يدعو سوى الحباس
إن الذي يشري القضاء يبيعه
ذا متجر الباغي وشغل الخاسي
لا أمدحن نظير هذا لا ومن
سبحانه خلق الأسى والآسي
إني أرى باني القصور أحق من
سكانها بالمدح والإيناس
كل يجد إلى العلا وبقدر ما
يعلو يرى ضيق العلا ويقاسي
فدوائر العلياء كالمخروط ما
برحت تضيق لتنتهي في الراس
وثبة النخوة
لم الذل؟ لا حزت المعزة في جنسي
إذا بعت في سوق الهوى شرف النفس
ألا يا لحا الله الجمال فكم به
يذل لذي ضعف قوي أخو بأس
سلوت وما السلوان إلا لأنني
أرى الراس مني لا يميل إلى النكس
ولا عدت أهوى ربة الحسن طالما
أبى الحسن أن يجدي المحب سوى النحس
إذا ما نأى عنك الغرام حذار من
مفاعيل رد الفعل تنج من البؤس
وإن أصبحت مثل السيوف عيون من
تحب، فغض الطرف؛ فالغض كالترس
هويت فتاة والهوى شر نقمة
فرحت عديم الرشد والعقل والحس
ذللت لها ذل الفقير لدى الغني
فيا ويح ذي عز غدا ناكس الرأس
ولكنني - والحمد لله - ساليا
غدوت وسلوان الهوى راحة النفس
غرست بقلبي نصح أهل مودتي
فذقت ثمار الفوز من ذلك الغرس
بسجن الهوى قد غادرتني كمجرم
حبيسا وها إني خرجت من الحبس
وقد أطلقت عيني إلى النوح والبكا
كما قيدت عقلي عن العلم والدرس
عشقت احمرار الخد منها ولم أكن
عليما بأن الفضل للصبغ والدبس
ومن وجهه لم يكسه الطبع رونقا
فموه ذا قبر تبيض بالكلس
أرتني البها بين الحواجب وانثنت
تقول: أشمت الشمس في دارة القوس؟
فقلت: بلى لكن ذاك تصنع
وما اليوم قد عيانته لم يكن أمس
إذا لم يكن لون المحيا يلوح عن
تشعشع أنوار الجمال فذو فكس
وقال:
دارت علي من الصفاح كئوس
وبدت لدي من الرماح شموس
بأبي كئوس هوى تدور بها على
قلبي شموس دمى لهن نفوس
من كل بيضاء الجبين عفافها
ما شابه كدر ولا تدنيس
عذراء عز على المحب وصالها
والصبر عز، فذا وذاك نفيس
كيف الهجوم على الوصال وبرجه
أبدا بأسوار الحيا محروس؟
راق التغزل قلبها فصبت ولا
عجب فذا عطر وتلك عروس
يا ربة الحسن الذي هو فاعل
ما ليس تفعله الكماة الشوس
قسي فؤادك ما استطعت فإن لي
سحرا يقود زمامه ويسوس
هذا فؤاد من حديد بارد
أبدا، وذاك السحر مغناطيس
أهواك أو ألقى العدو مشاركي
وأرى الجنادل في النجوم تدوس
وأرى الحسود يمر بي متبسما
ويلوح وجهك وهو في عبوس
أين الخلاص من الهوى وحسوده
فجهنم هذا وذا «إبليس»؟
حتام يا قاضي الغرام تكدني
لا قام شرع والقضاة نكوس
عيني جنت ذنبا فكفره دمي
فإلام قلبي في الجوى محبوس؟
وقال مؤرخا جلوس عظمة السلطان «عبد العزيز خان دام ملكه إلى مدى الدوران»:
على سرير الملك لما علا «عبد العزيز» ارتاحت الأنفس
أقامه الله على أرضه
خليفة به الورى تحرس
والملك قد حياه فهو الذي
عود الرجا أرخ به يغرس
سنة 1277
قافية الشين
وقال:
غفل الرقيب ونام طرف الواشي
فزر المحب ولا تكن بالخاشي
أنت الحبيب وما لقلبي منية
إلا وصالك، فهو طيب معاشي
عطفا على سقمي، فحبك متلفي
وارحم فؤادا بالهوى متلاشي
كم ذا أرقرق إذ تطارحني النوى
دمعا لأسرار المحبة فاشي
لاح الجمال فهمت فيه مغرما
إن الغرام عن الجمال لناشي
يا طلعة سبت العيون بصحبها
لما انجلت تحت الظلام الغاشي
واستوقدت ناري، وأجرت مدمعي
حتى شكاني مضجعي وفراشي
يا من تلاشى في هواك تصبري
لاش النفار عن المتيم لاش
ما شام طرفي قبل قدك يا منى
قلبي قضيبا في غلائل ماشي
نعمان خدك قد تملك مهجتي
وسبى النهى خال هناك نجاشي
بهواك زر صبا إليك صبا فها
غفل الرقيب ونام طرف الواشي
قافية الصاد
وقال:
هويتك بدرا في الحمى ليس ينقص
وهيهات من هذا الهوى أتخلص
أطلت على الهجران منك تجلدي
عسى طول هذا الظل عني يقلص!
فإن تك قد عفت المودة والوفا
فإني وفي للمودة مخلص
كفاك بعز الحسن تيها على فتى
بذل الهوى يرضى ولا يتنغص
جعلتك أغلى الناس عندي قيمة
فلم أنت لي يا أحسن الناس مرخص؟
وكل حديث من فمي هو ملخص
ولكن حديثي فيك لا يتلخص
فيا من عليه بلبل الحسن والبها
يغني وقلبي ذو الصبابة يرقص
ترفق فكم ليل به بت راقبا
لقاك ولي صبر على العقب ينكص
تجاذبني الأشواق نحو السهى فهل
على الشهب في أوج العلا لك أخمص؟
بلحظك يا ريم الحمى قد قنصتني
وما كنت ممن باللواحظ يقنص
ووجدي لم ينقص فديتك إنني
هويتك بدرا في الحمى ليس ينقص
قافية الضاد
نتيجة الاختبار
إذا كان هذا الحب للذل يقتضي
فلا كنت ممن بالمذلة يرتضي
وإن كنت قد أعرضت نفسي للهوى
فلم أك يوما للهوان بمعرض
وإن كان روح الطبع بالعشق راضيا
فيا طالما روح التعقل ما رضي
وأي نعيم في الغرام ودونه
لسيف الشقا ذاك التنعم منتضي
أرى الحب لا يسوى مزيد العنا به
إذا كان مردودا لحكم التغرض
لحا الله أيام الهوى، ما أمرها!
فإن بها جهد العنا ليس ينقضي
وقاتل رب الحسن إن كان وده
عديم ثبات مثل ركن مقوض
فلا زرعت في القلب حبا يد الصبا
إذا كان روض الحسن غير مروض
فوا أسفي! إني نفقت على الهوى
زمان الصبا والعمر غير معوض
على حب من قالت لكامن غدرها
مذ امتلكت قلبي: أيا غدري انهض!
لذا جئت بالسلوان حيث الغرام لا
يقوم بقلب للخيانة مبغض
فلا عاد لي ميل فماء صبابتي
لقد غيض حيث الأمر في سلوتي قضي
على أن عقلي في الهوى كان مظلما
وبعد اختباري من هويت غدا مضي
رأيت فعال السوء فيه كوامنا
ولا يحصرن الحسن في المنظر الوضي
وقال:
سلت على قلبي اللواحظ بيضا
إذ قمت أعتنق النهود البيضا
ويلاه من جور العيون فإنها
سلبت حشاي وقد أبت تعويضا
قلبي لدائرة المحبة مركز
قد مر قطر جوى به مفروضا
إني امرؤ لي في الغرام سريرة
أعلو الجبال ولا أجوب حضيضا
أهوى المعاصم والمباسم والطلى
والخصر إن يك لا يطيق نهوضا
ولرب ريم ضاق في شغفي به
ثوب اصطباري وهو كان عريضا
قد صار محبوبا لدي بحبه
سقمي، ولكن عاذلي مبغوضا
جفن له ما زال ينهب صحتي
إذ ظل يغزو بالفتور مريضا
إن يبتسم خفق الفؤاد فثغره
من كهرباء الحسن قض وميضا
وقال:
جلا ظلمة السخط الوبيل سنا الرضا
ومر زمان الهجر كالظل وانقضى
فقربا لأحبابي فسعد الوفا أتى
وبعدا لأعدائي فنحس الجفا مضى
بروحي حبيب أخلص الود والوفا
فأفرح ذا حب وأحزن مبغضا
تلفت نحوي بعد إعراضه وما
ذكرت سلوا حينما كان معرضا
وهيهات أن أسلوك يا قمر الحمى
فلي مهجة أضحت لحبك مربضا!
فديتك من بدر له طلعة بها
غرامي وصبري ذاك عاش وذا قضى
تفردت بالحسن البديع فأعيني
أبت بسوى مرآك أن تتعوضا
وكلت قوى العذال عن هدم صبوتي
وهل تهدم العذال ما شاده القضى؟
أأسلو ولي قلب يذوب صبابة
وطرف بروضات الخدود تروضا؟!
تميل إلى المحبوب كل جوارحي
وتصبو إليه كلما البرق أومضا
غزال يسود الأسد في الغاب إن رنا
فمن لحظه سيف المنية ينتضى
إذا رام قتلي لا أبالي فإنني
محب بما يرضى الحبيب له رضا
فإني ملزوم بحفظ وداده
ولو أنه أضحى بودي مفوضا
قافية الطاء
وقال:
سلاح ذي العلم برهان الحقيقة في
جداله وسلاح الجاهل الشطط
هذا يسير بنور الحق مهتديا
وذاك في ظلمات الزور يختبط
هذا له نمط من كل راهنة
وما لذلك إلا هذره نمط
شتان بين فتى للدر ملتقط
وأحمق لحصى الوديان يلتقط
وإن غلطت فسم علما ولا سفها
إن السفاهة لا يحمى بها الغلط
ولا تمازج بأمر الدين أمر حجى
فإن ذاك بهذا ليس يرتبط
وانصح ولا تقترف، واصفح بلا حقد
عساك في سلك أهل الفضل تنخرط
ذو الحقد في سقر البغضاء محترق
وذو الولا في نعيم الحب مغتبط
قافية الظاء
وقال:
لي بين غيد الحمى غيداء فاتنة
يفوتني شرح معناها بألفاظ
مذ أسفرت عن هلال فوق غصن نقا
رنت إلي، فوا قتلي بألحاظ!
قافية العين
وقال:
إن معنى الأشواق بعد الوداع
كل عن شرحه لسان اليراع
أيها السائق الرواحل، مهلا
إن قلبي إثر الرواحل ساع
يا لك الله خفف السير رفقا
قد قطعت الفؤاد قبل البقاع
هل غداة النوى لجفني إلا
أرق اليل؟! فهو للنجم راع
ما أمر الفراق يا أيها الن
نائي وأحلى التلاق بعد انقطاع!
وقال:
شكوت الهوى لما أضر بي النوى
إليها عسى شكوى المتيم تسمع
فقالت: أرى منك التصبر واسعا
فقلت: نعم، لكنما السم أوسع
وقال:
يا ظبي أنس في فؤادي يرتع
ارحم حشاشة مغرم تتفجع
إن كنت تهجرني لأقضي بالهوى
عمدا فيسعد من بحبك يهجع
إن المنية لي بهجرك منيتي
والموت من عيش المصيبة أنفع
ما ضر يا ريم الفلا لو زرتني
غسق الدجى حيث العواذل هجع
كيف الوصال ولا وصول إليك يا
قمرا بآفاق المحاسن يسطع؟
كم يا قضيب البان عني تنثني
والقلب مني عنك لا يتزعزع
ولكم عذولي فيك راح يلومني
جهلا، وكم لملامه لا أسمع!
طبعي إلى حب المحاسن راجع
والطبع في الإنسان لا يتطبع
وقال:
أودعتها يوم الوداع
سرا خفيا لا يذاع
وودعتني والحشا
مني ومنها بانفجاع
دور
يا قاتل الله النوى
فكم به قلبي اكتوى
لولا تبارح الهوى
لما بدا دمعي وشاع
دور
كم وقفة لي بالحمى
ومقلتي تهمي دما
أرعى الدراري بالسما
ومهجتي ترعى الشعاع
دور
أفدي بروحي حسن من
بوجهها عقلي افتتن
مليحة تجلي المحن
بما حوت تحت القناع
وقال:
وشيخ مذ رأى نظمي ونثري
أجاب وطبعه شر الطباع
أرى معناك مطروقا كثيرا!
فقلت: نعم، بمطرقة اختراعي!
وقال تاريخا ل «بطركخانة الروم» في حلب وقد نقشت على الإيوان:
هذي ديار «البطريرك» تجددت
وغدت لكل تقى وفضل موضعا
بعد احتراق وقته ولى فإن
أرخت قل: وقت مضى لن يرجعا
سنة 1850
في عهد راعينا الموقر ذي التقى «كيرللس» تمت بخير قد سعى
فنقول حيث حوت بتاريخ ثنا:
الله أسسها فلن تتزعزعا
سنة 1859
وقال:
تميل إلى الجمال النفس طبعا
وكل في سبيل الحب يسعى
ألا كم بالهوى ذابت قلوب
وكم تركت نفوس فيه صرعى!
فؤاد في لهيب العشق يصلى
وعين في رياض الحسن ترعى
عجبت لعاذل ألف اجتهادا
بردعي حيث لا يجديه نفعا
أمر الحب أحلى من كلام
يكون لمن أبى السلوان ردعا
كلفت بأهيف رطب الثنايا
كأن الخد منه صنع صنعا
غزال آنس باهي السنا من
تبسمه استفاد البرق لمعا
إذا ما ماس غصن القد منه
أجاد عليه طير القلب سجعا
شكت أسياف عينيه خدود
له فأتى العذار لهن درعا
حقيقة الغرام
أحراب نار يخترقن ضلوعي
أم لمح ذكرك يستشير ولوعي؟
يا من أذابت بالدلال حشاشتي
واستنزفت بلظى الصدود دموعي
ها قد سطوت علي سطوة كاسر
فترفقي بتدللي وخشوعي
وملكت كل عزائمي وجوارحي
ملكا يحققه لديك خضوعي
لك أعين فتحت حصون دمي لدى
وجه توقف مثل شمس يشوع
فأنا أحبك يا مليكة مهجتي
حبا سيصحبني ليوم هجوعي
هيهات أن أسلو هواك وأنثني
عن منظر يسبي العقول بديع
لا أرعوي عمري لقول مشنع
بك فالحسود يميل للتشنيع
عودي مريض الحب يا عين الشفا
وتبصري في حالة الموجوع
فبغير قربك لا تطيب خواطري
وبدون أنسك لا تسر ربوعي
أهلا بمن زارت عقيب بعادها
تدنو وتلوي مثل ريم رتوع
ما لي أرى الوجه البشوش مقطبا
عند اللقاء كساعة التوديع
ماذا أغاظك؟ هل أغرك حاسد
أم قد ظننت الصب غير مطيع؟
تبا لعشق عاث فيه حسوده
ومتيم للطوع غير سريع
والله إن أك عاصيا كل القوى
فلديك طوعي لا يزال طبيعي
يا من أصابتني بسحر جفونها
رفقا بصب في الغرام صريع
وتعطفي كرما على القلب الذي
بهواك يرقص رقصة الملسوع
فجوارحي بك قد غدت مفتونة
وجوانحي مازلن في تفجيع
وغدا شعاع الشوق من نار الهوى
كالبرق ينفذ في سحاب دموعي
ظلعت بي الدنيا وضاقت حيلتي
وأطاحني في التيه فرط ولوعي
والحب يقتاد النفوس إلى الضنا
ويعيد في الإقلال كل فنيع
إني عليم أن قلبك بي له
شغل، فكيف أباح شعل ضلوعي؟
وكذاك أعلم أن موتي في الهوى
يبقيك باكية بكاء فجيع
تأثير الهوى
ما لاح وجهك من خلال البرقع
إلا وراح الوجد يتلف أضلعي
وبروق ثغرك حيث لاحت أرعدت
كبدي، وعاد يسيل غيث المدمع
يا من يجور على المحب بصده
عطفا على ضعفي وذل تخشعي
يكفيك أني لو لقيت منيتي
بالهجر لا أصغي لقول مشنع
إن كان ريح جفاك دام هبوبه
فغيوم شوقي قط لم تتقشع
انظر لجيدك فهو مثل طويتي
صاف يبن لك فيه صدق تولعي
أنت الحبيب فكل شيء منك لي
يحلو، فته ما شئت واحكم أخضع
ما طاب لي عيش إذا أحرمتني
طيب الوصال ولا ألذ بمضجعي
ذابت بنار هواك روحي، والحشا
تلفت، فبالله ارحمن تفجعي
أشكو لجفنك من عذابي بالهوى
يا ظبي وهو بغفلة لم يسمع
فبحق طرفك والفتور ولين عط
فك والنفور وخدك المتضوع
رفقا بجسمي ذي السقام، وأعيني
ذات السهاد، وقلبي المتوجع
ضع يا ظلوم يدا على صدري تجد
قلبا كطير في يد ابن الأربع
لم يبق لي جلد ولا جلد ولا
صبر ولا بصر فعدت كبلقع
وهواك أشغل كل أعضائي ولم
يترك بقلبي للسوى من موضع
قتلت فؤادي مقلتاك وأعيني
أدت عن المقتول در الأدمع
لا تخف حسنك يا حبيب فإنه
يغني العيون عن البدور الطلع
هذا زمان الحسن فاغنم عزه
إن الجمال إذا مضى لم يرجع
زاد الجوى والصبر في نقص فيا
عيني من طيب المنام تودعي
إني على شوط الهوى ماش فلو
صادفت فيه كل هول لا أعي
فكري يخوض بحار شعر بالهوى
وحشاي مثل عروضه المتقطع
بعد الحبيب وعدت في ضيق فيا
قلب اصطبر تفرج، وإلا فاهجع
ظهور الجمال
بدر المحاسن من برج الخبا طلعا
وبلبل الحب في دوح الصبا سجعا
والقلب هام، وجفني كالسحاب همى
مذ شمت برق المحيا في الحمى لمعا
أرجو التصبر عل الحب يسمح لي
بالقرب والصبر كالسلوان قد هجعا
هيهات أسلو ونار الشوق في كبدي
تصلى وماء الهوى من مقلتي نبعا
كم بت والليل كالأشواق مزدحم
أرعى النجوم وفي قلبي الغرام رعى
أنوح جنح الدجى نوح الثكول ولم
أنظر لصوتي غير الليل مستمعا
قام الفؤاد على عرش الهوى فبه
مع ارتفاع مقامي صرت متضعا
تكهرب القلب من برق الطلا فغدا
يجاذب العشق لكن قط ما دفعا
ناشدتك الله يا ذات النفار صلي
متيما بالجوى والوجد قد صرعا
إلى جمالك كم قلبي يتوق وما
أصبت لقياك إلا والفراق سعى
حالت رعاع الورى ما بيننا ورأت
عيناي درا على الأوعال قد وضعا
كان الملال بهذا الهجر يمكنني
فصار لما علمت القصد ممتنعا
هبي سلوتك إن خنت الوداد فهل
أعود أهوى السوى؟ لا والذي صنعا
سلي فؤادك عن قلبي فذاك بذا
يدرى إذا كان في بحر الهوى وقعا
تمثال حسنك ما ناجى مخيلتي
إلا وكنت عن السلوان مرتجعا
أشكو لقلبك ما قاسيت من ألم
بالحب لكنه لم يرعني سمعا
فربما الدل عن شكواي أشغله
يا ليته مثل قلبي بالجوى صدعا!
إني قنعت بمرآك الجميل وذا
فضل المحب، فهل تجفين من قنعا؟
ما مس دائرة الأشواق حظ لقا
إلا وخط النوى - وا حسرتي - قطعا
لا تظهري لي شوقا منك حسبي أن
أدري بأني فتى بالحب قد فجعا
وإن كتمت الهوى عني فذا عبث
إذ في لحاظك عنوان الهوى طبعا
من يرج تخفيف أثقال الغرام فلا
يكن على باطن المحبوب مطلعا
فها اخترعت جديدا بالغرام فمن
يجيز من لجديد جاء مخترعا
يا منية القلب، يا ذات الدلال، ويا
من حبها في فؤادي طالما رتعا
ما كان بدد منك التيه مصطبري
لو لم يكن لجميع اللطف قد جمعا
لا تفخري بمحياك الجميل سدى
بل افخري بفتى مثلي له خضعا
والحسن سيف ولكن لا يقلده
سوى الجبان، وكم تدمى به الشجعا!
غلبة الغرام
الحسن يمنح والتدلل يمنع
والقلب يعشق والتعقل يردع
والحب يجتذب القلوب إلى العنا
بقوى الجمال وماله من يدفع
وفم الجمال يقول لي: لا خير في
قلب على شرف الهوى لا يطبع
ذقت الصبابة في الصبا فوجدتها
أشهى من المجد الذي لا ينزع
والمرء لا يدري حقيقة لذة
في عمره إن كان لا يتولع
ولقد ولعت بغادة قد غادرت
قلبي بآلام الهوى يتفجع
حسناء ينتعش الفؤاد بها فمن
وجناتها ورد الصبا يتضوع
دانت لها دول الجمال بأسرها
وعنت لطلعتها البدور الطلع
فإذا انثنت ورنت قتلت وفي الهوى
بيض مجردة وسمر شرع
يا ربة الحسن الذي ملك النهى
كم لي لديك تذلل وتخشع!
حتام تفتك بالفؤاد يد الجوى
وإلام دمعي كالسحابة يهمع؟
قلبي لغيرك لا يميل، ومهجتي
بسواك يا خير الدمى لا تصدع
إن الجمال عليك صنعة خالق
وعلى سواك تجمل وتصنع
لك قامة قام الدلال بها وقد
هامت بميلتها الغصون الينع
ولواحظ هن السيوف فما رنت
إلا وكان لها بقلبي موقع
رفقا أيا ذات الدلال بمغرم
قد كاد يقتله الغرام المفجع
أشكو لقدك ما لقيت من الجفا
يا خيبة الشكوى لمن لا يسمع
لهواك أخضعني الزمان فآمري
تجدي فتى هو من بنانك أطوع
ولقد عصيت العاذلين لأنني
طعت الهوى، فأنا عصي طيع
هيهات أن يسطو العذول على الهوى
بملامه فلقد حمته الأضلع
والعشق بحر لا قرار له وقد
غرقت به روحي، فماذا أصنع؟
كثرت عيون الراقبين وإنما
عندي قبالة كل عين إصبع
قد سرت في سبل المحبة طالبا
نيل المنى، هيهات عنه أرجع
أرخيمة الأعطاف، هل تدرين كم
بك قد وهى جلد وسحت أدمع؟
لله ما أحلى شمائلك التي
بشمول رقتها المتيم مولع!
رفع الهوى قلبي وأنت خفضته
والصب يخفض بالغرام ويرفع
مهما فعلت من الجفا فهو الوفا
إذ ليس في قلبي لغيرك موضع
والله لا أهوى سواك فأنت في
عيني جوهرة وغيرك يرمع
فلكم بحبك قد نشدت قصائدا
طرب الزمان بها وطاب المسمع
لك معطف قد رق حتى خلته
بي عند قلبك ذي القساوة يشفع
وتدلل أورى زناد الشوق في
قلبي فتاه وجن وهو اللوذع
فقت الغزالة يا غزال فطالما
نور المحاسن فوق وجهك يلمع
لك صورة بضياك قد نقلت إلى
بصري، ففوق ستار قلبي تطبع
فبروق حسنك ما بدت إلا وفي
كبدي غدا رعد الغرام يلعلع
لا تحجبي الوجه الجميل ببرقع
فالبدر ليس عليه يوضع برقع
فأود لو سكنت بوجهك ذي البها
عيني فمن مرآك ليست تشبع
طال الجفا والقلب ذاب تشوقا
فمتى بلذات اللقا أتمتع
أضحت ببعدك مهجتي مأهولة
بالشوق، لكن مقلتي هي بلقع
فكرهت عمري حين فرق شملنا
دهر يفرق تارة ويجمع
لا أشتري طيب الحياة بدرهم
إن كان عني طيب وصلك يمنع
فإذا منعت الوصل ردي النوم لي
فأنا بطيفك في منامي أقنع
أرجو الكرى عل الخيال يزورني
لولا خيالك لم يطب لي مضجع
فلو اطلعت على الفؤاد لشمت من
ألم الجوى ما للجبال يصدع
رعيا لقلب في هواك معذب
ونواظر في روض حسنك ترتع
أستعذب التعذيب في سنن الهوى
يا من تركت حشاشتي تتقطع
كيف السبيل إلى لقاك فإن لي
قلبا بحبك هائما يتوجع؟
عجبا لغصن رضاك عندي يابس
أبدا وعند الغير أخضر مفرع!
أبديت ودا في التكلف لي وإن
كان الوداد تكلفا لا ينفع
والحب يمحل عند بعض غرسه
كالمال، لكن عند بعض يينع
والمال مثل الماء فهو يغيض من
جهة، ومن جهة يفيض وينبع
وقال:
لولا عيونك ما غدوت صريعا
هن السيوف وبي فتكن ذريعا
مقل يسل سوادها بيضا ولا
يضربن إلا أكبدا وضلوعا
ويلاه كم جارت مضاربها على
قلب عنا ذلا لها وخضوعا
يا أخت أم الخشف كفي أعينا
سفكت دمي واستنزفته دموعا
وترفقي بمتيم في الحب لم
يبرح لأمرك سامعا ومطيعا
وتلفتي يا ظبية الأنس التي
لم ترض إلا في حشاي رتوعا
لله جيد فاق رونقه الحلى
فصبت إليه وعانقته ولوعا
ومعاطف هيف إذا خطرت لدى
غصن الأراك جثا لهن ركوعا
وشمائل طافت على خلو الحشا
بشمولها فحسا ومال سريعا
وغدائر وقعت سلاسلها على
قلبي فعاد بأسرهن وقيعا
تسري نسيم اللطف تحت ظلالها
بضحى شباب لا يكف سطوعا
هذا جمال إن بدا للبدر في
علياه خر لدى سناه خشوعا
وإذا رأت شمس السماء طلوعه
خجلت وعادت لا تود طلوعا
يا للهوى حتام يتلفني الهوى
وإلى متى أغدو به مصروعا؟
ولأنت يا ذات الجفا رفقا فقد
قطعت قلبي بالجفا تقطيعا
لا تقتلي صبا قتلت رقاده
ظلما، فأمسى باكيا مفجوعا
أترين بعدي من بحبك يعتني
مثلي على طبع الوفا مطبوعا
لا والذي سواك أكمل غادة
وكساك سربال الجمال بديعا
وقال إلى الخواجا «إلياس صالح» في «اللاذقية» لحادثة جرت:
البدر من ذروة الدجى طلعا
والنجم في لجة السنا وقعا
والأرض برد الضياء قد لبست
والأفق ثوب الظلام قد خلعا
فقطع الليل سحبه وغدا
يلقي على وجه بدره قطعا
حتى يحامي قلاع ظلمته
فإنه لانقلاعها فزعا
فالكل حتى البهيم واعجبي!
لم يحتمل سلب حقه فسعى
نعم فلا أصمتن عن رجل
بسلب إنعام خالقي طمعا
حاشا لمثلي يروح في هلع
والله غير الدني ما هلعا
والموت خير لباسل برزت
له الأعادي ففر مندفعا
رأى حسودي جمال غانيتي
فهام فيها، ورام أن يضعا
فأكثر السعي بيننا وبذا
أضر أوطاره ولي نفعا
وشى فوشى الهوى بكل هوى
فراح يرعى السكوت والوجعا
كالرعد رج الجبال فاتصلت
فغار في الهاويات منقطعا
ما الرعد في الجو يا عذول سوى
برق مذ افتر ثغرها ركعا
فكيف لا أعشقن مبسمها
يوما وأرعى عواذلي سمعا؟
يا عاذلي، ما أصبت قط فلا
تعذل وكن عاذرا ومقتنعا
أتعبت مسعاك بالفساد وما
لصانع الشر غير ما صنعا
ومن أعاد الفساد عادته
أضحى عدو الورى ولو هجعا
ما يفعل المرء يلقه فإذا
رعى تسامى، وإن بغى وقعا
لا بد من وقعة لكل فتى
ونهضة كيفما صحا ووعى
من سار في مسلك الظلام غوى
في سيره، فالحزوم من رجعا
على طريق الحياة كامنة
أسد الشقا، والسعيد من قطعا
والناس يشكون دهرهم وهم
للدهر دهر، فكم بهم صدعا!
ما الدهر إلا طباعهم فإذا
شكا الفتى طبعه اشتفى طبعا
هم يضرمون الحروب بينهم
هم يهدمون الحصون والقلعا
هم يسفكون الدما وهم شرعوا
لبعضهم ما الإله ما شرعا
عصوا قضاء النظام فانتثروا
والكل للجزء كالجدا خضعا
والكل من جزئه أجل فلم
ذا الحكم في الناس رد وانردعا
حتى غدا ذا عدو ذاك لذا
كل من الخوف بات منصرعا
وها علي العداة قد هجموا
وإذ رأوا حملتي انثنوا جزعا
واسترجعوا يفسدون في حلب
وصالح اللاذقية اطلعا
فسل ما حسب رأيه قلم
وحسب رأيي مهند قطعا
وغار كالباسل الشجاع على
جمع الأعادي ففرق الجمعا
وراح كل يلوم صاحبه
حتى غدا اللوم بينهم بدعا
هذا الأديب الذي الزمان له
أعد إكليل رفعة لمعا
سعى فنال المراد منتفعا
وكم فتى قد سعى وما انتفعا!
ونعمة الله لا تجيء سوى
أربابها لا لمن بها طمعا
يا صاحبي أنت لي إذن عضد
وصارم راح يخرق الدرعا
كن ناحرا كل من بغى وطغى
وناصرا كل من وعى ورعى
فأنت لا تختشي أخا نكد
حتى ترى الليث يختشي الضبعا
ألبستني إذ حميت عن ذممي
أيام هجري حمى ومرتبعا
تاج امتنان أبى البلى، فعلى
رأس أبى العوث بالوفا وضعا
أنت الأخ الحق لا عدمتك من
خل إذا غاب ذو وفا طلعا
لولاك كان العدو منتصرا
ما بين قوم تدينوا الورعا
قوم كحياتهم غدوا حكما
وكالحمام الوديع هم ودعا
أشتكي الدهر ذا الخطوب ولا
أضج مهما لنقمتي اخترعا
فالدهر كالظعن، والجميع له
حاد، فمن ضج حث ما ظلعا
قاس وهيهات أن يلين ولا
يرى سوى الغبن من بذا شرعا
ومن أصار القساء عادته
لم يثنه لا رجا ولا شفعا
ثمرة الود
صب بحبك منصرع
وبطول صدك منصدع
يا شمس حسن قد علت
رفقا بقلب متضع
إن أرجعتك يد القلى
عني فلست بمرتجع
داوي المتيم باللقا
وارثي لصب منفجع
كبدي على الحب التظت
وصبت، ولي دمع همع
أصبو لوجهك في الدجى
ما لاح نجم مرتفع
عيناك سحر لو سرى
بفؤاد «هاروت» صرع
يا قلب لا تعص الهوى
عطف الحبيب حلا فطع
واعص العذول ولو لحا
وإذا هذى لا تستمع
واقنع بوصل ربيبة
دلت ، ونعم المقتنع!
فدلالها عطر الصبا
قات الفؤاد المنتجع
وأنا هو الصب الذي
لي بالهوى قلب ولع
صاد لسلسال اللما
هل رد صاد أو ردع
وإذا أشعت قصيدة
فبغير خل لم أشع
كحبيب برنوطي الذي
للود يوما لم يبع
خل له لاق الثنا
فيه التعقل متسع
خلص الفؤاد وفيه
بادي الدراية مطلع
يرعى الوداد كأنه
هو للمودة مشترع
سامي الذكا، عالي النهى
والعلم فيه مجتمع
ولذا اخترعت مديحه
يا حسن مدح المخترع
أفديك يا راعي الوفا
بالنفس ما وتر شفع
حتام تكتم نفسك ال
فضلى؟ فدع هذا وذع
هل تختفي شمس الضحى
والغيم عنها منقشع؟
قافية الغين
وقال:
دعني وشأنك لا تكن بي لاغي
فأنا لرب العذل لست بصاغ
كيف السلو عن الهوى وجوارحي
بجميع ألحان الغرام تناغي؟
يا من بغى سلوان قلبي أنت في
طلب المحال، وكم يخيب الباغي؟
لو كنت تعلم من أحب من الدمى
لعذرتني عوض الملام الطاغي
غيداء قد صاغ الجمال لجيدها
طوق السنا، فاكرم بلطف مصاغ!
وغزالة صبغ الحياء خدودها
إذ أقبلت نحوي بخير صباغ
وا فرحتاه! مذ التقينا بعد أن
ضرم الفراق لهيبه بدماغي
وأطلت لثم المعصمين محاولا
إيداعه في الثغر والأصداغ
حتى جنت أرساغها من عبرتي
دررا، ويحلو الدر في الأرساغ
أرسلت دمعي كي يبلغها الهوى
عني وليس عليه غير بلاغ
وقال:
لله عين بعلم السحر قد نبغت
فما بغت إن تمنت قتلتي وبغت
وقامة مثل غصن البان قد خطرت
في مهجة الصب منها شمسه بزغت
من لي بها، غادة جارت وما رحمت
أشكو ولم أرها يوما إلي صغت
ربيبة كل حسن، تحت برقعها
وكل باهرة للناظرين طغت
لو لم تكن قتلت قلبي بمقلتها
ما برقعت وجنات من دمي صبغت
مهما جنت فأنا راض بما رضيت
وكل نفس عصت أمر الحبيب بغت
لولا تذلل نفسي في الغرام لما
كانت إلى شمس ذاك الخدر قد بلغت
آليت حلفة صدق لا سلوت وقد
آلت ولكنني بريت وهي لغت
أصلت فؤادي نارا قط ما لطفت
ولاطفتها دموع كالبحار طغت
ذي أبحر الدمع سحر الطرف حولها
إلى دم أزبدت من زفرتي ورغت
أفدي عيونا رمتني، والجفون لها
كنانة من نبال الغنج ما فرغت
لما أضعن فؤادي رحت أنشده
بين الطلى والحلى حيث النجوم صغت
يا للهوى! من لقلب قلبته على
نار الجوى حدق في جنة ربغت
ذي جنة الحسن منها للحشى سقر
وألسن النار عنها للقلوب نغت
كم نعمة أنتجتها نقمة دمغت
ونقمة أولدتها نعمة سبغت!
قافية الفاء
وقال:
شوق لوصلك واو الصدغ تعطفه
وعامل الهجر عني ليس يصرفه
فما احتيالي وسيف اللحظ منصلت
والقلب في موضع الأشجان موقفه
ويلاه قد قتلت صبري العيون فلو
أعطيت بحر دموع كنت أذرفه
يا من بقلبي هواه قد هوى ونما
حتام أنت بنار الصد تتلفه
ناديت إذ فتكت أيدي التشوق بي
ليت الحبيب يرى شوقي ويعرفه
يا طالما قد حمت عن ناظري مقل
وردا أكاد بأيدي الفكر أقطفه
هذا فؤادي، وذا جمر الغرام به
وذي دموعي ولكن لا تلطفه
وذاك قلبي، وهذا الوجد أثقله
وذا اصطباري ولكن لا يخففه
لو كنت تعلم ما يلقى فؤادي إذ
تلقي نقابا على وجه يشرفه
لما جعلت على ثغر الضحى حجبا
ولا تركت شفاه الستر ترشفه
سر الهوى غامض، فارخ اللثام عسى
ضياك ينفذ في قلبي ويكشفه
ما لاح وجهك ذو البشرى لدى بصري
إلا وكاد ببرق الحسن يخطفه
بيني وبينك قد جد العذول، وكم
من مغرم لم ينل فوزا معنفه!
لا ترع سمعك للواشي أيا قمري
ولا تدع فلتات الهذر تسعفه
إن الجهول إذا ما الدهر جادله
بنعمة ظن أن الدهر ينصفه
يتيه عجبا، ويعلي أنفه عجبا!
إذ ليس يعلم أن الناس تأنفه
وقال:
حتام وعدك بالوصال يسوف
وإلام أنت علي لا تتعطف؟
يا من أثار على الحشا حرب الجفا
رفقا؛ فجيش الصبر أوشك يتلف
أيحل في شرع الهوى قتلي بلا
ذنب؟ أجبني؛ قد عهدتك تنصف
أفديك من ظبي أعد لقتلتي
عدد الجمال وما ثناه مخوف
فالخد نار، والعذار سلاسل
والطرف سيف، والقوام مسقف
يا بدر لي حدق بوجهك حدق
أبدا، ولي طرف لغيرك مطرف
أنت الحبيب فلا أروم سوى ولا
يثني فؤادي عن هواك معنف
خطرات ذكرك كلما خطرت على
سمعي تؤثر بالفؤاد فيرجف
أطلعت من تحت القناع لأعيني
قمرا، ولكن نوره لا يخسف
وعلى خدودك قد بدا لذوي الهوى
ورد بغير نواظري لا يقطف
لك مبسم عذب، وريق طيب
هذا لنا كاس، وذلك قرقف
ما لاح برق من جمالك في الحمى
إلا لأبصار المتيم يخطف
إني عشقتك لا لحسنك وحده
لكن لذاك اللطف وهو الأشرف
هيهات أن أسلوك يا قمري ولي
قلب يذوب، وأعين لا تنشف
أورثتني أحزان «يعقوب» بلا
رفق، فكيف ظلمتني يا «يوسف»!
لم أرع في غسق الدجى شهب العلى
إلا ومن جفني المقرح أرعف
هلا ثناك عن الصدود تغزلي
بك أيها الغصن الذي لا يقصف
غزل حكى الصهباء فعلا والصبا
لطفا، ولست به لغيرك أتحف
إن كنت يا ذا السخط عندك نكرة
فإذا أضفت إلى الرضا أتعرف
أبلى الهوى قلبي بكل أسى فيا
قلبي على بلواك ما لك مسعف
فاخف الهوى عمن يلومك وادرع
جلدا؛ فإن الحب داء متلف
أيعينني جلد على البلوى وذي
جبل أصم، وذاك قاع صفصف؟
والصبر يحلو للفتى بمصابه
إن التصبر في البلية يعرف
وقال:
ماذا أقول: أذل فيك أم شرف؟
يا أيها العشق حيث الرشد لا يقف
هيهات ما دام حكم الحسن منتصرا
فليس للصب إلا الذل والتلف
حكم له خضعت كل النفوس بلا
حرب وسحر لديه القلب يرتجف
فما بدت طلعة الحسن العجيب لدى
عيني إلا وكاد العقل ينخطف
يا طلعة غلبت كل القوى ولها
قد ذل من قام فيه الكبر والصلف
وا حسرتاه! فبي أودى الغرام، ويا
ويلاه! فالقلب مني غاله الدنف
أفدي التي طالما قاومت سطوتها
باللهو، لكنني بالعجز أعترف
بديعة لو مشت يوما على ترب
لأوشكت تحتها الأموات تنشغف
وغادة ذات جسم كالرخام بدا
يزهو بنهدين لا يغشاهما كلف
نهدان كالفضة البيضاء ما برزا
إلا لسلب فؤاد كله شغف
فلي غدا حبها فصلا أقوم به
كذا لها فضل حسن فيه تتصف
كل من الكون أعطته طبيعته
فصلا به عن جميع الكون يختلف
يا من على أعيني ألقت غشاء هوى
وفي فؤادي عناء ليس ينصرف
طعنت قلبي فوا حزني، ووا ألمي!
بحربة قد ثوى في جرحها اللهف
أبكي وليس البكا يجدي المحب سوى
فرط العذاب الذي يجري به الأسف
بئس الزمان الذي ألقى عنانك في
يد الغبي وأبقى الشهم ينتزف
فلا رعى الله دهرا فيه زاحمني
أوغاده في هوى يعزى له الشرف
وقال:
تجنب طعامات غلظن فكم قضى
بهن شهيدا من عن النهم ما عفا!
ولا تزوجن البطن بابنة أكلة
فتندم عما فات، إذ تلد الحتفا
وقال:
بالطرف أومت إلى الكاسات ناهدة
أعطافها قد شربن خمرة الظرف
فرحت سكران لا عقل ولا جلد
فكان سكري قبيل الراح بالطرف
وقال:
أرتنا في رياض الحسن لما
تثنت غصن قد ذا شنوف
عليه بلبل الألباب غنى
فقام اللحظ يرقص بالسيوف
خيانة العهد
دعاني إلى السلوان صدك والجفا
وغدرك لم يترك بقلبي سوى الوفا
عشقتك جهلا مذ تظاهرت بالولا
وما كنت أدري ما بقلبك من خفا
وهيهات أن تصفي المودة غادة
فمن يسلها رغم الهوى يجد الصفا
إذا جذبتني للتصابي يد الصبا
ثناني الحجا عنه، فحسبي تشرفا
وما أنا ممن يرتضي بهوى التي
خلائقها ساءت، وعنها الوفا انتفى
فإن كنت قد عفت الوداد فإنني
تركت الهوى، لكن ودادي ما عفا
أنا لست أهوى ذا بهاء بوجهه
إذا لم يكن باهي السجية منصفا
ولم أخن الميثاق حتى منيتي
فإني ممن قابل الغدر بالوفا
فقلبي صاف كالزلال ولين
ولكنه أقوى احتمالا من الصفا
إذا لم يكن فعل الجميل كوجهه
فذا شبه قبر بالبياض تزخرفا
فلا تحسبي أن الجمال الذي بدا
بوجهك يوليك المقام المشرفا
سلوتك مذ خنت العهود جهالة
وكنت على حتفي بحبك مشرفا
ومن عادة الحسناء ألا تقوم في
زمام، وأن تبدي البديل الوفا جفا
جرعت كئوس الذل والعز جانبي
فحسبي ما لاقيت منك وقد كفى
أضعت شبابي في المحبة، ليتني
بذاتك عمري لم أكن متعرفا
لحا الله أياما بها كنت ضاربا
بوادي هواك هائما متلهفا
بحبك قد أودى السقام بأضلعي
وها قد دعاهن السلو إلى الشفا
وإن تك عيني بالهوى هدرت دمي
سدى فعليه اليوم تبكي تأسفا
فكم من عذول في هواك عققته!
فيا ليتني طعت العذول المعنفا
وما الحسن إلا ساحر خادع، فكم
يحاول أن يغري النفوس ويتلفا!
دعيني دعيني من هواك فإنني
فتى ليس يهوى من تسيء التصرفا
وقد ينثني قلب المحب عن الهوى
إذا ما رأى ود الحبيب تكلفا
فحررت روحي من عبودية الجوى
بثورة عقل طالما كان مسعفا
أأرجع للحب المذل وكم وكم
على دوح قلبي طائر العز رفرفا؟
ولم يمح عن صدري رسوم الهوى سوى
رياض قويق حيثما الطير قد هفا
هناك جلاء الحزن والكرب والضنا
هناك الأماني والتهاني والصفا
سقى الله روضا قد ألفت بظله
كواعب أترابا يعاطين قرقفا
فلا باعد الوسمي ذاك الحمى ولا
جفته الصبا ما الغصن يحنو تعطفا
إلى «الخواجا إلياس صالح» في «اللاذقية» جوابا لرسالة أتته منه:
حدق سفكن دماك أم ذي أسيف
ومسقف أرداك أم ذا معطف؟
وسوالف غشيت فؤادك أم دجى
وسلافة أخذتك أم ذا مرشف؟
وهل الغزالة قد بدت من أفقها
لك أم غزال حسنه لا يكسف؟
وضرام جمر في حشاك يثور أم
وجد تمور به القلوب وتتلف؟
يا أيها الصب المقيم على الهوى
خذ منه حذرك فالهوى لا ينصف
وتوق إن غازلت ألحاظ الظبا
فهي الظبا ولكم جريح مدنف
بأبي وبي أفدي التي هدرت دمي
بلواحظ يعنو لديها المرهف
هيفاء في قلبي هواها كالربى
قد قام حيث الصبر قاع صفصف
ومليحة لم يأل عهد ولائها
كلف لحب الغير لا يتكلف
وإذا المحبة مازجت روح الفتى
توحي له بالطيبات فيعرف
يا وردة بيد الصبا يا من بها
لا زلت من كاس الصبابة أرشف
بل يا مليكة مهجة بك قد عفت
وضياء عين بالمدامع تنزف
رضيت قلبي تحت أثقال الجفا
ورضيت قطع الوصل وهو المسعف
وقصصت جنح الصبر من قلبي لذا
قد عاد في صدري يجد ويجدف
فشردت لا ألوي على أحد وفي
عيني طيفك واقف مستوقف
يا ليلة ليلاء هال ظلامها
شهب العلا فغدت كمثلي ترجف
حيث الدجى يتلو على كل الملا
خطب السكوت وبالتصابي يهتف
والأرض في عمق الفضاء شريدة
ترجو الهدى وسوى الضيا لا يكشف
وأنا أخوض بحار شوق حيث لا
سلم هناك ولا خلاص يسعف
وإذا غدا أمل التخلص فاسدا
فالقصد عندي صالح مستظرف
فتى احتوى كل الحذاقة والذكا
وله يجر من اللياقة مطرف
ينساب في ثوب المعارف مارحا
وبلفظه لوح الفصاحة يرصف
شعر له طربت إليه ذوو الحجا
وبدره أذن الزمان تشنف
أنى ثملت به وملت ولم يكن
خمرا وأين الخمر فهو الأشرف؟
كلم يصح بطيبها كلم الحشا
وتضج عن طرب إليها القرقف
من كل معنى يسلب الألباب إذ
يتلى كأن السحر فيه مخلف
كن يا بن صالح بين أرباب النهى
علما بألقاب الصلاح يعرف
وردت علي اليوم منك خريدة
تبغي الوفا، وأنا لديها محجف
وصفت صفاتك لي بخير بلاغة
وصفت فشمت بها خيالك يعطف
فكأنني «يعقوب» من شوقي لها
وكأنها لما أتتني «يوسف»
وقال:
حسامك أم عيناك أمضى وأرهف
وثغرك أم عقد الترائب أشرف؟
وفرقك أسنى أم هلال السما؟ وهل
خدودك أم ورد الخمائل أتحف؟
فديتك يا بدرا تلألأ حسنه
فأشرق في قلب من الوجد يتلف
إذا رنحت عطفيك رائعة الصبا
رأيت غصون البان تصبو وتعطف
وإن رأت الغزلان جيدك أطرقت
وإن شامت الأقمار نورك تخسف
بروحي من الغادات غيداء إن بدت
تكاد شموس الكون في الأوج تكسف
عليلة أجفان صحيحة أعين
لماها وريق الثغر مسك وقرقف
وقامتها غصن بقلبي غرسته
فيا حبذا غصن رشيق مهفهف
أقول لها والطرف سح سحابه
وقلبي في نار الصبابة يرجف:
رويدك حتام الجفا لمتيم
له جسد من لطف ودك أنحف؟
وكيف أطيق الهجر أحمل ثقله
وإني ضعيف من جفونك أضعف؟
فلا تحسبيني مثل خصرك قادرا
على حمل أثقال، فإني مدنف
فخصرك يقضي الوصل منك على المدى
وإني في الهجران مضنى ومتلف
إلام إلام الهجر يهتك أعظمي
وحتام منك النفس لا تتعطف؟
أما أنت غصن في رياض محاسن
وعهدي أن الغصن يدنو ويعطف
ولكن دلال الخود يجدي نفارها
فهلا التفات للنفار سيخلف!
وللصب قلب لا يزال على ظما
وليس له إلا من الثغر يرشف
وما الحب إلا كالزمان فإنه
يذل الفتى طورا وطورا يشرف
زمان لقوم بهجة وترفه
كذاك لقوم حسرة وتحيف
فكم يبتلي ناسا ويهتك عيشهم
وكم لأناس راح يرعى ويسعف!
كأني به يأبى الوفا لذوي النهى
ويرعى ذمام الجاهلين وينصف
قافية القاف
وقال:
أما والذي قد زين المرء بالنطق
لقد قل من في الناس ينطق بالحق
فما أشرف الإنسان إن كان صادقا!
فلا شرف يعلو على شرف الصدق
لسان الفتى في فيه أصغره فإن
وفى حقه أضحى به أكبر الخلق
وما الكبر في هز الخصور تبخترا
بل الكبر في هز اليراع على الرق
فذل دني بالتكبر يرتقي
وعز شريف بالتواضع قد رقي
وليت دخان الأرض لم يصعد العلا
ولم يهبط الجريال طوعا إلى العمق
يصغر قدر المرء تعظيم نفسه
فذا خلق يأباه كل أخي حذق
ألم تر أن البدر يصغر كلما
ترقى العلا وهو الكبير على الأفق!
فعال الفتى تعلو به أو تحطه
فكم بين فعل الخير والشر من فرق
إذا لم يبن فضل فلم يشد مادح
وهل لعلعت يوما رعود بلا برق؟
وكل أخي فضل يجود بفضله
بلا طلب فالسحب من طبعها تسقي
حوادث
ما لاح برق الغور في الآفاق
إلا وهام القلب بالأشواق
والورق ما صدحت على أفنانها
إلا وسال دمي من الآماق
أبكي على زمن نعمت به فقد
ولى وجرعني أمر فراق
ومن المحال دوام حال للفتى
فاليوم بين والغداة تلاق
بعد الحبيب فلا رقاد بعده
إن السهاد دلالة العشاق
بالله يا ذات الدلال إلى متى
هذا النوى! عطفا على المشتاق
تركتني البرحاء بعدك رافلا
بجنون «قيس» وحرقة «البراق»
لم يطف ما في القلب من حرق سوى
رشف اللمى وتوسد وعناق
وبغير وصلك لا تطيب جوارحي
والوصل للعشاق كالدرياق
لك طلعة تسبي النهى وتبسم
يزري وميض البارق الألاق
فبنور وجهك قد هديت إلى الهوى
وبنار خدك رحت في إحراق
ولقد سكرت بمقلتيك وطالما
كان الهوى خمرا وطرفك ساقي
فإذا نظرت إلي همت صبابة
والحب مصدره من الأحداق
وإذا انثنيت تمزقت كبدي فمن
خطي ذاك القد أين الواقي؟
قد بعت في سوق الهوى عقلي وما
عاينت عقلا بيع في الأسواق
ولقد مددت يدي إليك بذلة
أرجو النوال، ولست ذا إملاق
فتعطفي يا نور عيني واذكري
عهد الولاء وذمة الميثاق
وقال ملغزا بثلاثة ألغاز:
قالت وقد أطلت قبض يدها:
خل يدا أبكيتها كالحدق
فقلت: ما هذي يد بل زنبق
وها أنا أشق عطر الزنبق
قالت: دع الهزو فإن رقيته
أغفلتني، قلت: إذن لم تعشقي
فإن للمعشوق عينا طبقت
وكل عين عاشق لم تطبق
وقال:
قصر نواك فقد أودى البراح بنا
واسعف معاشر كاد الشوق يمحقهم
أنزلت صاعقة البين الملم بهم
كمثل آنية الفخار تسحقهم
وقال موشحا:
أيها الظبي المفدى
أنت للبدر شقيق
لك عيس الحب تحدى
وعلى قلبي الطريق
دور
خدك القاني أراني
ماء ورد في لهيب
ومحياك سباني
بسنا الحسن العجيب
أنت ما بين الحسان
بدر تم لا يغيب
وغزال راح عمدا
لدم الأسد يريق
ثغرك الباسم أبدى
لؤلؤا بين عقيق
دور
بالذي أنشا قوامك
فتنة بين الأراك
زر أخا الشوق غلامك
لا تخف عينا تراك
حمل الصبح أمامك
وحمى الليل وراك
وغدا العنبر عبدا
لك، والمسك رفيق
والمعنى لك مدا
يد ميثاق وثيق
دور
لين الأعطاف رفقا
لمتى عني تميل؟
أتلف الأحشاء رشقا
طرفك الرامي الكحيل
وسبى القلب وأشقى
ناعم الخد الأسيل
فجرى دمعي وجدا
من لظى العشق المحيق
من لصب قد تصدى
لغريق وحريق؟
دور
لست لا والله أسلو
عن هوى في استقر
فالهوى يندو ويحلو
كلما جف ومر
ورخيص السعر يغلو
فيه والغالي استمر
بئس من لم يهو قدا
لدن العطف رشيق
فهو غاو ليس يهدى
ونئوم لا يفيق
غواية الدعوى
قليل بذا الدهر الكلام المحقق
ومذ كثر الكذاب قل المصدق
يقول: أرد الأسد، من يدعى القوى
ولكن إذا ما شاهد الغاب يخفق
وكم من كليل يدعى خوض أبحر!
وإن خاض في ماء الجداول يغرق
وفي السلم سيف الجبن قول وفي الوغى
فرار وعند الخبر كل يحقق
ومن لا يسد الأذن عما يقوله
أخو حمق فدم فذلك أحمق
أرى الجهل داء يقبل الزود كلما
يداوى، فإن الترك أحرى وأليق
إذا كان داء لست تدري دواءه
فدعه لتدبير الطبيعة أوفق
بذا الدهر سوق الفضل والعقل كاسد
ولكن سوق اللؤم والجهل ينفق
وما لجميع الناس بالعقل أسوة
لكل امرئ فصل عن الغير يفرق
فهل ميز الحيوان إلا فصوله؟
فذا نابح يعوي، وذلك ينطق
وذو العقل لم يحكم على الشيء قبل ما
يردده في ذهنه ويدقق
وغمر رأى بي مذ صفوت صفاته
ولو كان يدري ما رأى راح يصفق
قوي ولكن تحت سقف جداره
شجاع، ولكن بالحقيقة يرهق
وليس يليق الكر في الحرب للنسا
ولا بالرجال المكث في الخدر يلبق
دعوه فقد أغواه فرط ادعائه
وباب الهدى دون الغواية يغلق
أيدرك ما فرق الصواب عن الخطا
ولم يدر شمس الأفق من أين تشرق؟
وشن علي غارة الذم والهجا
فقابله من فضل حلمي فيلق
أنا ذلك السيف الصقيل فرنده
وما هو إلا عند ذي الخبر برجق
كليل يجاريني، وإني لاعب
ضعيف يقاويني وإني أرفق
وهل يفعل المحتاج فعل أخي الغنى
ولا سعة في العيش والرزق ضيق؟
ومن لا يرد النفس عن شهواتها
فذاك بأغلال القبائح يوثق
عجبت لذي ذل يحاول عزة
وهل بذليل نعمة العز تلحق
أتى يدعي سبق الجياد ورجله
بها قزل، تبا له! كيف يصدق؟
وما هزه للقول غير تكبر
دليل الفتى: خلق وفعل ومنطق
وإني أرى العلياء يصعب نيلها
على كل من بالكبريا يتخلق
يري الناس طبعا ذا صفا وسلامة
وباطنه فيه الردى متعتق
وقد يلبس الأعداء ثوب أصادق
وهيهات من أين الصديق المحقق؟
وها اليوم هذا الخل جاء مبرقعا
بحب ولكن بالشتيمة يرشق
أحب فتاة غادرته مشتتا
وأبقت حشاه بالهوى يتعلق
بغرة أضحى ملغزا لي وعزة
فتلك انتفت عنه، وذي فيه تلصق
وألغزت في «سعدى» فصادف قشعر
ففأل، فمنه أقشعر وأزهق
ومن يفقد الحس استوى الكل عنده
فلا البرد يضنيه، ولا الحر يحرق
بروحي جميل الخلق والخلق أهيف
بطلعته يزري البدور فتمحق
غزال غزا القلب الشجي بمقلة
على الدعج الفتان والدل تطبق
يصون عن الأقمار والشمس حسنه
ومن صان حرصا ماله ليس يسرق
له وجنة حمراء عن شفق بدت
بها قد سبى قلبي فيا ليت يشفق
على خده قد لاح خال كعنبر
بدا في رياض الورد والآس يعبق
قد اختلست مني الرقاد جفونه
فنمن، وباتت مقلتي تتأرق
أحاول إخفاء الغرام وطالما
أباح به الدمع السخين المرقرق
فيا زمرة العشاق لست بمعلن
لكم ذلك الظبي الذي أتعشق
وقال:
نزه لحاظك في حدائق بالسما
سحرا، وسبح حكمة الخلاق
فالأفق روض والمجرة جدول
والبدر كاس والثريا الساقي
وقال:
عشقت ظبيا يحاكي خده الشفقا
مهفهفا رام تعذيبي وما شفقا
مذ حل قلبي هواه والهوى قدر
جعلت أرجو إلى مرضاته طرقا
الرشد فارق عقلي في محبته
وطارق السهد بالأجفان قد طرقا
نفقت في حبه روحي ومصطبري
ترى أيعطي وصولا لي بما نفقا؟
أرخى اللثام ضحوكا وانثنى فبدا
بدر تبسم نورا فوق غصن نقا
إن الظباء خجلن عند لفتته
والبدر عند اسفرار الوجه قد محقا
يا من أراق دمي هجرا وغادرني
سهران عد مدنفا لولاك ما أرقا
يا طالما باتت الآماق سائلة
سيل العقيق وبات القلب محترقا
هجرت نومي وواصلت السهاد دجى
والصب من شأنه لا يهجع الغسقا
لم يبق لي في الهوى جلد ولا جلد
وفلك صبري ببحر الدمع قد غرقا
وقال:
نامت عيون النجوم في الأفق
ومقلتي لم تزل على أرق
قدمت في هيكل الهوى كبدي
ضحية للخدود والحدق
حب الدمى قد أعاد فودي في
شيب وأبقى الفؤاد في حرق
أفدي بروحي مليحة خلقت
من اللطافات لا من العلق
لمياء، فتانة العيون لها
خد بدت فيه حمرة الشفق
تهتز كالسمهري قامتها
فلم تدع للمحب من رمق
أبدت من الفرع غرة فبدت
زجاجة الصبح في يد الغسق
قبلتها فانجلى بوجنتها
ورد الحيا تحت لؤلؤ العرق
تغزلي راق للحزوم بها
لكنما للحسود لم يرق
في حبها قد عشقت شيبي مذ
حاكى بياضا بذلك العنق
وما هويت البياض في عنق
لو لم يكن مثل قلب «هند» نقي
وقال إلى أحد أصدقائه تاريخا لمولود له:
زال عنكم ليل الأسى وتبدى
سحر الأنس، فأبشروا بالشروق
بهلال ولدتموه أصيلا
ينجلي بالسعود والتوفيق
فأخبروا يا مؤرخون أباه
فرج الله قد أتى بعد ضيق
سنة 1859
الفراق
هوى مذ تم أورثني المحاقا
وشوق حل من صبري الوثاقا
وقلب في شراك الحب أضحى
يضج جوى ولا يرجو انطلاقا
هو الحب الظلوم وكل نفس
تقاسي في جهنمه احتراقا
فأنى ملت شمت هوى وشوقا
كأن علي من عشق نطاقا
ألفت ضنى، وألفيت التصابي
وصارعت الأسى عضدا وساقا
وكيف يطيب لي في الحي عيش
إذا كان الحبيب بغى افتراقا؟
أحبائي، أراق دمي نواكم
فهل يدري لأي دم أراقا؟
ضرمتم في الحشا نار الأثافي
فيا ويلاه! كم أصلي اشتياقا!
أطيلوا باللقا بلوى حسودي
إطالتكم ضنا قلبي فراقا
وليل بت فيه وفرط شوقي
يعاطي مهجتي كاسا دهاقا
أردد ذكر من أضحى وأمسى
هواها لي اصطباحا واغتباقا
أشمس الحسن، إني بدر حب
بقربي منك لاقيت المحاقا
قافية الكاف
وقال:
يا سالكا شوط النميمة في الورى
حد عنه، إن التيه في سوء السلوك
شككت أرباب السذاجة والتقى
ويل لمن تأتي على يده الشكوك
الصبابة
أنار ضمن قلبي أم هواك
ونور نصب عيني أم بهاك؟
أيا ذات التلفت والتثني
أظبي أنت أم غصن الأراك؟
دلالك قد سبى صبري وعقلي
وتيهك لم يذر لي من حراك
عن السلوان حسنك قد نهاني
فعن وصلي فديتك من نهاك؟
ببحر الحب جفنك صاد قلبي
ولا عجب فهدب كالشباك
حشاي بنار هذا الوجد ذابت
فهلا رشفة لي من لماك
جفوت فكدت أن أقضي فرفقا
بمن لم يحيه إلا لقاك
إذا ما رمت أن تجفي فإني
مقيم يا مناي على وفاك
جمالك قد هداني للهوى مذ
بدا، ولكل تيه قد هداك
عيوني إذ رأتك تذوب لكن
تذوب جوانحي إذ لا أراك
ولي قلب بحبك يا حياتي
حكى طيرا يرفرف في شراك
إذا ما كنت خالية فإني
شجي تيمته مقلتاك
عيوني قد شهدن بأن قلبي
على جمر زكي من هواك
فإن لم ترحمي سقمي ودمعي
فبالله ارحمي ذل انهتاك
ولا يخلو المحب من اتضاع
ولو بلغ الوصول إلى السماك
إذا ما شئت تعذيبي فعذب
لدي إذا غدا فيه رضاك
وإن أك في هواك قتلت ظلما
فروحي يا معذبتي فداك
فها إني قضيت ولم أنل من
وصالك ساعة ليدم بقاك
يروم العاذل الخالي سلوي
فليت عيونه يوما تراك
فليس سواي في حلب محب
كذلك ليس محبوب سواك
ألا يا نفس، ما هذا التصابي؟
وما هذا الهوى؟ فدعي عناك
علام تغازلين الحسن إذ لا
يفيدك غير بوس واشتباك؟
حياة العاشقين شقا وموت
وراحتهم هلاك في هلاك
وقال:
فتكت بالفؤاد أعظم فتك
صعدة القد يا مليحة منك
ودمي شاهد فإن جرحته
عين ظبي فخد ورد يزكي
بين عيني والثغر منك طباق
فهو مستضحك بما هي تبكي
لا تشكي إذا شكوت بعادي
عنك، فالصب مولع بالتشكي
لك قرط يشكو مسافة بعد
عن عقود تبتز دمعي لتحكي
لا تشكي بلوعتي وهيامي
لا تشكي يا منيتي لا تشكي
خصرك اللدن قالب التيه فيه
سبك الظرف والهوى خير سبك
إنما الثغر واللمى زق خمر
ختمته يد الجمال بمسك
فلك الحسن هاج بحر غرامي
وفؤادي يطفو عليه كفلك
أنت مديونة بعهدي فإن أن
كرت فالسر في يدي خير صك
بظلام الأثيث أمسى افتضاحي
وبصبح الجبين أصبح هتكي
لي نفس ذابت جوى وجفون
تضرم الحب بالدموع وتذكي
أجفن مذ نثرن لؤلؤ وجدي
كان جسمي النحيل أليق سلك
يا لصب بالروح أشرق لما
غص بالدمع، يا لصب مبك!
وقال موشحا:
صرت يا قاتل الأسود قتيلك
وأنا لم أزل أراعي سبيلك
كم أعانيك كم أقاسي كحيلك!
يا طبيبي، أمرضت قلبي دخيلك
يا مداوي العليل داو عليلك
دور
يا غزالا غزا فؤادي نفارا
وهلالا على الأهلة جارا
كلما لحت غاب عقلي وطارا
طال هذا الصدود، فاقصر طويلك
يا مداوي العليل داو عليلك
دور
رأت الشمس حسن وجهك طالع
فشكت غبنها لكل الطوالع
ثم ناداك بدرها وهو والع
ته، فوالله ما رأيت مثيلك
يا مداوي العليل داو عليلك
دور
هاجري لو علمت بعض مصابي
كنت ترثي لشدتي وعذابي
في هواك الظلوم شاب شبابي
وأنا لا أود خلا بديلك
يا مداوي العليل داو عليلك
دور
خنت عهدي وما رعيت ذمامي
وأنا لم أخن عهود غرامي
رد يا ظالمي علي منامي
علني أن أرى الخيال خليلك
يا مداوي العليل داو عليلك
دور
إن تكن أنت يا حبيبي غزالا
فانعطف، فالغزال يعطف حالا
وعلى كل حالة لن أحالا
حاشا لله أن أخون جميلك
يا مداوي العليل داو عليلك
دور
ضاق صدري وعيل صبري بهجرك
وأنا أسهر الليالي بشعرك
ليت شعري! أنا خلقت بأمرك
كل عزمي وما رحمت كليلك
يا مداوي العليل داو عليلك
دور
وقال متخلصا باسم صاحب له:
يا أيها القلب، ما الذي شغلك
أغرى بك الدهر أم هوى شملك؟
إن كنت تصبو لذي الجمال فسم
صبرا على هجره ولو قتلك
يا قلب يا قلب لا تمل أبدا
عن التصابي بمن به جبلك
واخضع لأمر الهوى فذا ملك
يصول، واعص الخلي إن عذلك
وظبية عنك حيثما كتمت
سر الهوى تفشه اللواحظ لك
هيفاء إن أدبرت أرى بشرا
لكن إذا أقبلت رأيت ملك
إذا انثنت فالقوام غصن نقا
وإن بدت فالجمال بدر فلك
أتت وستر الظلام منسدل
والقلب من حاسد الوصال هلك
قالت وقد ضمت النهود يدي:
أطلت بي يا أخا الجوى أملك
بتنا ونور العفاف يرشدنا
ل «يوسف» فهو بالعفاف سلك
وقال:
على مزاياك قد دلت ثناياك
فحسن وجهك يحكي حسن معناك
حزت الجمال مزانا بالحياء فما
أحلى حياك ، وما أجلى محياك!
من أين للبدر ذي الأنوار وجهك، أو
للغصن قدك، أو للظبي عيناك؟
من لي بها أعينا إن غازلت وغزت
صالت على كل فتان وفتاك؟
أفدي جمالك بالنفس التي قتلت
به، فيا طالما عاشت بمرآك
صلي إذا شئت، أو صدي فحسبي أن
تشي، وحسبك في الحالين أهواك
يزيدني الهجر أشواقا فأشكره
ومنه أشكو، فيا للشاكر الشاكي!
تيهي فكل جميل عن جمالك قد
روى، وكل لطيف عن سجاياك
ما للنسيم سرت في الروض عاطرة؟
لعلها لثمت لما سرت فاك
وما لزنبق ذاك الروض يرفل في
ثوب البياض؟ فهل ضمته نهداك؟
لولاك لم يشتمل لفظ الجمال على
معنى، ولم يدر قلبي العشق لولاك
وكل وصف أتى عن كل غانية
بالحسن بولغ في معناه إلاك
في كل جارحة مني هواك ثوى
لذاك أرجف كلي عند ذكراك
وكلما لحت قالت كل كاعبة:
سبحان من لجميع الحسن أولاك!
وإن تبسمت قال الدر وهو شج:
على مزاياك قد دلت ثناياك
وقال:
إذا كنت في أرض بها يتهم الورى
أخا سلطة بالعدل؛ خوفا من الفتك
وقال:
بحق من بالحسن قد جملك
من ذا على الهجران قد حملك
يا غصن بان مال عن صبه
ما أعشق الصب! وما أميلك!
ملكت قلبي بالجمال فسد
بالعدل يا ملكا بوجه ملك
كل خضوع في الهوى حق لي
وكل حكم فيه قد حق لك
سلكت طرق الصد عني وما
داريت من طرق الوداد سلك
وتهت حتى لو قدرت لما
أبيت أن تصعد فوق الفلك
أفديك ريما نافرا آنسا
تبارك الله الذي كملك
أقصر نفارا منه يا قاتلي
تعجب الظبي ومن عذلك
أحرمتني مرسح طيفك هل
تحرمني فكري إذا مثلك
هيهات أن يأوي الكرى مقلي
فهو لعمري عاشق مقلك
أحسنت مثواك بقلبي أيا
مولاي، أحسن بالوفا عملك
أخاف من كل عليك فلو
زارك طيفي خفت أن يصلك
بالله يا وردا على وجنة
زهراء لا تعتب فما قبلك
حارسك الطرف صمى كبدي
لذاك باللثم فمي أشعلك
وأنت يا ذا الثغر هلا ترى
قد نهض النهد لكي ينهلك
وأيها الردف الغليظ اتئد
ما أرشق الخصر! وما أثقلك!
وسم أيا ذا الخصر صبرا على
تثاقل الردف ولو أنحلك
هذا جمال ما له مثل
في حبه قلب المعنى هلك
يا قلب أنهكت القوى بالهوى
سبحان من على الهوى جبلك!
جرحك الظبي بألحاظه
ليت الذي أدماك قد أدملك
لا يصدق الحب إذا لم تمت
شهيده، فالحب ما قتلك
قافية اللام
وقال يمدح جناب «نصر الله أفندي عبدالله دلال»:
ما كان قط فمي ليعصي بالي
بال أبى إلا انصلات مقالي
إن كنت ذا نطق ورب فم فلي
قول فهاك من الحجا أقوالي
مالي وما للمنكرين فضائلي
حسب الفضيل شهادة الأجيال
جهدي أحب بني الزمان وكلهم
هذا حسود لي، وذلك قال
بشر حذار فأمهم أم الدها
وكذاك والدهم أبو الأهوال
لي حسد يرجون هدم عزائمي
فكأنهم يرجون هدم جبال
وعواذل حاولن تسليتي وما
أنا بالسميع، وما أنا بالسالي
وإذا الصبابة خامرت قلب الفتى
صمت مسامعه عن العذال
بأبي من الغيد الربارب غادة
تدعو الهوى بشمائل ودلال
لله أية آية في وجهها
جن الشجي بها وحن الخالي
ما كنت في الدنيا لأهوى غيرها
أبدا وما كانت لترحم حالي
عاهدتها أني أكون أسيرها
طول الزمان على جفا ووصال
فاسترهنت قلبي الوفي وللولا
نسيت، وقلبي والولا في بالي
تلك المحاجر قد سفكن دمي فهل
ينسى القتيل خناجر القتال؟
فبفضة النحر العيون رشين قا
ضي الحب واستقضينه بوبالي
مقل غزلن ولي بذاك نسجن من
قطن المشيب علي ثوب خبال
والله ما كبرا مشيبي إنما
غدر الزمان مشيب الأطفال
وكذا اغتيال الصاحبين فإنه
أمضى وأقتل من ظبا ونبال
كل رمى بالغدر معروفي سوى
ذاك الموافي من بني الدلال
أعني بنصر الله من هو في الحجا
بدر الكمال وفي الصبا كهلال
شهم رآه الدهر أخلق بالعلى
فهوى عليه بها بدون سوال
وأمده كل الرغائب وهو لم
يمدد يدا، فالحر غير مبال
سيان إكثار وإقلال لمن
يعطي ولا يبسط يدا لنوال
من لي به ركن الحجا بيراعه
قد قرب القاصي وأدنى العالي
جمع العلوم فكان بحر معارف
تطفو عليه بوارج الآمال
وجرى يمزق بالسنا حجب الدجى
فاستطلع الأيام دون ليال
وحوى المفاخر فهو قطب كرامة
دارت عليه دوائر الإجلال
ضحكت ثغور العلم والعلما به
وبكت عيون الجهل والجهال
ذو منطق أمضى من الهندي لم
يضرب به إلا طلا الأشكال
هو من أصول الفخر غصن مكارم
ما زال ذا ثمر بغير زوال
حسب الكريم مليح ذكر دائم
وكفى اللئيم قبيح ذكر بال!
يهدي لنا درر الكلام وليس ذا
عجبا؛ فلا بحر بغير لآل
ويهز سيف مقاله العالي على
أهل النفار من المقال العالي
قوم لهم ذو العقل خصم سيئ
وأخو الحماقة محسن وموال
قل ما تشاء فإن قولك راهن
واسجع ولا تسمع لذي أقوال
عار على أهل النهى أن يصمتوا
لمقام ظرف أو قرينة حال
ومن المعيب على الكماة فرارهم
يوم الكريهة من هجوم قتال
يا أيها الشهم الهمام العالم ال
عالي المقام الكامل الأفضال
ما أنت بالأموال تشري العز بل
هو مذ رآك شراك بالأموال
أنت الكريم أبا وجدا محتدا
شرف من الأعمام والأخوال
ومتى كريم الأصل أطلع وجهه
خسف الحديث، وتم كل مقال
وقال:
من لصب غدا أسير الجمال
هائم الوجد، هائج البلبال؟
ما سباه سوى ذوات قدود
هزهن الدلال هز العوالي
بوجوه كأنهن بدور
وشعور كأنهن ليال
غانيات أطلعن من فلك الإز
رار شهبا بدت على آسال
بأبي غادة إذا ما تبدت
أخجلت بالجمال بدر الكمال
لست أدري قتلي أمن طرفها النب
بال أم من قوامها العسال؟
إن تثنت فبانة من دلال
أو تجلت فنير من جمال
خدها والجبين نار ونور
واللمى والطلا ندى ولآل
دأبها الفتك والقتال بألحا
ظ جعلن القلوب مرمى النبال
إن يكن حبها بقلبي داء
فالدواء العناق عند الوصال
لي فؤاد لرشف مبسمها اشتا
ق اشتياق الظمآن للجريال
ذات تيه تميل في قامة الغص
ن وترنو بعين خشف الغزال
مذ طلبت الوصال والقرب قالت:
هل ينال الفتى طلاب المحال ؟
وإذا ما المطلوب جاء على الطا
لب صعبا فالفوز بالإهمال
وقال:
مهما تشن الليالي
فإنني لا أبالي
يا ويل جيش البلايا
من حملتي باحتمالي
إن كان درعي صبري
فما سيوف النكال؟
عار علي انثنائي
تحت الخطوب الثقال
فالخطب كالريح عزمي
أمامه كالجبال
لا أشتكي فعل دهري
مهما جنى بالفعال
فالدهر خير دليل
يهدي سراة الضلال
الدهر شيخ كبير
مؤدب للرجال
يغنى ويفقر لكن
يأبى دواما لحال
كل الأنام سكارى
فيه بخمر المحال
حياتهم كمنام
وطيبها كالخيال
وكل شيء عليها
مصيره للزوال
وقال يهنيء سيادة المطران «بولس حاتم» رئيس أساقفة الروم الكاثوليكيين في حلب بقدوم علامة الشرف له:
رأى الفخار محلا عالي الكلل
فحل فيه حلول الشمس في الحمل
والدهر قد أطلع المجد الوطيد على
أحبابه فأتاهم طالب القبل
فعاد يهتز عطف الفوز عن مرح
وراح يفتر ثغر العز عن جذل
وقد غدا هاتف البشرى يقول لنا:
طاب الهناء ولذ النيل للأمل
فلم يعد من فوآد غير مبتهج
إلا الحسود، فدعه في يد الخجل
كن بالغ البشر يا ذا الحبر «بولس» في
وسام فخر أتى من أفخر الدول
فأنت يا أيها الراعي الذي لمعت
أنوار آلائه الغراء في الملل
قد ازدهيت بما أوتيت من شرف
مثل ازدهاء الربى بالنرجس الخضل
لا بدع إن نال شعب الله منك هدى
فأنت «بولس» في علم وفي عمل
فمن شفاتك شمس الرشد مشرقة
وفوق صدرك نجم المجد لم يفل
رنت بوعظك أعماق القلوب وها
تكسرت بقواه شوكة الزلل
وكيف ذا القول لا يشجي النفوس وقد
كادت تخر لديه هامة الجبل؟
روموا الهنا أيها الروم الذين رقوا
شأو المفاخر منذ الأعصر الأول
فقد أتى شرف من ذي الجلال إلى
راع لكم يرعى ساهر المقل
وكلما ازداد رب القوم رفعته
تجري على القوم رفعا صيغة البدل
حبر أخو همم تحكي الصفاح وذو
فعائل لم تشبها ريبة العلل
على صفات إليها مال كل فتى
من التشوق ميل الشارب الثمل
ومذ رأت رتب العلياء ليس لها
أهل سواه فوافته على عجل
أرضى المليكين في أرض وفي فلك
فليهن بالأطولين: الباع والأجل
وحين خال سواه أن يماثله
بين الورى وهو فرد فاقد المثل
نادى السنا والسنا أرخ أضاء بنا
ليس التكحل في العينين كالكحل
سنة 1864
وقال:
بدت فلاح هلال السعد من أسل
وغازلت فانتضت سيفا من الكحل
غيداء تجدح كاس السحر مقلتها
وقدها يفضح الأغصان بالميل
تسبي النهى بخدود زانها خفر
منهن أضحت خدود الورد في خجل
بي غادة جفنها خمر العقول غدا
وأصبح الوجه منها سكر المقل
عاتبتها وعتاب الحب ألطف من
ريح الصبا، فانثنت كالسمر والذبل
من قاس يوما بغصن البان قامتها
أخطا؛ فما لغصون البان من كفل
ألذ لي من عبير المسك نكهتها
وريقها بفمي أحلى من العسل
فتانة الطرف لا ترنو مغازلة
إلا تغادرني كالشارب الثمل
تلوح إن أسفرت شمسا حرارتها
تأتي من الخد عند اللثم والقبل
بلي بنار الهوى قلبي الكئيب، وكم
قلب قضى بالهوى؟ وا حيرتي وبلي!
كل المحاسن في أطوارها جمعت
فليس من عوض عنها ولا بدل
لا كنت معجزة العشاق إن نظرت
عينى إلى الغير حتى ينتهى أجلي
الإقرار
أذنت بالمغيب شمس الجمال
فإلى كم تبدين تيه الدلال؟
وسيوف الألحاظ فلت فلم يب
ق بقلبي صليل تلك النصال
وخبت نار وجنتيك التي كم
غادرت مهجتي على تشعال
وغدا نور ذلك الوجه يحكي
بهق الأرض تحت قوس الهلال
لا تلومي إن قلت: حسنك ولى
كل شيء مصيره للزوال
لم يدم منك غير قلة ود
قلة الود شر كل الخصال
لو يدوم الوداد منك لما كن
ت تركت الهوى على كل حال
لك نفس تهوى الجميع فسيا
ن جهول وأعقل العقال
قد بحثت بالظلف جهلا على الحت
ف وهذا من عادة الجهال
لا تظني أني سأرجع للحب
ب ولو كنت كوكبا في الأعالي
فرجوع الكريم عن قصده عا
ر عظيم يعزى إلى الأنذال
كيف أهواك بعدما لاح لي من
ك خداع وذاك طبع الثعال؟
أين تلك العهود؟ أين الوفا؟ أي
ن الهوى؟ أين صفو تلك الليالي؟
هل جميع الذي بدا منك لي مر
كبرق في السلك أو كالخيال؟
إن يكن فخرة لك الغدر أضحى
وهو نقص، ففخرتي بكمالي
لي نفس عزيزة ليس ترضى
بهوان في حب ذات جمال
إن تكوني بلا وفاء ولا ود
فكيف الهوى يمر ببالي؟
وأنا لم أزل وفيا ودودا
دمث الخلق، طاهر الأذيال
لك إن كنت قد خضعت فكم يخ
ضع ذو ثروة لذي إقلال؟
وعلى القلب إن سطوت فقد يس
طو جبان الوغى على الأبطال
قد كفاني ما قد لقيت من الحب
ب وما قد قاسيت من بلبال
كم سفحت الدموع من حر ذيا
ك الهوى في الغدو والآصال
إنما الآن لم يعد في فؤادي
من غرام وحق صدق مقالي
ومن الممكنات إن تك نفسي
دافعت قوة الهوى بالملال
كل شيء فيه التناقض لم يو
جد، فذا ممكن وغير محال
فاغتنم من دنياك يا قلب ما طا
ب ولا تصغين للعذال
كن بما أنت في قضاه مجدا
ودع الناس بين قيل وقال
وقال:
كل امرئ خصت به أفعال
ولكل فعل نسبة ومقال
لولا رجال الغوث ما بين الورى
لعرا الضعيف تشتت ووبال
ذو الفضل إن ينهض لعون لم يعد
للغاصبين من الأنام مجال
من يفرق الشهم الغيور من الذي
يبغي الأذى لو لم تقم أعمال؟
والعقل أخفى ما يكون من الفتى
ذاتا وعنه تظهر الأشكال
لا يجني بالأموال عقل لامرئ
لكنما بالعقل يجنى المال
لم يخل دهر من رجال مكارم
ولكل دهر دولة ورجال
وقال إلى الخواجا «جبرائيل دلال»:
لا كنت صبا صبا للخد والخال
إن كنت أسمع عذل العاذل الخالي
يا من مددتم إلى لوم المحب يدا
لا تعذلوا فأنا راض بذي الحال
خيال «لبنى» بعيني دافع بقوى
شوقي إليها عن اذني صوت عذالي
يلذ لي شغل قلبي في محبتها
كما يلذ لصاد نهل جريال
ما لي اقتناء سوى حبي لها أبدا
حسبي هواها غدا بين الورى مالي
الكسر والنصر في أجفانها اتفقا
فاعجب لضدين وفقا أتلفا حالي
قوامها يسلب الألباب إن خطرت
تميس تيها ويثنيه كعسال
الخصر كالماء منها قد غدا رخصا
والقلب كالنار مني في الهوى غالي
غصن اصطباري ذوى تفدي معاطفها
بنار حب ذكتها ريح بلبال
بالسمر والبيض لما أعرضت حجبت
هذا الحجاب بأحشائي، فبشرى لي
مذ سربلتني ثوب السقم أجفنها
وجدته في هواها خير سربال
الصب يسلو بمرآها الربوع وقد
يغنى عن المسعفين الأهل والمال
أعطافها ثملت من خمر مقلتها
فتهن سكرا، وملن ميل آسال
زادت محاسن حتى خلتها اقتبست
من حسن طلعة «جبرائيل دلال»
فرع الأصائل بل أصل الفضائل من
قد حاز كل مقام زاهر عال
ظلت عيون السنا والمجد ترمقه
وراحة الحب عنه تدفع القالي
صدر المجالس نبراس الدوامس مظ
هار النفائس ندب خير مفضال
رب الجمائل محمود الفضائل مم
دوح الفعائل فخر الصحب والآل
قد جئتك اليوم يا بادي الشهامة في
عقيلة الفكر، فانظر جيدها الحالي
خود بدت لك من خدر النهى وزهت
بلؤلؤ قد أتى من أبحر البال
وقال:
أميلي عود قامتك أميلي
وعودي مغرم الوجه الجميل
قتلت الصب بالهجران عمدا
وقاك الله، ما ذنب القتيل؟
أدرت كئوس بين يا حياتي
فملت وما لسكري من مثيل
إذا ما كنت ظاعنة فقلبي
خذيه حادي الناق الذلول
ببعدك قد غدا جسمي نحيلا
وطرفي راعي النجم الضئيل
فهل من عطفة يا هند يوما
على المسلوب بالطرف الكحيل
سباني نرجس يعلو شقيقا
على رمانتي غصن نحيل
فتنت بخدك الوردي عقلي
بروحي نضرة الخد الأسيل!
سكرت بخمر عينيك وفيه
أريتك كيف عربدة الثمول
على جذب العقول عمدت حتى
كأنك كهرباء للعقول
وقال مقرظا كتاب مجموعة أشعار إلى الخواجا «إلياس فرج اللبناني»:
لكل مجد في الورى نفع فاضل
وليس يفيد العلم من دون عامل
يسابق بعض الناس بعضا بجهدهم
وما كل كر بالهوى كر باسل
إذا لم يكن نفع لذي العلم والحجا
فما هو بين الناس إلا كجاهل
كذاك إذا لم ينفع المرء غيره
يعد كشوك بين زهر الخمائل
ولا يحسبن المرء أن اجتهاده
يحاشيه من طاري صروف الغوائل
فكل امرئ بين الصروف موقع
وقوع صريف الإسم بين العوامل
حذار فترك الجهد عار على الفتى
ولو كان مغلولا بكل السلاسل
أضاق انتشار العلم حبل جهالة
ومن فرج كان انفراج الحبائل
أديب جنينا اليوم من ثمراته
نواضج تحلو في غصون المسائل
أتانا بما للعقل ينهج مسلكا
إلى الرشد والتهذيب بين الأفاضل
بتحفة أبكار القرائح والنهى
زرين بأقمار السماء الكوامل
أرانا مقام الخال في كل حالة
وأظهر بطلان الحسود المقاتل
وجاء بترصيع الحقائق بالهدى
بمحموعة ترنو إلى كل سائل
فمن غرر غراء تحلو لدى الذكا
ومن حكم يصبو لها كل عاقل
أحب انبثاث العلم في الناس فانبرى
يطارح أرباب النهى بالمشاكل
وما الحب إلا خصلة إن تغلبت
على المرء كانت فيه خير الفضائل
وقال إلى «محمد عاقل كاشف زاده» في الإسكندرية جوابا له عن قصيدة بعث بها إليه:
بدت فقلبي بذاك الحسن مشغول
وغازلت، فجميل الصبر مقتول
خود إذا ما أماطت برقعا نظرت
عيناي غصنا عليه البدر محمول
ترنو إلي فكم للوجد يجذبني
طرف بإثمد ذاك الحسن مكحول!
فإن رنت وانثنت لم أستطع جلدا
فالرمح يهتز، والهندي مسلول
ضللت في صبح ذياك الجبين ولا
هدى بصبح عليه الليل مسبول
ومذ دجى ليل ذاك الفرع لاح به
بدر له من صفات الحسن تكميل
من لي بها ذات دل في محبتها
صبري وشوقي مقطوع وموصول
أبكي فيضحك بي ظلما مقبلها
فهل لظلمك يا ضحاك تعديل؟
صبا إلى قدها قلبي فأتلفه
فراح للطرف يشكو وهو مذهول
ولحظها بقوى الإدلال جاذبني
إلى الهوى، ففؤادي اليوم متبول
دبت بقلبي شمول الوجد حين أتت
تبدي شمائل فيها الظرف مشمول
شهية الظلم وا ظلمي! ومبسمها
له على نفحات العطر تفضيل
كفي دلالك يا ذات الجمال فقد
حملت قلبي ما لا يحمل الفيل
يا قلب، صبرا على جور الحبيب عسى
يوليك رفقا وصبر الصب مقبول
فالحسن يقتاد نحو الحب كل أخي
ذوق، وما الحب ممن ذاق مملول
كم بت والليل يغريني بنيره
والعقل مني بالآمال معقول
إن الغرام لمن لم يصطبر محن
لكن لذي الصبر منحات وتجميل
وراحة المرء بالصبر الجميل على
أكداره فاجتلاء الصفو مأمول
لكل حال بهذا الدهر منقلب
وعادة الدهر تغيير وتبديل
يرجو البقاء على السراء كل فتى
هيهات ما ذاك للإنسان مبذول
وكم شقا لنعيم قد غدا سببا
ورب بؤس عن النعماء معلول
ذو العقل في معرك الأقدار مقتدر
لكن ذا الجهل مغلوب ومغلول
وعقل ذي الحزم مرآة الأمور بها
يرى الحقائق، والمجهول مجهول
وقيمة المرء علم زانه عمل
وحكمة لا كما قيل المثاقيل
من يطلب العلم لا يهو الثراء فلا
يباع في سوقه إلا الأباطيل
أخو الدراية بالإقلال منتدب
وذو الجهالة بالأموال مرذول
والجهل إن مد بين الناس شوكته
فالعاقل الفرد سيف سله الجيل
شهم، حزوم، لبيب، فاضل، فطن
ندب، أديب، بماء اللطف مجبول
من يلقه يألف البشرى فطلعته
روض بظل الصفا والبشر مطلول
تركب الحسن والحسنى به فسما
فخرا وليس لذا التركيب تحليل
هو الأديب الذي شاعت براعته
فينا فتاهت بذكراه البهاليل
لكل معنى دقيق شعره ملك
عليه من رقة الألفاظ إكليل
ورقة الشعر للحوباء كاس طلا
وللمسامع تهليل وترتيل
فذ بمصر تسامى بالعلوم فيا
سكان مصر على حسادكم صولوا
إذا رأى فهناك الحزم قام وما
لثابت الرأي منه قط تحويل
أبدى التواضع إذ حاز العلا فلكم
له من الناس شكران وتبجيل
بمن تمثل ذا الشخص الفريد أيا
قلبي؟ فقد جمعت فيك التماثيل
يا أيها العلم المهتز جانبه
بالفضل كم لي منك اليوم تخجيل!
بعثت نحوي بضيف المدح وا خجلي
فلا قرى غير قلبي وهو مهزول
لم أدر هل ذاك مدح أم هجا لي إذ
لا أستحق وللأشكال تأويل؟
منظومة منك قد جاءت تتيه على
در تحلت به عذراء عطبول
فقمت أبسط أعذاري لها وأنا
نضو السقام وفيها البرء محمول
ورحت أهديك شكرا قد غدا شغلى
ما صاح فوق رءوس الأيك زغلول
وقال:
يا للصبابة، كل السحر في الكحل
هذا الذي قد رمى «هاروت» بالخجل
هو الهوى فخذوا حذرا فكم مهج
به على مقل سالت من المقل
للأعين السود بيض لا تقل فإن
يضربن قلبا فماذا ضربة البطل؟
ينفثن سحرا على لوح الفؤاد له
طلاسم تنجلي والسر غير جلي
تلك العيون التي ما مل قلب فتى
من وقعها أصبحت تشكو من الملل
ضعيفة الحيل تزري الأسد قوتها
في فتكها الصب أضحى فاقد الحيل
ولا مغازلة الألحاظ ناعسة
ما بت أسهر طول الليل في الغزل
لي في الهوى نفثات لا تزول ولو
زال الهوى حيث لا شيء بلا أجل
ولا يزول سوى الأعراض حادثة
لكنما جوهر الأشياء لم يزل
ذي حكمة الله تحتار العقول بها
كما تحار بأصل الشيء والأزل
خذ العجيبة ما يسمو العقول إذن
ذا الحد يشمل أدنى الشي فانذهل
خذ البعوضة وانقدها عساك ترى
عجائبا لا ترى في خلقة الجمل
واصمت إذا لم تجد رأيا على سند
فالصمت أولى من التبكيت للرجل
وكلما اتجهت آراء معترض
إلى السداد استردتها يد الخطل
الحق حق، فمن يقصد رمايته
بأسهم الزور لا يلقى سوى الفشل
لما رأى الزور هذى الأرض هام بها
كالغمر والزور أن يعشق فلم يحل
قالوا: تمدنت الدنيا؟ فقلت: نعم
توحشت وغدت وحشا بلا مثل
بئس التمدن إن كانت قواعده
تبنى على النار والبتار والأسل
تمدن ما رأينا في حماه سوى
حصد الأمان وزرع الزعر والوجل
هذا الذي اجتلب البلوى وأثبتها
على الملا، وأتى بالبؤس والعلل
لولاه لم يكن الإنسان منحنيا
تحت المصائب نضو الكد والعمل
لولاه ما طمعت نفس ولا طمحت
عين ولا زلقت رجل إلى الزلل
ولا رأيت قلوبا لا تعد غدت
بلا نياط، فقد ذابت على الغلل
قال الكثيرون: هذي هيئة صلحت
فقلت: بل قبحت كفوا عن الجدل
قالوا: ألم تر جيد العقل أصبح ذا
حلي؟ فقلت: وما أحلاه في العطل!
لا يقلق المرء إلا عقله فبه
يبدو له كل أمر غير محتمل
ما أسعد المرء لما كان منعزلا
في البيد يرتع بين السهل والجبل!
ويأكل الصيد والأثمار دانية
والأرض تغذيه بالألبان والعسل
ما كان يودى به هم ولا نكد
ولم يكن قلبه يدري سوى الجذل
كانت شريعته ناموس فطرته
يهدى بها غير هياب ولا وجل
ما كان يخشى أميرا لا ولا ملكا
ولا يهاب صروف الدهر والدول
ولا يبيت طوال الليل مفتكرا
بالنهب والسلب والتدليس والختل
عساه يرضي أخا حكم بلا حكم
أو رب مال رماه الله بالبهل
ويلاه ويلاه من هذا التمدن كم
أردى الفتى، وأعاد العيش في ثقل
فسوف تسترجع الدنيا توحشها
والضد بالضد متبوع على البدل
وسوف يبلغ هذا الحكم غايته
لكنه لم يسر إلا على مهل
أما ترى نملة تسعى على مهل
قد سابقت جحفلا يسعى على عجل؟
وفي الطبيعة ما لم يدره بشر
وبالدراية دعوى الناس لم تزل
من قال: إني لا أدري، فذلك ذو
علم، ومن قال: أدري، فهو منه خلي
وقال:
يا راحلين وفي قلبي لكم نزل
ومعرضين وعنكم ليس لي بدل
غبتم فغاب سروري بعدكم ونأت
عني الأوانس إلا الذكر والأمل
لا شيء والله ينسيني محبتكم
فليس لي غيرها شغل ولا عمل
عودوا فلا عاد لي صبر ولا جلد
على البعاد، وقد أعيتني الحيل
عودتموني على حفظ الوفاء فلم
هذا الجفاء وما في عادكم خلل؟
يا ليت شعري! متى أحظى بقربكم
فتنطفي جمرة في القلب تشتعل؟
وهل تعود لي الدنيا بطلعتكم
فيرتوي الظامئان: القلب والمقل؟
وهل يعود زمان الوصل يجمعنا
فيرجع المؤنسان: الحظ والجذل؟
إني وحق غرامي والجنون به
يمين صدق عليها يشهد الخبل
ماغيرتني الليالي بعد بعدهم
عني ولو غيروا عهدي ولو بدلوا
هم الأحبة لا زال المحب لهم
يجود بالروح إن صدوا وإن وصلوا
ما دك قلبي سوى ذاك الصدود ولا
عار على جبل قد دكه جبل
ماذا يريد فؤادي من أحبته
سوى نزولهم فيه فها نزلوا
توطنوه فلم تبرح شخوصهم
مقيمة فيه إن حلوا وإن رحلوا
فما ذكرتهم إلا ولي كبد
تذوب أو عبرة كالطل تنهمل
يهذ كل عظامي ذكرهم طربا
حتى أميل كأني شارب ثمل
من ذا يبلغهم حالي وما فعلت
بمهجتي البيد والأحداج والإبل؟
كتب العهود ورسل الود قد قطعوا
دعني فلا كتب تجدي ولا رسل
إن الهوى دولة دان الجميع لها
فلا تزول، وكم زالت بها دول!
فمن يجير ومن يحمي المحب إذا
سطت عليه سيوف سلها الكحل؟
صواب الكلام
لئن ضاق صبري في هوى «هند» كالحجل
فقد طاش مثل المرط من حصرها عقلي
رداح كعاب صاغها الله للهوى
كما شاء تمثالا تنزه عن مثل
يذل نبيل القدر عز جمالها
ومقلتها ترمي بأنفذ من نبل
إذا خطرت والخصر يقلق متنها
عجبت لحزن كيف يقلق من سهل؟
أتتني وقد راض الرضا صخر قلبها
تجر ذيول العجب والتيه والدل
ولم يك في الحي الذي ضم شملنا
رقيب سوى المنشور والنرجس الخضل
فعانقتها ضما وهصرا كأنني
أعانق غصن البان فوق نقا رمل
أقبل خديها، وأرشف ريقها
فمن ثغرها خمري، ومن خدها نقلي
وعاذلة قالت: جنيت بلثمها؟
فقلت: نعم، ورد الحيا ساعة الوصل
جنيت لذيذ الوصل حلوا معطرا
لعمري فهل أهفو إلى حنظل العذل؟
ومذ نقلت عيني إلى القلب شكلها
فأدركه فهمي وصدقه عقلي
جرى الدمع برهان الهوى متسلسلا
وقامت ضروب الحب من ذلك الشكل
فما عدل اللاحي الذي قد نعى الهوى
فقد قل بين الناس من سيم بالعدل
أمل يا خلي البال سمعا إلى الملا
فتسمع شكوى الظلم تأتي من الكل
فقد عاش قبح الجهل والزور والغوى
ومات جمال الرشد والحق والفضل
ولم يبق في الدنيا سوى ذي تعصب
يود ضياع الفضل حرصا على الرذل
إذا رمت يوما أن تميت قبيلة
فبث بها روح التعصب والجهل
وهل أبطل الإنصاف واستعبد الورى
سوى الجهل؟ إن الجهل مجلبة البطل
لقد صال سيف الشر والإثم والخنا
على الأرض حتى عومل الشرع بالفعل
وغامت سماء العلم وانكسف الهدى
وما زال حتى اغرورق الناس في الظل
لنا كل يوم بدعة من جهنم
بها جاء شيطان الخديعة والختل
رأتنا العدى كالنحل فاغتلن شهدنا
وليت لنا دون العدى إبر النحل
فما شأننا نحن العراة عن القوى
سوى شأن نمل ما خلا همة النمل
أجارتنا، إنا ضربنا خيامنا
بمطلولة بالويل لا بندى الوبل
فلا تعتبي إلا علينا ولا على
من استاقنا في أخشن السبل كالإبل
يرأس قوم لا رءوس لهم وذا
هو الخارج الجبري من قسمة الأهل
لعمر أبي إن الرئاسة ما لها
عيون، فإن تترك تضل عن السبل
بوق المحبة
هو ذا جمالك فاق كل جمال
فتدللي يا ذات كل دلال
وتلفتي وتخطري يا من لها
جيد الغزال وقامة العسال
يا صورة في الذهن قد طبعت، ويا
نورا على طور الحشا متلالي
لم أدر من أفعال لحظك بي سوى
تمزيق أحشائي بغير نصال
لك أعين قد حيرت عقلي بما
فتكت وما عدت من الأبطال
رتع الصباء بها فأوقع نورها
في مهجتي فارتد يحرق بالي
مقل وقاها الله كم قد أثخنت
كبدي بوقع ظبا ورشق نبال
فكأنها خلقت لتعذيبي بلا
حلم وسفك دمي بدون سؤال
يا نهجة القمر المنير، ومقلة
الظبي الغرير، وغرة لهلال
لك طلعة ما فاجأتني بغتة
إلا وعدت برعدة وخبال
عطفا على سقمي ورفقا بالذي
شن الغرام عليه جيش وبال
ما ملت إلا شمت حسنك ينجلي
لنواظري مترديا بجلال
فجميع أفكاري عليك توصلت
بيد الهوى وتقطعت أوصالي
وكذا إليك جميع أفعالي انتمت
وبنشد حبك قد غدت أقوالي
حتام يلهيك الجمال بعزه
عن ذل صب ذاب في البلبال
طفحت كئوس هواك حتى صرت في
سكري بها مثلا من الأمثال
قلبي لقلبك قد غدا ضدا فذا
يصبو إليك، وذاك غير مبال
ما نابني يا هند منك سوى القلى
ظلما فويحي من حبيب قال
فأود أن يسلوك قلبي حيث لا
يجد السلو به مكان مجال
وكذا أصد الطرف عنك كأنني
سال وقلبي منك في تشعال
لك نظرة ما لاطمتها نظرتي
إلا وترجع لي بكل نكال
وإلي إن ساق الهوى النظرات من
عينيك عارضها فتور دلال
نور بحسنك قد هديت به إلى
حسناك لكن فيه كان ضلالي
يوحي التشوق لي بطيفك خفية
فألذ بالنجوى مع التمثال
ما زال يجذبني لعشقك ناظري
وتصدني عنه يد الأشغال
حتى لزمت العشق في الدنيا وقد
أضربت عن شغلي وعن أعمالي
وغدوت أقطف زهره فيروقني
طربا وغيري هائم في المال
والظبي يرتع في الحدائق بينما
يتمرغ الخنزير في الأوحال
قد طاب لي الغزل الشجي ولم يطب
لو لم يكن معناه عند غزالي
يا فتنة خضعت لها دول النهى
وغزالة صالت على الرئبال
ظن العذول سلوت لا بلغ المنى
فدمي يحبك لا دم العذال
ولكم طرحت على السوى قلبي عسى
يسلو فأخلص من هوى قتال
فيرد مندفعا إليك كأنه
كرة على صخر هوت من عال
أين السلو؟ وكيف يرفع صوته
يوما على صوت الهوى المتعال؟
ما زلت أجني في الخفا ثمر الولا
من غصن قدك ذي الدلال الغالي
حتى ثناك الدهر عني عنوة
نحو السوى وأقال عهد وصالي
يا ظبية كانت تجول مع الظبا
ما بالها تمشي مع الأوعال
أسفا على ذاك الزمان وما حوى
من طيب أيام وصفو ليال
ولى وجرعني أمر كئوسه
وأعادني أبكي على أحوالي
لا عاد لي مما نعمت به سوى
ذكر توطن في فؤادي البالي
ذكر أبى إلا الرسوخ إلى المدى
وأبى القضا إلا فنا آمال
أسفا على ذاك الهنا أسفا على
تلك الغدو البيض والآصال
فكأنما ذا الدهر أقسم وهو لم
يحنث بشر أن يديم قتالي
يا حسرتي! ضاع الزمان ولم أفز
ممن عشقت ولا بطيف خيال
فبأي واسطة أداوي علتي
وجميع أدويتي غدت أدوا لي؟
وبي الهوى أفضى إلى كل البلا
ورمتني الأهواء في الأهوال
فالقلب مل جراحه وبغى الفنا
والروح ترعى الحب دون ملال
لا تهو يا قلبي سوى من دأبه
يرعى ودادك ثابت الأحوال
يكفيك أنك لا ترى بكذا هوى
وجه المزاحم أو يد المحتال
وأذل نذل من يرى قلب الذي
يهواه منقلبا ولم يك سالي
لا عاد لي شيء سوى نفس ترى
إن الفنا خير من الإذلال
والآن قد سلمت كل جوارحي
لمليحة فاقت بحسن خصال
يا طالما أسهرت فيها أعيني
وأنا أمد الفكر للآزال
حيث الدجى يمشي الهوينا موحيا
بالصمت كي يصغي لشجو مقالي
ونجومه ترنو إلي كأنها
تملي علي حوادث الأجيال
يا أعين الفلك العظيم تأملي
كيف الهزبر عنا لعين غزال؟
ما لي أراك سواهرا مثلي؟ فهل
بلغ الغرام إلى الشهاب العالي؟
فالحب محراك الوجود وأصله
وبه الدنا لبست ثياب كمال
وبه تجاذبت الجواهر فانبرت
كونا يدور بعين تلك الحال
وكذاك أجناس الحياة حمت به
أنواعها تحت النظام الآلي
لولا المحبة لم يقم ذو غيرة
أبدا ولم يظهر أخو إفضال
للغيرة الحرى وللفضل انتمى
ينبوع كل عظائم الأفعال
كم من بلاد بالمحبة عمرت
ولكم بها خضعت رءوس جبال!
لو كان في حلب أقل محبة
ما عد ساكنها من الأوغال
كلا، ولا كان الخراب يعمها
والدهر يعدمها من الإقبال
كل البلاد اليوم أملأها السنا
فلم الظلام لذي المدينة مالي؟
ما دام كل يشتهي لقريبه
ضررا فلا تخلو من الإقلال
لا يجهدون بغير ملء جيوبهم
فهم الذين سبوا جيوب المال
تركوا المزابل في الأزقة فاغتذى
منها الهواء فصار ذا إعلال
يضعون فوق رءوسهم أثر الغنى
وتدوس أرجلهم على الصلصال
ويرون خير الغير شرا يقتضي
دفعا لذا أضحوا بلا آمال
فيسوءهم كربا علو دنيهم
ويسرهم طربا دنو العالي
الثناء
رجال الفضل في الدنيا قليل
وأهل الجود دهرهم بخيل
سبرت الناس فاسترجعت لما
رأيت الغدر بينهم يجول
جمال المرء في الدنيا جميل
فيا ويلاه! قد ندر الجميل
وقد كثر القئول وبئس قولا
بلا فعل وقد قل الفعول
إذا لم يستطع ذو القول فعلا
فليس مقاله إلا فضول
أنادي همة فأصيب هما
لعمر أبيك أيهما الدخيل؟
وها إن هم رزق الله يوما
على فعل يتم ولا يقول
كريم من كريم من كريم
فهذا الفخر والكرم الأصيل
ألا يا ابن الأفاضل دم فضيلا
وسد وانعم ففضلك لا يزول
وحز رغم الحسود دوام فخر
كنجم ما له أبدا أفول
أما أنت الذي أرجعت شاني
وكاد يضيعه الغمر الجهول؟
فها أثني عليك مدى حياتي
كما يثني على الشهب الضليل
وإني عن وفائك رب عجز
ولا عجب إذا عجز الكليل
إليك الهمة العلياء تعزى
كما يعزى إلى السيف الصليل
وقد أولاك ربك باع فضل
طويلا دونه قصر الطويل
فعانقت المكارم والعنايا
ورحت لكل قلب تستميل
فعش يا ابن الوكيل لكل راج
وكيل الخير يا نعم الوكيل
وقال:
الطرف والقد: ذا سيف، وذاك أسل
والخال والثغر: ذا مسك، وذاك عسل
والصد والوصل: ذا داء، وذاك دوا
والعذر والعذل: ذا أحيا، وذاك قتل
أفدي بروحي رداحا ذات مائسة
كالغصن تحمل ليلا فرق شمس حمل
ألحظاها أثبتت سحر الصبابة لي
بشاهدين هما غنج حلا وكحل
يا للهوى من لصب صب مدمعه
في حب غانية تسبي النهى بمقل
غزالة لحظها الفتان يغزل لي
ثوب الجوى آه من لحظ غزا وغزل!
أصبو إليها بقلب ذائب قلق
وإن بدت لي أعد من لهفتي بوجل
ناديتها: يا مهاة البان، حسبك ما
قاسيت من ألم قد كل عنه جبل
قالت وأعطافها تهتز عن مرح
ووجهها صبغته أعيني بحجل
إن كنت تعشق حسني يا أخا شغف
فاصبر عليه وإلا لست أنت بطل
أجبتها وضلوعي من لواحظها
تمض رشق نبال ما لهن مثل
هيهات أصبر إذ لم يبق من جسدي
عضو ليحمل صبرا فالغرام شعل
حليت جيدك من دمعي بلؤلئه
وقد كسوتك يوم القرب خير حلل
قد أكثر العاذل اللاحي نصائحه
ولو درى بعض وجدي ما لحا وعذل
ولو رأى آية الحسن التي فتنت
لبي لغادرني في فتنتي ورحل
يا جمرة الخد هلا قبلة لشج
تطفي اللظى باللظى طاب الهوى بقبل
ويا نصال عيون قد فرت كبدي
وأتلفتني ولا عذل لهن نصل
ويا معاطف تذري بالرماح إذا
مالت وكم طعنت من مهجتي بميل؟
ويا ضنا كبدي الجرحى ولا مثل
لجرحها ولها ليت الرضاب دمل
وقلب كل شجي مثخن وله
صبر به كل جرح بالعيون حمل
والحسن غاز ولا عزم يطارده
إذا على قلب صب بالغرام حمل
قافية الميم
قال يرثي المرحوم الشيخ «ناصيف اليازجي»:
عدمنا العنايا مذ هوى علم العلم
ومن أين في الدنيا لنا عدم العدم؟
قضى ومضى من ذكره خالد فلا
زوال لذكر شاع في العرب والعجم
وكيف نصيف العصر مات وفضله
حياة لميت أو شفاء لذي سقم؟
أما تحزن الأيام ويلاه إذ ترى
ضجيع الثرى محيي دياجرها الدهم
فمن بعد هذا الحبر للعلم والحجا
ومن ذا لحل المشكلات وللفهم؟
ومن للمعاني والبلاغة بعده
ومن للذكا والحزم والنثر والنظم؟
على مثله الأقلام تندب حسرة
وتفصح عن خسرانه ألسن البكم
يشق على لبنان والشام فقده
كما شق فقد ابن وحيد على الأم
وفرض على الملكية الندب والبكا
عليه فذا فرد يعز على الجم
ودين على قلب النهى ندب ندبه
وعين الهدى غسل ابن بجدتها الشهم
صبت روحه لله والجسم للثرى
فروح إلى روح وجسم إلى جسم
ولو شاء رب العالمين لما قضى
بموت رجال العلم والفهم والحزم
وما كانت الدنيا لتبقي أخا الحجا
فيمحو دجى بهتانها بسنا العلم
لحا الله دنيانا فما عندها سوى
وبال لذي فضل ووبل لذي لؤم
وما هي للواني سوى جنة الهنا
وماهي للعاني سوى سقر الهم
حياة بها النعماء تستحدث الشقا
بأرض عليها الغنم يقبل بالغم
هو العالم الغرار فاحذر غروره
فما هو إلا مرسح الغش والوهم
تكر المنايا فيه غائرة على
جميع البرايا كالخيول بلا لجم
فكل أديم الأرض من رمم ولا
يروع امرءا وطء على الكبر والعظم
جماد يعير الحي بعض ثرى وإذ
يرى ذا الثرى حيا يتوق إلى الهضم
فكل بني الأحياء ترب ومنهم
رجال النهى والماس من عنصر الفحم
ولولا عموم الناس ضاع خصوصهم
ولولا ظلام الليل ضاع سنا النجم
ولكن نجوم الليل تمحى ولم يزل
على أفقه نجم الورى ثابت الحكم
فإن ضياء العقل لا يمحي وها
ضيا «اليازجي» باق فما ميتة الجرم
هزبر قضى ناديت: والله ما قضى
ألم تنظروا الأشبال تسرح في الأجم؟
نعم، إن هذا الحبر ليث فكم وكم
بحكمته قد صارع الدهر ذا العزم
أقول لمن قاموا بمحمله: أما
تبالون من وضع اليتيمة في رجم؟
قفوا ساعة وابكوه وانعوه والثموا
يديه وداعا فالسها حن للثم
وكادت ربا لبنان كالشحم حسرة
تذوب وموج البحر يجمد كالعظم
على الجوهر الفرد الذي ضمه الثرى
ولم يدر كم كسر أتاح بذا الضم
على الجهبذ الشهم السميذع من غدا
نتيجة هذا العصر والأعصر القدم
على النخوة العظمى على الجهد في الهوى
على الهمة الكبرى على العفو والحلم
لهذا الحكيم الحلم لاق وعفوه
ولا لأناس يحكمون على رغم
فإن يراع العلم أمضى من الظبا
وأحكامه أقوى نفاذا من السهم
فيا كل هذا الشرق نح وابك وانتحب
فأنت خسرت اليوم كنزا بلا كم
فطوبى لربع راح يحضن قبره
وطوبى لهذا القبر فهو أبو الغنم
بماذا أعزي اليوم بيروت بالذي
جرى ومجال القول أضيق من سم
ولكن إذا ما الخطب أشهر سيفه
فهل غير ترس الصبر يصلح للصدم؟
تقوم على الحر الخطوب كأنه
مليك عليها قام يحكم بالظلم
الأسوة
صدقوني كل الأنام سواء
من ملوك إلى رعاة البهائم
كل نفس لها سرور وحزن
وملذات عيشة وألائم
ولكل من هذه الأرض قوت
يستوي في عناه مولى وخادم
وعناء الأفكار أعظم جرما
من عناء الأعضاء والكل لازم
كم أمير في أمره بات يشقى
باله والأسير في الأسر ناعم!
وملوك نفوسهم كامدات
سأما من لميع مجد مداوم
والغني في شقاء بال عديل
لافتقار في غبطة البال قائم
كيف لا يحسد الفقير غني
خائف والفقير في الأمن نائم؟
قاتل الله قسمة هي ضيزى
شرعتها أطماع باغ وظالم
أي فضل على هدير لنمر
فوق أرض للكل منها غنائم؟
وصغير الأكوان مثل كبير
فلهذا وذا مزايا تلائم
هو ذا العنكبوت يفعل ما لا
تقدر الأسد والبزاة الحوائم
وبيوت الزنبور أعجب صنعا
من قصور الإنسان ذات الدعائم
ما اختلاف التركيب والشان إلا
عرض، فالتراب أصل العوالم
ذاك أصل الأصول طرا فكانت
منه في أسوة جميع النواجم
إن دودا في الصخر ينمو ويحيا
مثلنا بيد أنه لا يزاحم
هل وليد حل الثرى غير باك؟
هل فقيد عنه نأى غير باسم؟
يا صغارا يستكبرون اغترارا
بدعاو يمجها كل حازم
أتخموا كبرياءكم فهي خطب
ووبال على الطبيعة صارم
كلكم إخوة وأي كبير
كان منكم فليمس للكل خادم
ليس يجدي الفتى على الغير فضلا
وامتيازا إلا ثلاث لوازم
أدب جامع الشروط، وقلب
مستقيم بر، وفعل المكارم
وقال:
هام قلبي وشب جمر هيامي
وتعالى على الجبال غرامي
واستفز الجمال كل اشتياق
من فؤادي فعاد دمعي هامي
أيها العاشقون، هل من سبيل
فيه ألقى حبيب قلبي أمامي؟
طالما همت والدجى مدلهم
فوق راسي موشح بالغمام
ونجوم الديجور ترمي حرابا
من شعاع تشق بطن الظلام
كلما لاح من ورا الشرق نجم
قابل الغرب وجهه بالسلام
وأنا أغدو بين شرق وغرب
فائض الدمع تائه الأقدام
والهوى بالأشواق يصدع قلبي
والنوى بالأتواق يفني عظامي
إن عيش المحب غير صحيح
فهو ملء الأوهام والأحلام
يا جبين الحبيب إن لحت ليلا
طلع الصبح لاصطباح الأنام
باسطا للقا ذراعيه شوقا
وأنا باسط له آلامي
وحمام الآراك يشدو صباحا
شدو صب يصبو بقلب ظامي
فإلام يا ابن الغصون تناغي؟
وإلى كم تدعو على الأيام؟
يا لحا الله كل يوم فراق
فهو يرمى قلب الفتى بسهام
وا هيامي إلى جمال فتاة
هجرتني والهجر هد قوامي!
قد أذاقت قلبي عذابا أليما
واستشبت مني لظى الأوهام
كلما رمت أن أدير حديثا
نحوها أجفلت بمنع الكلام
ذات جفن إن كان أضحى سقيما
فهو مما جنى على إسقامي
يا حياتي ودون قربك موتي
ومماتي وبالوصال قيامي
لو تذوقين بعض ما ذاق قلبي
كنت طول المدى أراك أمامي
وقال:
على صراط مستو مستقيم
سلكت والناس حيارى تهيم
يضج فوق الأرض سكانها
شبه ذباب فوق شيء وخيم
كذا ترى الدنيا عيون الورى
كما ترى العقرب عين الفطيم
سبحان من أسدى الورى ألفة
يبدو الشقا منها لهم كالنعيم
فما حياة المرء في عمره
إلا نزاع صارم مستديم
يجد في المسعى على قوته
بقوة تنسف طودا جسيم
يعارك الصخر ويبري البرى
ويقطع البحر ويفري الأديم
وكم طوى جوعا فأزرت به
دويبة تنساب بين الهشيم!
كل امرئ حول القضا حائم
مثل فراش حام حول الضريم
والكل يرجو المال مغرى به
ولا ينال المال غير اللئيم
ذو اللؤم إن أحرز مالا غدا
أردى من الشيطان ذاك الرجيم
إن غنى الغبي ذئب ولا
يخطفه إلا هزبر الجحيم
ما أقبح الثروة في زندق
بلى، وما أحسنها في الكريم!
والخمر في كاس الجهول يرى
أقتل من سم بكاس الحكيم
إن العصا في كف خابرها
أقطع من سيف بكف الغشيم
إذا رأيت الوغد يحكم في
أرض فهل تلبث فيها مقيم؟
إن القطا أرشد من بشر
يعنون كالبهم لحكم البهيم
إن بلاد الله واسعة
فاختر لسكناك المحل السليم
والناس إما راشد أو غو
والحكم إما جائر أو حليم
وقوة الجور إذا سلطت
تدعو بديل الذم مدحا ذميم
يا ويلها يا ويلها قوة!
قد دمرت كل بناء قديم
وأفسدت كل صلاح ولم
تترك صحيحا قط غير سقيم
زلزلت الدنيا ولكنما
زلزلة الساعة شيء عظيم
وقال:
لولا الجهالة بين الناس تقسمهم
في الدين والرأي أحزابا من القدم
لما سطت فئة منهم على فئة
ولا انحنوا تحت وقر الأسر كالنعم
وقال:
حداة السرى مهلا فهذي خيامها
وتلك روابيها وذاك غمامها
قفوا ساعة نشتم رائحة الحمى
هنا علقت روحي وطال هيامها
هنا لي من الغادات من لو تبسمت
لدى البرق ليلا لازدهاه ابتسامها
أما تنظرون العيس تعدو كأنها
سكارى فقد طاشت من الشوق هامها؟
إذا كان يلهو بالمطي الهوى فما
يقال على نفس فناها غرامها
هلموا انظروا هذي الربا فجميعها
تروت بدمعي آسها وبشامها
هلموا انظروا هذي القباب فكلها
على مهج العشاق قام دعامها
هلموا هلموا نذكر الفترة التي
بهذي المغاني قد غناني اغتنامها
مضت ومضى طيب الهنا معها ولم
يعد غير أشجان يثور اضطرامها
دعوني هنا أبكي وسيروا فأدمعي
بغير مكان لا يباح انسجامها
دعوني أهم بين الهضاب فأعظمي
يطيب على هذي الصخور التطامها
فهمت على وجهي وقد سارت السرى
وجن الدجى والأرض ضاع زمامها
ولم يبق لي في ذي القفار مؤانس
أناجيه إلا وحشها وهوامها
وما لذ لي مرأى النجوم فنورها
يضاعف أشواقي كذاك انضمامها
فهل ذكرت تلك المنيعة في الخبا
شريدا طحاه البين وهو غلامها؟
وهل علمت «أسماء» وهي عليمة
صبابة نفس قد تسامى مرامها؟
نسيم الصبا، هل قد عثرت برندها
فعطرت؟ أم لي معك آت سلامها؟
تعطرت البيداء منك وقد حلا
نفاحك للنفس النفيس مقامها
حلا لفؤاد أثخنته ظبا النوى
وقامت به البلوى وطال قيامها
تقلبني الدنيا على موقد البلا
ولي همة في الصبر عز انصرامها
وتوتر أقواس الردى لرمايتي
ومن أعين الحساد تبري سهامها
ويجري علي الدهر جيش خطوبه
وما أنا ذا نفس يهون اقتحامها
ومن خبر الدنيا وأدرك سرها
تساوى لديه حربها وسلامها
وقال:
ماست فلا والله ما غصن النقا
بشبيه قامتها، فمن ذا لا يهيم؟
وبدت وقد نشرت غدائر فرعها
فرأيت قرن الشمس في الليل البهيم
وقال إلى أحد أصحابه الكهنة:
سعيت للعلم فكنت العلم
وحيث يهدي العقل يسعى القدم
والعقل محجوب ولكنما
يظهر إعمال قواه القلم
رب امرئ يزري بمن يرتجي
علما وهذا عن قصور الهمم
ومن رأى ما لم يطله ازدرى
به ولكن أن ينله فلم
أفسد بعض الناس أقوالهم
وفي فساد القول لذ الصمم
ما كل ذي علم له عمل
وما لكل الطير صيد الرخم
كل على مقدار طاقته
وأصغر الموجود خير العدم
ذو العقل يقضي الليل ملتمسا
تعليم ذي جهل بكل كرم
يا أيها الحاوي حجا وزكا
أنت محل لجميع الحكم
أتيتنا في كل معرفة
ما خطرت في عرب أو عجم
لا تنكر الأتعاب منك فكم
يشهد ما علمت بين الأمم!
من يجحد الأفضال منك فذا
عن حسد إذ قلبه في ضرم
كم قد بذلت النصح مجتهدا
وناصح الناس نصوح الشيم
خير بكرم الله تزرعه
من يزرع الخيرات يجن النعم
شيدت بالبيعة حصن التقى
من وثبة الأشرار لا يقتحم
إن شمت جهلا بامرئ كنت في
غم، وذو العقل كثير الغمم
يا صاح، إن يسمعك أقواله
أغناك عن عود رخيم النغم
مختتم الآراء آراؤه
وراحة الأذهان بالمختتم
وقال :
لو كنت تدرين ما في القلب من ألم
لما أطلت الجفا يا بانة العلم
مهلا فلم يبق لي صبر ولا جلد
على الصدود الذي فيه بدا سقمي
هواك في القلب نار ضمحلت جسدي
وذكر وصلك أضحى كالندى بفمي
قد شاب رأسي مما ذقت منك ولم
تحل شمس الصبا في دارة الهرم
هلا كفاني ما قاسيت مصطبرا
من الغرام الذي يسطو على الأمم!
فكم دلالك يا ذات النفار سعى
بهد صبري، وعيناك بهدر دمي
عشقت لطفك لا الوجه الجميل وكم
يحلو الجمال على مستظرف الشيم
ليت الذي حال ما بيني وبينك لا
يطيب حالا ويغدو تائه القدم
هيهات ينجو فتى يهوى الكواعب من
سعي الوشاة وهذر العذل والتهم
حسن بقلبي لما لاح مرتسما
دعا عظامي وأحشائي إلى العدم
فإن غدت زفرتي نورا فلا عجب
ورب نور بدا من أعظم الرمم
بشراك يا قلب بالطيف الذي لك قد
بدا وويحك يا طرفي فلم تنم
هيفاء في حبها قد صرت مفتتنا
وقد غدا جسدي لحما على وضم
إذا تبدت بدا ذاك النفار فكم
عيناي في نعم والقلب في نقم
وا حيرتي! بين عيني والفؤاد فذي
ترجو لقاها، وذا إن يلقها يضم
والحسن في وجهها الميمون قد طفحت
أنوار بهجته كالبدر في الظلم
سقى العهاد أديما قد نعمت به
مع الحبيب وعهدا مر كالديم
مضى الوصال ولم يترك سوى أرق
بمقلتي وبأحشائي لظى الضرم
كم وقفة لي على ربع الحبيب دجى
أنوح والناس تقضي لذة الحلم!
والبدر في ظلمات الليل قد نشرت
أنواره كانتشار الشيب في اللحم
فوا بكائي على طيب اللقا وعلى
تلك الليالي التي مرت ولم تدم!
وقال إلى صديق له مباركة بوظيفة ترجمان:
ترجمان الجوى بقلبي هيامي
ودليل الهوى دموعي الهوامي
عبرة العاشقين عبرة من يح
سب أن الغرام سهل القيام
يا عذولي لو كنت تعلم ما بي
بالهوى لم تكن كثير الملام
قد تعرى من التجلد جسمي
وكساه الهوى ثياب السقام
جلد راحل ودمع نزيل
وعيون حرمن طيب المنام
ليس للصب لذة غير مرأى ال
حب فهو المنى وجل المرام
ليت شعري! هل من سبيل إلى من
حبها قد جرى بكل عظامي؟
غادة غادرت فؤادي عليلا
غائب الصبر حاضر الوجد ظامي
قتلتني بصارم جردته
من غمود الجفون عند السلام
غازلتني فأسكرتني بطرف
يصرع الأسد وهي في الآجام
مذ رنت واستهزها التيه را
عتني بطعن القنا ورشق السهام
إن تثنت فبانة أو تجلت
فهي بدر بدا بجنح ظلام
يا لقومي من ذا يجير المعنى
من رداح تفري الحشا بقوام؟
يا حياة الفؤاد بالله رفقا
بفؤاد فنته نار الغرام
كيف حللت يا ضيا العين قتلي؟
إن قتل المحب عين الحرام
الأمان الأمان من فتك هاتيك
العيون التي بها السحر نام!
إن تكوني رضيت موتي أحيا
بوداد الأجل نجل الكرام
الصديق الصدوق ذو الود من قد
شاع فضلا وعزة في الأنام
علم كالشهاب أمسى على الشه
باء تهدى أنواره للشام
يا فريد الصفات تفديك نفسي
وفداء المحب للحب سام
زدت في الود فانتميت إليه
إنما الود خصلة للكرام
ترجمانا بكل حق لقد صر
ت فحزت السنا ونلت التسامي
جعل الله ذا عليك أيا بغ
ية روحي مباركا للدوام
وحماك الرحمن من كل بؤس
ما تمشت في الروض روح الخزام
يوم الوداع
أما لعرى البعاد يرى انفصام
وما لتشتت الشمل التئام؟
متى يجلى ظلام البعد عنا
بنور القرب لا كان الظلام
أرقت الليل يا أحباب شوقا
إليكم والمتيم لا ينام
أبيت ومقلتي تصبو ودمعي
صبيب والفواد به اضطرام
سلوا ريح الصبا عن حال صب
عليل لا يبارحه الغرام
أيا من قد شددتم مذ رحلتم
رحالا فوقها البدر التمام
إذا كنتم بعدتم عن عيوني
ففي قلب المحب لكم مقام
إليكم بالنوى قد ذبت شوقا
وصبري قد قضى لكم الدوام
يخاصمني الهوى فيذيع سري
ويظهر باطن المرء الخصام
بفرقتكم بشاشتي اعتراها
وجوم، واعترى المقل انسجام
رويدك يا زمان البين إني
أخو جلد وللجلد التزام
طوى هذا النوى جلباب صبري
مذ انتشرت على السفح الخيام
وقفت على الحمى والقلب يصلى
غراما كلما يشدو الحمام
أطل على الطلول الدمع حتى
يخيل أن أجفاني غمام
وأرسل ناظري لكل شعب
فتعتجب الجنادل والآكام
هناك على المطي سرت بدور
توارت في سجوف لا ترام
لحا الله البعاد ففيه نومي
نأى وعلا على جسمي السقام
سقى صوب العهاد عهود قوم
لهم مني المودة والذمام
هم الصحب الذين نأوا فحلت
بي الأسقام وارتحل المنام
ولما شيعوا الأحداج شاعت
صباباتي إليهم والهيام
يد البرحاء قد عبثت بقلبي
فمن لأخي شجون يا أنام
على يوم الوداع نفقت صبري
فجاء علي من كل ملام
وحسن الصبر حصن للفتى إذ
غدا لمصائب الدهر ازدحام
وكيف يكون لي جلد وأهلي
نأوا ولبعدهم وهت العظام؟
متى يوم اللقا يروي فؤادا
به من لوعة البرحا أوام؟
عليكم سادتي مني سلام
يفوح بطيب نفحته الخزام
سحاب الفضل منكم راح يهمي
وفضل الغير دونكم جهام
على صفو المودة قد طبعتم
وما لي غير ودكم مرام
ومنكم مسكة النعماء فاحت
بها الخير ابتدى وهي الختام
وقال تاريخا لمولود:
عليك قد أنعم الإله بمو
لود سيربى براحة الكرم
به الأسى عن مؤرخيه مضى
ونعمة الله أشرف النعم
سنة 1859
الحق
إذا هذر الجهول وقال عني
أخو جهل وجدت أخا علوم
ومن يك جاهلا والجهل داء
يظن جهالة قول الفهيم
بهيم يدعي بالعلم وهما
وليس العلم من شيم البهيم
إذا قال الفقير: أنا غني
سألنا عنه أبواب الكريم
أيعجبنا هجوم الكلب يوما
رأينا هجمة الأسد العظيم؟
وهل نصغي لذي حمق وغمر
إذا جلس الحكيم على الأديم
إذا استوت الخصال وذا محال
فما فرق الكريم عن اللئيم
ضحكت وكان ذاك الضحك مني
على الجهال في ثغر الوجوم
وكم باك بلا غم وكم من
ضحوك وهو مجموع الغموم!
إذا لبس الحرير الغمر يوما
تفوق عليه أسمال الحكيم
وما باللبس من شرف ولكن
بحسن العقل والخلق السليم
وقال موشحا:
سبت الألباب أحداق الدمى
وأراقت بظبي السحر دمي
وغزت قلبي في الحب كما
راح يغزو في لظى الحرب كمي
دور
من لصب كلما ناح الحمام
ذاب شوقا وهو بالدمع حميم
عاشق يرعى عهودا وذمام
إن نكث العهد من شأن الذميم
عنده في الحب للحب كلام
عذب يشفى به القلب الكليم
بي غزال فاق حسنا وسما
فغدا للشمس والبدر سمي
نافر بالجيد يلوي كلما
رمت أن أهديه در الكلم
دور
قمر يسفر عن وجه صبيح
كلما لاح بدا نور الصباح
وإذا ما ماس بالقد المليح
أخجل القضب وأودى بالملاح
إن يمل عني غدا جفنى قريح
فلكم أظمأ والريق قراح
سال دمعي في جفاه عندما
ليته يرثي لدمع عندمي
أترى يجهل يوما قد رما
بنبال اللحظ منه قد رمي؟
دور
أهيف كالرمح إذ ما خطرا
عاد قلبي هائما في خطر
أتلف الأحشاء مني وبرى
مهجتي خد عديم الوبر
إن عمري في هواه عبرا
كم رأت عيني به من عبر
لحظه للقلب لما غنما
ساقه للذبح سوق الغنم
إن يكن هجرانه قد ألما
كبدي فالوصل يشفي ألمي
دور
همت وجدا بهوى ظبي ربي
بفؤادي والحشا لا بالربا
خنث في عشقه عقلي سبي
وبقلبي لعبت أيدي سبا
كيف جفني لا يرى كالسحب
وهو أذيال الجفا قد سحبا؟
ذو جمال فاق أقمار السما
وأنا في حبه صرت سمي
وجهه للشمس يرقى سلما
فعليه يا ثريا سلمي
دور
حير الأفكار لما وردا
لابس الحسن كثوب وردا
إن طلبت الوصل منه وعدا
واصطباري قد جفاني وعدا
ليت لي النصح عذولي ما هدى
فضلالي بالهوى عندي هدى
كل من يبغي ملامي ظلما
وهو عن نور الهوى في ظلم
كيف أسلو ذلك الريم فما
بسوى ذكراه يلتذ فمي؟
وقال:
نشرت أطيابكم ريح الخزامى
وانطوت تحت جلابيب النعامى
ونسيم الروض إذ هبت روت
عن معانيكم فكم تشفي السقاما؟
أنتم غاية قصدي والمنى
وبكم ما زلت صبا مستهاما
فأديروا خمرة الوصل عسى
يشتفي قلب عليه الحب داما
سادتي طالت مواعيد اللقا
فإلام أرقب الصبح إلام؟
ليس لي ميل إلى غيركم
فعلام ميلكم عني علام؟
عجبا روض رضاكم ماحل
رغم أجفان له أضحت غماما
غدركم علمني حفظ الوفا
إذ جعلتم يقظة الود مناما
وأنا باق على العهد فيا
ليت قلبي لم يكن يرعى الذماما
كلما رمت سلوا عنكم
غلب الوجد على القلب فهاما
كيف أسلوكم وعقلي تائه
بهواكم والحشا تصلى اضطراما
وعلى ناديكم كم وقفة
لي أنادي الحي إذ باتوا نياما
أسأل الجدران عنكم والثرى
والدجى يحتال أن يصغي الكلاما
كلما أومض من أفق الحمى
بارق قابله الدمع انسجاما
لا يفيد الدمع مقتول الهوى
لا، ولا الزفرة توليه مراما
مقلتي والحسن ضدان فذا
يقتل الصبر وذي تحيي الغراما
واللقا والبين نار وندى
ذاك يشفيني وذي تفني العظاما
أيها الهائم في وادي الهوى
علل النفس ولا تسمع ملاما
انظر الحسن الذي تعشقه
يطرد اللوم ويستبق الهياما
يا بدورا من بروج الحسن إذ
طلعت تسبي بمرآها الأناما
لو علمتم ما بقلبي من جوى
لعحبتم كيف لم ألق الحماما!
فإذا رمتم قتلي فاحفظوا
مهجتي؛ فهي لكم أضحت مقاما
إنني صرت غلاما لكم
فارحموا بالله ذياك الغلاما!
هجركم سهم وقلبي هدف
وهواكم بطل يرمي السهاما
كم وكم مذ غبتم عن نظري
هاجني الشوق فناوحت الحماما!
ولكم ناجتني الأوصاف مذ
نشر الحادي على السفح الخياما
إن أكن زودتكم من جلدي
أفتشفون من الدمع الأواما؟
لا رعى الله أويقات النوى
فهي قد أورثت القلب ضراما
وسقى العارض أياما بها
كنت من حان اللقا أسقى مداما
لا جفاك الغيث يا دار الهنا
كم لنا أينعت بردا وسلاما
طالما بت على بسطك مع
كل ظبي يخجل البدر التماما
لم أزل ألثم بدري في الدجى
بك حتى يكشف الصبح اللثاما
وأرى الشهب توارت في الخبا
جزعا أن ينتضي الفجر الحساما
حيث وجه الجو تنشق له
حجب الليل فيفتر ابتساما
ونسيم الصبح من ذاك الحمى
خطرت حاملة نشر الخزامى
في رياض لطلاها قد حبا
هاطل الطل نثارا ونظاما
يعطف الآس على البان إذا
رنحت ريح الصبا منه القواما
والغدير العذب يجري سلسلا
فيسل الهم منا والسقاما
حبذا وقت الصفا نغنمه
فانهضوا للروض صبحا يا كراما
ها دواعي اللهو تدعوكم إلى
أكؤس حيث انجلت تجلي الظلاما
خندريس تقتل الأتراح إن
قتلت وهي التي تحيي الرماما
فاسقنيها يا نديمي سحرا
بين غدران وغيد وندامى
وأدر كأسي صرفا إنني
أحسب الصهباء بالمزج حراما
وإذا ما شئت أن تمزجها
فاجعل الريق مزاجا وختاما
نسيان الغرام
جاءت تذكرني زمان غرامي
من قد أضعت بحبها أيامي
فرأت فؤادي قد سلاها فانثنت
تدعو على العذال واللوام
بالله لا تدعي على أحد سدى
لكن أميلي الأذن نحو كلامي
لا تحسبي أني صغيت للائم
بل قد سلوتك مذ نقضت ذمامي
إن كنت قابلت الوفاء بذا الجفا
فأنا جفوت صبابتي وهيامي
كم ليلة بهواك بت مراقبا
لمع البروق وأعيني كغمامي
والقلب يخفق ضمن صدري والهوى
يجري كجري الروح بين عظامي
لا بدع إن جذبت عيونك مهجتي
فالجذب بعض خصائص الأجسام
هيهات أرجع للمحبة بعدما
عاملتني بالنكث والإبرام
وإذا ندمت علي ويحك إنني
نظفت أذيالي من الأوخام
عار على مثلي الرجوع إلى الهوى
بعد السلو فذاك فعل لئام
وكيف يقحمني الغرام ودونه
حالت ظبا هممي وسمر خصامي؟
بعدا له ما كان أكثفه على
قلب به لطف الشبيبة نام
لا تسفري ذاك اللثام فتحته
نور الجمال يلوح فوق ظلام
هل تخدعين به الخبير وطرفه
قد صار عنه معرضا متعامي؟
إن تفخري بجمالك الوقتي لي
بسلوه فخر مدى الأيام
وأنا غلامك كنت لكن بعدما
عفت الهوى أصبحت أنت غلامي
أنا لست أهتك حرمة الود التي
ما بيننا أبدا ليوم حمامي
إن بحت بالسر المصون فطالما
أخفيته حتى عن الأوهام
وكمزنة في الصيف ودك إن يكن
فهواك طيف مر في الأحلام
لا عدت أذكر أمر حبك فاعلمي
أن السلو جرى بكل مسامي
أسفي على عام بحبك قد مضى
يا ليته ما كان من أعوامي
لا راحة للمرء إلا أن يكن
خلو الفؤاد عديم كل غرام
يا ليت قلبي لم يهم بمحبة
لكن قضاء الله جاء أمامي
والآن قدرني على دفع الهوى
عني فأشكره على الإنعام
وقال تاريخا ينقش على ضريح أحد الشبان في مدينة القدس قد قتله المكاري بالطريق:
يا زائر القدس، زر قبري مع الأمم
واندب فتى دمه قد حل في الحرم
أنا القتيل الذي في الطرق قد عبثت
أيدي الحداة به إذ خط في القلم
فما يقول الذي أجرى دمي طمعا
لله يوم وقوف الخصم والحكم؟
إن كنت قد نمت في هذا الضريح فعن
عقاب خصمي عين الله لم تنم
يا غصن إن قصفتك الظالمون فقد
غرست في جنة الفردوس فانتعم
يديك لله في التاريخ مد وقل
للرب يصرخ من جوف الرديم دمي
سنة 1860
وقال:
يا قلب حتام تذوب غراما
وإلام تخفق لهفة وهياما؟
عبثت بك الأحداق وهي أليمة
ورمت عليك من الدلال سهاما
قل للتي قد جئتها متصببا:
أين الذمام وما ألفت ذماما؟
فلقد هجرت النور وهو به الهدى
عجبا وعدت تواصلين ظلاما
كيف انثنيت إلى الدني محبة
وتركت أرباب العلا فعلام؟
لا أعتبن عليك بل عتبي على
قلبي الذي بهوى جمالك هاما
أذللت روحي في هواك وما أنا
ممن يذل فقد علوت مقاما
ما كنت عفت الحب لو لم تنكثي
بالعهد قط ولو قضيت غراما
لكن نكثك بالعهود محا الجوى
وغدا لضرب طلا الشجون حساما
الله أكبر فالصبابة محنة
وبها الكرام يصاحبون لئاما
ليت الجمال يقر في العليا فلم
يبلغه إلا من علا وتسامى
يقظة الحب
يقظ الحب في فؤادي وقاما
بعدما أيقظ السلو وناما
والهوى في القلوب يضرمه القر
ب ولكن يخبو إذا البعد داما
فسلوي حكى رمادا على جم
ر أتاه ريح فشب اضطراما
ما ثناني عن حبكم إذ هجرتم
غير نفس بالذل تأبى الغراما
مذ أزدتم صدي تناقص وجدى
إنما بالوصال عاد تماما
خلت ذاك الدلال منكم ملالا
فتركت الهوى وعفت الهياما
وتوهمت أنكم خنتم الود
وذو الحب يألف الأوهاما
أمثل ذاك الإعراض كان سلوي
ووجود الإثنين كان مناما
أيها الصب ويك دع عزة النف
س فإن الهوى يذل الكراما
كم عزيز أذله الحب قهرا
والهوى محنة تصيب الأناما
إن روحي فدى لذات نفار
عشقها غادر العظام رماما
من بنات الشهباء من نسل عرب
ضربت في فلاة قلبي الخياما
يا مهاة الخبا وبدر المغاني
ونسيم الصبا ونشر الخزامى
خلت حر الهوى وحرب التجافي
منك بردا على الحشا وسلاما
كلما حركت يد الدل قدا
لك ذل الفؤاد مني وهاما
حركات بها بدا كل لطف
أخذت بالنهى وليست مداما
ترك الذمام
خنتم العهد ولم ترعوا ذماما
فإلام القلب يرعاكم إلام؟
أسفت نفسي على دهر مضى
بهواكم حيث لم تبلغ مراما
إن غدا الغدر حلالا عندكم
فهو عند الكل قد أضحى حراما
ما عليكم قط مني عتب
بل على قلب بكم ضج وهاما
إنني ملكتكم قلبي فلم
تحرسوا الملك، ولم ترعوا مقاما
كم سهرت الليل أرعى حبكم
ولكم قاسيت وجدا وهياما
ليت ذاك الحب لا كان ويا
ليت حسن الوجه لا يسبي الأناما
كم بدا الحسن على لوم فكم
من كرام يستحبون لئاما
عزة النفس دعت قلبي إلى
ترككم إذ خنتم ذاك الذماما
ففؤادي قد سلاكم وعلى
رغم سلطان الهوى عفت الغراما
كانت النفس لكم عاشقة
حين كنتم عروة تأبى انفصاما
فبمن عوضتموني يا ترى
هل تخذتم عوض النور ظلاما؟
يا ربوعا قد رعى غيري لها
لا سقاك الله من بعدي الغماما
كنت للآساد غابات وها
للكلاب اليوم أصبحت مقاما
لا سقى الوسمي دارا جاورت
بنواحيها لئاما لا كراما
رحلت عنها مطايا السعد مذ
ضربت فيها ذوو النحس الخياما
وقف الحاسد فيها شامتا
إذ رأى الأحياء قد صارت رماما
ليت مبدا الحب لا كان ولا
نظرت عين حسودي ذا الختاما
الوفاء
كفى لحاظك أن تسعى بهدر دمي
وحسب قلبي ما يلقى من الألم
صبرت في الحب حتى لات مصطبري
وكيف يصبر مطروح على الضرم؟
أما وعينيك إن الحب شنشنتي
ألية هي عندي أشرف القسم
بئس الوشاة فإن المين عادتهم
قد اتهموني بأمر ليس من شيمي
شكرا لهجرك إذ ألقى المشيب على
فودي فهذا بياض الوجه في التهم
بالله يا صنم الحسن البديع صلي
صبا بحبك يدعى عابد الصنم
صب برته النوى والدهر حدبه
حتى غدا في الورى كالسيف والقلم
وغادرته بنات الدهر مقرية
روحا بلا بدن لحما على وضم
إليك عني وحوش الخطب ما أنا من
يسد جوعا قد استسمنت ذا ورم!
مهما فتكت فلا ألو الثبات على
مودة الشهم جرجي ثابت القدم
فرع الأكارم غصن بالرياض نشا
أثماره جئن من لطف ومن كرم
زاكي الخصال، عريق الأصل، ذو شيم
بيض تحاكي الدراري في دجى الظلم
له النباهة دانت والنهى خضعت
والفضل منه جرى كالهاطل العرم
راحت به ألسن النعماء منشدة
فعاد أشهر من نار على علم
فاق الغزالة بشرا والسها همما
فجل في الحلتين الحسن والهمم
به اغتنيت عن الأصحاب قاطبة
فهو الوفي حفيظ العهد والذمم
وقال:
تبدت وبدر الليل في أوجه سما
فأبدى لنا وجها محا قمر السما
بديعة حسن كل أطوار وجهها
كئوس بها أروى وفيها أرى الظما
هي الصبح إلا أنني في شعاعها
ضللت وكم نور على الطرف خيما!
نثرت لآلي الدمع حين تبسمت
فيا حسن منثور يضاهي المنظما
وجندي طرف راح يطعن خدها
بحربته حتى أفاض دما وما
لقى القلب مني لوعة لو بثثتها
ثبيرا لأضحى مائدا متهدما
علقت بها غيداء منذ رأيتها
ومن ذا يرى حسنا ولم يك مغرما؟
مهاة بها أسد الشرى همن صبوة
وساهمن طرفا راش بالهدب أسهما
شكوت إليها ما أقاسي من الجفا
فصدت وقالت: راح يشكو التتيما
رويدك بالصب الذي لا يرى له
مراما سوى نجواك يا دمية الدمى
عليك دموعي صرن يا فلك الهوى
نجوما وقلبي لا يزال منجما
الهيام
إلام إلام يصرعني الغرام
ويتلفني التشوق والهيام؟
وحتام الخيال يجوب طرفي
ولا غمض هناك ولا منام؟
رمتني أعيني بهوى عيون
أصابت مهجتي منها سهام
فها دمعي يسيل ولا نكال
وها جسمي يذوب ولا سقام
وها قد طال سكري بالتصابي
فلا أصحو ولو صحت المدام
ولكن لم يعد قلب ليهوى
ولا لتحمل البلوى عظام
ومما ذاق من ألم فوادي
وأشجان لها فيه ازدحام
تشرد خاطري وغوى رشادى
وحرت وصار كالكلم الكلام
فهل ليل يروح ولا اضطراب
وهل صبح يلوح ولا انسجام؟
وصبح ليله أحيا جفوني
بطيف كان يحييه الظلام
أفقت مودعا وسني وقلبي
به من ذلك الطيف اضرام
وأحشائي تذوب وكل عضو
به جرح ولم يرهف حسام
أوام في الجوانح مثل نار
فيا ويلاه! هل يطفى الأوام؟
هرعت إلى الهضاب ولا رفيق
يؤانس وحدتي إلا الغرام
هناك لوحشتي واد أنيس
تظلله الروابي والآكام
تلوح عرائس الأفكار فيه
سوافر لا قناع ولا لثام
ولا تخشى ذبولا من هجير
فمن شجر الأراك لها خيام
هنا دوح تمد شراع ظل
وثيقا ما لعروته انفصام
على جو زها وصفا أثيرا
به الأوهام تسبح لا الهوام
هنا النسرين تحت طرنجبيل
يفوح كذا البنفسج والخزام
زهور فوق ذاك الأفق تحكي
نجوما في السماء لها انتظام
وسلسال يدور به ويجري
على رشد وليس له زمام
حكى حول الكثيب سوار خود
بمعصمها الفخيم له اعتصام
وما أحلى النسيم تهب صبحا
فينتعش المشوق المستهام!
هنا يحيا وينعم كل بال
فلا حزن يليه ولا حمام
هنا وجه الطبيعة في ابتسام
وليس يزول هذا الابتسام
هنا لي في ضحى عشقي مقيل
أحاول فيه أن يخبو الضرام
أقيم به مدى عمري فريدا
إذا ما عز في قومي المقام
وبينا كنت في سكري صريعا
بذا الوادي ولا خمر وجام
شريدا ما لأفكاري قرار
أروم، ولست أدري ما المرام؟
ويكتب في الثرى جفني شجوني
بحبر دمي فيقرؤها الحمام
إذا بنت الصباح بدت وحيت
على الدنيا وحيتها الأنام
فغار النجم وامحت الثريا
وأخفى وجهه البدر التمام
ولاح من الظلام الكون يزهو
كزهر عنه تبتسم الكمام
وراح الظل يهبط في المهاوي
ويستعلي على القمم القمام
عبير فاح قلت: من الموافي
فما هذا بشام أو ثمام
إذا صنم الجمال بدا أمامي
وقال: عليك يا عبدي السلام
فكدت أطير من فرحي شعاعا
وراح من الجوى يجف القوام
وقد أطرقت ذهلا واندهاشا
وزاغ، وزاغ في فمي الكلام
وخلت القلب فر وطار عني
وضاع الحزم وانحل الحزام
مهاة همت وجدا في هواها
وكم هامت على الأهواء هام!
وحين بدا لها ذهلي وبهتي
ولجلجتي ووجدي والهيام
عطت بالجيد وابتسمت بلطف
وكررت السلام كما يرام
وحاولت الجواب فكيف يحلو
جواب من فم فيه فدام
فقالت: هل يروقك بعد وصلي
شرود عن شهودي وانهزام؟
فقلت لها: جدير أن تقولي:
أراقك بعد هجري الالتظام؟
نعم قد راقني بجفاك هتكي
فمنك اليوم قد هتك الذمام
لذلك لذ لي عنك انفرادي
ورب تفرد فيه اغتنام
فقالت لي: متى صدي وهجري
وأين وكيف ذلك يا همام؟
فقلت لها: أنا أعتد هجرا
أقل جفا به قلبي يضام
وأحسب كل لفظ منك يقسو
كلاما في الفؤاد له كلام
ولا عجب فذا مما بصدري
من الوسواس فيك فلا ألام
فقالت: والذي أنشاك صبا
لحكمته على نفسي احتكام
أنا ألقى الذي تلقى ولكن
أرى أن الهزيمة لا ترام
فقمنا في اصطلاح بعد عتب
له في القلب قد فتح الصمام
وسرنا والشجون على التصابي
يعالجها عناق وانضمام
هناك كسرت قوات التجافي
بسيف ليس يعروه انثلام
فسيف العقل في الدنيا لسان
وسيف الجهل وا أسفي حسام!
على أن الفتى بالنطق يحيا
وبالنطق الوفاق أو الخصام
فما وجدت طبيعته سلاحا
سوى العقل الذي فيه السلام
فلا ظفر ولا ناب طويل
ولا قرن ولا سم يسام
وقال راثيا سيادة المرحوم المطران إثناسيوس تتنجي:
ما للدموع من البرية تنسجم
وعلام أضحى كل قلب مضطرم؟
لمن النحيب؟ لم البكاء؟ لم الأسى
بالله أي الفاضلين لقد عدم!
هذا هو الحبر النبيل المتقى
إثناسيوس يا دمع مقلتي انسجم
شهدت على أفضاله أقلامه
بمؤلفات قد حكت أحلى الكلم
فعلى ضريحك سيدي أبكي الدما
إذ إنني لك بالمدامع ملتزم
هذا مراد الله لا دفع له
فالصبر أولى، والقضاء لقد حكم
ما دام كل بداية لنهاية
فنهاية الإنسان أمر قد جزم
هذا حزين ذا طروب ذا له
وجه عبوس ذاك وجه مبتسم
ويلاه من جور الزمان فإنه
يحمي الجهول ويقتل الندب الشهم
فعليك تبكي أعيني وجوانحي
تصلى بجمر في ضلوع قد ضرم
من بعدك الحق امحى والرشد قد
ولى، وناموس العدالة قد هدم
كم كنت أبسم إذ تراك نواظري
والآن وجهي من ضنى حزني يجم
دعني عليك أخا قنوط باكيا
أسفا وكن في حضن ربك مرتحم
وقال يمدح صاحب الجلالة حضرة «فؤاد باشا» ناظر الخارجية حينما كان مدبرا أحوال سوريا في أيام مصائبها سنة 1861:
للدهر أحكام عواقبها حكم
فاخضع لديه خضوع خصم للحكم
وإذا الزمان أتاك بالنقم التي
فيه تجلد فهو يقبل بالنعم
زمن إذا ضرم الوغى بين الورى
يبدي لهم خيرا يجد مع السلم
لا أعجبن لفتنة في الناس بل
عجبي إذا سلمت من الفتن الأمم
من كان مطلعا على التاريخ لم
يعجب إذا ما الشر قام على قدم
هيهات أن يمضي زمان دون أن
يطوي على شر بجبهته ارتسم
كل على الأسواء منطبع فلا
عتب إذا ساء الفتى فله ندم
والمرء يجهد أن يقيم لذنبه
عذرا ولا عذر سوى نقص الشيم
ويح لسوريا بهذا العصر كم
قد شب جمر الخطب فيها واضطرم!
وطئت رءوس الكل أخماص الأسى
وتأججت بقلوبهم نار النقم
هبطت على لبنان صاعقة الردى
وغدا يلاطم سفحه موج الألم
فارتج قطر الشام من زلزاله
وبناء ذياك الجمال قد انهدم
لو كان للأرز القديم فم به
يحكي لجاء بما تشيب به اللمم
شيخ على لبنان قام مصادما
هول الزمان وليس يعطبه الهرم
كم أذنه سمعت عويل نسا وكم
نظرت نواظره على دمن رمم!
صبغت دمشق ذيولها بدم الورى
وجرى به بردى لدى كل النسم
حتى غدا العاصي مطيعا للبكا
بأنينه وقويق جارته الغمم
كانت جبال المجد عالية وقد
دكت، فوا أسفا على ذاك الشمم!
وغدا سرور الناس حزنا هائلا
وثارت النوح العظيم ذوو النعم
وقد اكتسى ثوب المذلة والضنا
من كان مكتسيا بجلباب الكرم
ما جلق إلا كمكة بالتقى
أيحل سفك دم بأبواب الحرم؟!
رعيا لكم يا ساكني حلب فما
زلت بكم قدم ولا خنتم قسم
والجار ملتزم بإخلاص الوفا
ليجر في البلوى فبينهما ذمم
نكث العهود أفاض دمعا دونه
فيض الغمام فكم ترقرق وانسجم!
لم تلق غير مزمل بدمائه
يبكي، وآخر راح يذبح كالغنم
ضرمت بأفئدة الورى نار البلى
فأتى فؤاد العدل يطفي ذا الضرم
حكم إذا ساق الزمان على الورى
جيش المصاب يرده بقوى الحكم
أبدى لإصلاح الرعية جهده
كأب بتربية البنين قد التزم
فعنت لصولته البلاد، وكيف لا
تعنو وقد شهر المهند والقلم؟
والحكم ملح الأرض يصلح ما بها
من فاسد الاخلاق إذ لولاه لم
لولا قدوم جلاله السامي إلى
هذي الديار لعاث بالناس العدم
مذ حل جلق كالشهاب أنارها
وجلا عن الشهباء هاتيك الظلم
فانجاب ديجور الشقاء وكان ذا
كفر وصبح سنا النسيم قد ابتسم
نقل العباد من العناء إلى الهنا
وأعاد شأوهم إلى أعلى القمم
فبكل قلب للمهابة رعدة
تبدو إذا سل الصوارم واحتكم
كتب القضاء على فرند حسامه
لولا مضاء السيف من يرعى الأمم
ولقد حباه الله عقلا نيرا
حارت بجوهره الأعارب والعجم
رجع الوبال إلى الورا نكصا فقد
سدت عليه طرقه تلك الهمم
والدهر أظمأ كل ريان الحشا
فشفى الصدى بنواله الحاكي الديم
نثرت يد البغضاء عقد العهد مذ
وقع القضا لكن بحكمته انتظم
يا ساهر الأغلاس خوف الضيم لا
خوف على من بالفؤاد قد اعتصم
ملك الورى أعطاه تدبير الورى
طرا، فأعطى القوس باريها فنم
وقال يرثي شابا من أصدقائه:
ما للوجوه غوائص وسواهم
ولم العيون شواخص وسواجم؟
ماذا جرى فأخو الفصاحة ساكت
فوق الرغام، وذو البشاشة واجم؟
ما لي أرى هذي النفوس تذوب في
صغر وهن جوامد وعظائم
ما لي أرى وجه الأثير معفرا
والأفق يغشاه العجاج القائم
بدر هوى في الترب وهو مزين
بتمامه وعلى صباه تمائم
بدر تحجب في الخسوف وكان ذا
وجه يضيء به الظلام الفاحم
غصن على دوح الشبيبة كان في
زهو، فجاذبه القضاء الظالم
غصن ولكن بالمحاسن مفرع
أودى به نسر المنون الحائم
ظبي يصيد بطرفه أسد الشرى
فاصطاده أسد الحتوف الهائم
ظبي له الأكباد كانت مرتعا
فقضى ووسده التراب الكاظم
فلتندبن النادبات عليه ما
ناحت على أفنانهن حمائم
أسفا على ذاك الشباب وما حوى
من رقة منها تفوح نسائم
أسفا على ذاك الشباب فقد ثوى
ومشت عليه دبائب وبهائم
يا أعين الغيد التي افتتنت به
نامي، فها تلك العيون نوائم
ولأنت يا خود الخدود تأملي
كيف الخدود خبت وفر اللاثم؟
ولرب موت شط في شيب الفتى
عنه وطورا في الشباب يزاحم
كالدهر فهو لذي الغيور مواصل
ولذي الجهاد مباعد ومصارم
ولذي الصلاح مقاتل ومحارب
ولذي الطلاح مصالح ومسالم
نفس النفيس لدهرها مخطوبة
وصداقها خطب وضيم دائم
ماهذه الدنيا سوى مجموعة
يلهو عليها جاهل أو عالم
دنيا تعلمنا علوما دونها
راحت تحار خلائق وعوالم
ما الموت إلا حاكم إن يحتكم
خضعت لديه غطارف وضياغم
بطل يكر مدى الزمان مغازيا
وله نفوس العالمين غنائم
سحقا لموت في دجاه قد امحى
بدر به كانت تضيء دياجم
أضحى له بين القبور معاهد
ظبي له بين القلوب معالم
لما بكته الثاكلات عوابسا
غنت به الأملاك وهي بواسم
فعلى الثرى حزن عليه وفي السما
تنعد أعياد له ومواسم
وا حسرتاه عليك يا غصن الصبا!
كيف انقصفت وأنت غصن ناعم؟
كيف انكسفت وأنت شمس في الضحى
كيف امحيت وأنت نور باسم؟
أسفا عليك أيا غضيض وحسرة
وعلى صباك الندب أمر لازم
ما طيبت مثواك أرواح الصبا
وبكت على زاكي ثراك غمائم
وقال موزعا الأحرف الهجائية في أوائل كل كلمة من كل بيت بالاستقراء:
إلى الحب أشواقي استطال ازدحامها
أذاب الحشا، أفنى الرقاد اضطرامها
بروحي بقلبي بالحياة بديعة
بها بان بلبالي بمسك بشامها
ترى تدري تعذيبي ترق تعطفا
ترائبها تسبي تسامى تمامها
ثداها ثريف ثؤم ثم ثغرها
ثمن ثناياها ثوي ثمامها
جوى جلدي جزاه جار جفاؤها
جزيلة جور جاد جمرا جهامها
حوت حدقا حامت حديقة حسنها
حشاي حذار حيث حال حسامها
خريدة خدر خصني خوط خصرها
خصيبة خد خادعتني خيمها
دعتني دعوها دار دور دلالها
دمى دعجها درته دام دوامها
ذروها ذروها، ذابلية ذابل
ذمومي ذر ذمي ذواني ذمامها
رجيحة ردف، راق راح رضابها
رقيقة روح راع روحي رعامها
زها زمني، زالت زوابع زيغتي
زواهر زهري زيد زهوا زحامها
سمية سمت سادني سيف سعدها
سناها سبى سري سلاني سلامها
شمائلها شقت شمولا شهودها
شريف شذاه شن شوقي شمامها
صماني صلاني صادني صول صدها
صوارمها صالت صروفي صدامها
ضفائرها ضيعن ضوء ضمائري
ضعينتها ضدي ضناني ضرامها
طوت طاقتي طرا طلائع طرفها
طلاها طريف طاب طعما طرامها
ظلوم ظوامي ظلمها ظلمتهم
ظفائرها ظل ظليل ظلامها
عديمة عيب، عاهدتني عيونها
على عشقها عذراء، علت عظامها
غدائرها غادرنني غير غانم
غرتني غوازيها غواني غمامها
فداها فوادي فهي فيه فريدة
فإن فتكت في فلذتي فمرامها
قلاها قلاني قد قصتني قبابها
قسية قلب قد قلبي قوامها
كثيرة كبر كم كواني كفافها!
كعوب كساني كل كرب كلامها
لماها لذوقي لذ لما لثمته
لعمري لما لاح ليلا لثامها
مدامتها من مقلتيها مدارة
مهاة مخدرة منيع مقامها
نعيمة نار نعم نور نهودها
نقية نحر ند نظمي نظامها
هناك هواها هاجني، هد همتي
هناني هيامي، هل هناها هيامها؟
وحق ولاها والهوى وعيونها
ولوعي ووجدي واجتهادي وشامها
لئن لامني لاح لأقصيه لاعنا
لأني لأعينها لأعشق لا مها
يرنحني يوما يبر يمينها
يتيمني يوما، ينوح يمامها
وقال تاريخا ينقش على ضريح «روفائيل فتح الله كوبا»:
هذا رياض أم سماء أم ثرى
فيه ثوى بدر وغصن أنعم؟
غصن من الشرفاء زاك أصله
بدر بنور كماله يتبسم
ما حل «روفائيل» في هذا الحمى
إلا ليحميه المحل الأعظم
فليرع لحدك خير تاريخ أيا
بدرا قضى فبكت عليه الأنجم
سنة 1871
قافية النون
وقال يمدح غبطة «غوريغوريوس» البطريرك الإسكندري والأورشليمي والأنطاكي وسائر المشرق:
مدح الأفاضل دين كل لسان
من لا يفيه فليس بالإنسان
صرح الفلاح على الفضيل مشيد
فالفضل ركن الخير والعمران
ندر الفضيل، فمن يصادف فاضلا
وجبت عليه قصائد الشكران
حسن الخلائق، قل لكن قد غدا
متكاثرا في السيد المنصان
حبر الكنيسة «غوريغوريوس» الذي
عمت فضائله على البلدان
حبر بهاطل علمه قد أحبرت
أرض الهدى، وغدت كروض جنان
شهدت بحكمته الأنام شهادة
ما حازها قبلا سوى «لقمان»
هو بطريرك الروم فيه قد زهوا
زهو الزهور بعارض هتان
إن قال فالدر الجمان بلفظه
يسمو بسلك نتائج الأذهان
أوعى الحجا في صدره، يا حبذا
بحر تموج فيه بحر ثاني
يسعى ليسدي قومه كل المنا
أكرم به من سيد منان
فرقت به الملكية العليا إلى
أوج العلا وزهت على الأقران
لا ريب فهو لجسم ملته غدا
نفسا تحاكي النفس للأبدان
يبدو تواضعه بقدر سموه
مثل الشهاب يلوح في الغدران
وجب المديح له وكل منشد
لمديحه فلذاك غار لساني
لكنني هيهات أقدر أن أفي
حقا يفوق على قوى إمكاني
كملت خلائقه وطابت عنصرا
فكأنها صيغت من الريحان
وسمت نباهته التي تهدي السنا
ورقت إلى أرقى من الدبران
فذكاؤه السامي وسالم حزمه
طبعا من الأنوار والنيران
حلت دراري الرشد في فلك النهى
منه حلول الشمس في الميزان
فجلى بحكمته دجى غسق الغوى
كالنور يجلو ظلمة الأكوان
أسر القلوب بأسرها فعنت له
بالقوتين: العقل والبرهان
لطفت مكارمه فزان له الملا
إكرامهم في أثقل الأوزان
جل الذي أنشاه من عقل ومن
علم ومن لطف ومن إحسان
لو تعلم الجوزاء شأو مكانه
خرت له طوعا إلى الأذقان
أو لو درت شمس السماء رشاده
قالت: حماه الله من طغيان
آه على تقبيل طاهر ذيله
لأرى شفاي من العضال الجاني
وأروح في فرح بحسن السعد ما
سرت الصبا وتعاقب الملوان
فأدم علي دعاك يا قدس التقى
دامت سنوك لأطول الأزمان
هوى النفس
حدثي يا ورق عن شجني
واشرحي فني على الفنن
وأنشدي ما هب ريح الصبا
نغمة العشق على أذني
غردي ما دمت ظافرة
بأليف عنك لم يبن
واهطلي يا سحب عن غبرتي
كلما جزت على الدمن
دمن بين ربوع عفت
بعد سير العيس بالسكن
بقطين في فراقهم
مفرقي أصبح كالقطن
يا طلولا بعدهم درست
وغدت أنحل من بدني
آه من جور العباد، فذا
محنة من أعظم المحن
زمن قاس أتاح النوى
تلك حقا عادة الزمن
جعل البين بديل اللقا
وسهادي بدل الوسن
ذكر الله الألى بعدهم
مدمعي كالعارض الهتن
آثروا الغربة لكن لهم
في فؤادي سكنة الوطن
أودعوني حين ودعتهم
لوعة أسكنتها سكني
ساء عيشي دونهم فهو في
سقر لو كنت في عدن
ليت شعري! هل تراهم دروا
أنني للعهد لم أخن؟
لست أنسى العهد لا والذي
زين الإنسان بالفطن
آه وا شوقي لبدر وإن
بان عن عيني لم يبن!
ساكن بيت فؤادي وذي
منة من أعظم المنن
ظبي أنس في هواه وهى
عزم صبري وكراي فني
إن قلبي للهوى فرس
شد بالأشواق كالرسن
لبهي كل تبهية
دونه كالشج الوهن
وإذا كان البها حسنا
فالتباهي ليس بالحسن
كم غبي مذ روى ثوبه
عن غنى اتهم بالزكن!
يلبس الديباج فخرا على
جسد أليق للكفن
إن يكن ظاهره ناعما
فهو إفك الباطن الخشن
ندر القلب الذي جل عن
وضر التدليس والدرن
أين من تثمر في قلبه
عظة الحق ولم تشن؟
مثل الكلمة في أحمق
مثل المطروح في السحن
وقال إلى «الخوري أنطونيوس قندلفت» جوابا عن رسالة بعث بها إليه حين قدومه من باريس:
بشراك يا قلبي فقد نلت المنى
بلقا الأحبة، فابتهج فلك الهنا
ولأنت يا عيني، فقري وابشري
فالدهر بالإقبال جاد وأحسنا
والبين بان وعاد عود سروره
فينا بأثمار الصفا متزينا
لله ما أحلى اللقا وأسره
وأمر مقدور الفراق وأحزنا!
لولا النوى ما طاب قلب باللقا
يوما، فلولا الليل ما لمع السنا
لو كان يدري الدهر ما عقبى النوى
لا ريب ما شرع الفراق وما اعتنى
يا أيها الأحباب، إني لم أزل
لكم الوفي وفي ود أزمنا
ما غيرت غير الزمان قلوبنا
يوما، فأنتم أنتم، وأنا أنا
وإذا القلوب تقلبت في البعد ما
كان الوداد بها سوى ظل القنا
ود قديم في فؤاد راسخ
في الحب حين دنا حكى جبلا دنا
والله أقسم والألية حجة
قد كان ذكركم لقلبي ديدنا
فلكم مزجت بأدمعي راح الهوى
في أكؤس الذكرى براحات الضنا
والبين إن يك للجسوم مفرقا
فالذكر للأرواح يجمع بيننا
قسما بحبكم المقيم بأضلعي
وبأضلع قاست لبعدكم العنا
ما مر في قلبي تذكر أنسكم
إلا وهمت وملت سكرا معلنا
كل له عند اللقاء منى وكم
لي في لقا الخوري أنطون منى
شهم على حفظ الشهامة ثابت
وأب يمد إلى البنين الأعينا
متسربل حلل الولا، راعي الوفا
كوفاء دين والثنا يدعو السنا
ولكم له في الأمر نهضة كاسر
تزري بأرباب المروءة والونا
ما غال همته الحمية غائل
فلكم بنى فضلا على هذا البنا!
لما اغتنى بالعقل جاد بحقه
والجود في رب الغنى يحمي الغنى
والشح في طبع الغني مصيبة
تفضي به نحو المذلة والفنا
والناس هم صنفان: ذو عقل وذو
مال، ومال الجهل بئس المقتنى!
يا أيها الخل الذي غنت به
كل الأخلة نعم ذياك الغنا
وكذا به الأسماع قد طربت وقد
أضحت على سمع تدير الألسنا
والأذن توحي للسان فإن يكن
نقصا فقدح، أو كمالا فالثنا
يا كامل الأوصاف، سامي الذات، را
عي الود، محروس الهنا، داني الجنا
أتحفتني بقصيدة لو قستها
بالدر في الأجياد كانت أحسنا
يسطو على الألباب خمر بيانها
فبسرها السحر الحلال تبينا
رقت فكانت كالنسيم إذا سرى
وصفت فكانت كالزلال بها الهنا
ناديت حين جلت لقلبي حسنها
بشراك يا قلبي فقد نلت المنى!
نبوة الماضي
ينبئ ما كان بما سيكون
هذا نبي صادق لا يخون
وما يخال المرء مستبعدا
لا بد أن يجري بمجرى القرون
يهون أن نقول: سوف يرى
لكن حد الوقت ليس يهون
كم قوة خارت! وكم دولة
هارت! وكم شعب طوته المنون!
أين انطوت دولة مصر ترى
أين ثوى أولئك العاهلون؟
وأين أثور وبابلهم
أين هوت أسوار تلك الحصون؟
وأين رومان الحروب مضوا
وأين يونان الحجا محجمون؟
ذي غير الأيام غائرة
وشأنها تبديل كل الشئون
كم رفعت سهلا، وكم خفضت
حزنا وكم سدت وأسدت عيون!
ما خط أشكال الأراضي سوى
تقلبات أحدثتها السنون
فسوف تفنى كل مملكة
وسوف يبلي الدهر كل المتون
وسوف يخفى كل حي، ومن
آثاره تظهر غير عيون
طوفان ماء كان قدما كذا
طوفان نار بعد سوف يكون
فكم جرى هذا القضا وله
في الأرض آثار تراها العيون؟
فكيف قد شاد الورى مدنا
على اضطرام الأرض ضمن البطون؟
قد كردسوا الصخر على هامهم
وأصبحوا تحت القضا يرقدون
تمدن الإنسان، يا ويله!
تمدنا ما هو إلا جنون
قد جلب البلوى على نفسه
بألفة قد أورثته الشجون
ذي ألفة ساقته قهرا لأن
يصاحب الدهر العدو الخئون
فكم بها حر لعبد عنا
وكم غدا عال أسيرا بدون!
أما ترى ألوف هذا الملا
أسرى لأفراد بها يفتكون
قد ظلموا واستكبروا وبغوا
وقد أتوا من شرهم بفنون
وعظموا ألقاب أنفسهم
ليكبروا بها وهم صاغرون
لا علم لي كيف الورى عبدوا
بغاتهم؟ فذاك سر مصون
قد سلبوا أموالهم وغدوا
منها على لذاتهم ينفقون
ساقوهم سوق النعاج إلى
مجزرة الغش ولا يشفقون
قد غفلوا عن كل صالحة
لكن عن الفحشاء لا يغفلون
فسوف يمحو الدهر دولتهم
وسوف يطوون ولا ينشرون
وتقطع الأقدار دابرهم
فهذه غاية من يظلمون
فالناس عن أطوارهم نوم
يا ويلهم إن نهض النائمون
فأي قوم أمطروا ظلمهم
ولم يصبهم من قصاص هتون!
لا عتب على غبي بغى
لكن على قوم له يسعدون
كم فاسق مرتكب هام في
إطرائه الراوون والكاتبون!
يدعون سفاك الدما بطلا
والجائر القاسي رءوفا حنون
قوم يبيعون اللها باللها
وغير خسر الصيت لا يربحون
هم يقتلون الحق وا أسفي
فسوف يبكون الذي يقتلون
قد لبسوا ثوب النفاق لكي
يخادعوا الله، وما يخدعون
ومزقوا العدل، وخانوا التقى
ليحسنوا في عين وال خئون
يعزهم شخص وتزري بهم
أمتهم، فليتهم يعلمون
سوف يقوم الحق من قبره
وتهتك الضوضاء ستر السكون
ويفتح الناموس دفتره
فكم له على الأنام ديون!
ما كان ليل قط إلا له
صبح فما قد كان سوف يكون
وقال:
يا قدودا إذا انثنت فتنتنا
وعيونا إذا رنت قتلتنا
وثغورا تهدي فرائد در
ووجوها بالحسن قد سلبتنا
دأبنا نعشق الجمال ونهوى
كل قد يسبي القنا أن تثنى
ومهاة تدير من مقلتيها
أكؤسا، طالما بها أسكرتنا
تخجل الغصن في النقا بقوام
وبجيد تزري الغزال الأغنا
آية الحسن وجهها فإذا لا
ح تقول العشاق: قد آمنا
هي نور بمقلتي، ونار
بفؤادي، وذاك حسا ومعنى
ذات خد يفني القلوب وود
ليس يفنى، فذات حسن وحسنى
سبت القلب بالتجني وما أحلى
الحبيب الذي علي تجنى!
وأحلت بالهجر قتلي فمن ذا
يا خليلي يعين هذا المعنى؟
عذبت بالدلال قلبي ظلما
وهو في ذلك العذاب تهنا
كلما هز غصن قامتها الإد
لال حام الصبا عليه وغنى
ما أدار الشباب أحدقها إلا
وسهم منهن في القلب رنا
كيف يسلو تلك المحاسن صب
سحرته سود العيون فجنا؟
وإذا رمت أن أمل هواها
ضج قلبي، وقال: كيف وأنى؟
ومحال أني أروم سلوا
عن كعوب تشاكل البدر حسنا
أبعدتني فكيف أهنا بعيش؟
وجفتني فكيف أغمض جفنا؟
وأذاقت قلبي بذاك النوى كل
ل عذاب، فهل كمثلي مضنى؟
والهوى كالزمان ما أطعم المرء
سرورا إلا ويسقيه حزنا
جدت بالدمع للزمان عساه
بلذيذ اللقا يجود فضنا
وقال:
يا قامة الغصن، بل يا ظبية البان
هذا الجمال بذاك الحب أغراني
وكيف لا وهو من شمس ومن قمر
ومن زهور ومن در ومرجان؟
ما بين مقلتك الكحلا وثغرك قد
سعى فؤادي من حان إلى حان
يا لذة السكر من حسن الحسان، ويا
شقاء من بات منه غير سكران
يا ما يعاني فؤادي في محبة من
يبيت بدر السما في حبها عاني
غزالة لو رأتها الشمس ما طلعت
إلا مطأطئة في وجه خجلان
يا ليت شعري! متى تجفو الوشاة كما
جفوت كل عذول جاء يلحاني؟
كم أفسد الحب من واش أخي حسد
وراح ينسب مسعاه لشيطان!
حتام ننسب للجني منكرنا
وليس للجن دخل عند إنسان؟
نحن الذين ابتدعنا كل معصية
نعوذ بالله منا لا من الجان
يقول جابي الخطا: «إبليس» وسوس لي
وما الموسوس إلا قلبه الجاني
كل الخلائق في الإنسان ناقصة
إلا الردى، فهو نام دون نقصان
وقال:
أي قلب على الصبابة ساكن
مثل قلبي، وفي المحبة راكن
لي فؤاد على الغرام مقيم
بين دمع واف، وصبر خائن
ما احتيالي وقد زوى غصن صبري
وشجوني شواجر كالشواجن؟
آه لو كان من أحب عليما
بتلافي على هواه ولكن
أيها العاذلون طيروا شعاعا
ليس في القلب للسلو مواطن
عددوا عددوا عيوب حبيبي
فلعيني جميعهن محاسن
غير سحر العيون لا عيب فيه
آه من أعين تصيب المعاين
كلما لاح ناظرا قلت: هذا
ملك ناظر بمقلة شادن
طاعن القلب رق وارحم محبا
لقلوب العذال دونك طاعن
وترفق بمغرم ليس يشكو
ظاهرا وهو ذائب الروح باطن
كل نار سوى زفيري تخبو
كل ماء سوى دموعي آسن
طال أمري في حب ذات نفار
ما لها في سوى فؤادي مساكن
قلبها معدن القساء وقلبي
معدن الحب، وهو خير المعادن
قلب سلمى رحى ودمعي قناة
وغرامي للنوم والصبر طاحن
ظبية الأنس، ما لحسنك ند
أو قرين، وما لحبي مقارن
أي غصن يجر دعصا وتبدي
قمرا غير ذا القوام الفاتن؟
فأميليه نحو صدري، أميلي
واغرسيه في القلب لا في الجنائن
وقال:
كهرباء الفتور بالأجفان
جذبتني إلى الهوى والهوان
وبروق الثغور ما أومضت إلا
وفي القلب رعدة الخفقان
يا كعوبا ترنو غزالا وتبدو
قمرا إذ تميس كالأغصان
لا تطيلي هز القوام المفدى
ليس لي طاقة على ذا الطعان
قتلتني العيون منك فبالله
ارحمي ميت طرفك الفتان
عذبي القلب ما استطعت فإني
لست أرجو منك سوى الرضوان
قد جرى حب ذي المحاسن في
أحشاي مجرى الأرواح في الأبدان
ليس في العاشقين مثلي صبور
إنما في هواك صبري فان
يا لقومي! ما القول ما الرأي في صب
سبته صوارم الأجفان؟
علمته العيون عربدة حتى
غدا مثل شارب نشوان
يا حياتي، رويدك الله ما هذا
الدلال الذي أذاب جناني
قد كساك الجمال حلة تيه
وكسا القلب حلة الأشجان
وأنا لم أرم سوى خلطة الأر
واح حبا لا خلطة الأبدان
نحن خطان في الموازاة لا
يلتقيان وليس يبتعدان
وقال:
مليحة الوجه زارت في الدجى وبدت
فشمت شمسا بديجور على بان
رأت عقيق دموعي سال فابتسمت
فأظهرت لؤلؤا ما بين مرجان
وقال:
يا طلعة البدر المنير، ترفقي
بفؤاد صب ذاب بالهجران
إن ترتضي موتي أسى بصبابتي
فأنا الفداء لذلك الرضوان
وقال يمدح الشيخ «عبد القادر سلطان» مفتي مدينة حلب سابقا رحمه الله:
سل عن فؤادي موقد النيران
واسأل نجوم الليل عن أجفاني
وانظر تشم نار القرى بجوانحي
عبثت وحب النوم قد أجفاني
في حب من إن أسفرت خرت لها
الأقمار من خجل إلى الأذقان
هيفاء إن ماست فما غصن النقا
وإذا رنت ما أعين الغزلان؟
غزت الفؤاد بقدها وبطرفها
هذا لها رمح وذاك يماني
لما أمال قضيب قامتها الهوى
خفقت عليه جناح طير جناني
جيش الهوى بسيوف مقلتها أتى
نحوي فشتت جيش صبري الفاني
ولقد أرتني مذ بدت وتمايلت
مرأى البدور وميلة الأغصان
الصبح والديجور تحت قناعها اج
تمعا، وهل هذان يجتمعان؟
لاحت عقود الحسن من ثغر لها
فعقودها ومدامعي سيان
لما تجلت شمس طلعتها انجلت
عنا ليالي الغم والأحزان
لعب الغرام بعطفها لما انثنت
لعب ابنة العنقود بالنشوان
لما أتت والبرق يومض من مبا
سمها أزادت بالهوى أشجاني
فجنيت من وجناتها ورد الجما
ل، ونرجسا من لحظها الفتان
قد أثمرت ليلا وصبحا بانة
من فضة تعلو كثيب جمان
سود العيون حمت ببيض نقطة
خضراء تزهو فوق خد قان
ما روضة نظم الربيع لجيدها
عقدا من النوار والريحان
وتسربلت حللا حلت من سندس
وتزينت بشقائق النعمان
والورد توجه النسيم من الندى
وقت الصباح بأفخر التيجان
وتصافحت أيدي الغصون بأيكها
طربا، وغنى الطير بالألحان
يوما بأجمل من جمال خدودها
لما غدت بالورد خير جنان
خود ينال الغصن من أعطافها
لينا وتلفت لفتة الغزلان
قالت: أقدي قد سباك بميله
يا أيها العاني؟ فقلت: سباني
قالت: عمدت على مماتك يا فتى
فاخضع لدلي، واحتمل هجراني
فأجبت: لا أخشى ولي غوثا غدا
مولاك عبد القادر السلطان
العالم العلم الأغر الفاضل الن
ندب الأبر، الكامل الإحسان
ذو فطنة أضحت بأجسام النهى
روحا وشمسا في سما الأذهان
ذهب المعاني من معادن فكره
أضحى برأس الشعر تاج بيان
بحر العلوم به بدا موج الذكا
بدر الكرام، وكوكب الأقران
يا صاح، إن تسمع بذكر حديثه
أغناك عن مغنى يضم مثاني
لولا مصابيح الهدى منه محت
غسق الضلال ضللت بالطغيان
منه البلاغة لا يرام سموها
وفصاحة فاقت على حسان
مصدام فرسان الطروس يراعه
كم سل عند الكر بيض معان!
علم قد استغنى عن التعريف لا
يحتاج للتبيان والبرهان
قد أخجل الجوزاء في سبل الهدى
والضد ضاهى مشية السرطان
أفعاله الغراء قد سلمت عن ال
إعلال، بل صحت من النقصان
يختال في ثوب الطهارة والتقى
ويجر ذيل الدين والإيمان
لا عيب فيه غير أن لسانه
أضحى قياس نتائج الأذهان
ما كنت ممن قال شعرا في الورى
لولا القيام بمدحه المنصان
إن عشت كان وجوده لي نعمة
وإذا قضيت فجوده أكفاني
حزت السنا والفخر يوم قدومه
وغدا مكاني فيه خير مكان
وخدمت عزته بأنشط همة
ومن السعادة خدمة السلطان
يا من بأفق الفقه أمسى نجمة
غراء تجلو ظلمة الهذيان
خذها إليك رقيقة لا تنثني
عن مدحك الزاهي مدى الدوران
واسبل ستار الحلم فوق عيوبها
وانعم لها مولاي بالرضوان
وقال:
لما أتت ذات الملاحة والسنا
تزري بهز قوامها سمر القنا
عاتبتها، فجنيت من وجناتها
ورد الحياء، فطاب لي هذا الجنا
قالت وقد لعب الدلال بخصرها:
يهنيك؟ قلت: بما فتكت لك الهنا
در بثغرك قد حكته مدامعي
فكلاهما عقد المحبة بيننا
يا طرفها الرامي سهاما في الحشا
رفقا، فلي كبد سرى فيها الضنا
دع عنك عذلي يا عذولي واتئد
فالقلب غير هوى المليحة ما اقتنى
خود تريك بفرعها وبجيدها
وبعطفها وبردفها العالي البنا
ليلا على صبح على غصن على
موج ترى حركاته لن تسكنا
قد وطرف فيهما سلب النهى
فإذا انثنى هذا وذاك إذا رنا
روض المحاسن وجهها الباهي وكم
راعي المحبة فيه يرعى الأعينا
ظن العذول بأنني أسلو الهوى
وإلى السلو القلب مني ما انثنى
ما أكثر العذال يالله في
حب الملاح وما أقل المذعنا!
لما أتى قلبي الغرام وجيشه
فرآه حصنا ثابتا فتحصنا
المشتري
وجه سعدى البادي على النهدين
قمر ينجلي على كوكبين
غادة إن بدت بدا الليل والصبح
على خوط بانة عاكفين
ذات ثغر كلؤلؤ وشفات
كعقيق ووجنة كلجين
شأنها تصحب النفار عن الصب
وتلوي بالجيد والمعطفين
إن تبدت فالبدر، أو لفتت فالظ
ظبي، أو أقبلت فقد ردين
لعياني إن تبدهمت كذا لل
قلب وا فتنتي من الطرفين
طال شوقي إلى بديع محيا
ها الذي راح يخجل النيرين
بهواها قد ذاب قلبي وروحي
تلفت وانثنيت أرقب حينى
منيتى إن أكن بعينك مقتو
لا، فروحي فدى لتلك العين
إن تضيعي عهدي وودي فلم أبر
ح إلى الموت حافظ الاثنين
وإذا ما طلبت روحي فلم أق
بض يدي يا كحيلة المقلتين
إن دأبي بذل النفائس بالحب
ب وخلق الكريم بسط اليدين
لست ممن يشكو بحبك ذلا
فالهوى والهوان ديني وديني
كل شيء يحلو لدي من الحسنا
ء غير القلى وطول البين
ساقني للهوى شبابي فما با
لك يا شيب تالف الفودين
يا مهاة تقصى وتدنو انعطافا
ونفارا والحب بالأمرين
بمحياك ذي البها كم بدا من
عجيب ينجلي لذي العينين؟
لم تغب شمس ذا الجمال فإني
شفق قد بدا على الوجنتين
أنت والله فتنة العقل والقل
ب كذا أنت فتنة القمرين
وأنا ذلك المحب الذي أض
حى عديم المثال في كل أين
كم من الشوق والصدود فؤادي
ذو التصابي يبيت في لوعتين
لي عين تظل جنح الدياجي
ترقب المشتري فيا سعد عيني
كوكب قد غدت أشعته أخ
بار صدق ما شانها من مين
وعلى محور البشائر قد دا
ر عمودا فصار في فصلين
فمن الغرب قد بدا وللقيا
ه غدا الشرق باسط الراحتين
يرشد الناس للتمدن والته
ذيب فهو الآتي من النوعين
فيه شمل الأخبار يحكي الثريا
فإليه يشار بالكفين
منه تجري عين الهدى للبرايا
وجميع الهنا لنا بالعين
الهداية
ليس الرقاد لذي الصبابة بالحسن
فامسح بأذيال الهوى كحل الوسن
وإذا المحبة واصلت قلب امرئ
سرا فطيب النوم يهجره علن
يا من بحسن الغيد مفتتنا غدا
صبرا فلست اليوم وحدك مفتتن
ولكم فتى رشقته ألحاظ المها
بنبالهن وغادرته أخا شجن
يا أيها العشاق أنتم كلكم
قوم لهم جلد على حمل المحن
كم تسفحون مدامعا لو أنها
درر لكان الدر صار بلا ثمن
لا تحسبوا أني عديم صبابة
فأنا وايم الله صب ممتحن
أفدي كواعب غانيات في الحشا
شيدن مغنى حبهن به سكن
من كل ذات ملاحة تنساب في
مرح الشبيبة للدلال غدت وطن
يبسمن عن درر الطلا ويمسن عن
قضب النقا ويلحن عن قمر الدجن
حمر الخدود سلبنني سمر اللمى
سود العيون قتلنني بيض البدن
ولرب خود قد سباني جفنها
لما رنت وبه الفتور قد اقترن
هي في الحسان بديعة تختال في
حلل الحيا للطف قد أضحت سكن
يتألق البرق السني إذا بدت
وإذا انثنت من يحمل الخطي من؟
وا حيرتي من خصرها وفؤادها!
ذا كاد أن يجري وذلك ما مرن
ما هز ذاك العجب رمح قوامها
إلا وللأحشاء مني قد طعن
رمت الفؤاد بنبل طرف أدعج
عن قوس حاجبها الذي في القلب رن
إن أسفرت سجد الهلال لها وإن
نظرت عنا للحاظها الظبي الأغن
والحسن ينصب في الوجوه شراكه
فيصيد أحشاء الفتى أنى اطمأن
وحواسد يسعون جهلا بالنوى
والسعي دون العقل يذهب كالدخن
ويح لكم يا أيها الواشون هل
تثنون عني ذات حسن لم يشن
إن لم أكن أنا ذلك الصب الذي
بذل النهى والروح للحسنا فمن؟
لو جاءني غيلان مية حائرا
لاغتال مني بالمحبة كل فن
كم بات يقطع سطح دائرة السما
طرفي وفي قلبي التشوق مرتهن
بي من أتتني والظلام مبرقع
عين الرقيب فكم حبتني من منن
لما رأت أني أمين واصلت
ما فاز بالأوطار غير المؤتمن
نضت الإزار عن النهود وقد بدت
فنظرت ما عقلي بمنظره افتتن
كرتا لجين في سما عاج نق
يغشاهما نور من الوجه الحسن
ما زلت أسكرها بأشعار الهوى
مني، وتسكرني بطرف ذي فنن
حتى طوى الديجور رايته وقد
برد الحلى والطير صاح على الفنن
كم قد أبحت لها بسري في الهوى
لتكون عالمة بما في استكن
لا أكتمن عن الحبيب سرائري
سر الفتى عن قلبه لا يكتمن
يا طيب وقت قد مضى فلكم بدا
لي منه ما يجلي المصائب والشجن
زمن شربت به سلاف الوصل من
بدر فوا أسفي على ذاك الزمن!
ما كنت أفطن أن دهري كامن
لي بالأسى والمرء يهدى بالفطن
وإذا الكمي أصاب نصرا في الوغى
فليأخذن الحذر ممن قد كمن
ذو الباس يأخذ بالصوارم والقنا
وأخو الجبانة بالخديعة والخون
لو دام فكر المرء بالمحن التي
في الدهر كان زمان راحته محن
والدهر يفتك بالرجال وطالما
قد أبدل الأفراح منهم بالحزن
والمرء لا يحميه من قدر حمى
والصقر يقتنص الفراخ من الوكن
لا خير في رجل يعادي قومه
أبدا ولو في ذروة العليا قطن
وإذا المليك أراد يحسن ملكه
فليسع في خير الشعوب ير الحسن
والجند لم تنشط بلا قوادها
لولا وجود الراس ما نفع البدن
وتزاحم الآراء يستبقي الخطا
يكفي لإظهار الصواب أخو الزكن
يا صاح لا تركن لكل مخبر
فاليوم صار الصدق ميتا في كفن
وإذا سألت فتى فكن مستفهما
لا تمتحن إن كنت لست بممتحن
إن حدثوك بما يفيد اسمع وإن
كان الحديث سدى فلا تسمع تصن
واحفظ لسانك من وقوع في خطا
فلسان كل في الأنام له رسن
إني أرى الشعراء في ذا الجيل قد
كثروا، ولكن قل ذو الشعر الحسن
والشعر ما طربت به الألباب لا
لفظ على مجرى التفاعيل اتزن
ودليل عقل المرء كلمته كما
أضحى دليل مزاجه بلدا قطن
والحمد لله العظيم بأنني
حلبي أصل لي بأحسنها سكن
وطني هي الشهبا وفيها مولدي
والمرء منطبع على حب الوطن
أضحى عبير الأنس في أرجائها
متأرجا وبها السعادة والغدن
فيها الأهالي قد رأت كل الهنا
وكذا بها الغرباء صادفت المنن
صحت عناصرها وعل نسيمها
وافتر ثغر هوائها فبكى الجنن
ترعى الإخاء رجالها ونساؤها
أبصارهن إلى الخنا لا تطمحن
فسقى هزيم الودق خصب ثراك يا
حلبا، وصان الله هاتيك الدمن
اللقا
جاد الزمان بهم وكان ضنينا
فنأى العنا عنا إلى الواشينا
والقرب مذ قتل النوى بظبا اللقا
حزنت حواسدنا ونحن هنينا
يا أيها الأحباب ها أرواحنا
فخذوا ولكن وصلكم فهبونا
أنتم نعمتم بالجمال وإنما
في حبه نحن الذين شقينا
عودوا المنازل يا نزولا في الحشا
فالعود أحمد واللقا يشفينا
لا بأس إن قصر الدجى بوصالكم
فطويل ليل شعوركم يغنينا
لم ندر ما طيب المسرة والهنا
إن لم نكن بالوصل مسرورينا
فتن النهى منا جمالكم الذي
أمسى به قمر السما مفتونا
والحسن كم تسبى العقول به وكم
قلب غدا بيد الغرام رهينا!
إني غدوت أليف كل محبة
أهوى طلا ومباسما وعيونا
بأبي وبي هيفاء هزت قامة
كالرمح صار بها الفؤاد طعينا
نور الوضاءة لاح بين نهودها
وغدا البها بجبينها مقرونا
بيضاء يفتننا احمرار خدودها
وسواد مقلتها غدا يسبينا
والنور يظهر أبيضا وهو الذي
يهدي لنا الألوان والتلوينا
قابلتها فتبرقعت وجناتها
بسنا الحيا ولوت معاطف لينا
لما أمالت وجهها خجلا حكت
قمرا يلوح بليلة العشرينا
كم قد قتلت أيا مهاة الحي من
حي وكم بك قد أهجت شجونا!
ثبتت بحبك سكرتي فتلجلجي
باد وطرفك يسكر الزرجونا
والشيء يثبته لنا معلوله
حينا وعلته تثبت حينا
شقيقة النسيم
إذا ما الصادح الدوحي غنى
أهاج الوجد في قلب المعنى
وإن خطرت نسيم الحي صبحا
ذكرت من الأحبة كل معنى
فمهلا يا حمام الدوح، مهلا
فقد هيجت بي شجنا وحزنا
ويا نسمات ذاك الروض مري
علي، فأنت للعشاق حسنى
أنا الصب العليل وأنت مثلي
فلم يبق سوى الأرواح منا
ولكن بيننا فرق عظيم
وهذا الفرق لي أشقى وأضنا
أنا أقضي الدجى سهرا ونوحا
وأنت تقبلين فما ووجنا
أبات الليل والظلماء تحكي
رقيبا قد صغى وأمال أذنا
فطار على جناح الشوق نومي
وأحرمني طروق الطيف وهنا
إذا لمعت بروق الحي أجرت
جفوني من غزير الدمع مزنا
غرام قد أذاب الروح وجدا
وأسكرني وما دانيت دنا
وشوق قد أعاد القلب مني
صريعا نادبا طللا ومعنى
تمنيت اللقا فأصبت بينا
وما كل سيبلغ ما تمنى
فهمت إلى الفلا وجننت عشقا
كأني في زماني قيس لبنى
وتهت بكل نجم إن تبدى
وهمت بكل غصن إن تثنى
ولم أنظر ظباء القفر إلا
وأذكر ذلك الظبي الأغنا
على قلبي أثار الحب حربا
فأتلفه، فيا قلبي تهنا
فؤادي لا تضق بالحب ذرعا
وذر عنك التضجر يا معنى
تأن وكن على البلوى صبورا
فقد يجد الأماني من تأنى
رياح العشق بين الناس تجري
على أعلى وأوسط ثم أدنى
وبي أفدي مهاة ذات وجه
له نور من الأقمار أسمى
كأن عيونها من كهرباء
جذبن أخا الغرام وما دفعنا
تجنت بالدلال على فؤادي
وما أحلى الحبيب إذا تجنى
رداح إن بدت ورنت وماست
حكت قمرا وهنديا وغصنا
فإن هزت معاطفها دلالا
أذاقت مهجتي وخزا وطعنا
وإن نظرت إلي إخال سهما
من الأحداق في الأحشاء رنا
تزاحمت القلوب على هواها
ولكن غير قلبي ليس يهنا
فلا أبغي سواها وهي تأبى
سواي فبالدماء قد اتفقنا
فنيت بها هوى وعلى نظيري
لقد وجب التأسف حين يفنى
أتت لترى الذي فعل الهوى بي
وقد سحبت من الإعجاب ردنا
فلم تنظر سوى شبح ضئيل
غدا بيد الجوى والوجد رهنا
ومذ نظرت ضناي بكت حنوا
وقالت: ويح مثل صباك يضنى
وقد وضعت على صدري يديها
فظنت أن قلبي فيه جنا
رويدك لم يجن القلب لكن
رآك فضج عن طرب وغنى
بعيشك يا مهاة البان عودي
مريض هوى بغيرك ما تعنى
يراعي كل نجم لاح ليلا
وفي أحشائه الأشواق تبنى
فلو تدري عيونك كل سهدي
لما كانت مدى الأيام وسنى
أضاع الشوق عقلي فانشديه
مكان العقد حيث يروم سكنى
أغرك أن حسنك قد سباني
وأن هواك في كبدي استكنا
ظننت بأنني للحب أسلو
فما أحسنت بي يا هند ظنا
وهل يسلوك من لك صار عبدا
وأصبح بالهوى ينمو ويفنى؟
فأنت لأعيني نور ونار
لقلبي كلما أبديت حسنا
وقال راثيا «يوسف باشا شريف زاده» وقد بعث بها إلى ولده نعمان بك:
صلت المنية في قلوب العالمين
شر المصاب وما لهم أبدا معين
والدهر يجري بالخطوب على الورى
ويذيقهم كأس البلية كل حين
هيهات ينجو المرء من غزواته
أبدا وإن يك ساكنا برجا حصين
ما الدهر إلا باسل بطل إذا
طلب النزال يروع آساد العرين
تبا له من غادر متمرد
تجري مكائده على مجرى السنين
دهر خئون ليس يرعى حرمة
وأب جهول طالما أردى البنين
لو كان يخشى الدهر ذا فضل لما
أودى بمن هو كان خير الفاضلين
وأذاقه كأس المنية والفنا
فأعاد في الأحزان كل المؤمنين
آل الشريف أحسنن تصبرا
فالله ليس يضيع أجر المحسنين
حزن طويل والتصبر دونه
أجر فبشر بالأجور الضامرين
الناس هالكة ويبقى وجهه
وكذا الإله قضى بكل المرسلين
إن كان غاب عن الحمى أسد الحمى
فبه نرى الأشبال أضحت راتعين
بشرى لرمس ضم جوهر جسمه
فبه ثوى من كان ذخر الطالبين
ضم الدراية والنباهة والهدى
وحوى الوزارة فالكمال به رهين
لو كان يدري الرمس أي فتى حوى
لجرى يصفق صفقة المستبشرين
يا ترب حزت من البرية يوسفا
فانعم فإن الحسن فيك غدا دفين
إن كنت ذا نطق سقاك الله قل
جل الذي سواه من ماء وطين
من للوزارة بعده هيهات أن
نلقى فتى يحكيه بين المسلمين
والموت ينتقد الرجال لأنه
يختار قبل الكل أخذ الصالحين
هيهات أن نلقى فضيلا مثله
يوما وإن كثر ادعاء الجاهلين
كل إذا فشت الجهالة مدع
فالجهل مصداق لدعوى المدعين
يا قاتل الله المنية فهي قد
نهبت فريدا ما له أبدا قرين
ذهبت سريرته إلى دار البقا
حيث الحسان غدت به متمتعين
والحور نادت أرخوا بحسابه
يا يوسفا ولنعم دار المتقين
سنة 1278
بركة الزفاف
أتى إليك الحظ مستعجلا
وجادك الدهر بما ترغبين
من بعد أن أصبحت جوهرة
ترنو إليها أعين الطالبين
وهكذا كل أخي شرف
تصبو إليه أعين القاصدين
لا سيما والحسن فيك بدا
يسمو على الزنبق والياسمين
لطافة تفضح خمر الطلا
وطلعة تنعش قلب الحزين
وقامة كالغصن في دوحه
ومقلة تنفث سحرا مبين
فليس في هذا القران نرى
عيبا سوى مزدحم الحاسدين
فبارك الله به ودعا
من عالم الذر إليه البنين
تاريخ وفاة المرحوم ابن خاله «عبد الله بن ميخائيل أنطاكي» لينقش على ضريحه في الإسكندرونة:
على ذا القبر وا أسفي
يراق المدمع السخن!
ففيه قد ثوى غصن
على دوح الصبا حسن
يحق لآل أنطاكي
عليه النوح والحزن
ف «مخائيل» يبكيه
و«ميخائيل» يحتضن
وعبد الله بينهما
له ضمن السما سكن
فكيف يقول تاريخ
بقفر يقبر الغصن
سنة 1865
وقال:
لعيني أم ثغر الحبيبة حياني
فرائد در لحن في سلك مرجان
وهل غصن بان راضه الشوق فانثنى
يعانقني أم قد مخجلة البان؟
وهل ملت بالصهباء أم برضابها
وقبلت خد الورد أم خدها القاني؟
رداح تصباها الصبا وأمالها
فيا لقضيب بالصبابة نشوان!
فزارت وقد كاد الجفا يهتك الخفا
ويا ما ألذ الوصل من بعد هجران!
فعاهدتها أني ولو سفكت دمي
بأعينها لا أستتب بسلوان
وصنت الذي أجرت يميني ولم أقل
يمينا فلم يحلف سوى كل خوان
ولما تلاثمنا فما لفم وقد
قطفت ثمار الوصل من غصنها الداني
ولم يك في المنجى رقيب لنا سوى
خيالي بمرآة الخدود ولا ثاني
حباني من نيرانه مالك الهوى
أطائب لم تخطر على قلب رضوان
نعيم وصال لن يرى مثله ولا
بجنة عدن بين حور وولدان
وكانت عيون البين في غفلاتها
وما كان غير النيل في الليل يغشاني
وقال:
غير بلواي لم يعد لي مدان
كل خل جفوته وجفاني
وما لي نجي غير حسن الذي إذا
بدت غادرت كالقدم مقول سحبان
ولكن زمان الرغد يأبى دوامه
وكل نعيم فوق هذ الثرى فان
فهم علي الدهر بالبين والنوى
وبدل أفراحي بغم وأحزان
وأجرى على رأسي سيولا من العنا
فهب نبات الصبر من قلبي العاني
فأوهج قيظ الغيظ حتى تيبست
يوانع صبر شب في قلب إنسان
لحا لله دهرا خال أني عدوه
فأوقع بي لكنه لم يشن شاني
وأبرق رأس العزم مني عنوة
بعضب له تعنو رءوس بتيجان
وأفرى بلا رفق دروع تجلدي
بمران جور دونه كل مران
رغبت الهدى فاشتق منه لي الدها
فما كان عن هذه اللبانة أغناني!
جنيت على نفسي بكثر مروءتي
وهل أنا وحدي من على نفسه جان؟
وإني خسرت الشوط مذ فزت بالهدى
وقد يقبل الفوز الكبير بخسران
يعيرني قوم بجدي وهمتي
كما عير النعسان أعين يقظان
فوا عجبي من قرطم شان لؤلؤا
ووا حيرتي من كل وان وكسلان!
وليت ثيابي كن سودا فلم يبن
بها دنس يأتي علي ببرهان
ولكن ثوبي أبيض مثل جبهتي
وما انسحبت إلا على الطهر أرداني
ولم يلق إلا الصفح مني قادحي
فإن جميع الناس أهلي وإخواني
وإذا لم يصارم المرء خطب
فهو خير الخلان والإخوان
إن تحطك الأرزاء حطها وإلا
فانطح الرأس منك بالحيطان
كل قرم يمسي جبانا إذا لم
يضح صخرا أمام قرم الزمان
والشجاع الخميس بين الورى من
عنده الدهر والهبا سيان
واللبيب الخبير من ظن سوءا
بجميع الصحاب والخلان
لم أجد في الزمان خلا يوافي
يوم تأتي الأيام بالحدثان
أصدق الأصدقاء عيناه تندو
فرحا كلما رأى أحزاني
كم عدو يسعى بزي صديق
مثل سعي الثعبان والأفعوان
ليت شعري! ماذا فعلت مع النا
س وماذا اجترحت من عدوان؟
ليس لي جنحة سوى أن فضلي
قد رماهم بالخزي والخذلان
يا لقوم لم يكفهم أن ودي
ضاع فيهم حتى بغوا ضيعاني
منذ سلمتهم يمامة قلبي
لم أخل أنهم من العقبان
خانهم كبرهم فخانوا ودادي
ليتني لم أشن بهم عز شان
هم أذلاء يرفعون نفوسا
هن أدنى من أصغر الديدان
رزقوا قدر حفة فأرادوا
أن يفوقوا بها على بهرمان
رب نمل حوى جناحا فأهوى
واقعا حال نهضة الطيران
يقبلون العطا ولو كيل تبن
زه فهم من أكابر البعران
لم يبالوا لجلهم بعظاتي
إنما الجهل آفة الإنسان
حسبوا منطقي كريح وقالوا
فلنصدنه عن السريان
يا لها من جهالة كم أجنت
أنفسا في حنادس الطغيان!
إن نفس الفتى سراج إذا لم
تسق زيت الحجا أتت بالدخان
قافية الهاء
دعوى الجهل
المرء خاف على من لا يعاشره
هيهات تدرك شيئا لا تباشره
وإن شرعت بأمر كن متممه
خير الأوائل ما تمت أواخره
ولا تكدر بما تدري ضمير فتى
فلا فتى غير من تصفو ضمائره
لا فخرة للفتى إذ قيل كان له
ما بهجة الروض إن غابت نواضره
من يفتخر فبما يحويه من حسن
وفخرة الغمد عند الفتك باتره
لا يعرف الشيء إلا بعد خبرته
ولا يدل عن الإنسان ظاهره
ألفت خلا وفيا خلته فغدا
بعد امتحان أليف الحق ناكره
كم من عدو صديقا كان منتدبا
فابعد عن الناس واحذر من تعاشره
غاض الوفاء فلا عهد ولا ذمم
عند اللئيم ولا ود يجاوره
يسعى التي طالبا جمع الثراء له
وللثرى والبلى بالموت آخره
ذو المال يفنى ولا يبقى له أثر
لكن أخو العلم لا تفنى مآثره
كم تاجر عمت الدنيا تجارته
ثم استحالت إلى فقر متاجره
ذو العقل والعلم لا يزهو له عمل
لولا الجهول ولا تبدو بواهره
والبدر لولا اعتكار الليل ما ظهرت
أنواره لا ولا ضاءت زواهره
نحن بنو الدهر لكن خبزه حجر
لنا فبئس أبا غاضت نواظره
ما مر يوم به الإنسان ذم أسى
إلا ويأتيه يوم فيه شاكره
إن لم يخنك زمان كن على حذر
والليث يحذر ما دامت أظافره
ما كنت أحسب أن الدهر يفجعني
حتى على مهجتي سلت بواتره
الناس للناس في عسر وفي يسر
والدهر ما بينهم دارت دوائره
ورب غمر جهول ظن أنه لا
يحتاج للغير إن الله قاهره
كل لمن دونه يحتاج من قدم
ولو مليكا علت فيه منابره
ما حيلة الملك المرهوب جانبه
عند القتال إذا خانت عساكره
لولا الأساس الذي في الترب مركزه
ما شيد قصر ولا قامت قناطره
يا قاتل الله دهرا مزجه نكد
فيه الأصاغر وا غمي أكابره
يا من يعيرني بالعلم وا عجبي!
زدني لك الله شيئا أنت خاسره
يا نفس يا نفس ما طيب الشبيبة في
هذا الزمان الذي شابت غدائره
سحت مصائبه شحت أطائبه
ماتت أكابره عاشت فواجره
وقال:
نظرت مقلتي إلى وجهك الباهي
فراح الفؤاد يصحب وجده
إنما العين راحة تدفع الحب
ب إلى القلب وهو يرفض رده
وفد العشق نحو قلبي لذا أو
قد نار القرى ليكرم وفده
بجنان الهوى تمشى جناني
ورعاها فما جنى غير ورده
وقال:
دار لنا قد حاز ساكنها
أجر شهيد وهو في المعصيه
أتون «بختنصر» في صيفها
وفي الشتا بركة «سبسطيه»
وقال مخمسا:
خود حسبت البدر من أشكالها
بعدت وكان القرب من أشغالها
رح أيها الساعي بقطع وصالها
قد زارني في الليل طيف خيالها
وطرحت فكري في بديع جمالها
قد أخذت إلى الصباح أضمه
والثغر يحكي المسك إذ هو ختمه
فلثمت طرفا في فؤادي سهمه
ورشفت ريقا سكريا طعمه
وطفيت نار صبابتي بوصالها
لما رأت قلبي أليف حريقة
أومت لشهب في المغيب خفوقة
ومذ ارتضت بينا بلطف طريقة
قامت تميس بقامة ممشوقة
والساق منها قد ملا خلخالها
مالت تودعني وأرخت شعرها
فرأت ظلاما لا يغيب فسرها
عادت وعاد الوهم يعلن بشرها
فضممتها حتى أقبل ثغرها
لفت علي يمينها وشمالها
واستبشرت طربا بكل ظرافة
بنوال قطف لقا ورشف سلافة
وزهت بنيل سعادة وطرافة
وبدت تقول برقة ولطافة:
ما كل من طلب السعادة نالها
وقال يعزي صديقا له بوفاة أبيه:
الدهر ليث والخطوب مخالبه
أفهل بغير الصبر أنت تحاربه؟
إن يبتسم فالحتف تحت نيابه
باد فكم تطغي الآنام ملاعبه
لا يخدعنك من زمانك غفلة
فلربما انتبهت إليك نوائبه
والغدر من خلق الزمان فريثما
نغدو على أمن تسل قواضبه
لا يسلمن المرء من سطواته
والموت أعظم ما تتيح شوائبه
ولرب ليل طال جلباب الهنا
فيه وقد جلت الظلام كواكبه
هجم المصاب به كضرغام وقد
نشبت بذياك الهناء مخالبه
لا خلد في الدنيا فكل راحل
وتهون إن عم المصاب مصائبه
والمرء شمس حياته تجري على
خط الزوال ولا تزول مآربه
كل سيرمس تحت أطباق الثرى
ويغيب رونقه ويدرس جانبه
كن عاذر الباكي على عمر مضى
فالبرق تبكي إذ يزول سحائبه
صبرا بني الأخيار حيث فقدتم
ذاك العزيز الصالحات عواقبه
ذو سيرة للناس كانت عبرة
فكم ازدهت بالطيبات مناقبه
بالأمس كان على الثرى فوق الذرى
واليوم قد علت السماك مراتبه
والموت مكتوب على جبهاتنا
منذ الولادة والمهيمن كاتبه
فتدرعوا الصبر الجميل فإنه
درع غداة الروع يسلم صاحبه
لكم البقاء فلم يمت من ذكره
للبعث باق لا تموت أطائبه
قف يا معز على الثرى سحرا وقل:
سقيا لترب لامسته جوانبه
وعلى المقابر إن تقف أرخ بها
كل ستدنو للتراب ترائبه
سنة 1859
وقال يمدح الخواجا «نصر الله حكيم الطبيب»:
تحفة الصداقة
نظر السقام أضالعي فرثاها
ورأى الغمام مدامعي فبكاها
يا قلب مالك في الصبابة هائما
هذي المحبة فاحتمل بلواها
ما أنت وحدك من سبته بالهوى
حدق الظباء وأتلفته ظباها
كم من عزيز ذل في حب المها
رغما وكم من ذي رشاد تاها!
ماذا ترى في الحب يا مضنى الجوى
إلا العذاب فشاهد الأشباها
القلب في نار الغرام مقره
والعين في روض البها مرعاها
ويلاه من ظلم الحبيب وظلمه
هذا برى كبدي وذاك براها
أفدي بروحي غادة إن أسفرت
أزرى بأقمار السما مرآها
حسانة حوت الجمال بديعة
عذراء يغتال النهار بهاها
سلبت بهاتيك المحاسن مهجتي
وسبت فؤادي وهو عبد هواها
قتلت بسيف الغنج صبري مذ رنت
فترى بهذا القتل من أفتاها
غرس الجمال بخدها روضا وقد
أبدت طيور الحب فيه غناها
وإذا المتيم رام يحني وردة
حالت سيوف اللحظ دون جناها
لولا ظبا تلك العيون النجل لم
يخفق فؤادي عند لثمي فاها
لثم اللثام خدودها فحسدته
والورد غار فعاره رياها
كتب الجمال على صفيحة خدها
من يدن من نار يصبه لظاها
قد لطفت وجناتها نار الحيا
حتى إذا مر الصبا أدماها
لفتت فعن ذا الجيد ينفعل الهوى
لفتات أجياد الظباء حلاها
فوحق ذلي بالغرام وعزها
قسما وضعف تجلدي وقواها
لا أنثني عنها ولو أدرجت في
كفني وقلبي لا يحب سواها
غفل الرقيب فهل لعيني نظرة
من وجهها الوضاح فهو مناها
زارت عقيب الهجر وهي ضنينة
فاستبشرت روحي براح لماها
وضعت على صدري يدا لترى الذي
فعل النوى وبدت تذم جفاها
فرجفت فالأشواق أم يدها غدت
جسما يوصل كهرباء هواها
قد أنحلت جسدي فكان لمدمعي
سلكا فبي جيد الهوى يتباهى
بي غصن بان في كثيب ينثني
يعلوه شمس في الظلام سناها
إني رأيت الصبح من شفق بدا
هذا محياها وذاك حياها
وقطفت وردا لاح فوق جواهر
هذي ثناياها وذا خداها
لكن قتلت بأبيض وبأسمر
هذا رشاقتها وذا عيناها
قد أثخنت كبدي جراحا عينها
وبلثم هاتيك الشفاة شفاها
أفدي عيونا قد أثرن على الحشا
حربا يبيد ابن الحكيم لظاها
من قد غدا للطف حدا أكبر
تخذت رسوم الظرف منه جلاها
فطن كساه الله ثوب نباهة
وحباه عقلا بالذكاء تناهى
أفكاره اتقدت ذكا فيكاد أن
يدري الغوامض قبل أن يصغاها
إن سل سيف الرأي من غمد الهوى
مدت إليه المشكلات طلاها
لا بدع إن تك لؤلؤا ألفاظه
إن اللآلئ في البحور نراها
يغني المريض عن الدواء حديثه
والطب للأمراض ما أشفاها
وعرائس الطب ارتدت من شرحه
أبهى نسيج فازدهت برداها
يجني القناعة بالنهى فهو الذي
يسمو على من لا يسوم جناها
إن يقنع الإنسان يكسب راحة
وغنى، وأطماع النفوس عناها
من قاسه بالغير من أقرانه
ما ميز الأفعال من أسماها
ما العقل إلا قوة التمييز إذ
لا شيء يصطحب الهدى إلاها
وإذا امرؤ حسدا تمنى قدوة
بخصاله أيقنت لا يلقاها
إن النفوس إذا ابتغت كل المنى
لا تبلغن إلى المنون مناها
لو كلما أرجو أصبت جعلت هر
شل منزلي فالأرض لا أرضاها
أفديه من خل يصون عهوده
صون العفيفة عرضها وحياها
أخذت شمائله بعقلي وهي لم
تك بالشمول وقد سرت مسراها
يا أيها الخل الحبيب أنا الذي
مذ غال حبك مهجتي غلاها
إني اتخذت ودادكم لي ديدنا
والود أبهى حلة أكساها
جذبت قوى أخلاقكم قلبي إلى
قطب الوفاء ولولا ذاك لتاها
ولا وجود الجذب في الكرر التي
بالأفق لابتلع الفضا أجزاها
وقال:
أفدي بنور عيوني نار وجنته
يوم اللقا وبروحي راح ريقته
بدر تحجب عني وهو في كبدي
فهل لعيني أن تحظى بطلعته؟
ما جاور القلب إلا حبه فأنا
عبد له وأسير منذ نشأته
لا صانني الله إن أعشق سواه ولا
رعى عذولا هجاني في محبته
أصبو إلى الليل إكراما لطرته
وأعشق الصبح إجلالا لغرته
يدمي بمقلته يحيي بريقته
يضني بنفرته يشقي بعطفته
مذ زارني بعد ذاك الهجر وا طربي!
حيا فأحيا فؤادي في تحيته
عاتبته فبدا ورد الحياء على
خدوده وزها عتبي برقته
فخذه مركز للحسن مر به
خط العذار محيطا حول نقطته
هذا حبيبي وما لي عنه من عوض
ولم أفه باسمه صونا لحرمته
وقال:
أعاب سفاها وجهك البهج الذي
حكى البدر واش غاب عن رشد عقله
فوجهك مرآة الجمال صفية
وقد نظر الواشي بها سوء فعله
وقال:
أنا لا أمدحن فتى كغيري
ليرفدني بشيء من جداه
فما للمرء من خل معين
بضيق غير ما كسبت يداه
وقال:
فتى بات ينوي العز، والذل راصده
ومن ينح رفع الذات تخفض مقاصده
ومن أجهل الجهال من ظن أنه
ينال ويلقى كل ما هو رائده
يميل الفتى طبعا إلى طلب العلا
ولا كل من يرجو العلا طال ساعده
لقد أطلق الله الإرادة للفتى
فقيدها الدهر الذي الله قائده
خذ الحذر من دهر إذا طاب موردا
فكم قد سقت صاب المصاب موارده
يريك الهناء اليوم والموت في غد
فما برحت تطغي الأنام مكائده
أب ظالم ذا الدهر والناس كلهم
بنوه طعام الغم تحوي موائده
ولا يعرف الإنسان طول حياته
أألخير آتيه أم الشر قاصده؟
إذا المرء لم يرض بمحنته الذي
يساعده يرضى بمن لا يساعده
وكم سيدا قد صار عبدا لعبده
وكم دنف يشفى ويدنف عائده!
بليت بغمر ظن راغد عيشه
يدوم وهل عيش ترى دام راغده
ألا كل حال في الزمان كأنها
سحاب بجو والرياح تطارده
يشاهد فضل الشهم عيبا من انتمى
إلى الجهل لكن عيبه لا يشاهده
فيا من غدا للجهل والبخل عابدا
لك الله، ما هذا الذي أنت عابده؟
إذا كنت لا تدري بك الجهل فاعتذر
ومن ليس يدري نفسه لا نؤاخذه
فعالك قد جاءت عليك شواهدا
فعال الفتى بين الآنام شواهده
وكل امرئ من فعله بان أصله
ومن لا يراعي الأصل لا شك فاقده
وقال متخلصا باسم صديق له:
نفى الرشد عني أنسها ونفارها
وشرد عقلي غمزها وازورارها
مليحة وجه كالصباح صباحة
لها مقلة يسبي القلوب احورارها
ومن عجبي أني أرى لي جنة
بوجنتها والقلب أفنته نارها
أهيم بدر الثغر في بحر حبها
لآلي الهوى ضمن الثغور قرارها
تجنى على الظبي الغرير التفاتها
وتاه على البدر المنير اسفرارها
رنت جؤزرا، ماست قضيبا، تلفتت
غزالا، بدت شمسا بقلبي مدارها
ولما ثناها الشوق عن ذلك الجفا
أتت وهي تستحيي ويبدو افترارها
فعانقتها عند اللقا شغفا كما
يعانق تلك الزند منها سوارها
أيا راجيا منها الدنو ابتعد فقد
تبوأت «الجوزاء» والشهب دارها
بروحي منها إن حظيت بنظرة
بها مهجتي تحيا ويطفا شرارها
ذللت لذياك الجمال وإنني
عزيز ونفسي قد تسامى فخارها
ولكنها اضطرت إلى الذل بالهوى
ونفس الفتى يجني عليها اضطرارها
يحارب جيش الحب والوجد مهجتي
ولكن بفتح الله جاء انتصارها
وقال مؤرخا بناء دار «نعمة الله مارون» في حلب:
ديار لاح نور الأنس فيها
وضاء البشر حيث بدا بناها
أشادتها يمين الله فانعم
بدار قد سمت عما سواها
بها لطف بتاريخ خفي
وكان بنعمة الله انتهاها
سنة 1858
وقال:
ومن يهو علم النحو يقلق ضميره
به ويعد في جمع أرزاقه قله
كذلك من بالصرف يصرف عمره
يموت ويبقى منه في قلبه عله
ندبة الوحشة
قفا نندب الدار التي غاب بدرها
ونبك طلولا قد تعاظم أمرها
ولا تبخلا بالدمع إذ شمتما الحمى
فما نفع سحب ليس ينزل قطرها
ربوع نأت عنها الحبائب فانثنى
من الشوق يشكو للكواكب قفرها
رمتها الليالي بالكآبة والأسى
وليس سوى قرب الحبيب يسرها
وقد لبست بالبين ثوب مذلة
وكان إلى الجوزاء يبلغ قدرها
وقفت على أكنافها والفؤاد في
لظى، وعيوني قد تناثر درها
تذكرت من أهوى فحلت بمهجتي
كروب، ونفسي راح يرحل صبرها
يمر عليها الظاعنون وطالما
يعانق إخفاف الرواحل صدرها
على منزل قد فارق البدر أفقه
بكيت وعيني بالظلام مقرها
وما أهله الباقون في وحشة سوى
نجوم غشاها الليل مذ غاب بدرها
فكم ليلة فيها أظل مناجيا
هلال الحمى حتى يناجيه فجرها!
فنعم الليالي الوافيات وعهدها
وبئس الليالي الجافيات وغدرها
لحا الله دهرا حال بيني وبين من
أحب وأياما تزاحم شرها
فلو كانت الأيام تبقى على الصفا
وعني تغض الطرف ماذا يضرها
عسى لسلام العود تأتي وبرده
فيخمد من تلك الجوانح جمرها
تقصر عمر المرء طارقة النوى
وكل يلاقيها فلا طال عمرها
إذا جنت الأيام يوما على الفتى
فعاداتها فعل الردى وهو عذرها
يدور علينا الدهر بالضيم والهنا
ودائرة الدهر التقلب قطرها
ومن ظن أن العقل في الخطب مسعف
يضل، وإن النفس يخطئ فكرها
إذا رفعت عنك السعادة والعلا
فهل أنت بالعقل الزكي تجرها؟
حسرة الوداع
بقلبي مطي البين دب دبيبها
فيا ويح نفس بان عنها حبيبها
وحاربت الأيام صبري، فاللظى
زفيري وما الأجناد إلا خطوبها
بعاد كساني حلة الضيم والضنا
وغادر أجفاني يصب صبيبها
تبوأت الأتراح متن حشاشتي
وروحي راحت حين سار ربيبها
تهب نسيم الحي صبحا فكم وكم
يهزك يا غصن الغرام هبوبها
ونهداء قد ألوى الفراق عنانه
بها فتولت والفؤاد صحيبها
ولما بدا الحادي ينادي على السرى
بكت فأذاب القلب مني نحيبها
فودعتها إذ أودعتني حسرة
إلى الدهر، لا والله يطفى لهيبها
نأت فنأى طيب الحياة عن الفتى
ولا عجب فهي الحياة وطيبها
فتاة لها من ذلك الحسن والبها
نقاب فسلطان النهار نقيبها
نمت نفحات اللطف من حركاتها
فيا أيها المفتون كم تستطيبها!
بلوى البعد
إن تبعدوه فإن الحب يدنيه
أو تقتلوه فرشف الثغر يحييه
من غادرته العيون السود منطرحا
على فراش الهوى لا شيء يشفيه
يصبو إليكم ما هب النسيم وما
أبدى الحمام فنونا من أغانيه
ما كان ضركم بالله لو كرما
ذكرتم العهد إن الذكر يكفيه
يا سادتي لم يدع لي حبكم جلدا
فما احتيالي وقلبي النار تفنيه
كفى النوى أنه أبقى الفؤاد على
جمر سوى قربكم لا شيء يطفيه
آها ووا أسفي! قد ضاع عمري في
هذا البعاد الذي كل البلا فيه
وجدي أنيني دموعي حرقتي لهفي
يشهدن كم خندس قد بت أطويه
أرجو العتاب وخفق القلب يمنعني
فإن سألتم نسيم الروض ترويه
شوق هيام سهاد لوعة تلف
أصابني في هواكم يا ذوي التيه
قل اصطباري وقد غاب النهى وبدا
وجدي ودمعي قد زادت مجاريه
فهل حنو وإسعاف ومكرمة
منكم علي؟ وهل عطف أرجيه؟
أسرتم القلب أن يهوى فطاع فلم
عيونكم بسيوف السحر تدميه؟
إن كان يرضيكم موتي فوا طربي!
والموت لي بالهوى تحلو تواليه
ما أعذب الذل في هذا الغرام وما
أحلى عذابا غدا قلبي يقاسيه!
فلا تميلوا صدودا عن ضعيفكم
إن جاء ملتمسا وصلا يقويه
قنعت بالطيف منكم حيث لا وسن
إن القناعة كنز لا فنا فيه
إذا رضيتم سواي بالهوى فأنا
صب سوى ذكركم لم يرض في فيه
وقال:
حار في ذا الجمال فكر النبيه
فعلى القلب يا بديعة تيهي
وأزيحي الخمار عن وجهك البا
هي، فجود الخلاق لا تخفيه
قد سباني هذا المحيا الذي ليس
له اليوم في الورى من شبيه
غازلي إن أردت قتل فؤادي
وبغير العيون لا تقتليه
يا مهاة في البان أتلفت قلبي
وحرام عليك أن تتلفيه
تارة تظهرين نور المحيا
لعياني وتارة تخفيه
ليس ذاك النفار إلا دلالا
ودلال الحبيب، كم أشتهيه!
كم وكم تبعدين عن مغرم يقتله
البين واللقا يحييه
كاد في ذا الإعراض مضناك يقضي
فانجديه بعطفة فانجديه
لك طرف يسبي العقول وقد
يفضح السمهري إن تثنيه
أوشك الحب أن يذيب فؤادي
بلظاه، فبالرضاب اسعفيه
وارتشاف الرضاب منك يزيد
القلب مني جوى ولا يشفيه
فندى الصبح يجعل الروض في الصيف
كثير الظما ولا يرويه
يا نسيما إن سرت صبحا إلى مر
بع سلمى هناك قلبي أنشديه
لي بذاك الحمى غزال ربيب
ذو نفار عن المحب وتيه
أفتديه من أغيد ذي دلال
يتجنى ظلما على عاشقيه
لاح ورد الجمال في روض خدي
ه فهل للعيون أن تجتنيه؟
لم أقايس بالقوس حاجبه ل
كن بسيف السياف إذ ينتضيه
ينجلي بالأنوار حيث تجلى
ففؤاد المحب كم يسبيه!
عاذلي لا تلم غرامي جهلا
فأنا لم أسمع ملام سفيه
إن قلب الإنسان من طبعه المي
ل إلى الحسن وهو كم يدهيه
وعلى الكل إن يكن صدق الحك
م فهل لم يصدق على جزئيه؟
وعقول الآنام لو تستوي لم
يك فرق بين الغبي والفقيه
محور الأرض لو غدا مستقيما
لتساوى النهار والليل فيه
كم فتى قام يبتغي طلب العل
م بجد والغير لا يبتغيه
ربما تصدر الجهالة عن عل
م ويبدو النسيان من تنبيه
شيم الناس من وجوههم لا
حت، فكل من وجهه ندريه
جائل الطرف، أسمر الوجه، ذو قد
قصير والله لا أصطفيه
صاحب الحذر قبل أن تصحب النا
س؛ فكم خان صاحب تصفيه!
ومصاب على الفتى أن يصافي
صاحبا لا صفاء في خافيه
لا يغرنك امرؤ حيث يبدي
عهد ود فنكثه يلويه
واقتباس الأنوار في الليل بعدا
قد يضل الساري ولا يهديه
قد حوى اليوم عمري الكاف والدا
ل ودهري اختبرته وذويه
ما رأت قط مقلتي للفتى من
عضد غير أمه وأبيه
مذ تأملت صورة الدهر في
مرآة عقلي رأيت لا خير فيه
صور الموجودات تعرف لكن
أصل ذاك الوجود من يدريه
إن جزءا من ذرة وجدت في ال
كون يحتار فيه عقل النبيه
لا يدوم الفتى على شأنه ما
دام كل عشيره يثنيه
يطلب الجسم إذ يحرك خطا
مستقيما وكم قوى تلويه
وقال وقد بعث بها إلى المرحوم الشيخ «ناصيف اليازجي»:
هلا نجاز فطال موعدها
يا ليت أضحى كذا توعدها!
أبدت لي الصد فاختفى وسني
والشهب بالأوج بت أرصدها
يجود بالازورار حاجبها
وبالتحيات لم تجد يدها
متى ترى مقلتى لآلئها
يوم اللقا جيدها يقلدها
أضعت في حب عينها كبدي
فرحت بين السيوف أنشدها
عيونها السود بالتغازل كم
تسل بيضا حشاي موردها
إن ترفع الستر والنقاب فعن
شمس فؤاد المحب يعبدها
يا كوكب الصبح، غط وجهك إن
لاحت لنا، أو بدا مجردها
تصبو إليها الظباء إن لفتت
أو انثنت، فالغصون تحسدها
أعطافها الهيف تنثني ثملا
من خمر عين يسود أسودها
إن ينهض النفس من يلوم الى
سلوانها فالجمال يقعدها
لا يضغط العذل صبوتي طبعا
إلا وحر الصبا يمددها
قضيتي بالغرام مطلقة
وشرطها رد من يقيدها
جيش الهوى حل مهجتي فنأت
عنها القوى إذ وهى تجلدها
أروي أحاديث بالمحبة قد
صحت فليس الجدال يفسدها
وصحة القول للفتى شرف
وفي لسان اللبيب معهدها
من صدق الناس كلهم طلبت
منه الأباطيل ما يؤيدها
كم من أقاويل تكتسي صدقا
وكثرة النقل كم تجردها!
وكلما النور راح منعكسا
قلت قواه وبعد يفقدها
قد قل صدق الورى فحق لنا
أقوال كل امرء نفندها
لا يستوي الناس بالعقول فذا
يذم حالا، وذاك يحمدها
للجهل بين الآنام مملكة
وطيدة والزمان يعضدها
بئس الزمان الخئون كم خبثت
أفعاله فالقبيح أجودها
كم منح قد غدت لنا محنا
وكم ليال يسوء أرغدها!
والدهر لا يحذرن سطوته
إلا أخو العقل فهو يعهدها
كم يورث المرء علمه نكدا!
وقد يضر العيون مرودها
والدهر إن يهدم العلوم فهل
فتى سوى «اليازجي» يشيدها؟
الذائع الصيت في البلاد ومن
إن ضاعت المعرفات يوجدها
علامة الدهر هامة الأدبا
شهاب بيروت ظل يرشدها
ولا تضل المطي في سفر
ما دام يهدي المسير مجهدها
يسل من ذهنه سيوف هدى
وفي رقاب الضلال يغمدها
صفات كل العلوم قد قصرت
عليه فاحتار من يعددها
إن قال يوما قصيدة غنيت
نشادها والزمان ينشدها
تأتي إليه الضروب خاضعة
مع الأعاريض حيث يقصدها
آيات تصنيفه يقر بها
عرب وعجم ومن يجحدها؟!
إن كلت الناس عن مدائحه
قامت جميع العلوم تسردها
آراؤه بالصواب ثاقبة
والشهب والفرقدان حسدها
يبيض العلم وجهه بسوا
د حبره والعدى يسودها
وما عدو العلوم غير فتى
يقضي الليالي هنا ويرقدها
من يطلب الفهم والعلا فعلى
طيب الكرى العين لا يعودها
يا أيها الجهبذ الشهير ومن
لا زال سبل الهدى يمهدها
قد جئتك اليوم بالمديح ولم
أصب حقوقا فمن يحددها
ومدحة الشهم لا ختام لها
نعم اللسان الذي يرددها
سر العشق
لا تسأل الصب كيف العشق يشقيه؟
فللصبابة سر لست تدريه
رأى بعين الصبا غيداء قد خطرت
في عالم الحسن بين الدل والتيه
فراح في لجج الأوصاب مضطربا
إذ جاء رامي الهوى بالهول يرميه
أضله الحسن في وادي العنا فإذا
رام الهدى راحت الأشواق تطغيه
وكيف يرجع عن حب الجمال فتى
يرى الجمال فيغدو هائما فيه؟
إن الغرام على غصن الصبا ثمر
يحلو لمن راح قبل الفوت يجنيه
فيا فؤادي لك النعمى بغانية
تبدي الدلال فيحلو حين تبديه
هيفاء تخطر كالظبي الغرير لها
قد إذا قابل الخطار يزريه
أذللت روحي لها ذل الغريب عسى
تشفي فؤادي وعهدي ليس تشفيه
وكم يذل محب للحبيب ولم
يصب سوى كل هول من تجنيه!
أفدي التي غادرتني في الهوى مثلا
قد أصبحت ألسن الأيام تجريه
قد صاغها الله من حسن وقال لها:
جوري على الصب بالإدلال والتيه
فما جنى نظرة من وجهها نظري
إلا وألقى بقلبي ما يعنيه
جواذب الحسن منها قد جذبن على
رغم فؤادي لعشق كاد يفنيه
وللجمال قوى تدعو المحب إلى
حمل العذاب، وفي الأهوال تلقيه
عجباء تبعث من أحداقها رسلا
للقلب نحو الهوى والوجد تهديه
جلت علي شمولا من شمائلها
فأسكرتني وأعيا الناس تنبيهي
أنا أحب جمال اللطف أعشقه
ولا الجمال الذي الأصنام تحويه
فهي التي استغرقت كل الجمال فمن
حسن ولطف أبت تحصى معانيه
أبيت ليلي ولي في حبها كبد
حرى ودمع قد انهلت مجاريه
فما اكفهر الدجى إلا وأودعني
شوقا غدت ألسن النيران ترويه
كم غيهب بت والأشواق تجذبني
إلى الهلال كأني هائم فيه!
لا يبرح الليل يغريني بظلمته
حتى أرى الفجر يبدى النور من فيه
والصبح مرتفعا والشرق ينشره
والليل منخفضا والغرب يطويه
كأن قلبي قطب للغرام فكم
عليه دار ودور الحب أبغيه!
أروم كتم الهوى والدمع يشهره
إن كان سري بجفني كيف أخفيه؟
إطراق العاشق
ويلاه من جور هذا الحسن ويلاه
فقد تملك قلبي ثم أفناه
حسن لديه لحاظ الصب مطرقة
كالعبد حين يلاقي وجه مولاه
وكيف لا يألف الأطراف طرفي إذ
يبدو الجمال وقلبي عاد يخشاه
قلب به عبثت أيدي الغرام فيا
قلبي تجلد وإلا مت ببلواه
يا ويح نفسي فكم في الذل أوقعها
عشق على القلب مني الطرف ألقاه؟
فكم رعيت غراما قد خسرت به
تشرفا كنت قبل الحب أرعاه
مهما ذللت لدى حكم الهوى فأنا
ذو جانب لا يزال العز يرعاه
كالبدر إذ حل في غور الحضيض يرى
منازل الأوج تستجلي محياه
من لي بحمل الهوى والوجد برح بي
ولاعج الشوق قد فاضت ركاياه
سام الجوى مهجتي خسفا لذا خسفت
والشوق أودت بأحشائي بلاياه
فكم ببحر الهوى قلبي قضى غرقا
وكم وكم كهرباء الشوق أحياه!
أصبو لغيداء تسبي الناظرين إذا
لاحت فذات جمال راق مرآه
تحلو لنا منظرا قام البهاء به
فجل من لقيام العشق أنشاه!
فكم أميل إليها والمحبة كم
تدعو المحب ليعطى ما تمناه!
وأطلب الوصل حيث الشوق يطمعني
به لدى كل واش طال مسعاه
بئس الوشاة ونعم الوشي فهو لنا
ذريعة لعتاب رق معناه
والحب يأمر قلبي أن يطارحها
نجوى الغرام وخوف الصد ينهاه
فيستشير الجوى ذهني فيسفر عن
تمثالها فأرى حظا بنجواه
كل له طمع يقضي الحياة به
وكل شخص له حظ بدنياه
يا ربة الخدر ما هذا النفار أما
كفاك أن فؤادي الوجد أرداه
ما لي أرى ذلك الوجه البشوش غدا
يرعى القطوب وعاد السخط يغشاه
مهما قطبت تزيدين الجمال سنا
كالبدر يزداد في الظلماء لالاه
فهل نسيت عهودا بيننا عقدت
بالحب يا من هواها لست أنساه؟
نظرت عينيك فاستعذبت عن شغف
كل العذاب الذي في الحب ألقاه
لواحظ أرغمتني أن أهيم بها
والحسن ما أرغم الرائي ليهواه
قومي بنا نقتطف زهر الوصال لدى
زهر السماء، ونعط الأنس مجراه
هار النهار وشمس الكون قد غربت
في العين والبدر قد أبدى محياه
وقد حكى شفق الظلماء حين بدا
لسان صل وثغر الغرب أبداه
فالغرب شاكل أفواه الآراقم إذ
رام ابتلاع الدراري فاغرا فاه
وقال:
ورب بخيل يود لبخل
لو ان الرجع يعود إليه
إذا ما القذى حل في العين منه
بغى قفل جفنيه حرصا عليه
وقال:
كيف بالله هان بدلي عليها
بعد عهد جرى بعقد يديها
كيف خانت تلك العهود ورامت
ود غيري؟ وكيف يحلو لديها؟
غازلته في حضرتي فلهذا
كان عتبي يجري على عينيها
وتصبته وهو خال ومالت
عن شجي ما مال إلا إليها
ثم أخفت هواه عني لكن
بلقاه يبدو على شفتيها
أين تخفي عشق الذي إذ تراه
أحرقت ذمتي على وجنتيها؟
كيف ويلاه تطرح اليوم صبا
وضعته بالأمس في مقلتيها؟
ولماذا خانت ومانت فجاءت
بكبار الذنوب من أصغريها؟
لم تخن غير نفسها فهي لولا
سبقها ما وقعت في راحتيها
قلت: أنى كلفت بالغير؟ قالت:
ما أنا، بل حشاي فاعتب عليها
ليس ود الحسناء من قلبها بل
جاء من خصرها ومن مقلتيها
والذي زقزقت غراما عليه
سوف يمضي ولا يعود إليها
وقال يهنئ أحد أصحابه في الإسكندرية لقدوم علامة الشرف له:
شرف ينطح النجوم سناه
ومقام فوق الثريا علاه
وازدهار يمحو الضناء وزهو
تحسد الزهر في الربا معناه
ونوال يزري البحور وفوز
يترك الدهر قائلا: ويلاه!
وسرور أبقى الصديق بعرس
وأعاد العدو يقضي عزاه
لك يا أيها الشريف المفدى
والنبيل الذي تسامى ذراه
جوهر يحتوي جواهر فضل
كلها في حماك عز وجاه
شرف فوق صدرك العدل يحكي
كوكبا في الميزان لاح سناه
أنت أهل لكل عز وفخر
وكذا الاستحقاق فيك تراه
فقت قدرا بذا، وزدت سموا
حين نادى الحسود ما أسماه
أنت در في بحر فضلك باد
والأعادي على الشطوط حصاه
فأهنيك بالفخار هناء
راق حتى النسيم عني رواه
لا عداك الصفاء والسعد لا زا
ل مديرا في راحتيك رحاه
والليالي لا زلن معتنيات
فيك كالعبد في حمى مولاه
كلما الصبح هزم الليل قهرا
وبدا الشرق ساطعا في ضياه
قافية الواو
وقال:
قلب على عرش الغرام قد استوى
وحشاشة عبثت بها نار الجوى
حتام أهفو للجمال صبابة
وأميل نشوانا بكاسات الهوى؟
سبت النهى ذات الدلال بنظرة
منها وأعدمت التجلد والقوى
يا نظرة نفت الرقاد وغادرت
مني الفؤاد حليف أوصاب النوى
لذغ الجوانح عقرب من صدغها
صاد على ماء الخدود قد التوى
ولقد صدئت إلى مقبلها الذي
يحيي النفوس وليس لي منه روا
حيت فأحيت مهجتي بسلامها
ورنت فهيجت الجوانح والجوى
يا من حوت بالحسن صورة «يوسف»
رفقا بصب حزن «يعقوب» حوى
عطفا علي فإن لي كبدا وهت
وحشى على نار الغرام قد انطوى
دمعي وثغرك ينظمان تشابها
عقد الهوى فهما على حد سوى
ما اسود منك الطرف إلا مذ سطت
شمس الجمال عليه يا شمس السوى
لوعة النوى
حملتني ما لا أطيق من النوى
وتركتني ميت القوى حي الهوى
أفنى بعادك أعظمي وتجلدي
أفهل لدائي غير قربك من دوا؟
لما لوت عني الركائب أصبحت
عيني تراقب بدر ذياك اللوى
عطفا على رمقي ورفقا بي فلم
يترك فراقك لي سوى نار الجوى
يا قاتل الله الفراق فإنه
قتل التجلد والتصبر والقوى
كم سال دمعي حين أورثني الهوى
لطفا، ويهمي الغيث إن لطف الهوا
جور الهوى
كفى الصب ما قاسى من البين والبلوى
وحسبك أن القلب غيرك لا يهوى
معذبتي ما شأن هذا الجفا؟ فهل
سلوت محبا ما له عنك من سلوى؟
صدئت إلى رشف اللمى منك فانغشى
به صادئا من غير ذلك لا يروى
قضى النوم مني بالجفاء لك البقا
وأجفانك الوسنى له قد غدت مثوى
لك الله كم حملت قلبي بالهوى
صدودا وما قلبي ثبيرا ولا رضوى
فيا من على قلبي جنت بدلالها
فديتك تيهي ما على الحسن من دعوى
لمثلك قد حق الدلال فنعم ما
جنيت وبئس العاذلون ذوو العدوى
وحق الهوى لم يخل قلبي من الهوى
وما لخلو في الطبيعة من مأوى
عذولي لا أسلو عدمتك غادة
لها مبسم أحلى لقلبي من السلوى
تجور على القلب الشجي ببينها
فيا بين ما أقوى ويا قلب ما أهوى
وأحسن أهل الحب من كان صابرا
على جور من يهوى ولا يألف الشكوى
وكم بت أرعى الصبر في حب من أرى
جميع البها والحسن في وجهها يحوى
رداح يلوح الصبح من فرقها كما
يجن اعتكار الليل من فرعها الأحوى
إذا ما تبدت أزرت البدر في السما
فيا بدر قل: يالله، جل الذي سوى!
غدا في هواها القلب مني حائرا
كأن به مع طبع ألحاظها عدوى
وإن كان هذا الحب داء يضيمني
فإن بحسن الصبر أدوية الأدوا
وقال:
ظبي بأحشائي ثوى
وقد بغى عني النوى
ناديت والقلب انكوى:
يا للهوى يا للهوى!
دور
بدر عن العين احتجب
فثار في قلبي اللهب
ببعده ذقت النكب
يا للهوى يا للهوى!
دور
أذاق قلبي الشجنا
وقد أطار الوسنا
والصب في الحب عنا
يا للهوى يا للهوى!
دور
الربرب الريم الغزال
القمر الشمس الغزال
بين ثناياه الزلال
يا للهوى يا للهوى!
دور
على هواه غلتي
ومن جفاه علتي
ومن سناه فتنتي
يا للهوى يا للهوى!
دور
أطال عطفا ونفار
كذا احتجابا واسفرار
وما لقلبي من قرار
يا للهوى يا للهوى!
دور
إن يبتسم فالبرق لاح
وإن يمل أزرى الرماح
وفوق خديه الأقاح
يا للهوى يا للهوى!
دور
الشهد يحكي ظلمه
والقلب يشكو ظلمه
أرى شقيقا عمه
يا للهوى يا للهوى!
دور
أروح فيه هائما
والدمع منه ساجما
قاس يجافي راحما
يا للهوى يا للهوى!
دور
ظبي سبا ألباب حور
بنحره أزرى النحور
أجرى دموعي كالبحور
يا للهوى يا للهوى!
دور
أفديه مليونا رشا
غصنا بقلبي قد نشا
بلهفتي حار الوشا
يا للهوى يا للهوى!
دور
بغضت عيشي إن جفا
وإن وفا رمت الصفا
من هجره نومي انتفا
يا للهوى يا للهوى!
دور
وهكذا الدنيا غرور
تجبي شرورا من سرور
أكثرها فدم أو غدور
يا للهوى يا للهوى!
قافية اللام ألف
غلبة الصبابة
أنا من كئوس الذل لا أرتضي نهلا
فصعب على ذي العز يوما إذا ذلا
أرى كل شيء فقده سهلا غدا
علي إذا لم أفقد الشرف الأعلى
يسوق الفتى حب الحسان إلى البلى
كذا الحسن نحو الحب يستاقه قبلا
فلا أشغل النفس النفيسة بالهوى
فإن الهوى ذو العقل يحسبه جهلا
ولا أتجلي في حلة العشق للتي
على كل صعلوك لها طلعة تجلى
إذا كان غرس الحب يفرع للفتى
هوانا فلا أهوى الهوان أنا أصلا
ولما رأيت القلب مني كاد أن
يهيم بوادي الحب قلت له: مهلا
إذا كنت ممن يعشق الغيد والدمى
لك الويل إن العشق يورثك القتلا
ولكن مرارات الصبابة والهوى
بحب التي تعلو على البدر تستحلى
محجبة ضنت علي بوصلها
وجادت بأنواع الدلال فما أحلى
إذا لم تجد بالقرب خيفة راقب
فلا عجب إذ تصحب الجبن والبخلا
لها أعين سكرى بخمر الصبا فإن
رنت غادرت قلبي بنار الهوى يصلى
بروحي أفديها مهاة وبانة
تميل فكم أسرى وترنو فكم قتيلا
سبت مني الأحشاء قامتها وقد
رمت كبدي الحراء مقلتها الكحلا
تجلى على طور النهى حسنها الذي
بأنواره يهدي المحب إذا ضلا
يحق انكساري بالغرام وذلتي
لديها فإني لم أعاين لها مثلا
أحاطت بكل الحسن طلعتها فقد
أرتني كيف الجزء يستغرق الكلا
أتتني بذيل التيه رافلة وقد
جلت قمرا في برج قلبي قد حلا
فقلت لها: أهلا وسهلا بغادة
لها الشمس والأقمار قد أصبحت أهلا
فقالت: وهل يا صب قلبك كل عن
تحمل هذا الحب؟ قلت لها: كلا
إذا لم يكن لي من وصالك مسعف
على حملي الأوصاب لم أستطع حملا
وما ذلك الشيء الذي يقدر الفتى
به أن ينال الفوز والعون قد ولى
وقال من الجناس المهمل:
أودعهم والدمع هام كهاطل
وكل وداع كل دمع له سالا
أساهر أحوال السما لرواحهم
معلل روح عود آمالها مالا
وقال وهي أول قصيدة قالها:
يا قضيبا قضى بقتلي ومالا
وانثنى معرضا وماس دلالا
حاول الرفق بالمحب الذي كا
د بذاك الجفا يصير خيالا
رشق الطرف منك قلبي بسهم
فجرى الدمع من عيوني وسالا
إن تبديت أو تلفت يوما
شام طرفي غزالة وغزالا
عذب في هواك كل عذاب
يا مليحا حوى الجمال فصالا
أنت شمس والقلب مني كالحر
باء إذ كان ميل وجهك مالا
كم لك الله تطعن القلب من ذا
ك القوام الذي زرى الآسالا!
أحرقتني الخدود منك بنار
كلما رمت منك بدري وصالا
زادك الله يا حبيبي حسنا
مثل ما زدت في هواك انتحالا
قد عفا القلب حين عفت وصالي
ليتني مذ هجرتني مت حالا
فصدود ولوعة وبكاء
وسهاد وما ألفت احتمالا
سألوني عما اعتراني فأنكر
ت فدمع العيون رد السوالا
إن تكن راضيا بموتي فحسبي
أن ماء الحياة في فيك جالا
إن صبري مثل الجبال متين
والجفا منك قد يدك الجبالا
ليس عيب إذا تذللت عشقا
إنما العشق قد يذل الرجالا
إن ذلي بالحب عزي وفخري
يا غزالا غزا المحب وطالا
عد محبا يهواك بالوصل إني
أرتضيه ولو يكون مقالا
ضاع عمري في الحب ليتك تعطي
ني بما ضاع من حياتي وصالا
كلما ينقص التصبر مني
يا حبيبي تزيد أنت جمالا
أنت غصن وقد غرستك في
قلبي فأثمرت قسوة ودلالا
فاجل ليل الجفا وراع ذمامي
يا قضيبا قضى بقتلي ومالا
وقال:
أنخت مطايا العز مني على العلا
فكيف لذات الخدر أعنو تذللا؟
سموت فلا أرضى الدنو لأنني
بنيت على ظهر المجرة منزلا
وقد غازلتني أعين المجد والسنا
فهل أنا للحسناء أهدي تغزلا
إذا ما أثار الحب حربا على الحشا
بعثت له من دولة العقل جحفلا
وهيهات أن تسطو العيون على فتى
نظيري يرى أن الهوى مركز البلا
فما اقتاد قلبي للهوى والجوى سوى
جمال التى تسبي الفؤاد تدللا
معذبتي بالله عودي متيما
سوى وجهك الباهي لعينيه ما حلا
وجدتك أعلى الناس في مقلتي لذا
تعشقت منك الخد والنهد والطلا
هويتك مذ أبدت لحاظك لي هوى
فذقت الذي قد ذقته أنت أولا
فحسبك ما تغزو لحاظك فهي كم
أصابت وقاك الله قلبا ومفتلا!
وقال:
لو يكون المحب يهوى الجمالا
وحده كان يعشق التمثالا
إن تكن مقلتي إلى الحسن تصبو
ففؤادي يهوى الحيا والدلالا
فبروحي أفدي مهاة سبتني
بلحاظ ترمي بقلبي نبالا
وقوام يهد درع اصطباري
كلما هزه الشباب فمالا
ذات طرف كأنه لغزال
حين يرنو لو لم يكن غزالا
حركات الأحداق تجدي ثبوتا
للمحبين والسكون ملالا
يا سليمى كفي النفار فلم يب
ق لقلبي هذا النفار احتمالا
قد حويت الحسن العجيب لهذا
بضلوعي جرى هواك وجالا
واتخذت الدلال يا نور عيني
ديدنا إذ قطعت عني الوصالا
فنفيت الكرى عن الجفن حتى
عدت أرجو ولا أنال الخيالا
كيف يسلو هواك قلبي ولي عين
لمرآك لم تشاهد مثالا
حاول العاذلون عنك سلوي
وا عنائي ممن يروم المحالا!
وقال:
سلام يود الطيب لو كان طيبه
يروح بأرواح الهوى متعللا
على معشر لو يعلمون محبتي
لما قطعوا وصلا وما وصلوا فلا
وقال جوابا لرسالة بعث بها إليه بعض الشعراء:
أطرق البدر إذ تجلت وقالا
هكذا هكذا وإلا فلا لا
غادة لو بدت لحواء قدما
تحت رمز لأحرمتها الكمالا
ذات وجه حلا لآل نعيم
وجبين جلا لبدر هلالا
أنشد القرط وهو يخفق وجدا
وا بعادي عن عقد جيد تلالا!
ليس عيب فيها سوى أنها ذا
ت نفار لم يبق في احتمالا
أقسمت أن تصد طول المدى لا
وأخذ الله من على البين آلا
أيها الصب لا تمل الهوى إن
نفرت عنك فهي تحكي الغزالا
ولحبل الوداد إن قطعت كن
صابرا فالحسناء تجفو دلالا
فهو قطع يضيف للوصل آما
لا بهن الأشواق تنصب حالا
ليس للمرء في وقوع الردى من
عضد غير رصده الآمالا
في فؤادي نار الصبابة ثارت
فأراقت من الأماقي سجالا
وأقامت بين الجوانح من شوق
جبالا تحمي الجوى وتلالا
واضطرام النيران في الأرض كم ير
فع من مستوي السهول جبالا
كان عندي الهوى هوانا ولما
ذقته صار فخرة وجلالا
رب ليل أجنني الشوق فيه
ودهاني فهمت أرجو الوصالا
واتخذت الرجا معينا على حمل
الشقا والرجا يعين الرجالا
لم أزل أقطع البوادي وأعدو
كل واد وأقحم الأهوالا
وفؤادي يفري فلاة الهوى فو
ق شجون كانت له آبالا
علني أن أرى مواقع سعدي
ولبعض المنى عسى أن ينالا
خضت بحر الظلماء والشهب فوقي
راميات من الشعاع نبالا
فكأني حوت يروم من الكو
ن ابتلاع الدجى فحامى وحالا
يا نجوم السماء مالك قد صر
ت صفوفا كالقاصدين نزالا
هل ظننت الأنين مني بوقا
يستثير الوغى فرمت القتالا
ليس لي طاقة على الحرب إذ إني
ألفت الشقا وذقت الوبالا
للفتى حالتان ضير وخير
وهو يبني عليهما الأعمالا
إن غدا اليوم ضاحكا لها ولى
فيبكي غدا لضيم نوالا
هكذا الكون دائر وعليه
كلنا دائرون نرعى الزوالا
وجميع الورى على الخطب تحيا
قوة، والقوى ترى الأفعالا
فوبال على الخبير إذا صا
دف حظا فراح ينعم بالا
وحياة الإنسان أكثرها نو
م وباقي الحياة يحكي الخيالا
ولقدر الشباب لا يدرك الإنسا
ن إلا إذا المشيب تلالا
نعم تغمر الفتى فيراها
نقما إذ يدافع الإقبالا
لا يفوز الفتى بلذة عيش
إن يكن فيه راح يرجو المحالا
قل من في الورى يحب علوما
وكثير من يعشق الأموالا
وأخو الجهل ينتقي أضعف الأقوا
ل مما يصغاه والأقوى لا
أبطل الدهر دولة العلم قهرا
هكذا الدهر يقهر الأبطالا
ورمت بالأركاس فرس المعاصي
بابل الفضل فاكتست بلبالا
إن وددت الثراء يوما فهل لي
من ودادي له سوى أن أعالا؟
ويصم الإناء ما زاد ملأ
ويضن الغني ما زاد مالا
فإذا ما هويت علما فإني
قد هويت الجمال والإجمالا
دفع الدهر كل صاحب عقل
واسترد البغاة والجهالا
لا أبالي إذا الجهول علاني
إنما الصخر يحقر الأوعالا
هل أقاوي قرم القضاء إذا أو
قع في الأرزاء والأرزالا
ولدى سطوة القضا ماجت الأر
ض ارتياعا وزلزلت زلزالا
وإذا ما الفتى تحاشى من الأي
يام نبلا نضت عليه صقالا
والملا للبلا موارد بيض
ومرامي نبل تتيح النكالا
لم يهل طارق الردى ذا رشاد
قط لكن لذي الجهالة هالا
فإذا الدهر سل صارمه أبكى
الحماقي فأضحك العقالا
كل شيء يبدو حقيرا لمن يفكر
بالموت ثم يدري المآلا
قابل الغمر فهو هيلة بالهو
ل وألا يؤذيك فالروق طالا
أين أهل الوفاء؟ هيهات قد أصبح
جسم الوفاء منهم خلالا
ريب الدهر لم تدع من صديق
لصديق ولم تذر مفضالا
لم يعد لي بين الأخلاء خل
ذو ثبات سوى فتى قد تغالى
من على هامة المودة أضحى
تاج صدق فكم سما وتعالى؟
ذو صفات صفت وصحت فكانت
للصوادي مشمولة وزلالا
فلو الدهر راح يجري عليها
كل نقد عسى يصيب اعتلالا
لانثنى وهو ضارب أسدريه
خائب يشتكي العنا والكلالا
هو بحر تموج الفضل فيه
نعم بحرا أجرى لنا أفضالا!
وله الشعر قد عنا فإذا قا
ل قريضا يستغرق الأقوالا
لا نرى للإيطاء وطئا عليه
لا ولا للإقواء نلقى مجالا
كلم كالجمان تسلك في سل
ك معان تشاكل السلسالا
فاضل لا أبوح باسم له إذ
إنه لا يبوح بي إجلالا
لي إليه رسائل حملت من
أعظم الشوق ما يدك الجبالا
وسلام أرق من نسمة الرو
ض وأرقى من ابنة الكرم حالا
إن يكن حال بيننا البعد رغما
دون قرب فللولا ما أحالا
لو يذوق الزمان مر بعاد
لرأينا حدوث بعد محالا
وقال:
تهافت أهل الشعر - وا عجبي! - على
مديح أناس يدعون لهم نبلا
وما القصد إلا الرفد منهم وإنني
أرى صون ماء الوجه من رفدهم أولى
وهل يستحق المدح عير بعسجد
تبردع أو تيس بتيس قد استعلى؟
فما رفعة أو دولة أو سيادة
سوى لقب لم يعط إلا لمن ضلا
أنا لا أود المدح إلا لصابر
على الدهر مثلي أو لشهم سما فعلا
قافية الياء
وقال:
حذار الهوى يا من غدا عنه خاليا
فذلك داء الموت أعيا المداويا
إذا حل في قلب امرئ رحل النهى
وكم من أخي عقل به صار عاريا
وما الحب إلا نظرة إن تعاقبت
تدعك على جمر الصبابة ساليا
وفتانة العينين ممشوقة إذا
رنت أو تثنت أعدمتني فؤاديا
لها لفتات تورث الريم فتنة
وقد إذا ما ماس يذري العواليا
زها ورد خديها النضير وطرفها
له بنبال الغنج قد جاء حاميا
إذا ضاع عطر الورد من وجناتها
تراه لورد الثغر يهدي الصواديا
جبين لها يحكي الصباح صباحة
ووجه غدا للنيرين محاكيا
تمكن من قلبي هواها فديتها
فأصبحت غير الشوق والوجد ما بيا
بذلت لها روحي وما كنت منصفا
فيا ليت لي أخرى فأبذل ثانيا
خليلي بالله أنعشاني بذكرها
ومن ذكر ليلى والسوى خليانيا
لجسم هواها القلب قد صار حيزا
فما للسلوى من مدخل فدعانيا
أتت وهي تبدي لي نفارا تدللا
فتلوي حياء ثم تولي تدانيا
فقلت: اسفري، قالت: أتكفل يا فتى
هبوط الثريا إن أزحت لثاميا؟
سرت نفحات المسك من نفساتها
ومن خالها أضحى شذا الند ناميا
بلثم ثناياها حياتي فإن أتى
بتحريمه قوم أحلوا مماتيا
وقد يفعل المرء القبيح بزعمه
مليحا وليس المرء يدري الخوافيا
ومما ازدهاني عطفها وانعطافها
وإعراضها والصد مما دهانيا
لقد قطعت عهدي بصارم صدها
فيا ليتها بالوصل ترعى ذماميا
سلوها سلوها هل درت ما أذاقني
هواها وهل لاقت كمثلي عانيا؟
أهيم إذا ما مثل الشوق طيفها
لعيني فبي أفدي خيالا تجاهيا
رجوت الكرى حتى أرى طيفها به
وهل خطرات الطيف تشفي هياميا؟
إذا احتجبت عن أعيني خوف راقب
فتمثالها ما زال في الذهن باديا
حلا ظلمها لي بالهوى مثل ظلمها
وتعذيبها مستعذبا قد غدا ليا
وقد عودتني السهد في غسق الدجى
فعدت بلا نوم أراها أماميا
تخالف نومي في هواها ومدمعي
فذا نازلا أضحى وذلك نائيا
ترى يشتري مني المدامع جيدها
وهل لسوى هذا أبيع الجواريا
إذا جرحت قلبي فتقبيل خدها
أراه لجرح القلب بالحب شافيا
عذولي ذر عذلي فلست بسامع
وكن راثيا، فالحب أوهى عظاميا
ترى هل يلوم العاذل العاشق الذي
تتيم لو يدري المحبة ما هيا؟
ألا إنني قد صرت دائرة الهوى
فأضحى انتهائي بالغرام ابتدائيا
إذا هلت الأنواء من سحب أعيني
تساقطت النيران من نفثاتيا
فيا قلب، كم قد بت حيران بالنوى!
ويا طرف، كم قد بت للأوج راعيا!
أهيج غراما كلما لاح بارق
وأصبو اشتياقا ما بدا الطير شاديا
معذبتي لا تذكري الهجر والقلى
فذكرهما والله يفني حشائيا
إذا ما نسيت العهد والود عامدا
فلست أنا للعهد والود ناسيا
هواك كساني السقم والضيم إنما
به صرت من حسن التصبر عاريا
لأنت إله الحسن يا زهرة البها
وبدر السما أضحى لوجهك جاثيا
فيا سعد مرآك ويا نحس مقلتي
ويا حسن ملقاك ويا سوء حاليا
وعينيك لا أسلو الهوى وهو قاتلي
ولو أنني أصبحت في الرمس ثاويا
بلي جسدي والبال بلبله الهوى
فهلا رحمت اليوم بالله باليا
إذا لم تشي أني أراك بيقظتي
جفاء فمن جفنيك ردي رقاديا
وما كنت ممن ينظم الشعر إنما
بحبك صرت اليوم أحصي القوافيا
جريح الهوى يشكو إليك مصابه
فلا تعرضي عمن أتى اليوم شاكيا
وقال:
ذي البوادي أودت بتلك المطايا
وأعادت عظامهن شظايا
قد براها بري المدى نغم الحا
دي وفيض اللظى ونضب الركايا
تترامى والوخد يوري صداها
والغدايا تكدها والعشايا
ذلك الصحصحان يقدح زندا
في حشاها له قلايا شوايا
وهجير الرمضاء يسعى عليها
بكئوس اللظى فتحسو المنايا
لا أذم الحادي ولا أرحم العيس
ففي كرهن كر المنايا
أيها الهودج المشيع ليلا
سر أمانا لا طوحتك الغوايا
فيك برق وكوكب وهلال
في جبين وطلعة وثنايا
تلك ليلى ترنو إلي وداعا
بعيون مغرورقات الزوايا
نافثات سحر الغرام بقلب
في هواهن يستطيب البلايا
أيها الموقف الذي أذعر الحا
دي وهال النوى وراع المطايا
موقف البين بين قيس وليلى
أنا قيس وتلكم ليلايا
يا عشايا الفراق بالله عودي
بالتلاقي على ظعون الغدايا
ما لشهب السماء تسهى وما لل
بيد تدوي وما لذهل البرايا؟
أترى الكون كله لم يجد من
خلب البين قلبه إلايا؟
بين ليلى يا ذا الملا بين ليلى
بين ليلايا قد أذاب حشايا
وفنى مهجتي وأتلف جسمي
وبرى أعظمي وهد صبايا
في هواها ضحيت قلبي طوعا
وضحايا القلوب خير الضحايا
ولها قد أهديت روحي ولبي
وهي لي قد أهدت قبول الهدايا
عروة في الوصال وثقى ولكن
فصمتها بالقطع أيدي الرزايا
لي نوايا في الشمل بيض وها قد
كدرتها الدنيا بسود النوايا
حسدتني الأيام فاستبرزت لي
من زوايا الأقدار شر الخبايا
والليالي قامت علي كأني
ملك ظالم وهن الرعايا
أفقرتني الدنيا ومذ رمت منها
صدقات تصدقت بالأسايا
ونوال العطا إذا كان بالذل
فنعم الآباء بئس العطايا!
خاتمة الإقرار
علم الله وهو رب البريه
أن نفسي من الصواب بريه
هفواتي كثيرة ليس تحصى
ومن الفضل ليس لي من مزيه
لم أقصر عن مطلب العلم لكن
ليس لي قوة ولا قابليه
طالما رمت أن أجود نفسي
وبعيد تجويد نفس رديه
كل شيء حصلته فيه نقص
فأنا ناقص بكل قضيه
وارتكبت الأغلاط في كل أمر
يا لضعف الطبيعة البشريه!
غلطي فاضح فإن سترته
فئة الفضل قلت: نعم السجيه!
وإذا رام كشفه ذو كمال
كان شكري له أقل هديه
ليس لي حاسد فيهتك صيتي
من ترى يحسد النفوس الغبيه؟
وأنا حاسد لكل فضيل
حسدا زانه بياض الطويه
ها أقرت بالعجز نفسي ولكن
قد أبى الله أن تكون دنيه
ما أبت أن تقر بالضعف نفس
هي عن غير ما أقرت أبيه
تأنف الرفد والجوائز مهما
كن فالذل كله في العطيه
وتمج التمداح إلا لمن كا
ن فضيلا ذا غيرة وطنيه
لا ترى أن تطري غنيا لنيل
إن نفسي عن الغني غنيه
أيها الناس، حسبكم أن تطيعوا
ظلمكم ذلكم عليكم بليه
فاعدلوا تصبحوا لدى الحق أحرا
را وبنت العدالة الحريه
وإذ نال هذا الديوان حظا في أعين بعض الشعراء قرظوه بما سيأتي:
قال جناب «أحمد أفندي وهبي الحلبي»:
هذا كتاب جاء في عنوانه
بكر المعاني من بديع بيانه
يا صاح متع ناظريك بطرسه
وانظر رعاك الله في إتقانه
واشهد لمنشئه الأديب بأنه
قد لاح بدر العلم في أفنانه
بسنائه قد راح يرشدنا إلى
روح التمدن في هدى تبيانه
إن قال شعرا لم نرى منه سوى
حسن البلاغة من فصيح لسانه
ونظيمه قد راح يفعل بالنهى
فعل الشمول بمغرم في حانه
لله درك يا ابن مراش إذا
شيدت بيت الشعر في أركانه
منه القضايا قد أتت بنتائج
أغنت قياس العلم عن برهانه
حسان في عصر القديم وأنت قد
أغنيت هذا العصر عن حسانه
لو كنت في نجران قدما لم يكن
قس الفصاحة ساد في أقرانه
دونت شعرا ما رأينا مثله
نظما ونثرا من بديع زمانه
من حسنه أرخت جاد بطبعه
مرآة حسن أعلنت عن شأنه
سنة 1872 [جاد = 8، بطبعه = 88، مرآة = 641، حسن = 118، أعلنت = 541، عن = 120، شأنه = 356]
وقال جناب الشيخ «بكري أفندي زهري»:
أشروق بدر الشرق في اللألاء
أم ذا سناء الغيد في الشهباء؟
أم ظبي أنس زار يوما صبه
أم ذا سعود مطالع الظرفاء؟
أم تلك أنوار التي من جيدها
طلع الصباح بغرة بيضاء؟
هي بكر فكر الشاعر الشهم الذي
بالفضل أفحم زمرة البلغاء
هو بحر علم والمعارف موجه
والدر منه فرائد الإنشاء
هو بدر فضل والمكارم نجمه
من يحص عد النجم في الأضواء
هو ابن مراش الذي ساد الملا
ورقى العلا بمنازل السعداء
هل من يرى الشمس المنيرة قائلا:
ما مثل تلك الليلة الظلماء
إلا الذي عميت بصيرة قلبه
حسدا يكابد خبطة العشواء؟!
شهدت له الأعداء بالفضل الذي
بلغ العلا فيه على النظراء
هو شاعر الدنيا بديع زمانها
إنسان عين خلاصة الفصحاء
فله من الشعر الحلال قصائد
كقلائد نظمت من الجوزاء
وله التصانيف التي طويت لها
كتب الفحول السادة العلماء
وله المقاطيع التي من سجعها
سجعت لها الورقاء بالورقاء
وله الروايات التي كانت لنا
أصفى مساغا من زلال الماء
وله من الأمثال والحكم التي
كانت لنا كحدائق الأدباء
لا عيب فيه غير أن لسانه
ينبوع كل بديعة غراء
مذ دون الديوان دان لشعره
دان وقاص من أولي الآراء
عجبا فأرخ كلما سطع البها
هذا جمال المرأة الحسناء
سنة 1872 [كلما = 91، سطع = 139، البها = 641، هذا = 706، جمال = 74، المرأة = 672، الحسناء = 151]
وقال جناب الشيخ «أحمد أفندي محجوب المكانسي»:
أبدر تم بدا من بعد إخفاء؟
أم غصن بان زها في ثوب هيفاء
أم التآليف تروي عن مؤلفها
بأنه في الورى كالنقط للياء
ذاك ابن مراش ذو الآداب من شهدت
له تصانيفه في حسن إنشاء
ديوانه لأولي الآداب دونه
فلا تكن يا أديبا عنه بالناء
سحرا حلالا غدا يحلو لسامعه
بشرى لقارئه والحظ للرائي
فنزه الطرف في روضاته عجبا
تغنيك أبكاره عن كل عذراء
أبياته الراح تشتاق النفوس لها
تغني المعاني بها عن كاس صهباء
ونورها مذ بدا طبعا مورخها
يهدي به فزهت مرآة حسناء
سنة 1288 [يهدي = 29، به = 7، فزهت = 492، مرآة = 641، حسناء = 119]
وقال جناب الخواجا «ميخائيل أنطون صقال»:
لقد فصح ابن مراش فأربت
فصاحته على سحبان وائل
إذا ما قال: أما بعد، قلنا:
غدا قس لديه اليوم باقل
بدا ديوانه مرآة حسن
ترى به حسنها الحسناء كامل
سبت منه المعاني كل عقل
فكانت للمطالع سحر بابل
ولا عجب فصاحبه بليغ
يساجل بالبراعة من يساجل
تراه فاضلا في الشعر يسمو
وفي التاريخ أفضل كل فاضل
سنة 1872 [أفضل = 911، كل = 50، فاضل = 911]
وقال جناب الخواجا «حبيب جرجي عبديني»:
إني لأعلم صاحب الديوان ذا ال
مراش لم يهوى إلى الإطراء
من رام يدرك قدره ينظر إلى
ما قال في مرآته الحسناء
فهناك يحكم بعدما يلقاه في
تاريخه: ذا أشعر الشعراء
سنة 1874 [ذا = 701، أشعر = 571، الشعراء = 602]
وقالت أخت المؤلف حضرة الست «مريانا مراش»:
هذا كتاب جليل جاء ناظمه
بكل معنى جميل خط بالقلم
إذا تأمله ذو العقل يسحره
كسحر «هاروت» في قول وفي كلم
فإن تحكم قال الدهر: وا عجبي!
قد بان سري وجازاني على ظلمي
وإن تغزل قال الريم: واخجلي!
والشمس غارت وغاصت في دجى الظلم
فقد أحاط علوما لا عداد لها
فيا لنوع غدا جنسا لكل سمي!
فهاك عقدا على جيد الزمان زها
وكان أشهر من نار على علم
تنبيه
إنه لما كان الأمر العالي لا يسوغ لأحد طبع كتاب ولا ترجمته إلا بالحصول على الرخصة من مؤلفه؛ فقد استأذنت من ناظم هذا الديوان، وأخذت منه سندا تطبيقا لنظام قانون المطبوعات وطبعته على نفقتي. وإنني أعلن لحضرة الجمهور أنه لا يسوغ لأحد طبعه مرة ثانية ولا ترجمته من دون أن يحصل على رخصة مني، وقد حررت ذلك تنبيها للبيان.
ثمنه ستة فرنكات.
كاتبه: أحمد وهبي الحلبي
Shafi da ba'a sani ba