فتواصى أولئك بينهم أن يتمسكوا بما هم عليه، وساءت ظنونهم بالكتب والرسل، ورأوا أن ما هم عليه من آراء أقرب إلى العقول من هذا الدين.
وقال لهم هؤلاء الحيارى الضلال: إن هذا هو الحق الذي جاء به المسيح، فتركب من هذين الظنين الفاسدين إساءة الظن بالرسل، وإحسان الظن بما هم عليه.
قلت: وهذا القدر قد اعترف به النصراني في هذا الفصل الذي نتكلم عليه، حيث ذكر ما وقع من الاختلاف بين الأساقفة، وأن ذلك صار سبب وقوع عامة الناس في الحيرة حتى لا يدرون ما يختارون لأنفسهم، وينفرون عن الكتب المقدسة كأنها سم زعاف.
ومعلوم أنه لا يمكن أن يدعي أن النصارى صلحوا بعد أولئك الذين وصفهم من أسلافهم الضلال التائهين، بل دينهم الذي هم عليه الآن هو دين أولئك الحيارى، بل إنهم زادوا عليهم بالضلال الكثير، واتبعوا أهواءهم، وجادلوا في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير. فقد سجلوا على أنفسهم بمخالفة كتب الله، واعترفوا بذنبهم، فسحقا لأصحاب السعير.
والمقصود أنهم كما خالفوا في دينهم منهج الرسل، فقد عاندوا -أيضا- صريح العقل.
1 / 179