ركب طلبة مرزوق معي لكي أوصله إلى فندق وندسور لمقابلة صديق قديم. إنه الشخص الوحيد الذي أضمر له حبا واحتراما. وهو يقوم أمام عيني كتمثال أثري لملك قديم دالت دولته وولى زمانه، ولكنه يحتفظ بكافة مزاياه الذاتية. قلت له والخبث يسيطر على أفكاري: ألم يكن الأجدر بالفلاحة أن تذهب مع أهلها؟
فقال ضاحكا: كان الأجدر بها ألا تهرب من أول الأمر. - أعني أن لديها من الأسباب ما يمنعها من العودة حتى لو تمنتها! - تقصد الفتى البحيري؟ - ليس هذا بالضبط ما أعنيه، ولكنه يرجع إليه على أي حال.
ضحك الرجل وقال: محتمل جدا، ومحتمل أنه بريء مما تظن، وأن آخر كان وراء الدافع لهروبها في القرية.
وقد تضاعف سوء ظني عندما علمت - عقب ذلك بأيام - برفضها الزواج من محمود أبو العباس بياع الجرائد. وكان محمود قد شاورني في الأمر - كزبون قديم له - قبل أن يقدم على الذهاب إلى المدام لطلب يد الفتاة. وعندما وقفت أمام معرضه في اليوم التالي لمسعاه الفاشل كنت واثقا من مناقشته للموضوع ومتأهبا له. كان يبدو ممتعضا وحانقا. تبادلنا نظرات تغني عن قول الكثير، ثم قلت له مواسيا: هاك عينة من بنات اليوم.
فقال بغضب: هيهات أن تجد مثلي الحمقاء. - سيعوضك الله بخير منها، وإن أردت الحق فليس البنسيون بالمكان المناسب لاختيار عروسك. - ظننتها بنتا طيبة. - أنا لم أقل إنها ليست كذلك ولكن ...
فسألني باهتمام: ولكن ماذا؟ - ماذا يهمك منها وقد انتهى أمرها بالنسبة إليك؟ - ليرتاح قلبي. - أيرتاح قلبك لو قلت لك إنها تحب سرحان البحيري؟ - المجنونة! .. وهل سيتزوج الأستاذ سرحان منها؟
فقلت وأنا أودعه: تكلمت عن الحب لا الزواج!
كنت أكره سرحان من أول يوم. أجل، قد تهبط كراهيتي له لدرجة الصفر في الأوقات التي يفتح لي قلبه المطبوع على الألفة والمعاشرة ولكن سرعان ما يرجع الحال إلى أصله. ولا دخل لزهرة في هذه الكراهية فهي أتفه من أن تجعلني أكره أو أحب إنسانا. ربما لصراحته العمياء أحيانا، وربما لإصراره على الإشادة بالثورة لمناسبة ولغير ما مناسبة. لذلك فكثيرا ما أرغمني على مجاراته ولو بالسكوت. وقد فاض بي الكيل مرة فقلت له: نحن مؤمنون بالثورة ولكن لم يكن ما سبقها فراغا كله.
فقال بعناد مثير: بل كان فراغا. - كان الكورنيش موجودا قبلها، كذلك جامعة الإسكندرية. - لم يكن الكورنيش للشعب، ولا الجامعة.
ثم سألني ضاحكا، وبلا حقد ظاهر: خبرني لم تملك وحدك مائة فدان على حين أن كل ما تملكه أسرتي عشرة فقط؟
Shafi da ba'a sani ba