Daga Bayan Mariro
من وراء المنظار: صور انتقادية فكهة من حياتنا الاجتماعية
Nau'ikan
ألا ليت أولئك السادة انتبهوا ففطنوا إلى أن هؤلاء الذين نزلوا إلى مستوى الكلاب، ينتمون إليهم في «آدميتهم»، وأنهم في هذا الوضع يشينون الجنس كله، ثم ألا ليت أولئك السادة تذكروا أن القليل مما ينفقون في شهواتهم كفيل بأن يقضي على أمثال هذه المناظر، إن كان يهمهم القضاء على تلك المناظر ...
آه ... ليت أولئك السادة حين تقع أعينهم على بنيهم وبناتهم، إذ يلقونهم فرحين بما يتقلبون فيه من نعمة، يذكرون أنهم رأوا بنين وبنات من تعساء الإنسانية تلتقي أيديهم الهزيلة بأرجل الكلاب والقطط في نبش صندوق القمامة.
ساع في الدرجة الخامسة!
بلغها بدماثة خلقه، لا ريب عندي في ذلك، ومن كان في ريب مما أقول فليعرفه من كثب كما أعرفه، ثم لينظر فإن لم يمح اليقين من نفسه الريبة فأنا المخطئ وهو المصيب ...
وإن أنداده ليعجبون كيف يتخطى أكثرهم إلى تلك الدرجة التي باتت عندهم حلما من الأحلام، وإنهم ليقسمون أنه دونهم في الكفاية، ويستدلون على ذلك، إذا لم يغن القسم، بأخطائه الجسيمة التي لم يسأل قط عن شيء منها، وذلك ما يزيد دهشتهم وحيرتهم.
ولكني أنا أعجب كيف فاتتهم دماثة خلقه، ورقة شمائله ولطف معاشرته، وإليها مرد ما نال من حظوة! ومتى كانت تقدر الأعمال بالكفاية فحسب؟ وإن من الكفاية لما يلحق بصاحبه الأذى، وإن منها لما يقف بينه وبين ما يشتهي.
رأيته أول مرة فرحب بمقدمي ترحيبا ملك قلبي، وأقبل علي يحدثني ويجود علي من الألقاب بما كاد يعتريني الزهو، ويداخلني الغرور من أجله، وما هي إلا دقائق حتى كنت منه كما لو كان يعرفني من زمن بعيد، وآية ذلك أنه صار يعرفني إلى أقرانه وهو يشير إلى فطنتي وسعة اطلاعي، ويثني على كرم خلقي، كل ذلك في طلاقة أدهشتني وإن كادت تضحكني ضحكات لست أدري ماذا كنت أسميها!
وتاقت نفسي إلى رؤيته أمام رئيسه، ولم يطل تطلعي فقد أقبل الرئيس فرأيته يثب من موضعه، فينظم وضع طربوشه على رأسه ويزر حلته ويهرول تجاه القادم مبتسما، حتى إذا دنا منه أقبل على يده في لهفة ولسانه يلهج بالسؤال عن صحة «سعادة البك» وأنجال «سعادة البك» ويجيب في سرعة ونشاط على سؤال وجه إليه بقوله: «نعم كما أرمت سعادتك يا سعادة البك.» وأعجبني لعمر الحق دماثة خلقه هذه واستيقنت نفسي من أدبه وظرفه.
وانقضى يوم فازددت اطلاعا على حسن شمائله وجميل تواضعه، فهو يعزو كل شيء إلى همة سعادة البك، وهو لا يفعل شيئا إلا «بأنفاس سعادته»، وهو لا يكتم خبرا ولا يضن بحديث سمعه على رئيسه، وإن كان منها ما لا يصح ذكره، فذلك عنده من الأمانة والإخلاص، وإن عبارات الإجلال والتعظيم لهذا الرئيس لتثب إلى ذهنه في سرعة عجيبة ولباقة مدهشة، أعجب معهما لمن ينكرون عليه الكفاية حتى لا يسعني إلا أن أنكرها عليهم هم؛ وإن كنت في ذلك مثلهم، إلا أنني لا تحركني الغيرة للعيب عليه.
ورأيته لا يقع بصره على رئيسه مبارحا إلا خف إليه مودعا، ولكنه يمشي على قيد خطوة أو خطوتين وراءه، وذلك لا شك تأدب منه، وإن تقول عليه خلاف ذلك المبطلون، الذين يحقدون عليه لبلوغه دونهم الدرجة التي يتحرقون شوقا إليها.
Shafi da ba'a sani ba