وأقول إن العبد لا يقدر أن يجلب لنفسه نفعا، ولا يدفع عنها ضرا؛ فمن سبق له من الله السعادة جعل له عقلا مبصرا؛ يقوده إلى ما فيه نفعه، ويمنعه عما فيه ضرره بتوفيق الله تعالي، وتأييده، وإرشاده له، وتسديده؛ فالخير كله من عند الله، ولا يصرف الشر إلا الله، وهو القادر على كل شئ، وهو بعباده خبير بصير.
فصل:
روي أن النبي (صلي الله عليه وسلم) قال: "العقل عقلان؛ فعقل صاحب الدنيا عقيم؛ وأما عقل صاحب الآخرة فمثمر"، وقال(1) (صلي الله عليه وسلم): "من أعطي ثلاث خصال فقد كمل عقله، وهي: المعرفة بالله، وحسن الطاعة لله، والصبر على بلاء الله".
وقال: "إن لله عبادا اختصهم من جميع خلقه؛ يسكنهم رفيع الدرجات(2) لأنهم كانوا في الدنيا أعقل الناس؛ كانت همتهم المسابقة إلى طاعة الله، وهانت عليهم الدنيا وزينتها"، وقال (صلي الله عليه وسلم): "لا فقر أشد من الجهل، ولا مال أعوذ من العقل، ولا عبادة كالتفكر".
وقال (صلي الله عليه وسلم) لأبي الدرداء: "يا ء ويمر ازدد عقلا تزدد من الناس حبا، ومن ربك قربا، وقال: بأبي وأمي من لي بالعقل؟ قال: اجتنب محارم الله، وأد فرائض الله تكن عاقلا".
وقيل(3): إن الله عز وجل لما خلق العقل قال له: أقبل فأقبل، ثم قال له: أدبر فأدبر؛ فقال: وعزتي وجلالي؛ ما خلقت خلقا أحب إلى منك؛ بك آخذ، وبك أعطي، ولك الثواب، وعليك العقاب.
Shafi 48