343

Daga Akida Zuwa Juyin Juya Hali (2): Tauhidi

من العقيدة إلى الثورة (٢): التوحيد

Nau'ikan

الله متكلم: وتعني أن الإنسان يود أن يكون متكلما، يحافظ على كلماته، ويحرص على النطق بها. فكما يسمع ويبصر فإنه يتكلم. النطق تعبير عن الوعي وإبلاغ لمضمون الإدراك، وإيصال له للآخرين. ولكل الإنسان في عالم يكتنفه الصمت، ويعمه الخرس، يضع كل إنسان فيه يديه على أذنيه وعلى عينيه وفوق شفتيه وشعاره: «لا أسمع، لا أبصر، لا أتكلم»، أو «ممنوع من السفر، ممنوع من الكلام»، مسلوب الحرية، حرية التعبير وحرية القول. وإن تكلم فإنه يحدث نفسه أو يهمس في آذان الأصدقاء ويسر إلى الجيران أو ينطلق الحديث في حجرات النوم أو كتابة في دورات المياه خوفا من العيون والآذان. فإذا ما تحدث علنا فإنه لا يتحدث إلا نفاقا وتملقا دون قول كلمة أو صدى. ومع ذلك لا يستطيع أن يتخلى عن الكلام كمثل أعلى وكرغبة دفينة يتمناها، وهدف أسمى يسعى إليه ليكون صادقا مع النفس، مطلقا لطاقاته، ممارسا لحرية القول. يظل الكلام حبيسا في الصدر، كلاما ضامرا يتحدث به إلى نفسه، فهو المتكلم والسامع، المبلغ والمبلغ إليه، الرسول والمرسل إليه. ولما كان الوعي بالذات قد قذفه الإنسان خارجا عنه وشخصه في الكون عاش غريبا في العالم بلا وعي بالذات أو بالعالم، عاش متأملا لذاته خارجها دون إدراك أو وعي لأي مضمون لها. ولما أراد الحديث مع نفسه ومناجاة وعيه المشخص خارجا عنه فإنه يصفه ويتصوره بأغلى ما لديه، بمثله الأعلى المكتوم في الصدر وهو الكلام فيقول: «الله متكلم». فإذا ما تغيرت الظروف، وقضى على الاغتراب، واسترد الإنسان وعيه بذاته، وحقق الوحدة في داخله، يتحول الوعي المطلق بالذات إلى وعي بالذات وبالعالم، ويسترد الوعي بالذات صفته المسلوبة المعارة إلى الآخر ويصبح متكلما. فيفتح الإنسان فمه، وتحل عقدة لسانه، ويتفوه بالكلام وبعيون الكلام. يجهر بالصوت، يسمعه القاصي والداني، يتوجه بالنداء، ويصبح هو المتكلم. يتحقق مثله الأعلى في محيطه، يسمع صوته وينتبه الناس. والذي يغير الظروف هو مقدار الوعي بالذات، والقدرة على قيادة أمة، وتجنيد الجماهير، وأن يتقابل الوعي الفردي بالوعي التاريخي حتى تتحدد حرية الوعي بحتمية التاريخ. (7)

الله مريد: وتعني أن الإنسان يريد ويبغي ويتوق، ويريد حرا بمحض إرادته. فالإرادة تعبير عن الذات وازدهار للوجود وتحقيق له. ولما كان الإنسان يعيش في عالم قهر وتسلط يمحو إرادته، ويردها إلى نفسه، فتظل حبيسة في داخله، مطلوبة بين جنباته، ويصبح الإنسان عاجزا عن فعل شيء، وجوده غير محقق، ورغباته غير مشبعة، وطاقاته حبيسة. ومع ذلك فإن الإنسان لا يتخلى عن مثله الأعلى، ولا يتنازل عن حرية إرادته فيتكتم عليها، ويحافظ على إمكاناتها فتتحول إلى موضوع متعال غير متحقق. ولما كان الإنسان مغتربا في العالم فيتحول وعيه بذاته، وعلى غير وعي منه، إلى وعي مطلق يرى فيه نفسه الضائعة ويثبت فيه وجوده المغترب، يعيش له وبه، يخلقه مع أنه خالقه، ويفنيه مع أنه باق عليه. ولما كان يريد محادثته ومناجاته، وسؤاله ودعاءه، ووصفه وتصوره، فإنه يصفه بمثله الأعلى المكتوم الحبيس، من كنوزه النفيسة الدفينة، إفراجا عنه واستعمالا لها وكنوع من التحقق اللغوي الكلامي لها فيقول: «الله مريد». فإذا ما تغيرت الظروف، وسقطت نظم القهر والتسلط، وانطلقت إرادة الإنسان الحرة من عقالها، وتحقق مثله الأعلى فأصبح مريدا فاعلا، يزدهر وجوده، وتتأكد حياته، وتنتشر ذاته، ويسترد وعيه المسلوب المشخص خارجا عنه المتحجر فوقه، ويصبح مريدا كما أصبح سامعا بصيرا متكلما. فيصبح الإنسان في نهاية المطاف عالما قادرا حيا، سميعا بصيرا، متكلما مريدا. ويصبح وعيه بذاته هو الوعي المطلق، متحققا في التاريخ، يسير على قدمين، ومحمولا على جسد، يهز العروش والتيجان، ويسقط أنظمة الجهل والعجز والموت، ويقضي على نظم الكبت والتسلط والسيطرة. ولما كانت الظروف لا تتغير إلا بتفاعل الوعي الفردي مع الوعي التاريخي فإن تحرر الوعي الفردي أولا يحرك حتمية التاريخ، ويرجع الشعوب إلى مسارها الطبيعي حتى تأخذ مصيرها بيدها فتكتب التاريخ وتسطر حروفه.

إذن عبارات: الله أعلم، الله قادر، الله حي، الله سميع، الله بصير، الله متكلم، الله مريد، إنما تعكس مجتمعا جاهلا عاجزا ميتا، لا يسمع، ولا يبصر، ولا يتكلم، مسلوب الإرادة. وبالتالي يكشف الفكر الديني الذي يجعل الله موضوعا في قضايا من هذا النوع عن الظروف الاجتماعية والسياسية التي يعيشها المجتمع الذي تطلق فيه أمثال هذه القضايا. فالله كموضوع في قضية خير مشجب لأماني البشر، وأصقل مرآة تعكس أحلامهم وإحباطاتهم. علم الكلام إذن تعبير عن عجز الأفراد والشعوب عن أخذ مصائرها بيديها والدفاع عن حقوقها بأنفسها، حقوقها في العلم والإرادة والحياة، وحقوقها في السمع والبصر والكلام والإرادة، وتعبير عن أوضاع الجهل والعجز والموت والصمم والعمى والبكم والهوى. علم الكلام يكشف إذن عن وضعين، وضع قائم ووضع قادم، إقرار بواقع، رؤية مستقبلية. علم الكلام خير كاشف عن وجود الإنسان بين الحقيقة والوهم، بين الواقع والأسطورة، وخير معبر عن الإنسان في تجاربه في الحياة، النجاح والفشل، اليأس والأمل، النصر والهزيمة، التقدم والتخلف، النهضة والانهيار.

ويمكن تحليل أوصاف الذات الست بنفس الطريقة عندما نقول: الله موجود، الله قديم باق، الله مخالف للحوادث، الله قائم بالنفس ليس في محل، الله واحد.

62

فقضايا الذات إنما نشأت وتكونت بنفس المنطق الشعوري التي نشأت به وتكونت قضايا الصفات، وخضعت لنفس العمليات الشعورية التي تكمن وراء تكوين القضايا، فمثلا: (1)

الله موجود: تعني أن الإنسان موجود ولكن وجوده ضائع. ومع ذلك فإنه لا يتخلى عن وجوده كمثل أعلى. وإذا أراد وصف وجوده المشخص خارجا عنه نظرا لاغترابه في العالم فإنه يصفه بأعز ما لديه فيقول الله موجود. فإذا ما تغيرت الظروف ويكون موجودا بالفعل فإن مثله الأعلى يتحقق ويصبح موجودا. عندما يقضي على اغترابه يصبح موجودا في العالم وليس خارج العالم، موجودا حقيقة لا وهما، واقعا لا خيالا، حسا لا افتراضا. يسترد الإنسان وصفه الأول وهو الموجود ويصبح الإنسان موجودا ولا يشعر الإنسان حينئذ بحاجة إلى استنباط وجود الله من الفكر إذا ما وجد الإنسان بالفعل. ولا تتغير الظروف إلا بوجوده كفرد وبوجود الجماهير كجماعة. بالتالي تتحقق حرية الفرد في حتمية التاريخ. (2)

الله قديم: تعني أن الإنسان قديم، له جذوره التاريخية وتراثه السابق وحياته الماضية من خلال الآباء والأجداد، ممتد في الزمان. ولكن في الواقع يصبح الإنسان مقطوع الصلة، مجتث الجذور، تابعا مقلدا. ولما كان الإنسان لا يتخلى عن صفة القديم كقيمة ومثل أعلى كما يبدو ذلك في الأمثال العامية، فإنه يؤله الصفة التي لم تتحقق. ولما كان يعيش مغتربا في العالم يخلق ذاتا مطلقة من ذاته، ثم يريد أن يصفها فيصفها بأعز ما لديه وهو القديم ويقول: «الله قديم». فإذا ما تغيرت الظروف وتحققت الأصالة في الوجود، واكتشف جذوره في التراث تتحقق صفة القدم في حياته. فإذا ما استرد ذاته وقضى على الاغتراب فإن الصفة تتحقق في الذات وتعود إليها. ويتم ذلك بفضل الوعي الذاتي للوعي التاريخي من خلال تجنيد الجماهير وحركتها فيه. (3)

الله باق: تعني أن الإنسان يود البقاء، وأن يظل في القلوب، حيا في ذكريات الناس، يريد أن يتجاوز الزمان، ويتغلب على الفناء، وأن يستمر في الوجود. ولكنه يعيش في ظرف يفرز فيه الفناء، ولا يبغي له البقاء، لأنه يتنكر لوجوده، ولا يعترف به. يضعه في السجون ويدعوه إلى الهجرة، ويحدد نسله، وعدم الإنسان بالنسبة له أفضل من وجوده. ولما كان الإنسان يعيش مغتربا في العالم قذف بنفسه خارج نفسه في ذات مشخصة يتعبدها، واحتاج إلى مخاطبتها ووصفها، فإنه يصفها بحلمه الذي لم يتحقق وهو البقاء، فيقول: «الله باق». فإذا ما تغيرت الظروف وأصبح في الدنيا خالدا، وبقي في أذهان الناس حيا في شعور الجماهير، واسترد ذاته بعد وعيه بالذات، فإن صفة البقاء تتحقق فيه بتحقق ذاته. ويتم ذلك في الوعي الفردي كإرهاص للوعي الاجتماعي. (4)

الله مخالف للحوادث: يعني أن الإنسان يود ألا يكون شبيها بالأشياء، وأن يكون فردا ليس كمثله شيء، متفردا، لا يتكرر. ولكن ظروف العصر تجعله يعيش في عالم الأرقام، كل فرد رقم، وتتكرر الأرقام، وتفقد الهويات، فأصبح الإنسان شبيها بالأشياء. ومع ذلك تظل الرغبة في التفرد لديه حلما لم يتحقق، وأمنية يصبو إليها، وهدفا أعلى يسعى إليه قدر الإمكان. ولما كان الإنسان مغتربا في العالم يعيش خارجه، آخذا من ذاته جوهرها ولبها ذاتا أخرى يشخصها، احتاج للحديث عنها ومناجاتها ووصفها وتعبدها، فلا يجد إلا حلمه الذي لم يتحقق ومثله الأعلى، فيقول : «الله مخالف للحوادث». فإذا ما تغيرت الظروف وتحقق مثله الأعلى بالفعل، فإنه يسترد وصفه ويحققه ويصبح فردا. وعندما يقضي على اغترابه ويسترد ذاته من خارج العالم إلى داخل نفسه، فإنه يصفها بوصفه وهي المخالفة للحوادث. وهذا يتم جهد الإنسان وفعله وبوعيه وإرادته حتى يستطيع بعد ذلك أن يعطي مثلا للآخرين، يلتفون حوله، ويتجندون باسمه، ويحذون حذوه. (5)

Shafi da ba'a sani ba