قالوا: ومن هاهنا حكم المعتزلة بقبح ذبح البهائم عقلا لرقة قلوبهم، ومنها: ما طبع عليه الإنسان من الحمية والأنفة كجنس تعظيم الأبوين وشكر المنعم، ونحو ذلك.
ومنها: محبة التسالم والموادعة والتعاون على المعاش، فلهذا استقبح الظلم والكذب واستحسن إرشاد الضال وإنقاذ الغريق والتصادق والعدل ونحو ذلك.
ومنها: التأديب الشرعي الذي تكرر في الأسماع ورسخ رسوخا يظن الظان أنه حكم للعقل عن استحسان إفشاء السلام ومكارم الأخلاق ونحوه. ومنها: استقر الجزئيات الكثيرة نحو استحسان الصدق، فإنه لما رأى حسنا في أكثر أحواله ظن الظان أنه حكم للعقل ولم يتنبه لقبحه في بعض الأمكنة نحو الصدق المتضمن للدلالة على نبي قد اختفى من عدوه.
قالوا: فلأجل هذه الأسباب الخمسة حكمنا بهذه الأحكام لا لأجل العقل كما يقوله المعتزلة، هذا حاصل ما ذكروه في المشهورات.
وأما الظنونات قالوا فهي المقدمات السمعية سواء كانت متواترة أو آحادية.
وأما المأخوذات فهي ما أخذ عن العلماء وعن من يحسن الظن به، وما سلمه الخصم.
وأما الوهميات فهي ما يحكم به الوهم المجرد كحكمه باستحالة موجود ليس بجسم ولا عرض ولا داخل في العالم ولا خارج عنه، ومن هذا القبيل ما يحكم به الجنس المجرد كحكمه بأن الشمس في قدر مجن وأن الظل واقف لا يسير، وكذلك الصغير واقف على الشق حاله البصر، وأن السحاب البعيد منتصب ونحو ذلك.
قالوا: فالقياس المتركب من التغيبيات يسمى تغيبيا، وهذا لا نزاع فيه.
قالوا: والقياس المتركب من الوهميات والحسيات والمجردة يسمى مغالطيا وسوقسطائيا، وهذا أيضا لا نزاع فيه.
قالوا: والقياس المتركب من المأخوذات والسمعيات يسمى ظنيا، وقد عرفت ما أرادوا بهذا من إبطال الشرع ومساواته لما تقوله شيوخهم وقدماءهم في أنه لا يفيد إلا الظن، وهذا لا يشتبه على مسلم بطلانه.
Shafi 57