أتذكر تلك الأيام؟ ... لقد كانت قلوبنا فيها نقية نقاء الشمس، رخية رخاء النسيم، عذبة عذوبة الماء الذي صفا، فلا يشوبه كدر، ولا يفسده رنق. أتذكر تلك الأيام؟
لقد كانت آمالنا نقية نقاء قلوبنا، رخية رخاء طباعنا، صافية صفاء أمزجتنا. في تلك الأيام البعيدة القريبة آمنت نفوسنا؛ لأن الإصلاح وحده هو الذي سيستأثر بها، وبما تملك من قوة وجهد، ومن غير القوة والجهد مما تملك النفوس.
في تلك الأيام ساق إلينا الغرور حديثيه؛ ساق إلينا حديث الإغراء فأعرضنا عنه إعراضا، وساق إلينا حديث الإباء فأقبلنا عليه إقبالا. في تلك الأيام ثبتنا للمكروه، وصبرنا على الشر، وصب علينا الأذى فلم يبلغ منا، وأطاف بنا الكيد فلم يصل إلينا، وقامت أمامنا العقاب فلم تردنا عن الغاية، ولم تصدنا عن الطريق:
ثم انقضت تلك السنون وأهلها
فكأنها وكأنهم أحلام
ما أكثر ما قرأنا هذا البيت من شعر، وما أكثر ما تمثلنا به حين كنا نسمع أحاديث بعض الناس الذين كانوا يستجيبون للغرور فيصبحون من صرعاه. وأقسم ما خطر لي قط أني سأتمثل بهذا البيت ذات يوم حين أقرأ الصحف مصبحا أو ممسيا، فإذا لساني ينطق، وما أردت إنطاقه، بقول الأعشى:
شتان ما يومي على كورها
ويوم حيان أخي جابر
فرحم الله زيادا، وتجاوز له عن خطيئته. أقدر حين ألقى خطبته تلك أنه كان يعرب أحسن الإعراب عن حديث الغرور إلى أولي العزم من الناس حين قال: «وايم الله إن لي فيكم لصرعى كثيرة، فليحذر كل امرئ منكم أن يكون من صرعاي»!
نفوس للبيع
Shafi da ba'a sani ba