Daga Adabin Wasan Kwaikwayo na Yamma
من أدب التمثيل الغربي
Nau'ikan
ونحن إذا رفع الستار عن الفصل الأول في غرفة من غرف الاستقبال في هذا القصر، نرى صاحبه الشاب أرنولد معنيا بشيء من الترتيب والتنظيم، ينقل الأشياء من مكان إلى مكان، ويدق الجرس، فإذا دخل عليه الخادم لفته إلى أنه يكره هذا الاضطراب ويريد أن يوضع كل شيء في موضعه، ونبهه إلى أنه يحرص أشد الحرص على ثلاثة أشياء: النظافة، والدقة، وحسن الأدب. وهذه الأشياء الثلاثة تتكرر على لسان هذا الشاب في غير موضع من القصة، فهو حريص عليها أشد الحرص، مشغوف بها أشد الشغف، لا يرى اضطرابا إلا أصلحه، ولا يسمع لفظا نابيا إلا أنكره، ولا يسمع حديثا إلا اجتهد في أن يرده إلى ما ينبغي له من الدقة والبعد كل البعد عن الغموض والإبهام.
وهو يكرر ذلك في قوله وعمله حتى يصبح تكراره إياه مضحكا حقا، كأنه لازمة من اللوازم أو مظهر من مظاهر الاضطراب العقلي اليسير. وهو يكلف الخادم أن يدعو سيدته إليزبث، وهو لا ينتظر أن يدعوها الخادم، بل هو يدعوها بنفسه، يدعوها من مكانه، ويدعوها من النافذة. يسأل عنها من يمر به، ويسأل عنها من يدخل عليه. هو شديد الحاجة إليها، متعجل لقاءها، كأن لديه أمرا ذا بال، يريد أن يلقيه إليها. وها هي هذه قد أقبلت، فلا يكاد يراها حتى يلقي إليها النبأ الخطير، وهو أن أباه قد أقبل من باريس وانتهى إلى بيته الصغير غير بعيد من القصر، وأعلن أنه سيتناول عندهما طعام الغداء. ويقع هذا النبأ من إليزبث موقعا منكرا، فتعلن ضيقها به في لفظ منكر مبتذل، ولكنها لا تكاد تنطق بهذا اللفظ حتى يشمئز أرنولد ويعلن سخطه العنيف، فهو يحب كما قدمنا ثلاثة أشياء: الدقة، والنظافة، وحسن الأدب. وهذا اللفظ الذي جرى به لسان امرأته لا يلائم حسن الأدب، وهو قد نسي النبأ الذي يزعجه، ويزعج امرأته، ودخل في خصومة طارئة مع إليزبث فيما يجب من تخير الألفاظ التي تجري بها ألسنة المترفين المثقفين. ولكن شابا يقبل، وهو من ضيوف القصر، جميل وسيم تظهر عليه نضرة الشباب، ونشاطه، ومرحه، فلا يكاد يدخل حتى يشترك في الحديث. وهذه فتاة أخرى من ضيوف القصر، تشترك معهم جميعا في الحديث، وهو حديث خطير حقا، فمقدم اللورد الشيخ من باريس فجأة قد صادف شيئا لم يكن ينبغي أن يصادفه؛ ذلك أن أم أرنولد كانت قد فارقت زوجها منذ ثلاثين عاما، وتركت له ابنهما الصبي ولما يتجاوز خمسة أعوام، وقد كانت هذه المرأة فاتنة رائعة الجمال، فتنت صديقا لزوجها، وزميلا له في البرلمان، هو اللورد برتوز؛ فاختطفها - إن صح هذا التعبير - ذات مساء، ومضى بها إلى إيطاليا، وأقام معها في مدينة فلورنسا ثلاثين عاما. ثم هما يعودان الآن إلى لندرة، وتعرف إليزبث مكانهما في فندق ريتز، وهي مشوقة إلى أن تعرف أم زوجها، مشوقة إلى ذلك لأسباب مختلفة نفهمها أثناء هذا الفصل. فهي قد فقدت أمها طفلة، وهي قوية الشعور، حادة الحس، متعلقة بالخيال، متأثرة بهذه المثل العليا في الحب. وهي شديدة الميل إلى أن ترى هذه المرأة التي ضحت بزوجيتها وأمومتها ومنزلتها الاجتماعية في سبيل الحب، وهي بعد هذا كله ليست سعيدة ولا ناعمة البال في حياتها الزوجية. هي على هذا النحو الذي أصوره لك وزوجها صاحب جد، يحب الدقة والنظام وحسن الأدب، ويعمل في السياسة لا يريح ولا يستريح، لا يفرغ لنفسه، ولا يفرغ لامرأته أيضا. وإذن فلم تكد إليزبث تعلم بمقدم الشيخين العاشقين إلى لندرة حتى ألحت على زوجها في أن يلقى أمه ويتعرف إليها، ويستأنف الصلات معها، ويدعوها إلى أن تزور القصر مع خليلها فتقضي فيه أياما. وواضح جدا أن أرنولد قد أبى على زوجه وألح في الإباء، فهو لا يعرف أمه إلا باسمها وبما تركت في نفسه من ألم ممض، وبهذه الذكريات التي لا يستطيع أن ينساها؛ ذكريات الفضيحة التي اضطرت أباه إلى أن يطلب الطلاق، وإلى أن يستقيل من البرلمان، وإلى أن يتجنب الحياة العامة، والتي تحدث الناس بها، ولجوا فيها، ووضع الشعب فيها الأغاني، وتغنى بها الأطفال في الشوارع، وتحدث بها أترابه، حين كان يطلب العلم في أكسفورد. ولكن المرأة إذا أرادت شيئا لم تنثن حتى تبلغ ما تريد، وقد ظفرت إليزبث من زوجها بما أحبت، فزينت له أنها أمه وأن السن قد تقدمت بها، وأن من الإثم والعقوق أن تعود إلى بلادها بعد ثلاثين عاما، فتعيش فيها عيشة الغريب. وقد تمت دعوة الشيخين العاشقين، وقبلا هذه الدعوة، وسيبلغان القصر بعد حين. وكان أرنولد يقدر أن أباه سيقيم في باريس أسبوعا، فإذا عاد إلى القصر أو إلى هذا البيت الصغير الذي يقيم فيه غير بعيد عن القصر كانت الزيارة قد انتهت، وكان العاشقان قد عادا إلى فندقهما في لندرة.
ولكن الشيخ أقبل فجأة من باريس، ولم يكد يستقر في بيته الصغير حتى تحدث إلى ابنه في التليفون ينبئه بمقدمه ويدعو نفسه إلى الغداء على مائدته.
وهو إذن سيلقى مطلقته، وسيلقى صديقه الخائن الذي أغوى امرأته واختطفها اختطافا. والزوجان حائران من غير شك، في هذه المصادفة المنكرة، وضيفاهما حائران أيضا، وإليزبث تهدئ زوجها وتعلن إليه أنها تحتمل وحدها تبعة هذا الشر، ولكن زوجها لا يفهم هذا الكلام المبهم الغامض، فهو يحب الدقة والنظام وحسن الأدب، وهو لا يرى أن احتمال امرأته للتبعة وحدها يغير من الواقع شيئا. والواقع أن ثلاثة من الناس سيلتقون بعد حين ولم يكن ينبغي أن يلتقوا. على أن حوار الزوجين لا يطول؛ فهذا أبوهما الشيخ قد أقبل وهو يحييهما من النافذة في رشاقة ودعابة، ثم يدور حتى يأتي الحجرة من بابها. وهم يتلقونه متكلفين للرضى، فإذا أعاد عليهم أنه سيشاركهم في الغداء ظهر على بعض الوجوه طول والتواء، ثم يتفرق القوم جميعا ولا يبقى أمامنا إلا الشيخ وإليزبث.
ونحن نسمع إليزبث تداعب الشيخ وتتلطف له، وهو يتوقع أنها ستنبئه بخبر سيئ. وهي في حقيقة الأمر تريد أن تنبئه بشيء، ولكنها لن تفعل إلا إذا جلست على حجره مبالغة في التلطف والدعابة. فإذا تلقاها لطيفا بها مداعبا لها ألقت إليه النبأ، فلا يظهر سخطا عنيفا، ولكنه لا يخفي ضيقه بما سمع، على أنه قد فهم الآن لم طالت الوجوه والتوت منذ حين. ثم لا يلبث الشيخ أن يستأنف مرحه ودعابته، ويعلن إلى امرأة ابنه أنه سيعود إلى بيته الصغير، وسيتغدى فيه وهو سعيد بذلك لأنه سيشارك الخدم في طعامهم. وسيأكل إذن ما لم يكن ينتظر أن يأكل. وقد انصرف الشيخ وأقبل الشاب الضيف واسمه تدي ليتون، فلا يكاد يتحدث إلى إليزبث حتى نعرف أن بينهما حبا يريد أن يظهر. وهذا زوجها يعود ومعه الفتاة التي رأيناها منذ حين وهما ينبئان بمقدم الزائرين المنتظرين، وما هي إلا لحظات حتى تدخل الليدي كيتي وخليلها ميجي.
وصورة هذه المرأة طريفة حقا، وهي من أجمل الصور التي يعرضها الأدب التمثيلي؛ فهي قبل كل شيء مخيبة لأمل إليزبث، امرأة قصيرة بادنة لا تصور حبا ولا جمالا ولا فتونا، قد ظهرت عليها السن، ولكنها مع ذلك شديدة النشاط، شديدة التكلف للنشاط بنوع خاص، تتحدث في غير انقطاع وفي غير عناية بما تقول، ولا تقدير له، تثب من موضوع إلى موضوع في خفة، وسرعة، وعلى غير انتظار كأنها الطائر يثب من غصن إلى غصن أو من شجرة إلى شجرة، لولا أن هذه المرأة ليس فيها من جمال الطائر شيء. وهي لا تعرف ابنها، ولكنها مع ذلك تسرع على الضيف الشاب فتقبله معلنة أنه ابنها أرنولد، وأنه صورة لها مطابقة كل المطابقة، وأنها لو رأته في ألف رجل لعرفته. فإذا نبهت إلى مكان ابنها، لم يظهر عليها اضطراب، ولا اختلاط، وإنما اندفعت إليه فقبلته وأعلنت أنه صورة دقيقة لأبيه، وأنها لو رأته في ألف رجل لعرفته. وهي تتكلم في كل شيء، لا تكاد تلم بالحديث حتى تدعه إلى غيره؛ فهي تتحدث في الدين، وتتحدث في الصين، وتتحدث في المرضع التي كانت تسرق النبيذ، وتتحدث في التصوير، وتتحدث في الثياب، ثم ترى البيانو فتسرع إليه وتأخذ في العزف. وخليلها مناقض لها أشد المناقضة، لا يشبهها إلا في الشيخوخة. فهو قليل الكلام، لا يكاد يتكلم إلا زمجرة، وهو ساخط على إنجلترا لسوء الإقليم فيها، ولأن طرقها غير صالحة للسيارات. وهم في هذا الاختلاط المضحك البديع حقا، وإذا الأب الشيخ قد أقبل. ولم لا يفعل؟ لقد ذهب إلى بيته الصغير فرأى أن الخدم قد انصرفوا يتناولون غداءهم حيث يريدون بعد أن علموا أن سيدهم سيتغدى في القصر. فرأى الشيخ أنه مخير بين اثنين: إما أن يجوع، وإما أن يتغدى مع هذين الزائرين. وقد آثر الثانية وهو يرجو ألا يضيق به أهل القصر، وأهل القصر لا يضيقون به، ولكنهم يلقونه لقاء حسنا ولا سيما مطلقته، فهي سعيدة بلقائه، وهي تطلب إليه أن يقبلها، وهو لا يرى بذلك بأسا بشرط أن يأذن له صديقه القديم.
فإذا كان الفصل الثاني فقد مضى يومان على ما رأيت في الفصل الأول، ونحن في حجرة الاستقبال نفسها بعد الغداء ، وقد جلس القوم جميعا إلى مائدة اللعب بعضهم يلعب وبعضهم يتحدث. ونفهم أن أرنولد قد انصرف عنهم لبعض شأنه السياسي، فالمعركة الانتخابية قائمة والشاب يتهيأ لإلقاء خطبة سياسية إذا كان الغد، وهو يحب الدقة، والنظام، وحسن الأدب. وإذن فهو يتفق منذ الآن مع الذين سيقاطعونه إذا خطب من الغد. يهيئ لهم موضع المقاطعة من خطبته، ويهيئ لهم الأسئلة التي يلقونها عليه، ويهيئ لنفسه الجواب على هذه الأسئلة. وعلى هذا النحو يتم الاجتماع السياسي دون أن يخالف ما ينبغي له من الدقة والنظام وحسن الأدب. والقوم في هذا الحديث، ولكن الشيخ العاشق يسخط ويعلن سخطه؛ لأنه لا يفهم كيف يكون الجمع بين اللعب وحديث السياسة. وقد انتقل الحديث من السياسة إلى هذا الضيف الشاب الذي يعمل في تونس، والقوم يتحدثون إليه عن تونس هذه، وهو يجيبهم، ولكن الشيخ العاشق يعود إلى إعلان سخطه لأنه لا يفهم كيف يكون الجمع بين اللعب والحديث عن تونس.
ثم يمضون في لعبهم وحديثهم واختلافهم في اللعب، وتلاحيهم فيما يصيبون وما يخطئون، حتى يضيق الشيخ العاشق بهم جميعا؛ فيكف عن اللعب ويتفرق القوم ولا يبقى منهم إلا العاشقان والزوج القديم. والعاشقان مختصمان اختصاما شديدا: فأما الشيخ فيلوم صاحبته؛ لأنها متكلفة ملحة في التكلف، ولأنها قد أفسدت عليه حياته وكلفته تضحيات ثقالا، ولولا حبها لأصبح الآن رئيسا للوزراء، فقد كان الناس يتوسمون فيه ذلك، وهي تنكر عليه هذا الغرور، وتزعم أنه لم يكن ينبئ بذكاء ولا استعداد لنباهة الشأن، وأن الناس لا يرقون إلى المناصب بذكائهم أو تفوقهم، وإنما يرقون بفضل نسائهم وما يمتزن به من لباقة ورشاقة وجمال. وقد كانت هي خليقة أن ترقى بزوجها إلى رياسة الوزارة، لولا هذا الحب الذي أفسد عليها كل شيء. ويرد عليها عاشقها ساخطا معنفا منكرا قيمة زوجها القديم؛ فهو لم يكن يصلح للمناصب الكبرى، وإنما كان رجلا متواضعا، ولو أني بلغت رياسة الوزراء لعينته وزيرا في هولندا أو في البرازيل. ولا تكاد صاحبته تسمع هذا حتى يشتد سخطها، وتعلن أنها لا ترضى منصبا حقيرا كهذا المنصب في بلد صغير كهذا البلد، ولا يرضيها إلا أن يكون زوجها سفيرا في باريس.
وتشتد الخصومة بين العاشقين، على هذا النحو الظريف، حتى تنتهي إلى أقصاها، وإذا العاشقة الشيخة قد انصرفت مغضبة باكية، وتبعها عاشقها الشيخ كأنه يريد أن يترضاها. وبعد قليل نرى إليزبث قد أقبلت وأقبل معها ضيفها الشاب، وهما يتحدثان في حبهما وقد صرح بينهما كل شيء، وتم الاتفاق بينهما على أن يعيشا معا، وعلى أن تفارق المرأة زوجها وتذهب معه إلى تونس. وهي لا تريد أن تهرب، وإنما تريد أن تعلن أمرها إلى زوجها وتطلب إليه الطلاق.
وهذا الزوج قد أقبل بعد حين، فلم يجد في الغرفة أحدا، ولكنه لا يكاد يستقر حتى تأتي أمه فيكون بينهما حديث ظريف حقا، لا يمس شيئا، ولكنه يمس كل شيء. ثم تخلو إليزبث إلى زوجها أرنولد، فتنبئه بأمرها وتطلب إليه الطلاق. وهو ساخط ولكن في دقة، ونظام، وحسن أدب غالبا. على أنه يخرج عن طوره آخر الأمر، فيأبى الطلاق، ويدعو إليه ضيفه الشاب فيطرده من القصر طردا لا حظ له من الدقة والنظام وحسن الأدب.
Shafi da ba'a sani ba