فواصل حديثه قائلا: سرحان البحيري أشدهم خطورة، لقد انتفع بالثورة إلى أقصى حد، ودعك من أسرة البحيري التي لم يسمع بها أحد، ثم إن كل مولود في البحيرة فهو بحيري، حتى زهرة فهي زهرة البحيري.
ضحكت كما ضحكت المدام. ومرت بنا زهرة في طريقها إلى الخارج لأداء واجب من واجباتها، فرأيتها مطوقة الرأس بإشارب أزرق ابتاعته بنقودها، تخطر في جاكتة المدام الرمادية، فاتنة من فاتنات الأعشاب الندية والزهور البرية. وعدت أقول: منصور باهي فتى ذكي، ما رأيك؟ ... لا يحب الكلمات الجوفاء، ويخيل إلي أنه ممن يعملون في صمت، ثم إنه من جيل الثورة الخالص. - ما الذي يدعوه، هو أو غيره، إلى الالتصاق بالثورة؟ - إنك تتكلم كأنما لا يوجد بالوطن فلاحون ولا عمال ولا شبان! - لقد سلبت البعض أموالهم وسلبت الجميع حريتهم.
فقلت ساخرا: إنك تتكلم عن حرية بالية، وحتى هذه لم تحظ باحترامكم أيام سطوتكم. •••
وأنا خارج من الحمام رأيت في الطرقة شبحين، زهرة وسرحان البحيري. في مهامسة أو مناجاة. لعله أراد أن يداري موقفه، فرفع صوته متحدثا في بعض الشئون التي تعد الفتاة مسئولة عنها . مضيت إلى حجرتي كأنما لا أرى ولا أسمع ولكن اجتاحني القلق. كيف تحافظ زهرة على راحة بالها في خلية غاصة بالشبان؟ وعندما جاءتني بقهوة العصر سألتها: أين تقضين عطلتك الأسبوعية مساء الأحد؟
أجابت بابتهاج: في السينما. - وحدك؟ - مع المدام.
قلت من قلب محب: فليحفظك الله!
ابتسمت قائلة: إنك تخاف علي كما لو كنت طفلة. - وإنك لطفلة يا زهرة. - كلا، تجدني في وقت الشدة كالرجال.
قربت وجهي من وجهها الجميل المحبوب وقلت: زهرة، هؤلاء الشبان لا يعرفون للهو حدودا، أما عند الجد ... وفرقعت بأصابعي، ولكنها قالت: حدثني أبي عن كل شيء. - إني في الواقع أحبك وأخاف عليك. - أنا فاهمة، لم أعرف رجلا مثلك منذ أبي، وأنا أحبك أيضا.
لم أسمع بكلمة الحب من قبل بهذه النعومة الرائقة. وكان من الجائز أن تخاطبني بها عشرات الأفواه البريئة لولا تهمة ألقيت بغباء، تهمة لا يمكن أن يقضي فيها أحد من الناس. •••
البرقع الأبيض.
Shafi da ba'a sani ba