Daga Aqida Zuwa Juyin Juya Hali
من العقيدة إلى الثورة (١): المقدمات النظرية
Nau'ikan
وليست مهمتنا نقد العلماء وبيان عوراتهم وتناقضاتهم، فما أسهل ذاك! ليست المعركة معهم، بل مع بناء فكري قديم نشأ في ظروف تاريخية قديمة ويعاد بناؤه من جديد طبقا لظروف تاريخية جديدة، المعركة مع البناء الحي الذي ما زال يؤثر فينا لا مع البنائين الذين واراهم التراب، ومن منا ليس له أخطاء أو عورات؟ ومن منا لم يقع في تناقضات؟ المهم هو إعادة بناء القديم، واستقامة المعوج، بل إن فكرة الخطأ من الناحية الحضارية لا وجود لها، كل مفكر ما هو إلا معبر عن موقفه الحضاري، والمواقف الحضارية تتغير بفعل التاريخ، ويكون الخطأ فقط هو أخذ موقف حضاري مخالف للحظة التاريخية التي يوجد فيها المفكر؛ أي أن يعبر عن موقف حضاري سابق (الحركة السلفية)، أو عن موقف حضاري قادم (الحركة العلمانية)، الصواب في التاريخ هو التعبير عن الموقف الحضاري الحالي (التراث والتجديد أو اليسار الإسلامي)، يكون الخطأ هنا بمعنى الجمود، والتأخر، وتخلف الفكر عن الواقع، ويكون الصواب هي الحركة، والتقدم، ومواكبة الفكر للواقع، أما الخطأ بمعنى غياب الاتساق الداخلي فهو خطأ صوري خالص، لا يهمنا في شيء، لسنا أمام مقدمات نستنتج منها نتائج، بل أمام واقع حي نحاول المساهمة في تطويره، وفي القضاء على معوقات تقدمه، مهمتنا عملية لا نظرية، وغايتنا اجتماعية لا صورية، ومنطقنا منطق التغيير لا منطق الاتساع؛ أي مطابقة بناء الفكر مع حركة الواقع وليس مجرد مطابقة الفكر الصوري مع الواقع الأبدي، بل إن تغيير الواقع هو أقصى محاولات تحقيق اتساق الفكر مع الواقع، وإلغاء المسافة بين نظام العالم ونظام الوحي الذي هو نظام الطبيعة وهي تنحو نحو الكمال، نحو التحقق والغاية، بل إن الغاية ليس حل المسائل الكلامية، بل إرجاعها واحدة تلو الأخرى إلى ظروفها النفسية والاجتماعية الأولى التي نشأت منها، ثم ردها إلى الأسس النفسية والاجتماعية الحالية لمعرفة مدى فاعليتها سلبا أم إيجابا، ثم اختيار أحد الحلول من البدائل القديمة المطروحة والتي يفرضها بناء الشعور المعاصر طبقا لحاجات الجيل ومطالبه، فلا توجد هناك حلول نظرية صائبة وأخرى خاطئة، بل توجد حلول فعالة ومؤثرة تهدف لصالح فئة أو لصالح مجموع الأمة، تحقق مطلب السلطة في الشرعية والطاعة أو مطلب المعارضة في الرفض والثورة.
12
ولم نقتف أثر رسالة أو كتاب، شرحا أو تلخيصا، بل اتبعنا بناء العلم ذاته، تكملة من جميع المذاهب والفرق، ولم ننتسب إلى فرقة دون أخرى أو مذهب دون آخر، بل حاولنا تحليل جميع المذاهب والفرق تحليلا علميا موضوعيا، لا هدف لنا إلا نشأة الأفكار وآثارها في السلوك والتوجيه، مع أن وجداننا معتزلي، وهدفنا تطوير الاتجاه الاعتزالي خطوة نحو عقل الثورة من أجل إقامة «لاهوت» شامل للثورة، وقد احتفظ التاريخ لنا بمؤلفات الأشاعرة أكثر من مؤلفات المعتزلة، كان المعتزلة قليلي الكتابة، وأهل مناظرة ورأي، كانوا أقرب إلى قادة الفكر، ومؤسسي الحركات، مما لا يسمح لهم ذلك الموقف بالتأليف كما كانوا أهل معارضة علنية من الداخل، ومواقف مشهودة، وقيادة أمة، وإنارة فكر، وهذا أيضا قد يمنع من التأليف على عكس تراث السلطة وتجنيد النظار، وحشد الأقلام وتفرغ المنظرين له،
13
هذا بالإضافة إلى قصر عمر المعتزلة بعد أن أنهتهم المحنة، فضاعت كتبهم واندثرت، وبعد أن سادت الأشعرية وراجت كتبهم، خاصة وأنهم كانوا يمثلون التراث والسلطة في آن واحد، وكانت العقيدة الرسمية السائدة منذ محنة المعتزلة حتى اليوم، كما أن تعبير الأشاعرة عن إيمان العوام والعقائد الشعبية والفكر الشائع جعلهم أقرب إلى الاستمرار والدوام في مقابل تعبير المعتزلة عن مواقف فكرية تستلزم وعيا وبصيرة لا تتوافر في كل عصر ولا توجد عند كل الناس، وقد استمر «علم الأشعرية» بعد اكتمال العلم في الشروح والملخصات تعبيرا عن الواقع المستتب، وسكون الفكر، والركود الحضاري العام.
14
لم نستعمل مؤلفات شيعية لأن الفكر الشيعي ليس موجها لسلوك الجماهير، وليس مخزونا فكريا عندها بالرغم من حب آل البيت، وتقديس ولاة الله الصالحين في الدين الشعبي. كان يجوز الاعتماد على مصنفات شيعية لو كان المؤلف إيرانيا أو لو كان الفكر الشيعي سائدا وموجها سلبا أم إيجابا، ولا يعني هذا الانقطاع عن الفكر الشيعي والانعزال عنه؛ وذلك لأنه نمط مثالي يوجد في كل عصر، ويظهر في كل حضارة، ويتكرر في كل زمان ومكان، ربما لو شئنا إقامة حوار بين الفكر الشيعي والفكر السني الآن لجاز تناول الفكر الشيعي، ولكن مهمتنا ليست إجراء مثل هذا الحوار الذي يفصمه التاريخ وتمنعه الأحقاد والضغائن المتوارثة، بل الرجوع إلى وحدة الفكر الأولى وربطه بواقع المسلمين الحالي، فالوحدة تأتي من الفكر ومن الواقع، وليست من توحيد العقائد التاريخية أو إجراء حوار بينها لا يتعدى بعض المتخصصين المتفيهقين، ولا يتجاوز اهتمام الساسة وأهل المراسيم.
ولم نشأ التركيز على صلة الكلام بالعلوم الأخرى، فذلك موضوع آخر.
15
ولكننا أشرنا إليها بمقدار إشارة علم الكلام إليها إما عرضا في نقد بعض التصورات الفلسفية خاصة بقدم العالم والمادة أو بعالم الأفلاك أو بعض مدارك العلوم في التصوف فيما يتعلق بالإلهام أو بعض الأحكام الشرعية فيما يتعلق بالنسك. والإشارة إلى أصول الفقه أوضح لأن علم أصول الدين وعلم أصول الفقه كلاهما علم للأصول، أما الإشارات إلى علم الكلام من العلوم الأخرى فذلك أدخل في هذه العلوم منها في علم الكلام، فذكر علم الكلام في علوم الحكمة يبين موقف علوم الحكمة من علم الكلام وليس موقف علم الكلام من علوم الحكمة، وكذلك الإشارة إلى علم الكلام في علوم التصوف تبين موقف علوم التصوف من علم الكلام أكثر مما تبين موقف علم الكلام من علوم التصوف، هذه المادة الكلامية لا تدخل في بناء علم الكلام، بل تدخل في أبنية العلوم الأخرى.
Shafi da ba'a sani ba