254

Minhaj at-Talibin wa-Balagh ar-Raghibin

منهج الطالبين وبلاغ الراغبين

فأقبل بعض الجلساء على السائل بالإيماء إلى الرقاشي أن يسأله، فقال السائل للرقاشي: فإياك أسأل يا أبا الفضل عن الله تبارك وتعالي أجالس هو على عرشه؟ فقال يا لكع ؛ إنما يجلس من يمل القيام، فقال: أفقائم هو على عرشه؟ فقال: ثكلتك أمك !! إنما يقوم من يمل الجلوس، فقال: أمتكي هو على عرشه؟ قال: إنما يتكي من يمل القيام، والقعود، قال: أفمتصل هو بعرشه؟ قال: سبحان الله تبا لكم إنما يتصل المخلوق بالمخلوق، ويمس المخلوق بالمخلوق، وينال المخلوق المخلوق.

وأما الرب الذي لا مثل له: لا يتصل بشيء، ولا يمسه شيء، ولا يناله شيء، هو أعز وأمنع، وأقدر أن ينزل بحال الاتصال.

قال: أفمنقض هو عن العرش؟ قال: ويحك !! إنما ينقض الشيء من الشيء يحد، والله دائم بلا حد، ولا غاية.

فقال: سبحان الله، لا قائم، ولا قاعد، ولا متكي، ولا متصل، ولا منقض !! فكيف هو؟

فقال: ثكلتك أمك. لا كيف لله، وهل تدري ما الكيف؟ فقال: لا.

قال: إنما يقال الكيف للشيء الغائب؛ إذا استوصف فوجد له في الحاضر مثل؛ فيقول الواصف: كذا، أو مثل كذا، أو شبه كذا، وأما الرب فلا مثيل له فيما غاب، ولا فيما بقي، ولا يقال له: كيف، ولا يطلب بالكيف، ولا له سبيل بالكيف، وإنما يراد بالكيف: الشبيه، والعدل، والله ليس كمثله شيء.

قال: فما معني قوله: " على العرش استوى "؟ قال: فإنما ضللتم من قبل العربية أن الاستواء في كلام العرب: الاسعلاء، أي: استعلي علىخلقه بالقهر والقدرة، والتطول، فليس مخلوق يدركه أن كيف هو؛ هيهات ثم هيهات !!! من ينال ذلك؟ جعل أبصار القلوب عن ذلك الغطاء، فلا وهم يناله، ولا قلب ينعته، ولا يخطر على بال؛ إلا كما وصف الله تعالي نفسه "أنه واحد أحد فرد صمد، لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد" " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير "؛ لا يدرك إلا بآياته الواضحات الدليلات عليه.

Shafi 257