198

Daga Akida Zuwa Juyin Juya Hali (2): Tauhidi

من العقيدة إلى الثورة (٢): التوحيد

Nau'ikan

81

وتبدأ الشهادة بعملية الرفض المعبر عنه بحرف النفي «لا». الشاهد هو الرافض، الرافض لجميع آلهة العصر، جميع أنواع الطاغوت، وشتى مظاهر السيطرة وصنوف القهر والغرور. الشاهد هو الرافض وليس الموافق أو الراضي أو القانع أو القابع أو الخانع أو المستسلم. ولما كانت الشهادة ليست قولا بل عمل، فإن حياة الإنسان كلها قد تنتهي قبل أن يرفض المتوحد آلهة العصر. ومعنى التشهد إذن صراع الإنسان مع الآلهة. آلهة العصر، دون إثبات شيء، الإله المنفي هو إله العصر. وقد تنقضي الحياة قبل إثبات «الله». وهنا يأخذ التنزيه والتشبيه معنى عمليا، التنزيه هو النفي والتشبيه هو الإثبات. يتحول فعلا النفي والإثبات من مستوى التوحيد النظري إلى مستوى التوحيد العملي، ويصبح التوحيد فعلا مزدوجا للشعور، فعل النفي المعبر عنه بحرف النفي «لا»، نفي آلهة العصر، وكل ما يكبل حرية الإنسان، ونقاء ضميره، وصحوة قلبه، وحرية إيمانه، وفعل الإثبات المعبر عنه بالاستثناء «إلا»، إثبات الإله الواحد القهار الذي يتساوى أمامه الجميع. التوحيد حرية الشعور التي تمتد إلى حرية العالم. «لا إله إلا الله» إذن منهج حياة، حرية البشر، حرية الضمير البشري، دفع الإكراه عن الناس في الإيمان وفي الفعل.

82

والوحدانية تجربة نفسية واجتماعية وسياسية وتاريخية وفنية، أي تجربة إنسانية عامة في الوحدة، وأفضليتها على التعدد والكثرة، وحدة الهدف، وحدة الصف، وحدة المصير، وحدة الوطن ، وحدة الشعب، وحدة الثقافة، وحدة البشرية. لا يثبت هذا الوصف موضوعا في الخارج بقدر ما يعبر عن مطلب إنساني. ففي التجربة، الوحدانية أكثر قيمة من الثنائية والتعدد. الحب واحد، والأب واحد، والأم واحدة، والنفس واحدة، والحقيقة واحدة، والأول واحد، لذلك كان الرب واحدا. الوحدة أكثر حقيقة من الاثنينية أو الكثرة، وهي وحدة لا تتجزأ ولا تتبعض. التجزؤ يدل على التركيب، والتركيب يدل على وجود وحدة فردية سابقة عليه. وطالما كانت الوحدة مطلب كل الفلاسفة يبحثون عنها وينتهون إلى مذاهب في الوحدة، في المعرفة أو في الوجود أو في الأخلاق أو في السياسة أو في الجمال. تقوم الحياة الإنسانية بكل جوانبها على الوحدة، وحدة الشعور في الإحساس والعمل والسلوك الاجتماعي. الشعور الواحد هو أساس الراحة النفسية الداخلية، وتحقيق الوحدة الداخلية شرط تحقيق الوحدة الخارجية. وكل الأدلة التي قدمت لإثبات الوحدانية هي عمليات شعورية خالصة يساعدها تحليل العقل ولا تثبت شيئا في الخارج. التوحيد حقيقة الحياة، إذ تقوم الحياة الإنسانية الكاملة على التوحيد بين قوى الشعور، القول والعمل والوجدان والفكر. ويقوم التغيير على التوحيد بين النظر والعمل. وتقوم الحياة الاجتماعية على التوحيد بين الفرد والجماعة، وتقوم الحركات الوطنية على التوحيد بين الأحزاب، وتقوم الدول القومية على التوحيد بين الدويلات.

83

التوحيد إذن مشروع يتحقق. لم يحدث بعد في جيلنا كما حدث عند القدماء، ولكنه يمكن أن يحدث، فهو في نطاق الممكن وليس في نطاق الواقع. عملية التوحيد هي تحويل هذا الممكن إلى واقع. التوحيد ليس شيئا معطى جاهزا كاملا، بل هي مجرد إمكانية تحقق. وبالتالي فإن نظرية أحكام العقل الثلاثة هي في نفسها نظرية أحكام الوجود الثلاثة. كانت الأولوية عند القدماء لطرفي الاستحالة والوجوب، ولم يكن الإمكان إلا طرفا ضعيفا لا يضم إلا الرؤية عند المتقدمين أو الفعل والترك عند المتأخرين. المستحيل هو المفارقة بين الوحي والعالم، الفصل بين المثال والواقع. والممكن هو التوحيد بينهما كمشروع تحقق، والواجب هو الفعل الإنساني القادر على تحويل هذا الممكن إلى واجب، والمستحيل هو الرضا بالضيم والقهر والذل والاستكانة، أي توقف المشروع عن الحركة والتحقق. وهناك فرق بين الوجود والإيجاد. التوحيد عملية إيجاد وليس إثبات وجود. التوحيد يمكن أن يوجد ولا يوجد بالضرورة. الإمكان إذن هو المقولة الرئيسية في أحكام الوجود الثلاثة، هو المحرك للاستحالة والوجوب. فلا مستحيل ولا وجود بدون الإمكان.

وعملية التوحيد هذه يقوم بها الإنسان. وقد تحدث العملية في إنسان دون آخر. التوحيد إذن فردي في أول لحظة في تحققه وليس عاما، اختيار حر للفرد وليس حتما على كل فرد. وقد يحدث التوحيد عند الفرد في لحظة من حياته دون لحظة أخرى. ليس التوحيد فقط فرديا، بل هو وقتي ولحظي، يظهر في القدرة على أخذ القرار في اللحظات المصيرية وفي إبداعات اللحظات المتميزة. ليس التوحيد باقيا إلى الأبد، بل قد ينقطع بانقطاع الفعل وتوقف العملية. فالمستقبل ليس مجرد افتراض بأن التوحيد سيكون إلى الأبد، بل ترقب وتخطيط وإعداد وتحويل الممكن إلى واقع من خلال الفعل.

والتوحيد اجتماعي، توحيد الطبقات، توحيد الأمم والشعوب، توحيد الإنسانية. الفرق شاسع بين الطبقات الكادحة والأقلية المسيطرة، وشاسع بين الأمم المغلوبة المقهورة والأمم الغالبة القاهرة، شاسع بين الأغنياء والفقراء، بين البيض والملونين، بين الشعوب التاريخية والشعوب اللاتاريخية بين الشعوب غير الأوروبية والشعوب الأوروبية. يعني التوحيد إلغاء الفصم في روح المجتمع وروح العالم حتى يتم التوحيد بين الطبقات، وبين الشعوب، وبين الأمم. وذلك لا يتم بعملية التوحيد من خلال الأفراد، وتحويل الوعي الفردي إلى وعي اجتماعي، ثم تحويل الوعي الاجتماعي إلى وعي حضاري تاريخي.

84

وبالتالي فلا حاجة إلى إثبات التوحيد في إمكان أو في كل مكان أو في لا مكان. التوحيد هو حركة التاريخ ومصير البشرية.

Shafi da ba'a sani ba