قال بهدوء وازدراء: يوجد سبب بعيد في طرف الحبل المشدود حول أعناقنا، شخص لا يكاد يذكره أحد. - من هو؟ - سعد زغلول!
لم أتمالك من الضحك فراح يقول بحدة: أجل، منذ دأب على إثارة الإحن بين الناس، والتطاول على الملك، وتملق الجماهير، رمى في الأرض ببذرة خبيثة، ما زالت تنمو وتتضخم كسرطان لا علاج له حتى قضى علينا. •••
لم يكن بالبالما إلا آحاد. مضى طلبة مرزوق ينظر إلى ماء النيل شبه الساكن في ترعة المحمودية على حين مددت ساقي واستلقيت على مسند الكرسي كأنما أضطجع تحت شعاع الشمس النقي الدافئ. هاجرنا إلى أطراف الإسكندرية المزدحمة بالنبات والأزهار، التي تنعم أيام الصحو بالدفء والسلام، فآوينا إلى ركن من الجنة عامر بالبركات.
مهما يكن من غلو صاحبي وعصبيته فهو يستحق قدرا من الرثاء. عليه أن يبدأ حياة جديدة مريرة بعد الستين. إنه يغبط كريمته في مهجرها ويرى أحلاما غريبة، لا يطيق أن يسمع عن نظرية تبرر مأساته التاريخية. ويؤمن بأن الاعتداء على ماله إنما كان اعتداء على كون الله وسننه وحكمته. - كدت أعدل عن الإقامة في البنسيون عندما علمت بوجودك.
لم أصدق وسألته عن السبب: وقع اختياري على بنسيون ميرامار بأمل ألا أجد فيه إلا صاحبته الخواجاية.
فسألته عما بدد سوء ظنه بي: فكرت، ثم اقتنعت بأن التاريخ لم يعرف عميلا فوق الثمانين!
ضحكت طويلا ثم سألته: ولم تخاف العملاء؟ - لا شيء في الحقيقة غير أني أروح عن نفسي أحيانا بالكلام.
ثم واصل حديثه بعصبية: لم يعد لي مقام في الريف، وجو القاهرة يصر على إشعاري بهواني. عند ذاك فكرت في عشيقتي القديمة، وقلت لقد فقدت زوجها في ثورة، ومالها في الثورة الأخرى، وإذن فسوف نعزف لحنا واحدا.
وأثنى على صحتي رغم طعوني في السن ، وجعل يغريني على مصاحبته في دور السينما والمقاهي الشتوية. تم تساءل: لماذا عدل الله عن سياسة القوة؟
لم أدرك مرماه، فقال متبسطا في الشرح: أعني الطوفان والرياح وغيرها.
Shafi da ba'a sani ba