كان في لبنان بلدتان متعاديتان؛ فلا يلتقي شبابهما في مجمع حتى تسكت الألسن وتتكلم العصي، وتزغرد المسدسات، وتتبسم الخناجر، وفي أحد الأعياد - والعيد في لبنان، وخصوصا صيفا، ملتقى الثنيان والجذعان - التقى الجمعان فكان طرب وغناء وشرب، وفي هذه الحومة تذكر شاب صديقا له من أهل القرية فراح يبحث عنه ظانا أن الجلسة سلام واطمئنان حتى مطلع الفجر. وأخيرا هون الله ولقي ذاك الصديق فراح يقبل وجنتيه وشاربيه وصلعته بقرم ونهم ... وبينما كان يعانقه عناقا جنونيا وقعت عيناه على جماعته فرآهم يقتتلون مع جماعة صديقه، فراح هو يخبط صاحبه بدبوسه ويصيح به: اضرب ولاه ... علق الشر.
تلك هي حالتنا الطائفية، يتنكر بعضنا لبعض دون ما سبب غير هذه النعرة الملعونة، وعلينا أن نضرب من نقبل، ونقول له: اضرب ولاه ... علقوا.
قال القديس إفرام: كنا وعائلة يهودية نسكن بيتا واحدا، فولدت أنا مسيحيا وولد صديقي يهوديا، ولم يكن لنا أن نختار.
لقد تعودنا في هذا الشرق أن لا نتكلم إلا بلغة الدين، فإذا ساومنا بائع مانيفاتورة على قماش نريده سألناه عن دين الخام الذي عنده ... وإذا تكلمنا عن رجل قاس قلنا: ما له دين. وإذا أعجبنا برجل قلنا له: يحرز دين البطن الذي حملك! أما سب الدين فملء أفواه الكبار والصغار.
فما قولك في امرأة أكل الثعلب دجاجتها فسبت دين نوح الذي وضع جده في السفينة؟!
كل هذا يعمل عمله في عقولنا فلنقلع عنه.وإذا شئنا أن نميت الطائفية فلنحذفها من أقوالنا.
26 / 3 / 53
من أمين الريحاني إلى كميل شمعون
يا كميل، مر «أعوانك» أن يروحوا في كسب المكارم، ويدلجوا في حاجة من هو نائم، فوالذي وسع سمعه الأصوات، ما من أحد أودع قلبا سرورا وخلق الله له من ذلك السرور لطفا، فإذا نزلت به نائبة جرى إليها كالماء في انحداره حتى يطردها عنه كما تطرد غريبة الإبل.
علي بن أبي طالب
Shafi da ba'a sani ba