Daga Akida Zuwa Juyi: Annabci - Alkiyama
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
Nau'ikan
23 (د) سيرة النبي
وتبلغ ذروة تحويل النبوة إلى شخص وليس إلى رسالة، في تحويل سيرة النبي من علم السيرة إلى علم أصول الدين، وتصبح أحد قواعد العقائد في موضوع النبوة؛ ففي سيرة النبي يتحول الرسول من رسالة إلى شخص وسيرة ذاتية؛ نسبه من جهة أبيه ومن جهة أمه، وأولاده ذكورا وإناثا كجزء من العقائد. وهي معلومات تاريخية خالصة حول شخص الرسول لا دلالة لها، بل وتعارض جوهر الرسالة بأنها ليست وراثة من أب أو جد، ولا توريثا لابن أو حفيد. تحولت الرسالة إلى شخص النبي، وتم الخلط بين الرسالة والرسول. ويسود الخلط حتى الآن، يحفظه الصبية في الكتاتيب، وتغنى في التواشيح في أجهزة الأعلام، وتنشد في الموالد، وتعطى في المصحات والمستوصفات كأسماء للمواليد الجدد، تبركا وتيمنا، كما يدخل في الاعتقاد أسماء الأمكنة، مثل مكة والمدينة، وأزمنة مولده ووفاته، وقد تكون القدس وفلسطين أقرب إلى قلب المسلم وروحه ووجدانه وأدخل في العقائد؛ فالضائع أكثر حضورا في الذهن من الموجود. وما أهمية معرفة أولاده وترتيبهم وأحفاده؟ وهل هذا الترتيب زمانيا حسب تاريخ الولادة، أم شرفيا حسب الشرف وكما يقتضيه الصراع السياسي والأحقية في الإمامة؟ وهل ترتيب الزواج حسب الزمان، أم حسب الفضل، أم حسب درجة قربهن إلى الرسول؟ ويستعمل ذلك اليوم لإضفاء الشرعية على كل حاكم بنسبة نفسه إلى بني هاشم، وأمنيته أن يكون أميرا للمؤمنين وخليفة لهم، حتى ولو كان سفاحا قاتلا، أو فاسقا عاصيا، أو ناهبا لثروات الأمة وقاهرا لعلمائها. إن ذلك جزء من علوم السيرة، وليس جزءا من علم أصول الدين، فمكانه هناك أليق. وما الفائدة من وضع أزواجه كجزء من العقائد دون أصحابه، وقد كان دور أصحابه في الرسالة أكبر بكثير من دور أزواجه؟ ولقد قام القرآن بتقريع بعضهن، والتخفيف على النبي مما أصاب النبي بسببهن، بل لقد حاربت إحداهن خيرة الصحابة وسالت دماء المسلمين، بل لقد وضع أيضا أعمامه وعماته. ولماذا لا تستمر القائمة في وضع أخواله وخالاته، وأبناء وبنات العمومة وأبناء وبنات الأخوال؟ بل ووضعت أيضا مرضعته! لقد دخل هذا الجزء في العقائد المتأخرة بعد أن تشخصت النبوة، واختفت كرسالة في أوضاع سياسية تتشخص فيها المجتمعات والأمم في أشخاص الزعماء والساسة، وتسمى الدول بأسماء سلاطينها، وكلهم إلى رسول الله منتسب! ولولا بقايا من حياء لوضع كل منهم كجزء من التعليم الوطني شجرة النسب، وهو ما يعارض روح الإسلام وأقوال الرسول ذاته في طلبه للناس أن يأتوه بأعمالهم ولا يأتوه بأنسابهم. وقد تكون ذلك آثار جاهلية وانتصارا لنعرات بعض القبائل دون البعض الآخر؛ ولذلك نمط سابق في تاريخ الأديان في مقدمات الإنجيل، في إرجاع نسب المسيح إلى داود أولا، ثم إلى آدم ثانيا؛ لإثبات نسله من تاريخ الملوك والأنبياء، وفي بعض الأنساب توضع أسماء الأنبياء مثل إلياس وخضر، ولولا صعوبة النقل إلى آدم لاكتملت شجرة النسب!
24 (2) النبوة كرسالة
إن ما يهم في النبوة ليس محورها الرأسي؛ نظرية الاتصال وكيفيته وطرقه؛ فهذا أدخل في علوم الحكمة، بل محورها الأفقي؛ أي تبليغ الرسالة للناس من المرسل عبر المرسل إليه إلى المرسل إليهم، وهو الأدخل في علم الأصول. فالنبوة وسيلة لتبليغ الوحي، وتبدأ صلتنا بالوحي بمجرد إعلانه وتبليغه. أما قبل ذلك فليس لدينا وسيلة للتعرف على كيفيتها. وقد دخل المرسل إليه، وهو الله، من قبل في التوحيد، في نظرية الذات والصفات. والحديث عن وسيلة الاتصال، مثل الملائكة والجن والشياطين، كل ذلك لا دخل له في الوحي الذي يبدأ تبليغ الرسول به للناس، وحمل الناس الأمانة، وتحقيقها في التاريخ. إن المرسل إليه ليس فقط هو النبي، بل إن النبي هو مجرد وسيلة إلى المرسل إليهم وهم الناس، والتوقف على الرسول تشخيص للنبوة وإيقاف للتبليغ وقطع للرسالة وكتمان لها. أشخاص الأنبياء لا تكون جزءا من الوحي؛ فالأنبياء مجرد وسائل للتبليغ، وتبقى الرسالات بعد انقضاء الأنبياء، وتبقى الرسالات تترى حتى اكتمال الوحي، واندراجها جميعا في آخر مرحلة.
25
كما أن إثبات النبوة عن طريق إثبات الصانع وقدرته لا تؤدي إلى شيء؛ لأنه لا يمكن نفي الصانع وإثبات النبوة؛ فالنبوة أساسا رسالة، والذي يهم هو مضمونها وليس مصدرها. لا تنشأ بقرار من سلطة مطلقة، ولا تعني وجود معلم لم يتعلم، بل تعني نداء الواقع للفكر، وطلب رسالة أثر وقوع أزمة في التطور الإنساني، والتعثر في ارتقاء الوعي البشري.
26
فإذا لم تكن النبوة شخص الرسول، فهل هي صفة فيه أم صفة خاصة بالرسالة التي يحملها؟ وإن كانت صفة فيه فهل هي فطرية أم مكتسبة؟ والحقيقة أن النبوة ليست صفة في شخص الرسول؛ فذلك أيضا تشخيص للنبوة في صفات النبي، بل هي صفة للرسالة التي يحملها؛ تواترها، ومضمونها، وتحقيقها. فلا تتوقف النبوة عند النبي، بل تستمر في الرسالة إلى نهاية الزمان، طالما أن هناك مكلفا قادرا على الفعل والتمييز. وعلى افتراض أنها صفة للنبي فهي صفة لا فطرية ولا مكتسبة، أو هي فطرية ومكتسبة في آن واحد؛ فالنبوة ليست مجرد اختيار أمر بالتبليغ، بل صفة حالة في النبي؛ فهي في هذه الناحية فطرية وليست مكتسبة، من الداخل أكثر من الخارج؛ ومن ثم فلا احتياج إلى أمر خارجي، بل إلى ظروف الاضطهاد والظلم التي تفجر طاقات النبي الدفينة. تعني فطرية عند القدماء أنها هبة من الله، وهذا أيضا عود إلى المحور الرأسي في النبوة، وإلى إرجاع النبوة إلى المرسل وليس إلى المرسل إليهم ثم إلى الرسالة. النبوة فطرية لأنها تمثل استعدادات خاصة في النبي، وفي نفس الوقت مكتسبة لأنها تنشأ في ظروف القهر والاضطهاد، ويأتي النبي محررا للأمة من التسلط والطغيان.
27
وإذا كان النبي هو قائد الجماعة، وهو المؤهل بصفاته لمهمة القيادة، فهل تكون النبوة جزاء؟ وإذا نجح في رسالته وحقق غايته وانتصرت الجماعة، فهل عليها ثواب؟ النبوة ليست جزاء بل اختيار لأفضل القوم زعيما لهم؛ لصفاته وقدراته وأهليته. وكيف تكون جزاء ولم تتم بعد؟ وعلى أي شيء يكون الجزاء ما لم تتحقق؟ الجزاء، ثوابا وعقابا، لكل فعل، والنبوة باعتبارها فعلا يكون لها الجزاء بهذا المعنى، ولا تكون في الأصل ابتداء؛ لأن الاختيار يكون بناء على الأهلية والقدرة، وإلا كان الاختيار عشوائيا بلا سبب،
Shafi da ba'a sani ba