والمعنى الآخر فبين بحمد الله عند من عقل، وهو أن يقال لمن أنكر الاستعانة بالظالمين: أيها الجاهل هل عذر الله أحدا أوأطلق له ترك فرض من فرائضه، أو أطلق له ترك إقامة طاعة من طاعاته، فاسقا كان المتعبد أو مؤمنا، أو ظالما أو محسنا؟ فإن قال: نعم قد عذرهم الله في ترك فروضه، وأطلق لهم في وقت فسقهم وظلمهم رفض شيء من حدوده؛ فقد كفر القائل بذلك، واجتزي بكفره عن مناظرته في شيء من دينه؛ لأنه يزعم أن الله سوغ للظالمين شيئا من معاصيه، وأجاز لهم ترك فرائضه التي فرض، وهذا فتحريم ما أحل الله، وتحليل ما حرم الله. وإن قال: لا، لم يجز الله لظالم في وقت ظلمه، ولا لفاسق في وقت فسقه، ترك شيء من أداء فرائضه، والفرض لا زم لهم، واجب عليهم. قيل له: فأي فرض أكبر من الجهاد في سبيل الله، والقيام بمحاربة من عند عن أمر الله، والمعاونة لأولياء الله؟
فإذا قال: لا فرض أكبر من ذلك.
قيل له: فمن أين أجزت لهم القعود عن نصره؟ ومن أين أجزت للإمام أن يدعهم من أداء هذا الفرض، ولم تجز له أن يكرههم عليه في حال فسقهم، فضلا عن أن يأتوه طائعين، ولحكمه مسلمين؟ فإن أجزت للإمام أن يدع إلزامهم فرض الجهاد الأكبر، وقد أتوه طائعين، ولفرض الله في الجهاد معه مسلمين، وأجزت له أن يترك الاستعانة بهم من طريق القهر لهم إن قدر على ذلك، أو قلت: لا يجوز أن يقهرهم على ذلك إن أطاق قهرهم، فضلا عن أن يسلموا أو يطيعوا؟ فيجب عليك أن تقول: إنه لا يجب على الإمام أن يقهرهم على طاعة الله كلها وفرائضه، من الصلاة، والصيام، وغير ذلك مما هو دون الجهاد.
Shafi 789