Daga Bayan Mariro
من وراء المنظار: صور انتقادية فكهة من حياتنا الاجتماعية
Nau'ikan
ولم يطل تطلعي فلقد أخذ يجيب على سؤال وجه إليه، فسمعت وأنا أجهد في كتمان ضحكي عبارة بين العربية والإنجليزية، فهي عربية الحروف إنجليزية النطق، الأمر الذي جعلها في جملتها قردية اللهجة والجرس ...
وكانت لا تسعفه ذاكرته أو كان يتكلف أن ذاكرته لا تسعفه ببعض الألفاظ العربية، فكان ينطق بها إنجليزية ثم يشرحها لنا كأنما يثق أننا لا نفهم تلك اللغة فهمه؛ وكان يكرر قوله: «لما كنت في إنجلترة ...»
كأنما يخشى أن ننسى أنه كان هناك، وهو يقدم تلك الحقيقة بين يدي حججه؛ ليجعلها بذلك قاطعة صادعة.
وليته ظل ساكتا فلقد حمدت الله بعد كلامه الطويل على عقليتي الشرقية ... وحيا الشاب تحية نصفها شرقي ونصفها غربي، وانطلق هو وصاحبه، والتفت إلى أحد أقراني، وقال: أرأيت الدليل المادي على صحة ما أقول؟ وقال آخر: ما لهؤلاء لا يتكبرون ولا يزهون، وقد افترضت الدولة فيهم الكفاية لمجرد ذهابهم إلى أوروبا وإن بدا لها من أكثرهم تقصيرهم في أعمالهم، وافترضت في كثير غيرهم ممن لم ينالوا شرف الاغتراب الجهل، وإن بدا لها فطنتهم وكفايتهم فيما يناط بهم؟
وقلت في نفسي: متى يفهم هؤلاء أن ليس بين التكلف والصعلكة كبير فرق؟ وأن في المصريين من سافروا مثلهم فتلقوا العلم في أوروبا، ثم عادوا إلى وطنهم محتفظين بمظاهر قوميتهم فإن قلدوا غيرهم قلدوهم في العظائم، وأخذوا عنهم ما يشرفهم أخذه، ونبذوا ما يشينهم من سخيف المحاكاة ...
وساورني خيال غريب عن أولئك المتكلفين، وذلك أنهم يضعون أنفسهم موضع السلعة في السوق، والسلع الإنجليزية يكتب عليها عادة «صنع في إنجلترة» لتزحم غيرها في الأسواق، وهؤلاء يباهي الواحد منهم بأنه - على حد تعبيره -
England man .
كرنفال!
أبدا لا تقع عيناي أو لا يقع منظاري على هذا الذي أحدثك عنه، إلا اعتلج في نفسي شعور من الهم والخزي يلازمني فترة طويلة بعد فوات المنظر، ويتجدد كلما تجدد في خاطري طيفه، وأنا أكتب هذا على أثر رؤية جديدة لذلك المنظر الذي أنكره أشد الإنكار، وما أزال أزداد إنكارا له في كل مرة عني في سابقتها.
وإنما أكتب لأدعو القارئ إلى أن يغضب معي، فإن لم يغضب، ومر على هذا الذي أقول مر الكرام، فلا شك عندي أنه قوي الأعصاب جدا ولا أستطيع أن أقول أكثر من هذا، قوة لا أدري أيحمد عليها أم يذم من أجلها؟!
Shafi da ba'a sani ba