قلت: «أولست يتيما؟»
قال: «أعني أني أشعر بوحشة ... والباقي من عمري قليل، وكنت أرجو أن يتركوني أقضيه في بيتي، وبعد أن أموت يمكنهم أن يصنعوا ما شاءوا ... وأظن أن هذا عدل.»
قلت: «عدل! من يدري؟ هل من العدل أن تفرض على ثلاثة أو أربعة ضربا من الحياة لا يوافق إلا واحدا هو أنت! ربما كان العدل أن تحتمل أنت ما يوافق الأربعة ... على الأقل هذا أقرب إلى العدل أو أشبه به، من يدري يا سيدي؟!»
قال: «إني أنظر إلى فائدتهم ... نحن الآن نخسر خمسة جنيهات كل شهر أجرا للسكنى، ولو كنا في بيتنا لاستطعنا أن نقتصد هذا المبلغ، أو أن ننفقه فيما هو أولى وألزم. ألست توافقني؟»
قلت: «تسألني الآن، فجوابي نعم! ولو سألتني قبل عشرين سنة لكان جوابي لا ... الشباب يفعل ما يعجبه، لا ما ينفعه. ينفق بلا حساب؛ لأنه يشعر بفيض الحيوية، ولا يشعر بالحاجة إلى التدبير والاقتصاد ... مليونير! كيف يبالي بالقروش والملاليم؟!»
قال: «ولكن ألا ينبغي أن يفكروا في المستقبل ويعدوا العدة للغد؟»
قلت: «إن هذا يكون أحجى، ولكن الشباب رأسه مثل التليفون؛ أعني أنه يستطيع أن يقصي السماعة عن أذنه ويضعها فلا يسمع إذا هم صوت النذير بالكلام الثقيل.»
قال: «يا شيخ لا تقل هذا، إنه جنون.»
قلت: «صدقت، إنه جنون، ولكنه جنون القوة، والشباب ينفض عن نفسه الهموم كما تنفض عن ثيابك التراب بأصبعك، بلا عناء ولا اكتراث؛ في وسعه ذلك لأن عباب القوة زاخر، والعقل يجيء مع الضعف، والحساب له وقته؛ أوانه عندما يحس المرء بأنه بدأ ينفق من رأس ماله، يا سيدي هل تعرف مهندسا استطاع أن يوصد بوابات الخزان في إبان الفيضان؟ إنما يكون الخزن ويتيسر التدبير عندما تفتر قوة الماء الدافق ويؤمن شر اندفاعه على كيان الخزان، كذلك الإنسان؛ هل كنت تنفق بحساب دقيق في شبابك؟»
فأطرق، فقلت: «إنك تنسى أنك كنت كذلك، لو استطاع الكهول أن يذكروا كيف كانوا في شبابهم ، ولم يستغرقهم الإحساس بالحاضر وحده لعذروا.»
Shafi da ba'a sani ba