ثم أنه لارتفاع قدره يعز منا له، وكذا كل نفيس هذا حاله، فإن الشيء بحسب جلالة محصوله تعظم المشقة في تحصيله، وعلى قدر علو مكانه يكون الاهتمام بشأنه، فلن يظفر بفوائد علم التوحيد إلا الخواص كما لا يلتقط اللآلي إلا من غاص، ولا يتمكن من افتضاض أبكاره إلا من أمهرهن صافي أفكاره، فلا يصدنك عنه صعوبة تركته، فأصعب من ذلك عاقبة الجهل به، ولا يلتفت إلى الذين ينهون عن تعلمه ويدعون عظم الخطر في تفهمه، فلم يجهلوا والله قدره، ولا جحدوا بذلك فخره، ولكن رأوا بعد ثناؤه وعز مناله، وأظهروا تجلدا كراهة وصاله، وتكلموا فيه بلسان قاصر، وقلب حائر، فهم في ذلك كما قال الشاعر:
وثب الثعلب يوما وثبة .... طلبا منه لعنقود العنب
ثم لما لم ينله قال ه .... ذا حامض ليس لنا فيه أرب
نعم، فكما أن النفع بهذا الفن كثير فإن خطر الجهل به ليس يسير، فالمقدم عليه كراكب البحر المتلاطم، والمحجم عنه في ظلام متراكم، ومن ثم عظم التكليف به والثواب عليه واستندت الأديان في كل زمان إليه، فسبيل العاقل أن ينظر فيه نظر متعرف لا نظر متعجرف، ويطلبه طلب متقرب لا طلب متغصب، ويوطن نفسه على قبول الحق من حيث ورد، ولا يعتمد في أمر دينه على أحد، فيكون قد حقب دينه الرجال /4/ وذهب معهم من يمين إلى شمال، فمثله كمثل رجل خلق له عينان فأطبقهما وانخرط في سلك العميان، قسم الله لنا من يوفقه الحظ الأسنى وختم لنا، ولكل مسترشد بالحسنى.
Shafi 7