ومنها المقتضب. وأصل بناء شطره: فاعلن مفاعلتن فاعلن مفاعلتن، إلا أن هذا ثقل لكثرة الأوتاد فيه والأسباب وتكرر الفاصلة ووقوعها في النهايات. وقد قدمنا أن ذلك مستثقل. فلهذا لم يستعملوه إلا منصوفا أي محذوف النصف من كل شطر. فهذا هو الصحيح الذي يشهد به السماع والقياس والقوانين البلاغية في اعتبار تناسب التركيبات، إذ الدليل يقوم على أنهم لم يوقعوا الوتد المفروق ولا السبب الثقيل في نهاية جزء خماسي ولا سباعي ولا فيما فوق ذلك، لأنا قد ذكرنا أن قانونهم ألا يضعوا الثقيل في النهايات ولاسيما في أواخر الأجزاء التي هي مظان اعتمادات وتوقرات وتقاطع أنفاس بوقفات خفية أو بينة عليهم أو روم لذلك وإيماء إليه، وأيضا فإن الزحافات لا تلتزم في غير تنويع الأعاريض الضروب، وقد لزم ذلك التجزئة التي قدر بها أهل العروض المقتضب ووقع ذلك في حشوها فدل على فساد رأيهم، وأيضا فإنهم يلزمهم أن يقابلوا بفعولات فاعلات على أنها من وضع التماثل حيث كان هذان الجزءان قد وضعا في صدر الشطر الأول وصدر الشطر الثاني على أن يتساوقا في الزمان ويتساويا في الترتيب.
وقد وضح في صناعة الموسيقى أن فعولات مضاد لفاعلات كما أن فعولن مضاد لفاعل، لأن الوضع فيهما متخالف، حيث كان أحدهما مفتتحا بمتحرك بعده ساكن ومختتما بساكن بعد متحركين، وكان الآخر مفتتحا بمتحركين بعدهما ساكن ومختتما بمتحرك بعده ساكن. فكانا لذلك متضادين. فكيف يوضع المتضادان وضع المتماثلين في ترتيب يقصد به تناسب المسموع والتنظير بين الأجزاء المتماثلة في الوضع وأن يجعل عمود اللحن؟.
فهذا ينبغي ألا يلتفت إلى ما وضعه أو غيره العروضيون أو الرواة من الأبيات التي تدفعها المقاييس البلاغية والقوانين الموسيقية والأذواق الصحيحة في هذا الوزن وغيره، ونحو ما غيروه من قول القائل: (المقتضب -ق- المتراكب)
جانا مبشرنا ... بالبيان والنذر
فيصيروه بتحريفهم وجهلهم بما يضمحل في أصول وضع الأوزان إلى هذا التغيير الفاسد وهو:
أتانا مبشرنا ... بالبيان والنذر
وذلك ليطر لهم رأيهم الفاسد في ما أثبتوه من التراقب الذي لا يصح ولا يثبت، إذ قد ظهر اضمحلاله في هذا الوزن واضمحلال التجزئة التي توجد فيها الأسباب مهيئة لإمكان وقوع ذلك فيها لولا انه شيء لا معنى له إلا إفساد الوزن والإخلال بوضعه والخروج به عن الوضع الملائم إلى الوضع المنافر بالجملة.
٧- إضاءة: فأما المتركبة من السباعيات المتغايرة فبناء أشطارها على ثلاثة أجزاء مزدوجان ومفرد.
فمن ذلك ما تأخر في بناء المفرد كالسريع، وتجزئته الصحيحة التي تشهد بها القوانين البلاغية: مستفعلن مستفعلن فاعلان، نحو قول حسان: (السريع -ق- المترادف)
ما هاج حسان ربوع المغاني ... ومظعن الحي ومبنى الخيام
ودعوى العروضيين أن نظامه مأخوذ من دائرة المنسرح باطلة للوجوه التي تقدم ذكرها.
وليس الجزء الواقع نهاية كلا الشطرين من هذا الوزن بمحذوف من غيره ولا مغير من سواه وإنما هو مركب من سبب خفيف ووتد مجموع متضاعف لأن الأرجل التي تتركب منها أجزاء جميع الأوزان ستة أصناف: ١- سبب ثقيل وهو متحركان نحو: بم، لك، ٢- وسبب خفيف وهو متحرك بعده ساكن نحو: من، عن، ٣- وسبب متوال وهو متحرك يتوالى بعده ساكنان نحو: قال بتسكين اللام، ٤- ووتد مفروق وهو متحركان بينهما ساكن نحو: كيف، أين، ٥- ووتد مجموع وهو متحركان بعدهما ساكن نحو: لقد، ٦- ووتد متضاعف وهو متحركان بعدهما ساكنان نحو: مقال بتسكين اللام.
فالسبب الثقيل والوتد المفروق لا يقع في نهاية جزء، وإنما يقعان في صدور الأجزاء وتضاعيفها. والسبب المتوالي والوتد المتضاعف لا يقعان إلا في نهايات الضروب والأعاريض المصرعة. والسبب الخفيف والوتد المجموع هما اللذان يقعان من صدور الأجزاء وأوساطها وأعجازها كل موقع.
٨- تنوير: ويجب أن تعلم أن العرب استقصت القسمة في تركيب المقارنة بين بعض هذه الأرجل وبعض ووضعها في أوزان أخر غير متقارنة فاعتمدت من ذلك في كل وزن ما كان مناسبا للوضع الخاص به. فبنوا أكثر الأعاريض من أكثر هذه الأرجل تصرفا، وهي الأسباب الخفيفة والأوتاد المجموعة: فمما بنوه على ذلك من الأعاريض: الطويل والبسيط والمديد والمتقارب والرجز والهزج والرمل.
1 / 75