230

Daga Canja zuwa Kirkira

من النقل إلى الإبداع (المجلد الثاني التحول): (٣) التراكم: تنظير الموروث قبل تمثل الوافد - تنظير الموروث - الإبداع الخالص

Nau'ikan

14

وفي المقدمة تظهر النزعة الإنسانية منذ البداية وارتباط الأخلاق بالإنسان. والإنسان هو قدرته على التمييز والرغبة في الكمال. ثم يتم تحديد الأخلاق ابتداء من تحليل قوى النفس إلى ثلاث: الشهوية والغضبية والعاقلة. وهي قسمة أفلاطون بعد أن قبلها العقل الخالص ولم تعد من الوافد. فالأخلاق فطرية مغروزة في النفس، فضائل ورذائل.

فعلة اختلاف الأخلاق هي تعدد قوى النفس. النفس الشهوانية مشتركة بين الإنسان والحيوان وقوامها اللذة. والنفس الغضبية أيضا مشتركة بين الإنسان والحيوان وقوامها الشجاعة والقوة والنفس الناطقة خاصة بالإنسان وحده وقوامها التمييز وإدراك قائمة بالأخلاق الحسنة، وأخرى بالرديئة، وهي الفضائل والرذائل المعروفة عند الأخلاقيين في كل حضارة كماهيات عقلية مستقلة عن ممارساتها العملية وبيئاتها الاجتماعية وأطرها الحضارية.

15

إنما الخلاف الوحيد في الرئاسة إذ تتميز هذه الفضائل والرذائل بين الرئيس والمرءوس. والرئاسة قديما هي الطبقة حديثا. فالقناعة للمرءوس وليست للرئيس، للصغير وليست للكبير. وقد تختلف الفضائل طبقا للرئاسة في الوجوب والندب. فالسخاء عند المرءوس مندوب وعند الرئيس واجب. وقد يكون للملوك فضائل أخص بهم مثل عظم الهمة. والرذائل قد تكون للصغار وليست للرؤساء مثل الشره الذي يعين الملوك على أداء الأعباء. وقد يكون بعضها أقبح عند الملوك مثل السفه والبخل والجبن، والأهم هو تقرير نسبية الأخلاق بالإضافة إلى الرئاسة. فالأخلاق قد تكون في بعض الناس فضيلة وفي بعضهم رذيلة مثل حب الكرامة، فضيلة عند الأحداث وأقل من ذلك عند الكبار، والإكرام والتبجيل، وحب الزينة، والمجازاة على المدح، والزهد.

16

وبعد رصد قوائم الفضائل والرذائل على المستوى النظري يتم الانتقال إلى الوسائل العملية لتحقيق الأولى وتجنب الثانية وهو ما يسمى «تهذيب الأخلاق». فالأخلاق علم نظري وعلم عملي. لا تجتمع الفضائل في إنسان واحد ولكن قد تجتمع الرذائل فيه، والتفاضل بين الناس في الفضائل وليس في الرذائل، في الإيجاب وليس في السلب. وليس الأقل جبنا أفضل من الأكثر جبنا. والإنسان قادر على أن يهذب نفسه بنفسه وهو معنى الرياسة أن يسوس الإنسان نفسه بنفسه عن طريق التهذيب الذاتي. فالاكتساب ليس للأموال فحسب، وهو طريق الارتياض والتعود على الفضائل عن طريق تذليل النفس الشهوانية والغضبية وتهذيب النفس الناطقة والتدرج في ذلك، وطريق قمع النفس الشهوانية هو تذكر أن اللذة رذيلة في ذروة الحصول عليها والإكثار من مجالسة الزهاد والنساك والرهبان وأهل الورع والواعظين والرؤساء وأهل العلم، وإدامة النظر في كتب الأخلاق والسياسة، وتجنب السكر. ويحيى بن عدي نصراني ليس السكر بحرام في شريعته ولكنه يعبر عن الموقف الحضاري العام له. فتحريم الخمر، وهو حكم الإسلام، أقرب إلى الفضيلة من إباحته. كما يمكن الإقلال من السماع خاصة من النساء، الشابات والمتصنعات المثيرات للشهوات وهو ما يشار إليه في عصرنا بالأغاني الخليعة، والإقلال من الشبع، والتيقظ الدائم إلى العفة.

17

والطريق إلى السيطرة على النفس الغضبية هو تدبر أحوال الذين يسايرونها وسفههم كما يفعل الخدم والعبيد. فالأحرار أكثر قدرة على السيطرة على النفس الغضبية من العبيد. فمعايير الاختلاف في الأخلاق ما زالت إما الرئاسة أو العبودية بالإضافة إلى تخيل الإنسان نفسه أنه هو المجني عليه من الغضب. وعلى الغاضب تجنب حمل السلاح، وأماكن الفتن، ومواضع الحروب، ومجالسة الأشرار، ومعاشرة السفهاء، وتجنب السكر، واستعمال الفكر وسيطرة النفس الناطقة وتقويتها بالعلوم العقلية، والنظر في كتب الأخلاق والسياسات، والارتياض بعلوم الحقائق، ومجالسة أهل العلم، وإلا فمجاهدة النفس والتخلص من الحسد والحقد والخبث.

18

Shafi da ba'a sani ba