وقال سبحانه: " إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار " إلى قوله " والسحاب المسخر بين السماء والأرض " الآية. وقال تعالي: " ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا (15) وجعل القمر فيهن نورا " إلى قوله: " إخراجا "، وقال: " أفرأيتم ما تمنون، أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون ".
فليس يخفي على من له أدني عقل، وتمييز؛ إذا تأمل بفكره مضمون هذه الآيات، واستدل بنظره على عجائب الأرض والسموات، وأصناف الحيوان والجماد، والنبات، إن هذا الأمر العجيب الذي أحكم غاية الإحكام، ورتب هذا الترتيب لابد له من صانع يدبره، وفاعل يحكمه ويقدره. بل تكاد فطرة النفوس تشهد بكونها مقهورة تحت تسخيره، ومصرفة بمقتضي تدبيره.
ولذلك قال الله تعالي: " أفي الله شك فاطر السموات والأرض " الآية. وقال الله تعالي: " فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم " فإذا في فطرة الإنسان، وشواهد القرآن؛ ما يغني عن إقامة برهان.
ولكنا على سبيل الاستظهار، والاقتداء بالعلماء النظار نقول: في انطباق فطرة العقول: إن الحادث لا يستغني في حدوثه عن محدث؛ فالعالم بأسره حادث؛ لأن الحادث لابد له أن يكون مختصا بوقت يجوز في تقدير تقدمه، فتؤخره، واختصاصه بوقت معلوم: يفتقر بالضرورة إلى المخصص.
وأما قولنا: إن العالم حادث؛ فبرهانه أن أجسام العالم لا تخلو عن الحركة، والسكون، وهما حادثان؛ لأجل تعاقبهما، ووجود البعض منها عقيب الآخر؛ وذلك مشاهد في جميع الأجسام؛ فما من ساكن إلا والعقل قاض بجواز حركته، وما من متحرك إلا والعقل قاض بجواز سكونه؛ فالطارئ منهما حادث لضروه، والسابق حادث؛ لأنه لو ثبت قدمه؛ لاستحال عدمه.
Shafi 243