ففي إنجلترا سادت فلسفة «تحليلية» تفك المدمج إلى عناصره والكل إلى أفراده، وعلى رأس تلك الفلسفة كان «مور» و«رسل».
وفي أمريكا قامت فلسفة «برجماتية» تجعل «الحق» في النتائج الناجحة في التطبيق، أي أن «الحق» ليس كائنا أعلى من هؤلاء الناس في مشاكلهم التي تنشأ في مجالات البحث العلمي والحياة اليومية.
وفي القارة الأوروبية - فرنسا بصفة خاصة - نشأت فلسفة تغوص في ذات الإنسان الفرد غوصا تستكشف به كنهها. ومن ثم كانت الفلسفة الوجودية في فرنسا التي تعلي وجود الأفراد وجودا خارجيا حقيقيا على الماهيات المجردة التي كان يظن أنها تسبق هؤلاء الأفراد في وجودهم العيني، وتحدد لهم صورة ذلك الوجود تحديدا مسبقا لا مناص لهم من الخضوع له.
وفي الروسيا سادت فلسفة ماركسية تثور على الفلسفة الهيجلية بصورة أخرى، وهي أن تسلم بمذهبه الجدلي في تطور الكون المتماسك، لكنها تجعل ذلك الكل هو مجموعة البشر في سيرها خلال مراحل التاريخ، بدل أن كان عند هيجل هو «الروح الكلي المطلق». فالفلسفة الماركسية «جدلية» (أي أن سير التطور يجري من «الموضوع» إلى «نقيض الموضوع» ثم إلى التآلف بين النقيضين، وهكذا دواليك). أقول إن الفلسفة الماركسية «جدلية» كفلسفة هيجل، لكنها جدلية «مادية» تجعل التطور منصبا على البشر وحياتهم الفعلية، لا جدلية «فكرية» تجعل التطور منصبا على «العقل» وما يدور فيه.
ثورة على فلسفة كانت
أرأيت - إذن - كيف التقت هذه الفلسفات المعاصرة كلها في نبذها «للمطلق» الذي أراد له هيجل أن يكون هو الحقيقة كلها، وفي اهتمامها بالفرد وحياته على هذه الأرض؟ لكن هذا الاهتمام بالفرد البشري كما هو كائن فعلا، وكما هو يحيا ويفكر، قد وجد سبيله أيضا في ثورة أخرى على «عمانوئيل كانت» بدل أن تخص هيجل بغضبتها، ولذلك سمي أصحابها - وهم من الألمان - بالكانتيين الجدد، وهذا المقال حديث في أحدهم وأشهرهم، وهو أرنست كاسيرر
Ernest Cassirer
فكيف كان ذلك؟
نشأة كاسيرر
ولد أرنست كاسيرر في مدينة برسلاو
Shafi da ba'a sani ba