197

Daga Akida Zuwa Juyin Juya Hali (2): Tauhidi

من العقيدة إلى الثورة (٢): التوحيد

Nau'ikan

وهنا تمحى التفرقة التقليدية بين التوحيد كعلم للاعتقاديات وعلم الفقه كعلم للعمليات. علم التوحيد هو عملية التوحيد أو عمل التوحيد. التوحيد إذن علم وعمل. علم التوحيد هو الأساس النظري للعمل، وعمل التوحيد هو توحيد الشعور ثم توحيد العالم في نظام واحد يكون هو نظام الوحي، فالأشياء هي نظم الأشياء. التوحيد فعل من أفعال الشعور يظهر فيها الشعور ذاته من حيث هو شعور متوحد، ومهيئ لتصور واحدي للعالم. التوحيد إذن ليس عقيدة فقط بل عملية توحيد، وليس تصورا فقط بل نظام وليس عقيدة فحسب بل شريعة. والاسم «توحيد» من «تفعيل» يدل على عملية ولا يشير إلى جوهر ثابت كما هو الحال في واحد على وزن فاعل. التوحيد فعل من أفعال الشعور، تتوحد فيه قواه وأبعاده نحو ماهية واحدة مطلقة وشاملة، عامة ومجردة، خالصة ومنزهة. وقد حاولت معظم الحركات الإصلاحية الحديثة إعطاء الأولوية للتوحيد العملي على التوحيد النظري، وتوجيه النصوص نحو سلبيات الواقع، فخرج التفسير مرآة يعكس فيها الواقع نفسه حتى ولو ظلت النصوص متفرقة لا يجمعها جامع واحد ولا تخضع لنظرية واحدة تعطيها أساسها النظري بسلطتها. وفاعلية الإيمان التلقائية كافية للتعبير.

وفعل التوحيد فعلان: فعل سلبي ينفى به ما ليس هو التوحيد، وفعل إيجابي يثبت به ما هو التوحيد. الأول فعل من أفعال الشعور من أجل البحث عن الخالص، المجرد من الشوائب النفسية والجسمية، الحسية والعقلية، التصورية والوجدانية. ومهمة هذا الفعل التفرقة المستمرة بين موضوع العلم وصياغات العلم. موضوع العلم واحد وصياغاتنا للعلم متغيرة طبقا لتغير تصوراتنا عن موضوع العلم من عصر إلى عصر حتى لا يتوقف تقدم العلم ونقع في الدجماطيقية. لا توجد صيغة نهائية لموضوع العلم، بل يتقبل الموضوع صياغات متجددة إلى ما لا نهاية. وفي الوقت الذي يتم فيه التوحيد بين موضوع العلم وإحدى صياغاته يتوقف العلم ويتحول إلى جهل. وهذا يتطلب البحث المستمر عن الخالص، والذهاب باستمرار إلى ما هو أعمق وإلى ما وراء الظواهر، حيث يكمن أساس الظاهرة، وهو الظاهرة الحقيقية وليس مظهرها الجسمي المادي المرئي. إن الحقيقة خالصة، وهي في نفس الوقت فاعلة وموجودة ومحركة للعالم. لا يعني الخالص عدم الحركة وعدم التأثير، بل يعني الوجود والباعث وإمكانية التحقيق. ولو اختلطت الحقيقة الخالصة لأصبحت مجرد معلولات أو على أكثر تقدير مجرد علل ثانية. أما الفعل الإيجابي فهو الصياغة المقترحة كبديل عن الصياغات القديمة التي تخلفت عن تقدم الواقع والتي سبقها الواقع بمراحل. وهي أيضا ليست صيغة نهائية لأنها ستترك بعد حين إلى صياغة أخرى. ولكن الفعل السلبي هو الأساس، هو محرك التاريخ والباعث على التقدم المستمر، هو المغير والرافض والمحرك في حين أن الفعل الإيجابي هو الحاضر والثابت والساكن. وهذا هو المعنى المعرفي النظري لشعار «لا إله إلا الله» فالقضية تتكون من قضيتين: سالبة «لا إله» وموجبة «إلا الله». تظهر السالبة الخالص من الشوائب وتخلص الموضوع من صياغاته، وتغطي الموجبة آخر صياغة يقبلها العصر إلى حين. وكلاهما تعبيران لغويان عن فعلي الشعور، السالب والموجب.

78

وهذا هو معنى التنزيه والتشبيه. التنزيه نتيجة لفعل الشعور السالب من أجل تطهير الموضوع من صياغاته الزمانية والمكانية، والتشبيه هو الوقوف عند إحدى هذه الصياغات باعتبارها تعبيرا عن فعل الشعور الموجب. فالتنزيه والتشبيه لا يعنيان وجود موضع مشخص، بل هما فعلان للشعور دون أن يكون لهما أي مضمون.

أما المعنى العملي للشعار فهو تحرر الشعور الإنساني من كل القيود الاجتماعية والسياسية والمادية. فالفعل السالب يحرر الشعور من كل صور القهر، والفعل الموجب يدع الشعور حرا خالقا مبدعا. الأول يحرر الإنسان من التبعية للقيم السائدة في عصره وما به من تعلقات، والثاني يجعل الإنسان متمثلا لقيم جديدة ومرتبطا بمبدأ عام. التوحيد هو بناء الشعور الفردي، طبيعته وحركته. التوحيد كمعرفة وكوجود، كنظر وعمل، يبدأ من الشعور. التوحيد معرفة فعل نفي الشريك والضد والمثل ولكنه أيضا إقرار باللسان وتصديق بالقلب وعمل بالأركان.

79

وعبارة التوحيد هي الشهادة «لا إله إلا الله». وهي من حيث البناء اللغوي لا تعني شيئا؛ لأننا لو استبعدنا النفي «لا» والاستثناء «إلا» لبقي إله الله، وهو تعريف الشيء بمثله كمن يقول الله الله، أو إله إله، تحصيل حاصل، الموضوع هو المحمول والمحمول هو الموضوع، المبتدأ هو الخبر، والخبر هو المبتدأ. ومع ذلك فإن الشعار ينقسم إلى فعل «أشهد» ثم «لا إله إلا الله»، أي فعل الشهادة وموضوع الشهادة. لا تعني الشهادة مجرد اعتراف بعدد، ولا تعني مجرد إقرار وموافقة وأن تكرارها يكشف الأسرار والعجائب كما تقول الأشعرية المزدوجة بالتصوف. تعني الشهادة شهادة على العصر، والشهادة على العصر تضحية بالشاهد بنفسه وتحويله إلى شهيد.

80

الشاهد على عصره هو الشهيد، والشهداء على عصورهم شهداؤه. الشهادة قول الحق وإعلانه حين يصمت الناس، قول حق في وجه حاكم ظالم، فيسقطون شهداء وينالون الشهادة. الشهادة هنا قول وعمل، إيمان قلبي وإقرار فعلي.

لا يظهر التوحيد إذن إلا في الشهادة، والشهادة إعلان التوحيد، والموحد هو الشاهد على عملية التوحيد أو شهيدها. الشهادة هي التضحية بالنفس والتحول من حياة الفرد الزمنية إلى حياة الجماعة الأبدية.

Shafi da ba'a sani ba