Daga Aqida Zuwa Juyin Juya Hali
من العقيدة إلى الثورة (١): المقدمات النظرية
Nau'ikan
3
إن أوصاف العامة من جهل وتعصب وتقليد ليست أوصاف الجماهير الواعية التي تقوم بنفسها بالتوجيه والإصدار، بل إنها أحيانا تكون أكثر وعيا من الخاصة؛ وذلك لأنها ما زالت على الطبيعة، تعبر عن واقعها بصدق من خلال أمثلتها الشعبية وأغانيها التلقائية، وأساطيرها المتوارثة، وسير أبطالها في مقابل انعزالية الخاصة، واهتمامهم بمصالحهم الشخصية، وغربتهم عن الجماهير وتراثها، وميلهم إلى تراث آخر يجدون فيه العلم والمعرفة، ودورانهم حول الواقع والالتفاف حوله، والوقوع في التبرير والتنظير لصالح السلطان، إن العامة ذكية بطبعها بحسها الشعبي وإن بدت للخاصة جاهلة، ومستنيرة وإن بدت للغير عمياء، تفهم وتقدر، وتعرف من يتكلم باسمها ومن يتعايش عليها، ولكن ينقصها التنظيم والتحزيب والتجنيد من أجل المراجعة على القادة وفرض مصالحها عليهم.
4
لا يقتصر العقل على الخاصة وحدهم دون العامة، فالعقل هو النور الفطري الذي يوجد في كل إنسان، كل إنسان عاقل من حيث هو إنسان، تظهر البداهة عند العامي بحسه الشعبي المرهف، ومعرفته بالواجب، بل كثيرا ما يتعلم الخاصة من العامة، ويتثقفون من تراثها، وكثيرا ما تعلم العامة الخاصة وتعطيهم نموذجا للفكر والسلوك والجرأة على الحق والالتحام بالواقع. ليست العامة جاهلة بطبعها، وليست الخاصة عالمة بطبعها؛ فالحس البديهي موجود عند كل إنسان، وهو القاسم المشترك بين الناس، وأحيانا تكون الخاصة جاهلة، والعامة عالمة، فمن جهل الخاصة تصورهم أن هناك ثقافتين وحقيقتين الأولى لهم والثانية لغيرهم، من جهلها هذه القسمة للناس إلى أذكياء وأغبياء ، حكام ومحكومين، قادة وجماهير، ثم تنصيب أنفسهم من الفريق الأول وغيرهم من الفريق الثاني؛ فهم الأذكياء والحكام والقادة، والعامة هم الأغبياء والمحكومون والجماهير، تنصب الخاصة نفسها كقيادة للعامة فتخطط لنفسها وتعمل لحياتها، وتتصور العالم حسب تكوينها النفسي والاجتماعي وتنسى العامة ومصالحها وإدراكها، وتصوراتها للعالم، وبواعثها على السلوك، وهو ما يسمى في عصرنا الحالي بأزمة المثقفين. ليست الخاصة هي الوحيدة العالمة والتي تهتم بالثقافة دون العامة بل هي طليعة الجماهير والمسئولة عن تثقيفها، لا توجد حقيقتان؛ الأولى للعامة الدهماء والثانية للخاصة العلماء، هناك حقيقة واحدة ينتمي إليها الجميع، ويعبرون عنها في ثقافة واحدة، وبفكرة واحدة، وبتصور واحد، ومن ازداد وعيا قام بتوعية غيره.
ولا يوجد فريق من الناس كافر بطبعه، يحيد عن الحق كسلوك دائم لأن العقل ليس هبة فيهم، ويكون جزاؤه السوط أو السيف! إن نور العقل قاسم مشترك بين الناس جميعا، وإن تغليب الهوى أو المصلحة على نور العقل أو جحد الحق دون التسليم به كل ذلك يحدث في مواقف محددة، وظروف اجتماعية خاصة، وليس جبلة في الإنسان. الإنسان بطبعه ميال إلى الحق، فإن لم تتغلب الفطرة عليه سادته الظروف، وأصبح خاضعا للموقف، وإننا لنعاني في عصرنا الحاضر من استعمال السيف ضد المفكرين، خاصة لو كانوا ممن غلب لديهم نور العقل على ظروفهم الاجتماعية، وآثروا العقل على الطغيان، ومن يحكم أو يقرر أن هذا الفريق أو ذاك كافر بطبعه لم يهبه الله نور العقل؟ الحاكم أم المحكوم؟ السلطة أم المعارضة؟ من بيده السلطة اليوم أو من سيحصل عليها في الغد؟ إنه في الغالب إما السلطة السياسية أو السلطة الدينية أو كلاهما معا نظرا لتواطئهما المتواتر، ومصالحهما المشتركة.
5
إنه لا يحق لحاكم أو لمحكوم، لرئيس أو لمرءوس أن يحكم على أحد أو على فريق بأنه كافر مبتدع، وإلا عدنا إلى تكفير الفرق بعضها للبعض، الكل مجتهد، والمحك هو البرهان، لا يمكن قهر الناس بالسيف باسم العناد أو الكفر أو الضلال، ولكن يترك الناس حتى تأتيهم البينة ويلتزمون بالجماعة طوعا.
6
والشك ليس جريمة، والتساؤل ليس كفرا يدان صاحبه، ويجرح أمام الملأ، لأن التقليد والإيمان بالسماع لا يقوم على أساس، فإذا كان هناك فريق من الناس يشك ويتساءل ويريد أن يقيم عقائده على أساس من البرهان، فهم ليسوا مرضى يجب علاجهم بدواء التسليم والإيمان أو بآية أو حديث، الشك عند بعض المعتزلة أول الواجبات على المسلم قبل النظر.
7
Shafi da ba'a sani ba