ومنها الهزج، وأصل بناء شطره مفاعيلن ثلاث مرات إلا أنه التزم فيه حذف الجزء الثالث من كلا شطريه، فصار مجموع الوزن مربعا وكلا شطريه مثنى على مفاعيلن، مفاعيلن، كقول الشاعر: (الهزج -ق- المترادف)
صفحنا عن بني ذهل ... وقلنا القوم إخوان
٤- تنوير: وأما ما تركب من التساعية الساذجة فالخبب. وبناء شطره متفاعلتن متفاعلتن مرتان هكذا كقول بعض الشعراء الأندلسيين: (الخبب -ق- المتراكب)
أملت لقاءك في الحلم ... فزجرت العين فلم تنم
ويدخله الإضمار فيصير متفاعلتن في تقدير المتطرف لوقوعه في فيصير إلى مفعولاتن. وعلى هذا يجب أن يتأول التشعيب في الجميع لأن الوتد يصير بخبن السبب الذي قبله جزءا من فاصلة فيسكن رأس الوتد تخفيفا لأن الفواصل قد يستثقل توالي الحركات فيها. فهذا هو الرأي الصحيح في التشعيث. وبه أخذ من حقق من العروضيين إذ لا معنى لقطع الأوتاد في الحشد، لأن القطع في الأوتاد إنما قصد به تنويع الضروب، وإنما يكون ذلك في نهايات الأجزاء لا في صدورها. وهذا الوجه هو بعض الوجوه التي يتبين بها فساد رأى من جعل شطر الخبب مركبا من فاعلن أربع مرات، وزعم أن الخبن التزم في جميع أجزائه وجاز فيها القطع. ولا يلتزم خبن ولا يجوز قطع إلا في عروض أو ضرب. وإنما حملهم على هذا حرصهم على أن يجعلوا الخبب يساوق في ترتيب حركاته وسكناته المتقارب، فيكون نظام كل واحد منهما إذا وضعت له أشكال في الخط أو تصور في الذهن، ثم تأخرت عن مبدأ ذلك النظام إلى أول جزء يلي الجزء الأول الذي هو مبدأ النظام، فبدأت بأول الجزء الثاني واستمررت على جميع النظام ووصلت بآخره الجزء الذي فاتك منه أولا، حصلت بذلك بنية الوزن الآخر وهيأته. فيجعل العروضيون أحد العروضيين بذلك منفكا عن الآخر. وهذا من الأعراض الواقعة في الأوزان من غير قصد، إذ النظام الذي يكون من أجزاء متماثلة إذا ابتدأت برأس أي وتد أو سبب منه خرج لك وزن تام من أجزاء متماثلة، وإذ ابتدأت برأس أي وتد أو سبب منه خرج لك وزن متداخل من جزأين متغايرين، وإذا النظام الذي يكون شطره مؤتلفا من ثلاثة أجزاء شفع ووتر - قدم الوتر أو وسط أو أخر - إذا ابتدأت برأس أي وتد أو سبب منه خرج لك وزن قد ترتبت أجزاؤه شفعا ووترا على واحد ممن الترتيبات الثلاثة. فنشا من ذلك في النظام المركب أجزاء خماسية متماثلة وزنان، وفي المركب من جزأين متغايرين يعاقب أحدهما الآخر خمسة أوزان، وفي المركب شطره من جزأين متغايرين مكرر أحدهما تسعة أوزان.
وتوجد بعض هذه الأوزان متلائمة خفيفة، وبعضها متنافرة ثقيلة والتنافر والثقل يكون فيها لوجوه: منها أن تقع الأسباب الثقيلة والأوتاد المفروقة في نهايات الأجزاء التي هي مظان اعتمادات وتوقرات ومقاطع أنفاس، فيكون وقوع الحركات هنالك غير ملائم للنفوس وثقيلا عليها. وكذلك وقوع الفواصل في نهايات الشطور، فإنه مستثقل وليس منافرًا.
ولذلك يحتمل وقوعها فيا لمقدار القصير والمتوسط نحو المقتضب والخبب ولا يحتمل وقوعها في الطويل نحو الوافر، ولاسيما وقد تكررت في الوافر ثلاثا ولم تقع في الخبب إلا مرتين. ومن تلك الوجوه التي يقع بها التنافر والثقل تشافع الأجزاء الطويلة في أوساط الأشطار ونهاياتها ووقوع الجزء المفرد صدرا، ومنها بناء الوزن على أجزاء كلها يقع الثقيل في نهايته والخفيف في صدره، وذلك مثل أن يركب شطر وزن على فاعلن أربع مرات.
فلهذه الأسباب وما جرى مجراها مما لا يتسع لذكره هذا الموضع اقتضى النظر البلاغي أن يعدل بكثير من تقديرات الأوزان عما قدر به العروضيون، إذ كانوا بطرق التناسب والتنافر حتى أنهم جزأوا كثيرا من الأوزان تجزئة وقعوا بها في حيز الوضع المتنافر. فلذلك حققنا في كل وزن تجزئته المتناسبة، وجعلنا شطر الخبب مبنيا من جزأين تساعيين كلاهما مركب من سبب ثقيل ووتد مفروق ووتد مجموع، إذ كانت القسمة تقتضي هذا الوضع اقتضاء ضروريا إذ كان تركيب الأجزاء من الأسباب والأوتاد لا يخلو من أن يكون بضم سبب إلى وتد فيكون الجزء من ذلك خماسيا، أو بضم سببين إلى وتد فيكون الجزء من ذلك سباعيا، أو بضم سبب إلى وتدين فيكون الجزء من ذلك تساعيا. فباستقصاء هذه القسمة تهدى إلى وضع عروض الخبب.
1 / 73