Daga Akida zuwa Juyin Juya Hali (5): Imani da Aiki - Imamanci
من العقيدة إلى الثورة (٥): الإيمان والعمل - الإمامة
Nau'ikan
وفي كلتا الحالتين، البداية الأولى والبداية الثانية، يظهر الدرس المستفاد، وهو أن الانتقال من الوحدة إلى التشتت عمل من أعمال العقل، أو بتعبير أدق نقص في العقل، وتحكم بالهوى، وتأويل للنصوص، وإعمال للجهد. وكأن السؤال عن العلة جريمة تستحق العقاب، وكأن عقل الإنسان قاصر عن فهم الأسباب، بل ولا يجوز للإنسان أن يتساءل وأن يستدرك.
38
تعني البداية الأولى أن الإيمان بالتوحيد يقتضي التسليم، وأن أي استفهام بعد الإيمان يدل على عدم صدق الإيمان، مع أن إبراهيم سأل حتى يطمئن قلبه واستجيب لسؤاله؛ فالسؤال والاستفسار والاستدراك نزوع إنساني لا يجحد.
39
كما نشأت الشبهات في أول الزمان من إعمال العقل، فإنها نشأت أيضا في أول ظهور الوحي وإعلان النبوة من إعمال العقل، والسؤال والرغبة في المعرفة، والقياس والبحث عن العلة. فكل إعمال للعقل خروج على النبوة، وكل سؤال انحراف عنها. فالخوارج هم العقلاء، والعقلاء هم الخوارج! إن السؤال ليس شبهة، بل هو خلق حضاري، وبداية لتحدي الواقع وتنظيره بالفكر. والاستدراك ليس هدما، بل هو عثور على تصور متناسق للعالم حتى يشعر الإنسان بوئام معرفي مع الطبيعة يستطيع بعده من السيطرة على قوانينها وتسخيرها لصالحه. وما دام التفسير خلقا إنسانيا يعبر عن وجود الإنسان في موقف، فإنه يكون معبرا بالضرورة عن هذا الموقف الذي يتدخل فيه الهوى والانفعال والمصلحة. ويكون السؤال: هل هذا الهوى ذاتي أم موضوعي؟ هل هذه المصلحة فردية أم جماعية؟ وبالإجابة على ذلك يتحول الوحي إلى حضارة، والنبوة إلى تاريخ. وهذا كله ليس سلبا بل إيجاب، وليس نقصا بل كمال، وليس سقوطا بل رفع، وليس طردا أو حرمانا بل تكليف وحرية.
40
إن تحويل العالم الطبيعي إلى عالم مدرك ليس نفيا للوحي، بل هو تمثل للوحي كمعرفة قبل استعماله كموجه للسلوك، وتأصيله كبناء نظري مثالي للعالم. فالوحي لا يتحدث بنفسه، بل يعطيه الإنسان اتساقه العقلي، ويكتشف أساسه النظري. والإنسان ليس آلة تؤمر فتطيع، بل هو إمكانيات للفهم والتمثل، وقدرات السلوك القائم على البواعث، وإمكانية حركة تلقائية تعبر عن طبيعته المثالية. أوامر الوحي ليست قواهر وزواجر وموانع وروادع، بل موجهات للسلوك، وبواعث للفعل، تثبيت لغاية، وتأسيس لنظر، وازدهار لطبيعة، واكتمال لموقف.
ويعيد التاريخ نفسه، ويدور الشعور في التاريخ، ويخرج علم الكلام في بداية ثالثة ناشئا عن إعمال العقل في النص. ولما كان العقل صورة للجهد الإنساني ، فقد يكون أقرب إلى الهوى أو الرأي أو المصلحة أو سوء النية أو النفاق. ولما كان العقل أعور، أي لا يرى إلا من جانب واحد نشأت الفرق، كل منها يعبر عن جانب، وكلها نتيجة إعمال العقل! فهل هذه صورة العقل؟ ألا يوجد عقل بديهي لا دخل فيه للهوى؟ هل العقل سبب للسقوط والانحدار أم سبب للتطور والازدهار؟ ويقوم حكم العقل على القياس، ويعني القياس بالضرورة التماثل بين شبيهين، وهو قياس الشبه؛ ومن ثم يؤدي القياس إلى قياس الغائب على الشاهد؛ مما يؤدي بدوره إلى التقصير في حق الغائب، والغلو في حق الشاهد؛ أي إنزال الغائب إلى مستوى الشاهد، ورفع الشاهد إلى مستوى الغائب. فالقياس يقلل المسافة بين المثالي والواقعي حتى يتم إلغاؤها كلية في النهاية. وهي حقيقة معرفية تعبر عن الموقف الإنساني في إدراكه لنفسه وللعالم، فهو يعبر عن الغائب بالشاهد إن كان يريد الواقع والعمل والتاريخ، ويعبر عن الشاهد بالغائب إن كان الشاهد متأزما يريد دفعه إلى المثال ولو التعبير عنه بالتمني. وقياس العلة كقياس الشبه محاولة للسيطرة على العالم وإخضاعه بعد فهمه وتنظيره. هو قياس يبحث عن سبب الوجود ومن أجل اكتشاف قوانين الطبيعة حتى يسير الإنسان معها، يستمد منها قوته ويوحدها مع قواها. قامت المعارضة السرية في الداخل بالحكم على الخالق في الخلق وانتهت إلى الغلو، وقامت المعارضة العلنية في الداخل بالحكم على الخلق في الخالق وانتهت إلى التقصير. الأولى حلولية الصفات، والثانية مشبهة الأفعال. الأولى تشبه الخالق بالخلق، والثانية تشبه الخلق بالخالق.
41
وترد بعض الحركات الإصلاحية الحديثة الاعتبار لهذا المسار الطبيعي من الوحدة إلى التعدد، باعتبار أنه من صنع العقل والتفسير والتأويل لفهم النص وتعقيل العقيدة؛ فانفصام الوحدة وتحولها إلى فرق وشعب ليس ظاهرة سلبية تدل على عصيان، بل هي بداية الفكرة ونشأة الحضارة.
Shafi da ba'a sani ba